- الاثنين مايو 23, 2011 9:59 pm
#36201
أ.د.عبدالرزاق بن سليمان بن أحمد ابوداود
كلية الاداب والعلوم الانسانية - جامعة الملك عبدالعزيز
مستخلص
إن إلقاء نظرة فاحصة متأنية على الخريطة السياسية المعاصرة للعالم، ومقارنتها بمثيلتها بعد إنتهاء الحرب الكونية الأخيرة مباشرة، ثم مقارنتها مرة أخرى بخريطة العالم بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي في عام 1991م، سوف تظهر تفاوتاً وتبايناً كبيراً بين هذه الخرائط، كصور تعكس الواقع السياسي في العالم، وتبين التغييرات التي أصابته خلال الخمسين عاماً الماضية.ويمكن تلمس هذه التغييرات من خلال ظهور دول جديدة مستقلة، وإختفاء دول أخرى، وتغير مسميات مناطق ووحدات سياسية، وتفتتت دول، وإنضمام غيرها إلى كيانات سياسية أوسع، وتغير حدود ومساحات كيانات سياسية أخرى، وحصول عشرات الدول والشعوب على إستقلالها، وظهور العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والمتخصصة. ولم تأت هذه التغيرات من فراغ، وإنما كانت نتيجة لتطورات وأحداث وتفاعلات متباينة، وظروف متداخلة ومتفاعلة. ويمكن أن نرصد أهم التطورات والأسباب التي أدت إلى هذه التغييرات الواسعة في خريطة العالم السياسية على النحو التالي:
1- إنتهاء الحرب الكونية الثانية عام 1945م بهزيمة دول المحور وإنتصار الحلفاء، وظهور القوتين الأعظم، ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي السابق.
2- تبلور عملية الإستقطاب الدولي.
3- التقدم الهائل في مختلف العلوم والصناعات والتقانة.
4- ظهور الحركات الوطنية والقومية في مناطق لم تكن موجودة بها في السابق.
5- تعدد العقائد السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
6- إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق.
7- فشل الشيوعية كنظام سياسي وإجتماعي وإقتصادي.
8- إنتهاء الحرب الباردة لمصلحة العالم الغربي.
9 -إنهيار حلف وارسو العسكري.
10- وحدة شطري ألمانيا.
11 تفكك يوغسلافيا السابقة.
12- تقسيم تشيكوسلوفاكيا الى دولتين.
13- انضمام معظم دول شرق اوروبا الى حلف الاطلسي والاتحاد الاوروبي.
عملت هذه العوامل مجتمعة أحياناً، ومتفرقة أحياناً أخرى، ولا تزال تعمل مع غيرها من العوامل والمتغيرات، على تغير خريطة العالم السياسية. وأدى إنتهاء الحرب الكونية الثانية إلى إختفاء بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان كدول عظمى وقوية، وظهور كل من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي كقوتين عظميين. وكان لظهور هاتين القوتين دور كبير وفعال في إنهاء معظم مناطق النفوذ الإستعماري السابقة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، نتيجة لضعف بريطانيا وفرنسا، بسبب خسائرهما في الحرب العالمية، وهزيمة كل من اليابان وألمانيا وإيطاليا، وتدهور أحوال بلجيكا والبرتغال وإسبانيا كقوى استعمارية.
11- قيام كل من الإتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية بما سمي بعمليات ملء الفراغ السياسي والعسكري، الذي أحدثته الإنسحابات الإستعمارية في المناطق المشار إليها، وهو بالضبط ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي، وفقدان روسيا لمناطق نفوذها السابقة، وعدم قدرتها على ملء الفراغ الذي تركه غياب الاتحاد السوفيت.وأدى ظهور العملاقين النوويين العالميين، الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي، إلى ظهور ما سمي بعملية الإستقطاب الدولي أو الثنائي. ويتجسد هذا المفهوم في سعي كل من الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي إلى إستقطاب أكبر عدد ممكن من الدول الأخرى إلى صفيهما. أي أن كل منهما كان يسعى إلى تكوين كتلة أو كتل من الدول التي تسير في فلكه، وتساند وتعاضد سياساته، بصرف النظر عن دعوات أو إدعاءات التعايش السلمي والتعاون الإيجابي، وغيرها من الشعارات التي ظهرت بين إنتهاء الحرب الكونية الثانية وإنهيار الإتحاد السوفيتي، فقد نجمت معظم هذه الدعوات عن حالة توازن الرعب الذي كان سائداً بين الشرق أو الغرب. وأدت هذه الإستقطابات إلى ظهور أحلاف عسكرية كحلف الناتو، وحلف وارسو، وحلف بغداد، وحلف جنوب شرق آسيا وغيرها من التكتلات. ونتيجة لهذه السياسات الإستقطابية ظهرت تكتلات دولية وإقليمية متعددة. وظهرت كتلة دولية ثالثة بإسم دول عدم الإنحياز ، وبالرغم من ضخامة عدد أعضائها (77 عضوا)، إلا أن تأثيرها الفعلي على مجريات الأحداث العالمية كان محدوداً جداً، وتكاد نشاطات هذه الكتلة أن تختفي مع مطلع الألفية الثالثة. ومعظم أعضاء مجموعة دول عدم الإنحياز دول من أفريقيا وآسيا، ويرتبط معظمها بعلاقة قوية أما مع مجموعة الكتلة الشرقية في السابق، أو المجموعة الغربية بقيادة الولايات المتحدة. وإنحصر نفوذ مجموعة دول عدم الإنحياز في الوقت الحاضر في عمليات التصويت في المنظمات المتخصصة للأمم المتحدة .كذلك شهدت الخريطة السياسية العالمية ظهور تكتلات إقليمية عديدة، كالسوق الأوروبية التي أصبحت تعرف حالياً بإسم الإتحاد الأوروبي، ومنظمة الوحدة الأفريقية، وجامعة الدول العربية، ورابطة جنوب شرق آسيا، ومنظمة الدول الأمريكية، ومجموعة الكوميكون الإقتصادية (الشيوعية) سابقاً، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنظمة التجارة الدولية، و تكتل آسيان، وإتحاد المغرب العربي، وغيرها من التكتلات الدولية التي انفرط عقد بعضها، وتطور البعض الآخر، وظل بعضها يراوح مكانه. وتنشأ معظم هذه المنظمات في الأساس لخدمة أهداف محددة، تنحصر في حماية وتطوير مصالح الدول المشاركة بها، سواء في المجالات الإقتصادية أو السياسية أو الإجتماعية وغيرها، عن طريق رسم وتنفيذ سياسات مشتركة. وتتكون مثل هذه المنظمات والتكتلات في أغلب الأحيان من مجموعات من الدول التي تربط بينها عوامل جغرافية بدرجة أساسية، ومن أهمها التواصل الجغرافي، إضافة إلى عوامل سياسية وإقتصادية واجتماعية وتاريخية تقود إلى التعاون الذي يفضي إلى منافع متبادلة لهذه الدول.وشهد العالم ظهور عدد كبير من الحركات الوطنية والقومية المتباينة الأهداف والمشارب والأهواء. وكان لهذه الحركة دور فعال وكبير جداً في تغير أشكال، وأنماط، وحدود، ومسميات، وتوجهات كثير من الوحدات السياسية في العالم. وتوجد أمثلة عديدة تبين مقدار مساهمة هذه الحركات السياسية في تغير الصورة السياسية العالمية. وكانت حركات الإستقلال الوطني في أفريقيا وآسيا، كحركة التحرير الوطني الجزائري، وحركة تحرير جنوب أفريقيا وحركة تحرير الهند وإندونيسيا على سبيل المثال، عاملاً حاسماً في إعادة رسم الخريطة السياسية المعاصرة في كلا القارتين. وظهرت كثير من الدول الجديدة المستقلة، التي تحمل أسماء، وتملك حدوداً مختلفة، وتطلعات جديدة، بحيث تغير المشهد السياسي تماماً في هذه المناطق عما كانت عليه إبان عهود الإستعمار الأوروبي. وأدى تعدد الإتجاهات والأفكار والعقائد السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية، من رأسمالية وشيوعية وإشتراكية وإسلامية،وخليط من هذا وذاك، إلى تنافر وتباين واضح في شكل وتوزيع الخريطة السياسية العالمية. فقد سيطرت الرأسمالية على مناطق الغرب عموماً، والشيوعية على مناطق شرق أوروبا والإتحاد السوفيتي وبعض من شرق آسيا، وحول كلا الإتجاهين نشر تأثيرهما وفكرهما في مناطق العالم الأخرى بطرق شتى. وبالرغم من الحملات الشرسة التي تعرض لها العالم الإسلامي، ولازال، من كلا المعسكرين، فقد بقي الفكر الإسلامي، عموما، صامدا في معاقله الكبرى الممتدة من غرب أفريقيا إلى أدغال الفليبين ومن جنوب أفريقيا إلى كازاخستان والشيشان.وأدى التقدم العلمي الهائل في العلوم المختلفة ووسائل التكنولوجيا المتقدمة، خصوصاً في السنوات العشر الماضية، و تطوير الطاقة والأسلحة الذرية والنووية، والصواريخ العابرة للقارات و وسائل الحرب الفضائية، والأسلحة الكيمائية والبيولوجية، وغزو الفضاء، وتطور وسائل إلى الإتصال والمواصلات والنقل، آلي تطورات سياسية عديدة. وأصبحت شبكة الإنترنت تربط العالم ببعضه، و تحولت الكرة الأرضية إلى قرية كونية إعلامية - معلوماتية واحدة، يستطيع فيها الإنسان الوصول إلى الأخبار والمعلومات فبي التو واللحظة بالصوت والصورة، مما جعل تأثيرات الأحداث والقرارات التي تتخذ في أي مكان في العالم ذات رد فعل قوى ومباشر وفوري في مناطق أخرى بعيدة جغرافياً.وأدت هذه التطورات البعيدة المدى دوراً مؤثراً وكبيراً في تحديد مسار كثير من الأفكار والإتجاهات والسياسات الدولية، وكشف كثير من وقائع العنف الذي تمارسه بعض الدول ضد شعوبها، مما ساهم في تغير الصورة السياسية العالمية، وأصبحت وسائل الإعلام أكثر خطراً على بعض الأنظمة من الحروب ذاتها. فقد أسهمت هذه الوسائل في نقل وبث الأفكار الإجتماعية والسياسية والثقافية، وما يصاحبها من تأثيرات،التي أخذت طريقها إلى الساحة، وأدت إلى إنهيار كثير من الأنظمة، أو تغيير سياساتها. والأمثلة على ذلك موجودة في فلسطين وأفريقيا والبلقان ووسط وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينيةوجاء إنهيار الشيوعية، وفشل منهاجها السياسي والإقتصادي مدواً وحاسماً. وأدى هذا الإنهيار إلى تحرر دول أوروبا الشرقية، وكشف الأحوال الإقتصادية والإجتماعية والسياسية المأساوية التي كانت تعيشها تحت الشيوعية. وساهم إنهيار الإتحاد السوفيتي، كقوة عظمى، في أحداث خلل كبير في النظام السياسي العالمي. وإنفردت الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة العالم، وأصبح العالم شبه مرغم على الدوران حول القطب الأوحد، الذي ما برح يفرض شروطه ومطالبه على الدول والأمم الأخرى. وكان لوحدة ألمانيا أثر كبير على تغيير خريطة العالم السياسية، بعد 45 عاماً تقريباً من التجزئة القسرية، نتيجة لممارسات ألمانيا النازية، وأدت هذه الوحدة إلى تغيير كبير في خريطة أوروبا، وكان من نتائجها المباشرة عودة ألمانيا إلى الساحة الأوروبية والدولية أكثر قوة وتأثيراً، وإنهيار الإتحاد اليوغسلافي، ونشوب حروب البلقان، وتفكك تشيكوسلوفاكيا، وإنقسامها إلى دولتي تشيكيا وسلوفاكيا، وتخلي بعض الدول عن حيادها السابق وإنضمامها إلى الإتحاد الأوروبي، وحلف وارسو كالنمسا والسويد وبعض من دول أوروبا الشرقية الشيوعية السابقة. وأدى إنهيار الإتحاد السوفيتي إلى تزعم الولايات المتحدة الأمريكية للعالم، وسيطرتها على معظم مقدراته، في ظل عدم وجود منافس رئيس يملك نفس القدرات و الإمكانات، وإندلاع التنافس على وسط آسيا بين كل من روسيا والصين وتركيا وإيران وبعض الدول الغربية. وإنفجرت الصراعات العرقية والقومية والفكرية في مناطق كثيرة، مثل الشيشان، وإندونيسيا، والعراق، والجزائر، وفلسطين، وكوسوفا، والبوسنة والهرسك، وغيرها من دول العالم، وإنهار نظام الدولة كلياً أو جزئياً في كل من الصومال، وليبيريا، والجابون، وأفغانستان، ورواندا، والكنغو الديمقراطية. منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، و انتهاء الحرب الباردة ، وانهيار معظم الأنظمة الشيوعية ، شهدت الخريطة السياسية للعالم تغيرات عميقة . فتبدل كثير من أسماء الكيانات السياسية، وحدودها ، بل وحتى عواصمها ، بوسائل متعددة . بالإضافة إلى ظهور عدد كبير من الدول المستقلة ، و زوال الإمبراطوريات الاستعمارية التقليدية. إن إلقاء نظرة فاحصة على الخريطة السياسية العالمية المعاصرة ، ومثيلتها قبل حوالي خمسين عاماً ، أو حتى تلك التي كانت تصوّر العالم السياسي في عام 1991م ، يعكس بوضوح مقدار التفاوت الشاسع بينها ، فقد ظهرت دول جديدة ، وانفصلت مجموعة أخرى، وتفتتت مجموعة ثالثة أو زالت . ولم يكن مقدراً لهذه التحولات السياسية أن تأخذ مجراها ، إلا بتوفر الأسس والعوامل الموضوعية لذلك . فتسببت بتفاعلاتها ، وحركتها التغييرية المندفعة ، في ولادة واقع سياسي جديد في العالم ، وتنحصر أهم هذه العوامل في :
(1) نهاية الحرب العالمية الثانية وظهور ( القوتين العظميين) الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي سابقا ، ونتاج هذا العامل هو اختفاء ، أو تحجيم نفوذ القوى الاستعمارية السابقة ، كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا ، وبالتالي استقلال المناطق المستعمرة في أفريقيا واسيا بصفة خاصة .
(2) انتهاء الشيوعية ، وانهيار الاتحاد السوفيتي وتحرر أوروبا الشرقية ودول وسط آسيا .
(3) ظهور الاستقطاب الدولي ، وهو مفهوم يدل على الاتجاه نحو تأسيس التكتلات العسكرية ، والسياسية والاقتصادية .
(4) انتشار الحركات القومية والوطنية في مناطق لم تكن موجودة بها في السابق ، وهو الأمر الذي ساهم بدوره في دفع كثير من الحركات السياسية للحصول على استقلال بلدانها.
(5) التقدم الهائل في العلوم والتكنولوجيا ، وغزو الفضاء ، فالتطورات العظيمة في هذه المجالات ، ساعدت على انتشار العوامل الأخرى ، خصوصاً فيما يتعلق بعنصري الاتصال والانتقال ، والسرعة الهائلة التي تتميز بها الوسائل الإعلامية المعاصرة .
(6) تعدد وتشعب الأفكار والاتجاهات السياسية والاقتصادية ، وهي عناصر ساهمت في إعادة تشكيل الخريطة السياسية للعالم المعاصر (عبد الله ، 1977م 90- 189: ).
ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية ، والاتحاد السوفيتي سابقا ، كانا يعتبران أقوى دولتين في العالم ، من وجهة نظر معظم المعايير المادية، ويأتي بعدهما مجموعة الدول الأخرى التي توصف عادة بالقوى الرئيسة في العالم ، ويندرج ضمن هذه المجموعة كل من بريطانيا وفرنسا والصين الشعبية واليابان وألمانيا .وقد أدت النهاية الرسمية أو الرمزية للاستعمار الأوروبي التقليدي، واتساع كل من النفوذ ين الأمريكي والسوفيتي في معظم الدول النامية خلال العقود الماضية، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي، أدت إلى تشكيل فراغ سياسي في مناطق مختلفة من العالم . وفي إطار هذا الفراغ السياسي تحركت مجموعة من الدول القوية نسبياً ، والغنية بمواردها الطبيعية ، والتي عادة ما تصنف ضمن دول العالم الثالث ، تحركت لتمارس نفوذاً قوياً في توجيه اقتصاديات وسياسات أقاليمها المجاورة (Brunn , 1981) .وكما أسهمت العوامل التي أشير إليها في البداية في تغيير خريطة العالم السياسية ، وظهور سياسة جديدة ، فمن خلال هذه الأنماط الجديدة برزت دول لها أهميتها الإقليمية في كل من أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية .ويلاحظ أن هذه الدول تتوزع في مناطق مختلفة من القارات الثلاث ، فهناك البرازيل في أمريكا الجنوبية ، والمكسيك في أمريكا الوسطى ، وفنزويلا في منطقة البحر الكاريبي ، ونيجريا في غرب أفريقيا ، وجمهورية جنوب أفريقيا في جنوب أفريقيا ، ومصر في شمال أفريقيا ، والمملكة العربية السعودية وإيران وتركيا في منطقة الشرق الأوسط والهند في جنوب آسيا وإندونيسيا في منطقة جنوب شرق آسيا . وقد مارست هذه المجموعة من الدول ، ولا زالت ، نفوذاً نسبياً وتأثيراً متنامياً على أقاليمها المجاورة ، كبديل لسيطرة القوى الأجنبية التقليدية السابقة . وتجدر الإشارة هنا إلى اختلاف درجة هذا التأثير وأنماطه وأهدافه بين القوى الإقليمية الجديدة كالمملكة العربية السعودية أو مصر مثلاً .وتتميز هذه المجموعة من القوى الإقليمية الناهضة ببعض الصفات المشتركة ، ولعل أهم هذه الصفات هو امتلاكها لمساحات كبيرة من الأرض نسبياً ، وارتفاع أعداد سكانها ، وازدياد معدلات الناتج الوطني الكلي بها ، إضافة لتمتعها باقتصاديات متنوعة ومزدهرة نسبياً ، والتسارع المستمر في تطور المستويات التعليمية بين سكانها مقارنة مع جيرانها ، وأخيراً امتلاك هذه الدول لجيوش قوية نسبياً ، مجهزة بصورة أفضل من جيرانها في أغلب الأحوال(Brunn,1981:138).إن امتلاك القوى الإقليمية الناهضة لميزات وصفات افضل من جيرانها ، جعل منها قوى إقليمية غير منازعة محلياً ، وبالتالي مكنها من أن تصبح صاحبة الصوت المؤثر والقوى ،في الشئون السياسية والاقتصادية لأقاليمها المباشرة . وتحتل هذه القوى الإقليمية الناهضة مناطق استراتيجية من الجهتين العسكرية والاقتصادية . وهي مناطق حيوية بالنسبة للقوى العظمى ، كما أن هذه القوى الإقليمية يمكن أن تتبوأ أهمية كبرى في العلاقات والصراعات الدولية في الشئون العسكرية والسياسية والاقتصادية الداخلية للدول الأخرى المجاورة لها في القارات الثلاث . فهذه القوى تملك مصادر الثروة الطبيعية والتكنولوجيا والدبلوماسية للتأثير في اقتصاديات وسياسات أقاليمها لمصلحتها الذاتية . وقد يتحقق هذا إلى حد ما في تلك المناطق التي توجد بها مثل هذه القوى في إطار من التعدد العرقي والديني والتاريخي ، وهو أمر لا يتوفر بشكل متكامل في المناطق التي توجد بها قوى أخرى كالمملكة العربية السعودية أو مصر . وبالتالي فان دولة كالمملكة العربية السعودية عملت وتعمل لمصلحة إقليمها المباشر ، لوجود عوامل منطقية وأساسية تحتم ذلك ، وفي مقدمة ذلك الروابط الدينية والعرقية والتاريخية والجغرافية .وقد تنبأ (Brunn) للقوى الإقليمية الناهضة بمستقبل كبير ، بحيث تساهم في سياسات العالم في القرن القادم ، مثلها في ذلك مثل القوى الأخرى ، كالولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا واليابان والصين . على أن مثل هذا التوقع يحمل قدراً من المبالغة الظاهرة ، وان كانت المملكة وغيرها من الدول الناهضة يتوقع لها مكانة جيدة في عالم القرن الواحد والعشرين.
كلية الاداب والعلوم الانسانية - جامعة الملك عبدالعزيز
مستخلص
إن إلقاء نظرة فاحصة متأنية على الخريطة السياسية المعاصرة للعالم، ومقارنتها بمثيلتها بعد إنتهاء الحرب الكونية الأخيرة مباشرة، ثم مقارنتها مرة أخرى بخريطة العالم بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي في عام 1991م، سوف تظهر تفاوتاً وتبايناً كبيراً بين هذه الخرائط، كصور تعكس الواقع السياسي في العالم، وتبين التغييرات التي أصابته خلال الخمسين عاماً الماضية.ويمكن تلمس هذه التغييرات من خلال ظهور دول جديدة مستقلة، وإختفاء دول أخرى، وتغير مسميات مناطق ووحدات سياسية، وتفتتت دول، وإنضمام غيرها إلى كيانات سياسية أوسع، وتغير حدود ومساحات كيانات سياسية أخرى، وحصول عشرات الدول والشعوب على إستقلالها، وظهور العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والمتخصصة. ولم تأت هذه التغيرات من فراغ، وإنما كانت نتيجة لتطورات وأحداث وتفاعلات متباينة، وظروف متداخلة ومتفاعلة. ويمكن أن نرصد أهم التطورات والأسباب التي أدت إلى هذه التغييرات الواسعة في خريطة العالم السياسية على النحو التالي:
1- إنتهاء الحرب الكونية الثانية عام 1945م بهزيمة دول المحور وإنتصار الحلفاء، وظهور القوتين الأعظم، ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي السابق.
2- تبلور عملية الإستقطاب الدولي.
3- التقدم الهائل في مختلف العلوم والصناعات والتقانة.
4- ظهور الحركات الوطنية والقومية في مناطق لم تكن موجودة بها في السابق.
5- تعدد العقائد السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
6- إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق.
7- فشل الشيوعية كنظام سياسي وإجتماعي وإقتصادي.
8- إنتهاء الحرب الباردة لمصلحة العالم الغربي.
9 -إنهيار حلف وارسو العسكري.
10- وحدة شطري ألمانيا.
11 تفكك يوغسلافيا السابقة.
12- تقسيم تشيكوسلوفاكيا الى دولتين.
13- انضمام معظم دول شرق اوروبا الى حلف الاطلسي والاتحاد الاوروبي.
عملت هذه العوامل مجتمعة أحياناً، ومتفرقة أحياناً أخرى، ولا تزال تعمل مع غيرها من العوامل والمتغيرات، على تغير خريطة العالم السياسية. وأدى إنتهاء الحرب الكونية الثانية إلى إختفاء بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان كدول عظمى وقوية، وظهور كل من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي كقوتين عظميين. وكان لظهور هاتين القوتين دور كبير وفعال في إنهاء معظم مناطق النفوذ الإستعماري السابقة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، نتيجة لضعف بريطانيا وفرنسا، بسبب خسائرهما في الحرب العالمية، وهزيمة كل من اليابان وألمانيا وإيطاليا، وتدهور أحوال بلجيكا والبرتغال وإسبانيا كقوى استعمارية.
11- قيام كل من الإتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية بما سمي بعمليات ملء الفراغ السياسي والعسكري، الذي أحدثته الإنسحابات الإستعمارية في المناطق المشار إليها، وهو بالضبط ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي، وفقدان روسيا لمناطق نفوذها السابقة، وعدم قدرتها على ملء الفراغ الذي تركه غياب الاتحاد السوفيت.وأدى ظهور العملاقين النوويين العالميين، الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي، إلى ظهور ما سمي بعملية الإستقطاب الدولي أو الثنائي. ويتجسد هذا المفهوم في سعي كل من الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي إلى إستقطاب أكبر عدد ممكن من الدول الأخرى إلى صفيهما. أي أن كل منهما كان يسعى إلى تكوين كتلة أو كتل من الدول التي تسير في فلكه، وتساند وتعاضد سياساته، بصرف النظر عن دعوات أو إدعاءات التعايش السلمي والتعاون الإيجابي، وغيرها من الشعارات التي ظهرت بين إنتهاء الحرب الكونية الثانية وإنهيار الإتحاد السوفيتي، فقد نجمت معظم هذه الدعوات عن حالة توازن الرعب الذي كان سائداً بين الشرق أو الغرب. وأدت هذه الإستقطابات إلى ظهور أحلاف عسكرية كحلف الناتو، وحلف وارسو، وحلف بغداد، وحلف جنوب شرق آسيا وغيرها من التكتلات. ونتيجة لهذه السياسات الإستقطابية ظهرت تكتلات دولية وإقليمية متعددة. وظهرت كتلة دولية ثالثة بإسم دول عدم الإنحياز ، وبالرغم من ضخامة عدد أعضائها (77 عضوا)، إلا أن تأثيرها الفعلي على مجريات الأحداث العالمية كان محدوداً جداً، وتكاد نشاطات هذه الكتلة أن تختفي مع مطلع الألفية الثالثة. ومعظم أعضاء مجموعة دول عدم الإنحياز دول من أفريقيا وآسيا، ويرتبط معظمها بعلاقة قوية أما مع مجموعة الكتلة الشرقية في السابق، أو المجموعة الغربية بقيادة الولايات المتحدة. وإنحصر نفوذ مجموعة دول عدم الإنحياز في الوقت الحاضر في عمليات التصويت في المنظمات المتخصصة للأمم المتحدة .كذلك شهدت الخريطة السياسية العالمية ظهور تكتلات إقليمية عديدة، كالسوق الأوروبية التي أصبحت تعرف حالياً بإسم الإتحاد الأوروبي، ومنظمة الوحدة الأفريقية، وجامعة الدول العربية، ورابطة جنوب شرق آسيا، ومنظمة الدول الأمريكية، ومجموعة الكوميكون الإقتصادية (الشيوعية) سابقاً، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنظمة التجارة الدولية، و تكتل آسيان، وإتحاد المغرب العربي، وغيرها من التكتلات الدولية التي انفرط عقد بعضها، وتطور البعض الآخر، وظل بعضها يراوح مكانه. وتنشأ معظم هذه المنظمات في الأساس لخدمة أهداف محددة، تنحصر في حماية وتطوير مصالح الدول المشاركة بها، سواء في المجالات الإقتصادية أو السياسية أو الإجتماعية وغيرها، عن طريق رسم وتنفيذ سياسات مشتركة. وتتكون مثل هذه المنظمات والتكتلات في أغلب الأحيان من مجموعات من الدول التي تربط بينها عوامل جغرافية بدرجة أساسية، ومن أهمها التواصل الجغرافي، إضافة إلى عوامل سياسية وإقتصادية واجتماعية وتاريخية تقود إلى التعاون الذي يفضي إلى منافع متبادلة لهذه الدول.وشهد العالم ظهور عدد كبير من الحركات الوطنية والقومية المتباينة الأهداف والمشارب والأهواء. وكان لهذه الحركة دور فعال وكبير جداً في تغير أشكال، وأنماط، وحدود، ومسميات، وتوجهات كثير من الوحدات السياسية في العالم. وتوجد أمثلة عديدة تبين مقدار مساهمة هذه الحركات السياسية في تغير الصورة السياسية العالمية. وكانت حركات الإستقلال الوطني في أفريقيا وآسيا، كحركة التحرير الوطني الجزائري، وحركة تحرير جنوب أفريقيا وحركة تحرير الهند وإندونيسيا على سبيل المثال، عاملاً حاسماً في إعادة رسم الخريطة السياسية المعاصرة في كلا القارتين. وظهرت كثير من الدول الجديدة المستقلة، التي تحمل أسماء، وتملك حدوداً مختلفة، وتطلعات جديدة، بحيث تغير المشهد السياسي تماماً في هذه المناطق عما كانت عليه إبان عهود الإستعمار الأوروبي. وأدى تعدد الإتجاهات والأفكار والعقائد السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية، من رأسمالية وشيوعية وإشتراكية وإسلامية،وخليط من هذا وذاك، إلى تنافر وتباين واضح في شكل وتوزيع الخريطة السياسية العالمية. فقد سيطرت الرأسمالية على مناطق الغرب عموماً، والشيوعية على مناطق شرق أوروبا والإتحاد السوفيتي وبعض من شرق آسيا، وحول كلا الإتجاهين نشر تأثيرهما وفكرهما في مناطق العالم الأخرى بطرق شتى. وبالرغم من الحملات الشرسة التي تعرض لها العالم الإسلامي، ولازال، من كلا المعسكرين، فقد بقي الفكر الإسلامي، عموما، صامدا في معاقله الكبرى الممتدة من غرب أفريقيا إلى أدغال الفليبين ومن جنوب أفريقيا إلى كازاخستان والشيشان.وأدى التقدم العلمي الهائل في العلوم المختلفة ووسائل التكنولوجيا المتقدمة، خصوصاً في السنوات العشر الماضية، و تطوير الطاقة والأسلحة الذرية والنووية، والصواريخ العابرة للقارات و وسائل الحرب الفضائية، والأسلحة الكيمائية والبيولوجية، وغزو الفضاء، وتطور وسائل إلى الإتصال والمواصلات والنقل، آلي تطورات سياسية عديدة. وأصبحت شبكة الإنترنت تربط العالم ببعضه، و تحولت الكرة الأرضية إلى قرية كونية إعلامية - معلوماتية واحدة، يستطيع فيها الإنسان الوصول إلى الأخبار والمعلومات فبي التو واللحظة بالصوت والصورة، مما جعل تأثيرات الأحداث والقرارات التي تتخذ في أي مكان في العالم ذات رد فعل قوى ومباشر وفوري في مناطق أخرى بعيدة جغرافياً.وأدت هذه التطورات البعيدة المدى دوراً مؤثراً وكبيراً في تحديد مسار كثير من الأفكار والإتجاهات والسياسات الدولية، وكشف كثير من وقائع العنف الذي تمارسه بعض الدول ضد شعوبها، مما ساهم في تغير الصورة السياسية العالمية، وأصبحت وسائل الإعلام أكثر خطراً على بعض الأنظمة من الحروب ذاتها. فقد أسهمت هذه الوسائل في نقل وبث الأفكار الإجتماعية والسياسية والثقافية، وما يصاحبها من تأثيرات،التي أخذت طريقها إلى الساحة، وأدت إلى إنهيار كثير من الأنظمة، أو تغيير سياساتها. والأمثلة على ذلك موجودة في فلسطين وأفريقيا والبلقان ووسط وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينيةوجاء إنهيار الشيوعية، وفشل منهاجها السياسي والإقتصادي مدواً وحاسماً. وأدى هذا الإنهيار إلى تحرر دول أوروبا الشرقية، وكشف الأحوال الإقتصادية والإجتماعية والسياسية المأساوية التي كانت تعيشها تحت الشيوعية. وساهم إنهيار الإتحاد السوفيتي، كقوة عظمى، في أحداث خلل كبير في النظام السياسي العالمي. وإنفردت الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة العالم، وأصبح العالم شبه مرغم على الدوران حول القطب الأوحد، الذي ما برح يفرض شروطه ومطالبه على الدول والأمم الأخرى. وكان لوحدة ألمانيا أثر كبير على تغيير خريطة العالم السياسية، بعد 45 عاماً تقريباً من التجزئة القسرية، نتيجة لممارسات ألمانيا النازية، وأدت هذه الوحدة إلى تغيير كبير في خريطة أوروبا، وكان من نتائجها المباشرة عودة ألمانيا إلى الساحة الأوروبية والدولية أكثر قوة وتأثيراً، وإنهيار الإتحاد اليوغسلافي، ونشوب حروب البلقان، وتفكك تشيكوسلوفاكيا، وإنقسامها إلى دولتي تشيكيا وسلوفاكيا، وتخلي بعض الدول عن حيادها السابق وإنضمامها إلى الإتحاد الأوروبي، وحلف وارسو كالنمسا والسويد وبعض من دول أوروبا الشرقية الشيوعية السابقة. وأدى إنهيار الإتحاد السوفيتي إلى تزعم الولايات المتحدة الأمريكية للعالم، وسيطرتها على معظم مقدراته، في ظل عدم وجود منافس رئيس يملك نفس القدرات و الإمكانات، وإندلاع التنافس على وسط آسيا بين كل من روسيا والصين وتركيا وإيران وبعض الدول الغربية. وإنفجرت الصراعات العرقية والقومية والفكرية في مناطق كثيرة، مثل الشيشان، وإندونيسيا، والعراق، والجزائر، وفلسطين، وكوسوفا، والبوسنة والهرسك، وغيرها من دول العالم، وإنهار نظام الدولة كلياً أو جزئياً في كل من الصومال، وليبيريا، والجابون، وأفغانستان، ورواندا، والكنغو الديمقراطية. منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، و انتهاء الحرب الباردة ، وانهيار معظم الأنظمة الشيوعية ، شهدت الخريطة السياسية للعالم تغيرات عميقة . فتبدل كثير من أسماء الكيانات السياسية، وحدودها ، بل وحتى عواصمها ، بوسائل متعددة . بالإضافة إلى ظهور عدد كبير من الدول المستقلة ، و زوال الإمبراطوريات الاستعمارية التقليدية. إن إلقاء نظرة فاحصة على الخريطة السياسية العالمية المعاصرة ، ومثيلتها قبل حوالي خمسين عاماً ، أو حتى تلك التي كانت تصوّر العالم السياسي في عام 1991م ، يعكس بوضوح مقدار التفاوت الشاسع بينها ، فقد ظهرت دول جديدة ، وانفصلت مجموعة أخرى، وتفتتت مجموعة ثالثة أو زالت . ولم يكن مقدراً لهذه التحولات السياسية أن تأخذ مجراها ، إلا بتوفر الأسس والعوامل الموضوعية لذلك . فتسببت بتفاعلاتها ، وحركتها التغييرية المندفعة ، في ولادة واقع سياسي جديد في العالم ، وتنحصر أهم هذه العوامل في :
(1) نهاية الحرب العالمية الثانية وظهور ( القوتين العظميين) الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي سابقا ، ونتاج هذا العامل هو اختفاء ، أو تحجيم نفوذ القوى الاستعمارية السابقة ، كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا ، وبالتالي استقلال المناطق المستعمرة في أفريقيا واسيا بصفة خاصة .
(2) انتهاء الشيوعية ، وانهيار الاتحاد السوفيتي وتحرر أوروبا الشرقية ودول وسط آسيا .
(3) ظهور الاستقطاب الدولي ، وهو مفهوم يدل على الاتجاه نحو تأسيس التكتلات العسكرية ، والسياسية والاقتصادية .
(4) انتشار الحركات القومية والوطنية في مناطق لم تكن موجودة بها في السابق ، وهو الأمر الذي ساهم بدوره في دفع كثير من الحركات السياسية للحصول على استقلال بلدانها.
(5) التقدم الهائل في العلوم والتكنولوجيا ، وغزو الفضاء ، فالتطورات العظيمة في هذه المجالات ، ساعدت على انتشار العوامل الأخرى ، خصوصاً فيما يتعلق بعنصري الاتصال والانتقال ، والسرعة الهائلة التي تتميز بها الوسائل الإعلامية المعاصرة .
(6) تعدد وتشعب الأفكار والاتجاهات السياسية والاقتصادية ، وهي عناصر ساهمت في إعادة تشكيل الخريطة السياسية للعالم المعاصر (عبد الله ، 1977م 90- 189: ).
ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية ، والاتحاد السوفيتي سابقا ، كانا يعتبران أقوى دولتين في العالم ، من وجهة نظر معظم المعايير المادية، ويأتي بعدهما مجموعة الدول الأخرى التي توصف عادة بالقوى الرئيسة في العالم ، ويندرج ضمن هذه المجموعة كل من بريطانيا وفرنسا والصين الشعبية واليابان وألمانيا .وقد أدت النهاية الرسمية أو الرمزية للاستعمار الأوروبي التقليدي، واتساع كل من النفوذ ين الأمريكي والسوفيتي في معظم الدول النامية خلال العقود الماضية، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي، أدت إلى تشكيل فراغ سياسي في مناطق مختلفة من العالم . وفي إطار هذا الفراغ السياسي تحركت مجموعة من الدول القوية نسبياً ، والغنية بمواردها الطبيعية ، والتي عادة ما تصنف ضمن دول العالم الثالث ، تحركت لتمارس نفوذاً قوياً في توجيه اقتصاديات وسياسات أقاليمها المجاورة (Brunn , 1981) .وكما أسهمت العوامل التي أشير إليها في البداية في تغيير خريطة العالم السياسية ، وظهور سياسة جديدة ، فمن خلال هذه الأنماط الجديدة برزت دول لها أهميتها الإقليمية في كل من أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية .ويلاحظ أن هذه الدول تتوزع في مناطق مختلفة من القارات الثلاث ، فهناك البرازيل في أمريكا الجنوبية ، والمكسيك في أمريكا الوسطى ، وفنزويلا في منطقة البحر الكاريبي ، ونيجريا في غرب أفريقيا ، وجمهورية جنوب أفريقيا في جنوب أفريقيا ، ومصر في شمال أفريقيا ، والمملكة العربية السعودية وإيران وتركيا في منطقة الشرق الأوسط والهند في جنوب آسيا وإندونيسيا في منطقة جنوب شرق آسيا . وقد مارست هذه المجموعة من الدول ، ولا زالت ، نفوذاً نسبياً وتأثيراً متنامياً على أقاليمها المجاورة ، كبديل لسيطرة القوى الأجنبية التقليدية السابقة . وتجدر الإشارة هنا إلى اختلاف درجة هذا التأثير وأنماطه وأهدافه بين القوى الإقليمية الجديدة كالمملكة العربية السعودية أو مصر مثلاً .وتتميز هذه المجموعة من القوى الإقليمية الناهضة ببعض الصفات المشتركة ، ولعل أهم هذه الصفات هو امتلاكها لمساحات كبيرة من الأرض نسبياً ، وارتفاع أعداد سكانها ، وازدياد معدلات الناتج الوطني الكلي بها ، إضافة لتمتعها باقتصاديات متنوعة ومزدهرة نسبياً ، والتسارع المستمر في تطور المستويات التعليمية بين سكانها مقارنة مع جيرانها ، وأخيراً امتلاك هذه الدول لجيوش قوية نسبياً ، مجهزة بصورة أفضل من جيرانها في أغلب الأحوال(Brunn,1981:138).إن امتلاك القوى الإقليمية الناهضة لميزات وصفات افضل من جيرانها ، جعل منها قوى إقليمية غير منازعة محلياً ، وبالتالي مكنها من أن تصبح صاحبة الصوت المؤثر والقوى ،في الشئون السياسية والاقتصادية لأقاليمها المباشرة . وتحتل هذه القوى الإقليمية الناهضة مناطق استراتيجية من الجهتين العسكرية والاقتصادية . وهي مناطق حيوية بالنسبة للقوى العظمى ، كما أن هذه القوى الإقليمية يمكن أن تتبوأ أهمية كبرى في العلاقات والصراعات الدولية في الشئون العسكرية والسياسية والاقتصادية الداخلية للدول الأخرى المجاورة لها في القارات الثلاث . فهذه القوى تملك مصادر الثروة الطبيعية والتكنولوجيا والدبلوماسية للتأثير في اقتصاديات وسياسات أقاليمها لمصلحتها الذاتية . وقد يتحقق هذا إلى حد ما في تلك المناطق التي توجد بها مثل هذه القوى في إطار من التعدد العرقي والديني والتاريخي ، وهو أمر لا يتوفر بشكل متكامل في المناطق التي توجد بها قوى أخرى كالمملكة العربية السعودية أو مصر . وبالتالي فان دولة كالمملكة العربية السعودية عملت وتعمل لمصلحة إقليمها المباشر ، لوجود عوامل منطقية وأساسية تحتم ذلك ، وفي مقدمة ذلك الروابط الدينية والعرقية والتاريخية والجغرافية .وقد تنبأ (Brunn) للقوى الإقليمية الناهضة بمستقبل كبير ، بحيث تساهم في سياسات العالم في القرن القادم ، مثلها في ذلك مثل القوى الأخرى ، كالولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا واليابان والصين . على أن مثل هذا التوقع يحمل قدراً من المبالغة الظاهرة ، وان كانت المملكة وغيرها من الدول الناهضة يتوقع لها مكانة جيدة في عالم القرن الواحد والعشرين.