صفحة 1 من 1

المفكر الاسلامي الفرابي

مرسل: الاثنين مايو 23, 2011 10:10 pm
بواسطة صالح السلولي
[المفكر الاسلامي الفرابي:

هو محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ، أبو نصر الفارابي، ويعرف بالمعلم الثاني لدراسته كتب أرسطو (المعلم الأول) وشرحه لها. ويعرف الفارابي في اللاتينية باسم Alpharabius. ولد في مدينة "فاراب" في تركستان حيث كان والده تركياً من قواد الجيش. وفي سن متقدمة، غادر مسقط رأسه وذهب إلى العراق لمتابعة دراساته العليا، فدرس الفلسفة، والمنطق، والطب على يد الطبيب المسيحي يوحنا بن حيلان، كما درس العلوم اللسانية العربية والموسيقي. ومن العراق انتقل إلى مصر والشام، حيث التحق بقصر سيف الدولة في حلب واحتل مكانة بارزة بين العلماء، والأدباء، والفلاسفة.
وبعد حياة حافلة بالعطاء في شتى علوم المعرفة طوال ثمانين سنة، توفي الفارابي أعزب، بمدينة دمشق سنة 339هـ/950م.

إسهاماته العلمية:

يعدّ الفارابي أكبر فلاسفة المسلمين. وقد أطلق عليه معاصروه لقب "المعلم الثاني" لاهتمامه الكبير بمؤلفات أرسطو "المعلم الأول"، وتفسيرها، وإضافة الحواشي والتعليقات عليها. ومن خصائص فلسفة الفارابي أنه حاول التوفيق من جهة، بين فلسفة أرسطو وفلسفة أفلاطون، ومن جهة أخرى بين الدين والفلسفة. كما أنه أدخل مذهب الفيض في الفلسفة الإسلامية ووضع بدايات التصوف الفلسفي.
ورغم شهرة الفارابي في الفلسفة والمنطق، فقد كانت له إسهامات مهمة في علوم أخرى كالرياضيات والطب والفيزياء. فقد برهن في الفيزياء على وجود الفراغ. وتتجلى أهم إسهاماته العلمية في كتابه "إحصاء العلوم" الذي وضع فيه المبادئ الأساس للعلوم وتصنيفها ؛ حيث صنف العلوم إلى مجموعات وفروع، وبين مواضيع كل فرع وفوائده.
وبجانب إسهامات الفارابي في الفلسفة، فقد برز في الموسيقى. وكانت رسالته فيها النواة الأولى لفكرة اللوغارتم حسب ما جاء في كتاب "تراث الإسلام"، حيث يقول كارا دي فو Carra de Vaux : أما الفارابي الأستاذ الثاني بعد أر سطو وأحد أساطين الأفلاطونية الحديثة ذو العقلية التي وعت فلسفة الأقدمين، فقد كتب رسالة جليلة في الموسيقى وهو الفن الذي برز فيه، نجد فيها أول جرثومة لفكرة النسب (اللوغارتم)، ومنها نعرف علاقة الرياضيات بالموسيقى. وتؤكد زغريد هونكه الفكرة نفسها حين تقول : >إن اهتمام الفارابي بالموسيقى ومبادئ النغم والإيقاع قد قربه قاب قوسين أو أدنى من علم اللوغارتم الذي يكمن بصورة مصغرة في كتابه عناصر فن الموسيقى.

مؤلفاته:
ـ شرح كتاب "المجسطي" في علم الهيئة لبطليموس
ـ شرح المقالتين الأولى والخامسة من كتاب إقليدس في الهندسة
ـ كتاب في المدخل إلى الهندسة الوهمية
ـ كلام في حركة الفلك
ـ مقالة في صناعة الكيمياء
ـ كتاب إحصاء العلوم : قسم الفارابي، في هذا الكتاب، العلوم، إلى ثماني مجموعات، ثم ذكر فروع كل مجموعة، وموضوع كل فرع منها، وأغراضه، وفوائده. ترجمه جيرار الكريموني إلى اللاتينية.
ـ صناعة علم الموسيقى : شرح فيه الفارابي مبادئ النغم والإيقاع.
وللفارابي عدد كبير من المؤلفات الأخرى في الفلسفة والمنطق ومن أشهرها :
ـ "آراء أهل المدينة الفاضلة" ؛
ـ "الجمع بين رأى الحكيمين أفلاطون الإلهي و أرسطوطاليس" : وهو كتاب يوفق فيه الفارابي بين آراء أفلاطون وأرسطو.
وأكثر الكتب التي ألفها الفارابي، إما أنها فقدت أو أنها لا تزال في الخزائن والمكتبات، والمعروف منها إلى الآن قليل، إذا قيس بمجموع ما كتبه في شتى العلوم والفنون.

نظرة الفرابي للسياسة:

وأبو نصر الفارابي واحد من الفلاسفة الّذين تكلّفوا عناء التّفكير والتّفلسف في مسعىً لوضع الأسس والتّصوّرات الكفيلة بتحقيق السّعادة للمجتمع الّذي يتكوّن من الرّئيس والمواطنين ومراتب الرّئاسة المختلفة في إطار مجتمع المدينة الواحد، وفقَ تصوّرٍ فلسفي مثالي مستمدٍّ في جانبٍ كبيرٍ منه من التّصوّرات الفلسفيّة للفلاسفـة اليونان ، خصوصاً ( أفلاطون و أرسطو ) ومن الشّريعة الإسلاميّة ، لينتهي بعد ذلك إلى وضع تصوّرٍ فلسفيٍّ أخلاقي للعلم السّياسي الّذي يكون قادراً على تحقيق السّعادة لمجتمع المدينة الفاضلة .
وعليه سيتناول الفارابي عدداً من المسائل السّياسيّة بروحٍ فلسفيّة تأمليّةٍ تنتهي إلى مطابقة ما بالأعيان للتصوّرات الفلسفيّة للكون والعالم والاجتمـاع المدني الّذي ينبغي أن يخضع للمبادئ والنّواميس الّتي يخضع لها العالم الطّبيعيِّ ذاته ، تلك المبادئ الّتي تنطلق من التّسليم بوجود اللّه بوصفه رأس الموجودات وكمالها المطلق وواجب الوجود الّذي يعقل ذاته بذاته وتصدر عنه سائر الموجودات باعتبار أن وجوده هو المصدر الّذي تصدر عنه الأشياء كلّها ، من هنا جاء ترتيبه للعقول ابتداءً بالعقل الأوّل الّذي تصدر عنه العقول العشرة الباقية ، متأثّراً بنظريّة الفيض الأفلاطونيّة .
ولطالـما أنَّ العقل الأوّل هو علّة الوجود وكماله، والسّبب في وجود باقي العقول ، ولطالما أنَّ العقول العشرة تسعى للتّشبّه بالموجود منها في سلسلة تنتهي بتشبّه الموجود الثّاني بالموجود الأوّل واجب الوجود ـ أي الله ـ فإنَّ رأس الكثرة هنا يكون الواحد، وعليه فرأس مجتمـع المدينة ينبغـي أن يكون الرّئيس ، الّذي يعتبر السّبب الأوّل في وجودها ، فالرّئيس أوّل العناصر ، وأكثرها أهمّيّة في الاجتمـاع المدني ، وهو بمنزلة الموجود واجب الوجود بالنّسبة للموجودات الصّادرة عنه ، في علاقته بالاجتمـاع المدني ، بمعنى أنّهُ لاوجود للاجتماع المدني المبني على أسسٍ أخلاقيّة فضائليّة من غير الرّئيس الّذي بواسطته يتمّ تنظيم المجتمـع تنظيمـاً مثالياً مماثلاً للتّنظيم الكـوني الّذي يربط جميع الموجودات بالله ، وعليه فالرئيس هو علّة وجود المدينة الفاضلة ، و وجوده سابقٌ على وجود المدينة الفاضلة ذاتها ، باعتبارها تأتي في سلسلة المراتب التّالية لوجود الرّئيس ، من هنا تسعى إلى التّشبّه به بوصفـه المثال الأعلى للفضيلة وقيمها الأخلاقيّة والنّظام .
وعليهِ فثمّة رابط بين الأخلاق والسّياسة في فلسفـة الفارابي السّياسيّة انطلاقاً من نظرته لأخلاق الإنسان بوصفه كائناً مدنيّاً، آخذين بنظر الاعتبار هيمنة الأفكـار السّياسية على فلسفته ، والدليل على ذلك أننا نقع على مجموعـة من المؤلّفات السّياسيّة لديه أبرزها :"السّياسة المدنيّة " ، " آراء أهل المدينة الفاضلة " و" تحصيل السّعادة " ، والفارابي كما نظر البعض إليه من " أشدّ الفلاسفة المسلمين عنايةً بالسّياسة رغـم أنّه لم يشارك فيها أدنى مشاركة " ( د. بدوي ، عبد الرحمن ، موسوعة الفلسفة ، ج2،الطبعة الأولى ، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر ، بيروت 1984،ص110 ).
يحدد الفارابي غاية الفلسفة السّياسيّة بأنّها : سياسيّة أخلاقيّة في المقام الأوّل . من هنا كانت المهمّة الرّئيسة للعلم المدني هي مهمّة البحث عن كلّ الأفعال الحسنة،كالخير ، والفضائل الّتي تمكّن الإنسان من الاقتراب من الكمـال ، بخلاف الأفعال القبيحة التي تعيقه من تحقيق ذلك ، وعليه يكون العلم السّياسي هو : " علم الأشياء الّتي بوساطتها يتوصّل سكّان المدن إلى السّعادة بفضل المجتمع المدني " لذا يولي الفارابي أهمّيّة كبيرةً للاجتماع المدني باعتباره السبيل الموصل للسّعادة .
والفلسفة السّياسيّة _ أو العلم المدني عند الفارابي _ تتناول أنواع الأفعال والشّرائع الإداريّة والملكات والأخلاق والسّجايا والشّيم الّتي تنجم عنها الأفعال،والغايات الّتي من أجلها تُفعل الأفعال طبقاً لقوله بأنَّ العلم المدني هو الّذي " يفحص عن أصناف الأفعال والسِّيَر الإراديّة وعن الأخلاق والسّجايا والشّيم الّتي عنها تكون تلك الأفعال والسّنن ، وعن الغايات الّتي لأجلها تفعل ، وكيف ينبغي أن تكون موجودة في الإنسان " ( الفارابي ، أبو نصر ، السياسة المدنيّة ، حققه وقدّم له ،الدكتور فوزي متري نجّار ، الطبعة الأولى، بيروت ، ص15) .
ولمّا كانت السّعادة هي الغاية المنشودة لفلسفته السّياسية ، فقد تناول كلّ ما من شأنه أن يكون على علاقة بسعادة الإنسان ، فأصبح العلم المدني لديه يُعنى بالمبادئ الأوّليّة والنّظريّات الإلهيّة نظراً للصّلة الّتي تربطها بسعادة الإنسان ، أمّا السّعادة في أعلى درجاتها فلا يتوقّف تحصيلها على أفعال الإنسان فحسب ، وإنّما على آرائه أيضاً من هنا انفرد كتاب الفارابي " مبادئ آراء أهل المدينة الفاضلة " في إبراز الآراء الّتي يتعيّن على أهل المدينة الفاضلة الأخذ بها حتّى يصلوا إلى السّعادة الّتي هي الكمال النّظري الّذي لا يوجد إلاّ في الأذهان والنّفوس فحسب.