- السبت مايو 28, 2011 4:13 am
#36523
الإمبراطورية الروسية (بالروسية الحديثة: Российская Империя؛ وبالروسية القديمة: Россійская Имперія، نقحرة: رُسِّيسكَيَا إمپِرِيَا) اسم الدولة التي تواجدت منذ سنة 1721 حتى قيام الثورة البلشفية في سنة 1917. كانت الإمبراطورية خلفًا لروسيا القيصرية، وسلفًا للاتحاد السوفييتي. تعتبر ثاني أكبر إمبراطورية متجاورة في العالم على الإطلاق، ولم تتجاوزها إلا إمبراطورية المغول. ففي سنة 1866، كانت الامبراطورية تمتد من أوروبا الشرقية عبر آسيا، وصولاً إلى أمريكا الشمالية.
في بداية القرن التاسع عشر، كانت روسيا أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، فقد امتدت حدودها من المحيط المتجمد الشمالي شمالاً إلى البحر الأسود جنوبًا، ومن بحر البلطيق غربًا إلى المحيط الهادئ شرقًا. كان 176.4 مليون من مواطني الإمبراطورية متناثرين في هذا المجال الواسع، وكانوا يُشكلون ثالث أكبر تجمع بشري في العالم في ذلك الوقت، بعد الصين في عهد سلالة تشينغ والامبراطورية البريطانية، إلا أن التفاوت في أوضاعهم الاقتصادية والعرقية والدينية كان بارزًا بشكل كبير. كانت الحكومة، وعلى رأسها الإمبراطور، واحدة من الملكيات المطلقة الأخيرة في أوروبا. أعتُبرت روسيا واحدة من القوى العظمى الخمس في القارة الأوروبية قبل أندلاع الحرب العالمية الأولى في شهر أغسطس من سنة 1914.
التاريخ
تاريخ روسيا
هذا المقالة هو جزء من سلسلة تاريخ
--------------------------------------------------------------------------------
بلغار الفولغا (القرنين 7–13)
الخزر (القرنين 7–10)
خانات روس (القرنين 8–9)
روسيا الكييفية (القرنين 9–12)
فلاديمير-سوزدال (القرنين 12-14)
جمهورية نوفغورود (القرنين 12-15)
الغزو المغولي (من عشرينيات الى أربعينيات القرن 13)
عهد التتار (القرنين 13–15)
دوقية موسكو (1340–1547)
روسيا القيصرية (1547–1721)
الإمبراطورية الروسية (1721–1917)
الحكومة المؤقتة الروسية / جمهورية روسيا (1917)
روسيا السوفياتية / الاتحاد السوفياتي (1917–1991)
روسيا الاتحادية (1991-الحاضر)
--------------------------------------------------------------------------------
روسيا
ع · ن · ت
الإمبراطورية الروسية هي الوريث الطبيعي لقيصرة مسكوفي. على الرغم من أن قيام الإمبراطورية أعلن رسمياً من قبل القيصر بطرس الأكبر في أعقاب معاهدة نيستاد سنة 1721، يُجادل بعض المؤرخين في أن الإمبراطورية ولدت حين تولى بطرس العرش في عام 1682.[4]
قبل عهد بطرس كانت دوقية موسكوفي على قدر من التخلف عن باقي نظيراتها الأوروبية بسبب العزلة التي كانت تعيش فيها البلاد الروسية بعد الغزو المغولي، والنظام الديني الصارم الذي يتبع الكنيسة الأرثوذكسية؛ وكانت توجهاتها التوسعية والاستعمارية موجهة نحو آسيا.
القرن الثامن عشر
الإمبراطور بطرس الأكبر، المؤسس الفعلي للإمبراطورية الروسية. أعلن عن قيام الإمبراطورية الروسية رسميًا في سنة 1721.
حكم بطرس الأول، أو الأكبر (1672-1725)، بمنطق الشخص الوحيد في روسيا ولعب دوراً رئيسياً في جلب بلاده إلى نظام الدول الأوروبية، فأصبحت روسيا أكبر دولة في العالم في عهده، بعد أن ابتدت بدايةً متواضعة في القرن الرابع عشر كإمارة موسكو. كانت الإمبراطورية موزعة على أوراسيا من بحر البلطيق إلى المحيط الهادئ، وكانت قد أخذت بالتوسع منذ أوائل القرن السابع عشر، وبلغت أقصى حدودها في الفترة التي استوطن الروس فيها سيبيريا لأول مرة خلال منتصف القرن السابع عشر، وبعد استرداد مدينة كييف من بولندا، وإخماد فتنة قبائل سيبيريا. إلا أنه على الرغم من كل هذا التوسّع، فإن هذه الأراضي الشاسعة، لم يتجاوز عدد سكانها 14 مليون نسمة. كانت غلة الحبوب والحنطة قليلة مقارنةً بتلك المنتجة في مزارع أوروبا الغربية، مما أدى إلى إجبار جميع السكان تقريباً على العمل في المزارع، باستثناء جزء صغير منهم عاشوا في المدن. استمرت فئة الخولوبس، القريبة من الرقيق، استمرت مؤسسة رئيسية في روسيا حتى سنة 1723، عندما غير بطرس الأكبر منزلة الأشخاص المنتمين إليها إلى أقنان منزليين، مما جعلهم غير معفيين من الضرائب، أما الخولوبس المزارعين فكانوا قد تحولوا إلى أقنان رسمياً في وقت سابق من سنة 1679.[5][6][7]
انبهر بطرس بشدة بالتقنيات المتقدمة، وفنون الحرب، والحنكة السياسية لدى الغرب. فأقدم على دراسة التكتيكات الحديثة وكيفية إقامة التحصينات وبنى جيشاً قوياً قوامه 300,000 مقاتل، يتألف من أعيانه الذين كانوا يجندون مدى الحياة، كما قام بدمج قوات الستريليتس في الجيش النظامي. في الفترة الممتدة بين عاميّ 1697 و1698، قام الأمير الروسي بأول زيارة من نوعها إلى أوروبا الغربية، حيث ترك هو والوفد المرافق له انطباعاً عميقاً. خلع بطرس الأكبر لقب إمبراطور على نفسه إلى جانب لقبه الرسمي كقيصر احتفالاً بغزواته وفتوحاته العديدة، وأصبح موسكوفيتياً رسمياً للإمبراطورية الروسية في أواخر عام 1721.
وجّه بطرس أولى نيرانه على العثمانيين، ثم حوّل انتباهه إلى الشمال، حيث كان ما يزال يفتقر إلى ميناء آمن في تلك الأنحاء من دولته، باستثناء ميناء أرخانجيلسك على البحر الأبيض، الذي يتجمد لمدة تسعة أشهر في السنة مما يجعله غير مناسب ليكون مرفأً عسكريًا. وكان الامتداد الروسي إلى بحر البلطيق مصدوداً من قبل السويد، التي تحيط أراضيها بالبحر سالف الذكر من ثلاث جهات. ولشدّة رغبة بطرس بالحصول على نافذة "إلى البحر"، قام في سنة 1699 بإنشاء تحالف سري مع الكومنولث البولندي اللتواني ضد السويد والدنمارك، مما أدى إلى نشوب الحرب الشمالية العظمى. انتهت الحرب في سنة 1721 عندما استنفذت قوى السويد وآثرت السلام مع روسيا. وكان من نتائج الحرب أن اكتسب بطرس أربع محافظات تقع جنوب وشرق خليج فنلندا، وبالتالي أمن وصوله إلى البحر، وهناك قام ببناء العاصمة الروسية الجديدة، سانت بطرسبرغ، لتحل محل موسكو، التي طالما كانت المركز الثقافي في روسيا.[8]
.
أعاد بطرس تنظيم حكومته وفقًا لأحدث الأنظمة الغربية، وحول روسيا إلى دولة استبدادية. فجعل مكان مجلس النبلاء القديم مجلس شيوخ بتسعة أعضاء، كان في الواقع مجلسًا أعلى للدولة. كما تم تقسيم الريف إلى مقاطعات ومناطق جديدة. وحصر بطرس مهمة مجلس الشيوخ في جمع العائدات الضريبية، فكان من نتيجة ذلك أن تضاعفت عائدات الضرائب ثلاث مرات طيلة عهده. دُمجت الكنيسة الأرثوذكسية جزئيًا في الهيكل الإداري للدولة، وذلك كجزء من عملية إصلاح الحكومة، الأمر الذي جعلها أداة للدولة. وفي خطوة مشابهة أقدم بطرس على إلغاء البطريركية واستعاض عنها بهيئة جماعية يُطلق عليها اسم "المجمع المقدس"، على رأسها مسؤول حكومي. وفي الوقت نفسه، قام بالقضاء على ما تبقى من أنظمة الحكم الذاتي المحلية، واستمر بالتركيز على العمل بمبدأ خدمة الدولة من قبل جميع النبلاء.
توفي بطرس الأكبر سنة 1725، تاركًا وراءه خلاف حول من سيعقبه، وبلد غير مستقر مستنفذ الموارد. أثار حكم بطرس الأكبر تساؤلات عديدة، منها إن كان تخلف روسيا، ورداءة علاقتها بالغرب راجع إليه، ومدى ملاءمة إصلاحاته من عدمها، وغيرها من المشاكل الأساسية التي واجهت العديد من حكام روسيا الذين تلوه لاحقًا. إلا أنه على الرغم من ذلك، يتفق المؤرخون على أن هذا القيصر هو من أرسى أسس الدولة الحديثة في روسيا.
الإمبراطورة كاترين الثانية الكبيرة.
وبعد وفاة بطرس الأكبر، لم يتربع أي حاكم عُرف بالطموح، أو حتى بشيء منه، على العرش الروسي، ما يُقارب أربعون سنة. وبعد هذه الفترة، ظهرت الإمبراطورة كاترين الثانية الكبيرة، الألمانية الأصل، والتي تزوجت بالقيصر بطرس الثالث، لتغيّر هذا الواقع، فساهمت في إعادة إحياء طبقة النبلاء، التي كانت قد بدأت بالظهور مجدداً بشكل بسيط فور وفاة بطرس الأكبر،[10] وقامت بإلغاء مبدأ خدمة الدولة المفروض على كل نبيل، فاكتسبت شعبية كبيرة في وسطهم، خصوصًا بعد أن أقدمت على إسناد معظم المهام الحكومية في المحافظات إليهم.
قامت كاترين الكبيرة بتوسيع التدخل الروسي في شؤون الكومنولث البولندي اللتواني بإجراءات عديدة كان من ضمنها دعم كونفدرالية تارغوويكا، إلا أن التكاليف الباهظة لهذا التدخل، جرّاء تجهيز الحملات والجنود واستمالة البولنديين، إلى جانب النظام القمعي الاجتماعي، الذي كان يفرض على الأقنان قضاء حياتهم في أراضي الملاك، دفع بالفلاحين الروس أن ينتفضوا ويثوروا على إمبراطورتهم في سنة 1773، خصوصًا بعد أن أصدرت الأخيرة مرسومًا ينص على بيع العبيد منفصلين عن الأرض. هدد المتمردون بالاستيلاء على موسكو، مرددين صرخة "الموت لجميع الملاك!"، المستوحاة من قوزاق آخر يدعى إميليان بوغاتشيف، قبل أن يتم قمعهم بلا رحمة. أخضعت كاترين بوغاشيف في نهاية المطاف، وتمّ حمله إلى الساحة الحمراء حيث قُطع رأسه، ولكن على الرغم من القضاء على سيد الثورة، إلا أن شبحها استمر يؤرق نوم كاترين وخلفاءها لسنين طويلة.[11]
وفي الفترة التي قامت فيها الإمبراطورة بقمع الفلاحين الروس، كانت تخوض حربًا ناجحة ضد الدولة العثمانية نجم عنها توسع روسيا في الحدود الجنوبية لمنطقة البحر الأسود. ثم أقدمت على التآمر مع حكام النمسا وبروسيا، للاستيلاء على أراضي الكومنولث البولندي اللتواني عندما كانت بولندا تُقسّم على يد الأمم الأوروبية، فدفعت بذلك الحدود الروسية غربًا إلى أوروبا الوسطى. كانت روسيا قد برزت وأصبحت قوة عظمى في أوروبا وقت وفاة كاترين الكبيرة عام 1796، واستمر الأمر على هذا المنوال في عهد القيصر ألكسندر الأول، الذي انتزع فنلندا من مملكة السويد الضعيفة في سنة 1809 وإقليم بيسارابيا من العثمانيين في عام 1812.[12]
النصف الأول من القرن التاسع عشر
قام نابليون بونابرت بزلة قدم كبيرة عندما شن هجوما على أرض القياصرة في سنة 1812، بعد خلاف مع القيصر ألكسندر الأول، فقد كانت الحملة عبارة عن كارثة كبيرة لحقت بالجيش الفرنسي، وكانت خطوة مهمة عجّلت في انهيار الإمبراطورية الفرنسية. فعلى الرغم من أن جيش نابليون الكبير نجح في الوصول إلى موسكو، إلا أن الروس اعتمدوا استراتيجية الأرض المحروقة، التي منعت الغزاة من غنم البلاد وضمها إلى إمبراطوريتهم. أضف إلى ذلك، فقد تعاون الطقس شديد البرودة، وحروب العصابات والفلاحين الثائرين على قتل وأسر آلاف الجنود الفرنسيين. حين تراجعت قوات نابليون، طاردتها القوات الروسية وصولاً إلى وسط فغرب أوروبا وإلى أبواب باريس نفسها. وبعد هزيمة نابليون على أيدي روسيا وحلفائها، أصبح القيصر الروسي يعرف باسم ألكسندر "منقذ أوروبا"، وترأس جلسة إعادة رسم خريطة أوروبا في مؤتمر فيينا سنة 1815، الأمر الذي جعل منه عاهل الهيئة التشريعية البولندية.[13]
على الرغم من أن الإمبراطورية الروسية لعبت دوراً قياديًا هامًا في سياسية القرن التالي، بفعل هزيمة الإمبراطورية الفرنسية والقضاء على نابليون راسم الخريطة الجغرافية والسياسية الأوروبية، إلا أن الابقاء على نظام الاستعباد حال دون أي تقدم اقتصادي ملحوظ. وفي الفترة التي أخذت دول أوروبا الغربية تحقق خلالها نمواً اقتصاديًا مطرداً بفعل الثورة الصناعية، التي كانت قد بدأت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، أخذت روسيا تظهر تخلفًا وتراجعًا أكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي خلق لها مشاكل جديدة، وهدد مركزها كقوة عظمى.[14] كان وضع روسيا كقوة عظمى مموها نتيجة عدم كفاءة حكومتها، وعزلتها عن الشعب، والتخلف الاقتصادي. بعد هزيمة نابليون، كان ألكسندر على استعداد لمناقشة الإصلاحات الدستورية، ولكن على الرغم من الإصلاحات، لم تحصل تغيرات شاملة.
وفي تاريخ 3 سبتمبر من سنة 1826، توّج القيصر نيقولا الأول خلفًا لأخيه الأكبر ألكسندر الأول. وقد افتتح عهد هذا القيصر بانتفاضة تكمن خلفيتها في الحروب النابليونية، ذلك أنه عندما اتجهت الجيوش الروسية، بقيادة عدد من الضباط المثقفين، إلى أوروبا أثناء الحملات العسكرية على الإمبراطورية الفرنسية، تأثر هؤلاء باليبرالية السائدة في دول أوروبا الغربية، فأخذوا يسعون إلى التغيير، وتطبيق هذه الأفكار في بلادهم الأوتوقراطية. كانت النتيجة ثورة دجنبر في شهر ديسمبر من سنة 1825، وهي نتاج أيدي مجموعة صغيرة من النبلاء الليبراليين وضباط الجيش الذين كانوا يريدون تثبيت شقيق نيقولا كملك دستوري، إلا أن التمرد سُحق بسهولة. أدّت هذه الثورة إلى تغيير نظرة نيقولا ببرنامج عصرنة روسيا الذي بدأه بطرس الأكبر، فقام بصرف النظر عنه فأعاد إحياء أيديولوجية الأرثوذكسية والأوتوقراطية والوطنية.[15]
حصن روس، في القرن التاسع عشر. مخفر للشركة الروسية الأمريكية في مقاطعة سونوما، كاليفورنيا.
بعد أن احتلت الجيوش الروسية جورجيا في سنة 1802، اشتبكت مع بلاد فارس من أجل السيطرة على أذربيجان، وانخرطت في حرب القوقاز ضد الجبليين على مدى نصف قرن. اضطر القياصرة الروس أيضًا إلى التعامل مع انتفاضتين في أراضيهم المكتسبة حديثا في الكومنولث البولندي واللتواني: ثورة نوفمبر في سنة 1830 وانتفاضة يناير في سنة 1863.[16][17]
جعل الرد القاسي على ثورة "الرابع عشر من ديسمبر" من هذا اليوم رمزاً للحركات الثورية التي برزت في السنوات اللاحقة. أُخضعت المدارس والجامعات لرقابة مشددة وفُرض على الطلاب كتب مدرسية رسمية، في سبيل قمع أي فكر ثوري قد ينشأ. كذلك تم زرع جواسيس الشرطة في كل مكان، وكان أي شخص يُتهم بالتخطيط لأي ثورة يُرسل إلى سيبيريا؛ وقد أُرسل مئات الآلاف من الناس خلال عهد نيقولا الأول إلى معسكرات مخصصة للأعمال الشاقة في تلك الأنحاء من روسيا.
وفي هذا العهد، أدّى طموح روسيا إلى الظهور كقوة لا يُستهان بها في العالم إلى انقسام المفكرين والمحدثين إلى فئتين رئيسيتين. ففضل البعض تقليد أوروبا الغربية وانتهاج منهج دولها، بينما كان آخرون ضد هذا الرأي ودعوا إلى العودة لتقاليد الماضي كفترة النهضة العربية بين التيار السلفي والتيار العلماني، وكان الاتجاه الأخير يتبناه السلافيليون، الذين انتقدوا بشدة "الانحلال الغربي". كان السلافيليون من مؤيدي نظام الرق ومعارضي البيروقراطية، ومن مناصري النظام الجماعي الروسي الذي كان سائداً في العصور الوسطى، أو مجتمع القرية، على فردانية الغرب. كذلك، وُضعت مذاهب اجتماعية بديلة من قبل المتطرفين الروس مثل ألكسندر هيرزن وميخائيل باكونين وبيوتر كروبوتكين.
النصف الثاني من القرن التاسع عشر
توفي القيصر نيقولا الأول بتاريخ 2 مارس سنة 1855 تاركًا وراءه فلسفته ومنهجه في الحكم موضع جدال بين السياسيين والفقهاء. وقبل سنة واحدة من وفاته، خاضت روسيا حربًا ضد تحالف دولي متكون من الإمبراطورية الفرنسية، الإمبراطورية البريطانية، الدولة العثمانية، مملكة سردينيا، ودوقية ناسو، في شبه جزيرة القرم، للسيطرة على تلك الأنحاء من العالم في المقام الأول، وعُرفت هذه الحرب بحرب القرم.[18] وكانت روسيا تعتبر قوة عسكرية عظمى لا تقهر، وقد سادت هذه الفكرة في أوروبا منذ هزيمة نابليون الكبرى الأولى على أيدي الروس، إلا أن تحالف القوى العظمى في أوروبا أثبت أنه أشد بأسًا وقوّة، وكشف مدى اضمحلال وضعف حكم القيصر نيقولا الأول، بعدما تبين درجة عجز وضعف القوات البرية والبحرية للإمبراطورية.[19]
النصب التذكاري للقيصر المحرر في صوفيا يخلد الدور الحاسم للقيصر الكسندر الثاني في تحرير بلغاريا من الحكم العثماني.
وبعد نيقولا الأول تولّى ألكسندر الثاني عرش الإمبراطورية في سنة 1855، وفي تلك الفترة كانت رغبة الشعب والسياسيين في الإصلاح الشامل لا تعلوا عليها رغبة. فظهرت حركة إنسانية أخذت بالتنامي شيءًا فشيئًا، وهاجمت الاسترقاق ودعت إلى إلغائه، وقد قد تم تشبيه هذه الحركة في السنوات اللاحقة، بحركة دعاة إلغاء العبودية في الولايات المتحدة قبل نشوب الحرب الأهلية الأمريكية.[20] في عام 1859، كان هناك أكثر من 23 مليون قن يعيشون في ظل ظروف أسوأ من تلك التي عاشها فلاحو أوروبا الغربية في القرن السادس عشر. وبناءً على هذه الوقائع والضغوطات التي مارستها هذه الحركة والرأي العام، قام ألكسندر الثاني بإلغاء نظام القنانة بنفسه بدلاً من انتظار أن يتم إلغائه من قبل الشعب عن طريق الثورة.
كان تحرير الأقنان في سنة 1861 أهم حدث في القرن التاسع عشر في التاريخ الروسي.[21] وكان ذلك بداية نهاية عهد احتكار الطبقة الأرستقراطية للسلطة. وقد أدّى التحرير إلى توريد العمالة الحرة إلى المدن، الأمر الذي نجم عنه نمو القطاع الصناعي، وزيادة حجم الطبقة الوسطى وتأثيرها على المجتمع؛ إلا أن الحكومة لم تقدم للأقنان المحررين الأراضي التي عملوا بها وعاشوا فيها طيلة سنوات، وعوضًا عن ذلك فُرض على هؤلاء الفلاحين دفع ضريبة خاصة إلى الحكومة مدى الحياة، والتي بدورها دُفعت ثمنًا للملاكين تعويضًا لهم عن الأرض التي فقدوها. وفي أحيان عديدة رهن الفلاحون الأرض نتيجة فقرهم الشديد وعدم مقدرتهم على تسديد هذه الضريبة. امتلكت جميع الأراضي التي سُلّمت للفلاحين من قبل "المير"، وهو مجتمع القرية، أي أن هذه الأراضي كانت عبارة عن ملكية مشتركة بين جميع أفراد القرى وكبارها، وكان المير يُقسّم الأراضي بين الفلاحين ويُشرف على إدارة المقتنيات والحقوق الحيازية المختلفة. وعلى الرغم من ألغاء العبودية، إلا أن إلغاءها تحقق بشروط غير مواتية للفلاحين، وبناءً على هذا، لم تفتر التوترات الثورية بل بقيت على حالها، على الرغم من النوايا الطيبة لألكسندر الثاني.[22][23]
في أواخر عقد السبعينات من القرن التاسع عشر، اشتبكت روسيا والدولة العثمانية مرة أخرى في بلاد البلقان.[24] وتصاعدت أزمة البلقان من سنة 1875 حتى سنة 1877، بسبب تمرد القوميات السلافية المختلفة ضد الحكم العثماني، الأمر الذي أدى إلى اتباع العثمانيين لسياية قمعية ضد هذه الحركات، اعتبرتها الإمبراطورية الروسية وحشيّة كبيرة. أصبح الرأي القومي الروسي يشكل عاملا محليًا خطيراً لدعمه للمسيحيين في منطقة البلقان للتحرر من الحكم العثماني، ودعمه لاستقلال بلغاريا والصرب.[25] في أوائل عام 1877، تدخلت روسيا نيابةً عن القوات الصربية والمتطوعين الروس عندما أعلنت الحرب على الدولة العثمانية، وفي غضون سنة واحدة، كانت القوات الروسية قد اقتربت من حدود الأستانة، عاصمة الدولة العثمانية، بشكل لا يدعوا للاطمئنان، فاضطر العثمانيون إلى الاستسلام. أقنع الدبلوماسيون القوميون والألوية الروس القيصر ألسكندر الثاني بإجبار الدولة العثمانية على توقيع معاهدة سان ستيفانو في مارس من سنة 1878، والتي اعترف العثمانيون بمقتضاها باستقلال بلغاريا، وبامتداد حدودها إلى جنوب غرب البلقان. وعندما هددت بريطانيا بإعلان الحرب على روسيا بسبب بنود معاهدة سان ستيفانو التي كان من شأنها توسعة النفوذ الروسي في المنطقة مما يتعارض مع مصالح بريطانيا، تراجعت روسيا عن قراراتها لاستنفاذها قواتها ومواردها في حروب البلقان، مما يجعلها غير قادرة على مقارعة دولة بقوة بريطانيا. وفي مؤتمر برلين في شهر يوليو من سنة 1878، وافقت روسيا على التضييق من حدود بلغاريا. نتيجة لذلك، أخذ السلافيون القوميون ينظرون بحقد إلى الإمبراطورية النمساوية المجرية وألمانيا لفشلها في دعم روسيا. حفزت خيبة الأمل بنتيجة حرب البلقان التوترات الثورية في البلاد.
بلدة ريفية روسية في فصل الشتاء، اللوحة رسمها بوريس كوستودييف.
في أعقاب اغتيال منظمة "نارودنايا فوليا" الإرهابية المجهولة للقيصر ألكسندر الثاني،[26][27] في عام 1881، مر العرش لابنه ألكسندر الثالث (1881-1894)، الرجعي الذي أحيا القول المأثور لنيقولا الأول: "أرثودوكسية وأوتوقراطية ووطنية". اعتقد ألكسندر الثالث أن بإمكانه إنقاذ روسيا من الفوضى عن طريق ابتعاده عن التأثيرات التخريبية عليها من قبل دول أوروبا الغربية. أبرمت روسيا في عهد هذا القيصر اتحاداً مع جمهورية فرنسا لاحتواء القوة المتنامية لألمانيا، كذلك فرضت كامل سيطرتها على آسيا الوسطى وانتزعت تنازلات إقليمية وتجارية هامة من الصين.[28]
كان قسطنطين بوبيدونوستيف مستشار القيصر الأكثر نفوذاً، وهو معلم ألكسندر الثالث ونجله نيقولا الثاني، والنائب العام للمجمع المقدس من سنة 1880 حتى سنة 1895. درّس تلاميذه الملكيين الخوف من حرية التعبير والصحافة، وكرههم بالديمقراطية والدساتير، والنظام البرلماني. الأمر الذي كان من شأنه قتل وقمع الثوريين واعتماد سياسة "الروسنة" في جميع أنحاء الإمبراطورية، طيلة عهد هذا الرجل.
أوائل القرن العشرين
خلف القيصر نيقولا الثاني (1894-1917) والده ألكسندر الثالث بتاريخ 1 نوفمبر سنة 1894. وفي بداية عهده بدأت الثورة الصناعية تؤثر بشكل ملحوظ على الإمبراطورية الروسية. فقال الليبراليون من أصحاب الرساميل الصناعية والنبلاء بإصلاح اجتماعي سلمي، وبملكية دستورية، وقاموا بتشكيل الحزب الدستوري الديمقراطي.[29][30] أما الثوريون الاجتماعيون فجمعوا بين التقليد النارودنيكي ودعوا إلى توزيع الأراضي بين أولئك الذين عملوا فعلا فيها، أي الفلاحين. كانت مجموعة أخرى متطرفة وهي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، من الدعاة إلى الماركسية في روسيا، حيث دعوا إلى استكمال الثورة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.[31]
في عام 1903 انقسم الحزب إلى جناحين في مدينة لندن، المناشفة أو المعتدلين والبلشفية أو المتطرفين. اعتقد المناشفة بأن الاشتراكية الروسية سوف تنمو تدريجيًا بشكل سلميّ، وذلك أن نظام القيصر ينبغي أن يتحول إلى جمهورية يتعاون فيها الاشتراكيون مع الأحزاب الليبرالية البورجوازية على بناء الوطن. دعا البلاشفة، بزعامة فلاديمير لينين، إلى تشكيل نخبة صغيرة من الثوريين المهنيين، تخضع لانضباط الحزب القوي، لتكون بمثابة طليعة الطبقة الكادحة من أجل الاستيلاء على السلطة بالقوة.[32]
كان فشل القوات المسلحة الروسية في تحقيق النصر في الحرب الروسية اليابانية (1904-1905) بمثابة ضربة قوية للنظام القيصري، والتي زادت من احتمالات حدوث قلاقل. في شهر يناير من سنة 1905 وقعت الأحداث المعروفة باسم الأحد الدامي، إذ قاد الأب " جورجي غابون" حشدا هائلا من الناس إلى قصر الشتاء في سانت بطرسبرغ لرفع عريضة إلى القيصر.[33] وعندما وصل الموكب إلى القصر، فتح القوزاق النار على المتظاهرين، مما أسفر عن مقتل المئات. كانت الجماهير الروسية مثارة بالمجزرة مما أدى إلى إعلان مطالبة بالجمهورية. وكانت هذه علامة على بداية الثورة الروسية عام 1905. فظهرت السوفيات (مجالس العمال) في معظم المدن لمباشرة النشاط الثوري وحث النس عليه. فكانت روسيا مشلولة بالتالي، والحكومة يائسة لا تقدر على الاتيان بحل جازم نهائي.[34][35]
في شهر أكتوبر من سنة 1905، أصد نيقولا الثاني بيان أكتوبر الشهير على مضض،[36] وأقر فيه إنشاء الدوما الوطني (البرلمان) ودعوته للانعقاد دون تأخير. شمل الحق في التصويت عدة فئات شعبية ولم يُطبق أي قانون دون الحصول على الموافقة عليه من مجلس الدوما. وكان من شأن هذا إرضاء الجماعات المعتدلة، ولكن الاشتراكيين رفضوا التنازلات التي قالوا أنها غير كافية وحاولوا تنظيم إضرابات جديدة. بحلول نهاية عام 1905، كان هناك انقسام بين الإصلاحيين، فكان عاقبة ذلك أن تعزز موقع القيصر لفترة من الزمن.
مشهد من الثورة الروسية الأولى، بريشة إيليا ريبين.
دخل القيصر نيقولا الثاني ورعاياه في الحرب العالمية الأولى بحماسة يدفعها شعورهم الوطني وأحساسهم القومي، أي الدفاع عن أخوة الروس من السلاف الأرثوذكس، والصرب ضد معسكر دول المحور.[37] في أغسطس من سنة 1914، دخل الجيش الروسي ألمانيا لدعم الجيوش الفرنسية. صوّرت الانقلابات العسكرية والدعاية المناهضة للحرب، الحكومة الروسية على أنها غير كفء لتولي شؤون البلاد والعباد، وسرعان ما أدّى ذلك إلى إثارة غضب الكثير من الناس وزيادة نقمتهم على الدولة والنظام الحاكم. قطعت السيطرة الألمانية على بحر البلطيق والسيطرة الألمانية-العثمانية على البحر الأسود وصول المدد إلى روسيا عن طريق حلفائها والأسواق الخارجية.[38][39]
بحلول منتصف سنة 1915 انخفضت معنويات العساكر الروسية. وسرت شائعات بنفاذ قريب للمواد الغذائية والوقود وبازدياد عدد الضحايا (على الرغم من بقاءه أقل من عدد ضحايا باقي الدول المتحاربة)، وبأن معدل التضخم يتصاعد. ومن الناحية الواقعية، إرتفع عدد الاضرابات التي قام بها عمال المصانع ذوي الأجور المحدودة، وكانت هناك تقارير تفيد بأن الفلاحين، الذين كانوا يطالبون بالإصلاح الزراعي، قد ضاق صدرهم واكتفوا وأنهم على وشك الثورة. وفي الوقت نفسه، انخفظت ثقة الشعب بالنظام الحاكم بعد ظهور تقارير في وسائل الاعلام المعادية للحكومة تفيد أن المتصوف غريغوري راسبوتين له تأثير سياسي عظيم داخل الحكومة. وقد أنهى اغتيال الأخير في عام 1916 هذه الفضيحة لكنه لم يُعد للدولة هيبتها المفقودة.
بتاريخ 3 مارس سنة 1917، تم تنظيم أضراب من قبل عمّال أحد المصانع في العاصمة سانت بطرسبرغ؛ وفي غضون أسبوع تقريبًا توقف جميع العاملين في المدينة عن متابعة أعمالهم، واندلع القتال في الشوارع. ثم تفجرت ثورة فبراير عندما حل القيصر مجلس الدوما، وأمر المضربين بالعودة إلى العمل.[40].
رفض مجلس الدوما الانحلال، وعقد المضربون اجتماعات جماهيرية تحديًا للنظام، ووقف الجيش علنًا إلى جانب العمال. وبعد بضعة أيام أُنشأت حكومة مؤقتة برئاسة غريغوري لفوف المُسمى من قبل مجلس النواب، وفي اليوم التالي ألقي القبض على القيصر وأعلن أنه قد تنازل عن الحكم.[41] قُتل نيقولا الثاني وزوجته وابنه وبناته الأربع وطبيب العائلة وخادم القيصر وسيدة الإمبراطورة وأسرة الطباخ جميعا في غرفة واحدة على أيدي البلاشفة في ليلة 17 يوليو من سنة 1918،[42] وفي الوقت نفسه، شكل الاشتراكيون في سانت بطرسبرغ مجلساً من العمال والجنود المعاونين لتزويدهم بالشعبية والسلطة التي افتقروها في مجلس الدوما.[43][44]
أراضي الامبراطورية
الحدود
وصلت الحدود الإدارية للامبراطورية الروسية إلى الحدود الطبيعية للسهول الأوروبية الشرقية، وذلك إن تم استثناء فنلندا والجزء البولندي الذي كان خاضعًا للسيطرة الروسية. وفي الشمال وصلت حدود الامبراطورية إلى المحيط المتجمد الشمالي؛ حيث امتلكت فيه جزر نوفايا زيمليا وكولغوييف وجزيرة فايغاش. وفي الشرق وقعت الأراضي الآسيوية الخاضعة للإمبراطورية، وهي سهوب سيبيريا وقيرغيزستان، التي كان كل منها يفصل بين جبال الأورال ونهر الأورال وبحر قزوين، وامتدت الحدود الإدارية الآسيوية غربًا إلى منحدرات جبال الأورال الفاصلة بين قارتي آسيا وأوروبا. وبالنسبة للحدود الجنوبية، فإنها وصلت إلى البحر الأسود والقوقاز، وانفصلت عن هذه الأخيرة بنهر مانيش، الذي كان يصل بحر آزوف بمنطقة بحر قزوين في العصور السابقة على العصر الحديث القريب. أما الحدود الغربية فكانت، ولا تزال هي نفسها، إلى حد كبير: فامتدت من شبه جزيرة كولا نحو فارانجيرفيورد وصولاً إلى خليج بوثنيا، ومن هناك إلى بحيرة قورش في جنوب بحر البلطيق، ومن ثم إلى مصب نهر الدانوب، حيث تلتف لتطوّق بولندا وتفصل بين روسيا وبروسيا وغاليسيا النمساوية ورومانيا.
من السمات الخاصة لروسيا أن لديها القليل من المنافذ الحرة إلى البحر المفتوح غير الشواطئ الجليدية في المحيط المتجمد الشمالي، فحتى البحر الأبيض يُعتبر مجرد خليج من المحيط سالف الذكر. كان التثليم العميق لخلجان بوثنيا وفنلندا محاطا بالأراضي الفنلندية، لذا قام الروس باتخاذ موطئ قدم لهم عند رأس الخليج الأخير من خلال إقامة عاصمتهم عند مصب نهر نيفا. ينتمي خليج ريغا والبلطيق أيضًا إلى الأراضي التي لم تكن مأهولة من قبل السلاف، ولكن من جانب شعوب دول البلطيق والفنلنديين ومن قبل الألمان كذلك الأمر. وينتمي الساحل الشرقي للبحر الأسود إلى منطقة جنوب القوقاز الجغرافيّة، وتفصله سلسلة كبيرة من الجبال عن روسيا. لكن حتى هذه المسطحات المائية الداخلية كانت بمثابة بحار، وكان المتنفس الوحيد منها، على البوسفور خاضعًا، للدولة العثمانية، في حين أن بحر قزوين، الذي تحده الصحراء من معظم نواحيه، برزت أهميته كحلقة وصل بين روسيا ومستوطناتها الآسيوية، أكثر من كونه قناة للاتصال مع البلدان الأخرى.
الجغرافيا
بحلول نهاية القرن التاسع عشر بلغت مساحة الإمبراطورية ما يُقارب من 22,400,000 كلم²، وهو ما يُعادل سدس مساحة الكرة الأرضية؛ منافستها الوحيدة من حيث المساحة في ذلك الوقت كانت الامبراطورية البريطانية، وكان غالبية السكان في الإمبراطورية يعيشون في الجزء الأوروبي من روسيا، وقد ضمت الإمبراطورية أكثر من 100 مجموعة عرقية، فيما شكّل الروس حوالي 45% من إجمالي عدد السكان.
تطور الأراضي
بالإضافة إلى كامل أراضي روسيا الحديثة،[45] فإن أراضي الإمبراطورية الروسية شملت، قبل عام 1917، أراضي كل من: أوكرانيا (دنيبر أوكرانيا وشبه جزيرة القرم[3]) وروسيا البيضاء ومولدافيا (بيسارابيا) وفنلندا (دوقية فنلندا) وأرمينيا وأذربيجان وجورجيا (بما في ذلك مينغريليا)، وبعض دول آسيا الوسطى مثل كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان (تركستان الروسية)، ومعظم ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا (محافظات البلطيق) وكذلك جزءاً كبيرا من بولندا (مملكة بولندا) ومحافظاتأردهان وأرتفين وإغدير وكارس في تركيا. وفي الفترة الممتدة بين عاميّ 1742 و1867، إدعت الإمبراطورية الروسية أن ألاسكا مستعمرة تخصها.
في أعقاب الهزيمة السويدية في الحرب الفنلندية والتوقيع على معاهدة فريدريكشامن في 17 سبتمبر من سنة 1809، أُدرجت فنلندا في الإمبراطورية الروسية باعتبارها دوقية مستقلة. حكم القيصر دوقية فنلندا بوصفه ملكًا دستوريًا، عن طريق الدوق الأكبر ومجلس الشيوخ الذين عينهم بنفسه.[46]
الأراضي الخارجية للامبراطورية
وفقا للمادة الأولى من القانون العضوي، كانت الإمبراطورية الروسية دولة واحدة لا تتجزأ. بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 26 على أن "مملكة بولندا ودوقية فنلندا غير قابلة للفصل عن عرش الإمبراطورية الروسية". كذلك، نظمت المادة الثانية العلاقات مع دوقية فنلندا، فنصت على أن: "دوقية فنلندا، تُشكل جزءاً لا يتجزأ من الدولة الروسية؛ تُحكم شؤونها الداخلية أنظمة خاصة مبنية على قواعد قانونية خاصة"، وكذلك فعل قانون 10 يونيو لسنة 1910.[47]
في الفترة الممتدة بين عاميّ 1744 و1867 سيطرت الامبراطورية أيضًا على ما يُسمى "بأمريكا الروسية"، أي ألاسكا بما فيها من جزر، وباستثناء هذه الأراضي، كانت الإمبراطورية الروسية عبارة عن كتلة متلاصقة من الأراضي الممتدة من أوروبا إلى آسيا. تختلف الإمبراطورية الروسية عن باقي الامبراطوريات الاستعمارية، حيث أنه في حين تم تقسيم الإمبراطويات الكبرى الأخرى مثل الإمبراطورية البريطانية والامبراطورية الفرنسية خلال القرن العشرين، فإن الإمبراطورية الروسية حافظت على جزء كبير من أراضيها، عند قيام الإتحاد السوفياتي الشيوعي، واستمرت على هذا المنوال بعد انهياره وقيام روسيا الإتحادية.
وعلاوةً على ذلك، سيطرت الإمبراطورية مؤقتًا على بعض الأراضي عن طريق حصولها على عدد من الامتيازات فيها، من شاكلة بعض أراضي الصين مثل ميناء كوانتونغ ومنطقة السكك الحديدية الصينية الشرقية، [48] التي اعترفت بها الامبراطورية الصينية، فضلا عن أنها تنازلت لروسيا عن مدينة تيانجين.
في عام 1815، إتجه الدكتور شافر، رجل الأعمال الروسي، إلى جزيرة كاواي، رابع أكبر جزيرة في الأرخبيل الهاوايي، للتفاوض على معاهدة الحماية مع حاكم جزيرة كواموالي، الخاضع لملك هاواي كاميهاميها الأول، إلا أن القيصر الروسي رفض التصديق على المعاهدة.
في بداية القرن التاسع عشر، كانت روسيا أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، فقد امتدت حدودها من المحيط المتجمد الشمالي شمالاً إلى البحر الأسود جنوبًا، ومن بحر البلطيق غربًا إلى المحيط الهادئ شرقًا. كان 176.4 مليون من مواطني الإمبراطورية متناثرين في هذا المجال الواسع، وكانوا يُشكلون ثالث أكبر تجمع بشري في العالم في ذلك الوقت، بعد الصين في عهد سلالة تشينغ والامبراطورية البريطانية، إلا أن التفاوت في أوضاعهم الاقتصادية والعرقية والدينية كان بارزًا بشكل كبير. كانت الحكومة، وعلى رأسها الإمبراطور، واحدة من الملكيات المطلقة الأخيرة في أوروبا. أعتُبرت روسيا واحدة من القوى العظمى الخمس في القارة الأوروبية قبل أندلاع الحرب العالمية الأولى في شهر أغسطس من سنة 1914.
التاريخ
تاريخ روسيا
هذا المقالة هو جزء من سلسلة تاريخ
--------------------------------------------------------------------------------
بلغار الفولغا (القرنين 7–13)
الخزر (القرنين 7–10)
خانات روس (القرنين 8–9)
روسيا الكييفية (القرنين 9–12)
فلاديمير-سوزدال (القرنين 12-14)
جمهورية نوفغورود (القرنين 12-15)
الغزو المغولي (من عشرينيات الى أربعينيات القرن 13)
عهد التتار (القرنين 13–15)
دوقية موسكو (1340–1547)
روسيا القيصرية (1547–1721)
الإمبراطورية الروسية (1721–1917)
الحكومة المؤقتة الروسية / جمهورية روسيا (1917)
روسيا السوفياتية / الاتحاد السوفياتي (1917–1991)
روسيا الاتحادية (1991-الحاضر)
--------------------------------------------------------------------------------
روسيا
ع · ن · ت
الإمبراطورية الروسية هي الوريث الطبيعي لقيصرة مسكوفي. على الرغم من أن قيام الإمبراطورية أعلن رسمياً من قبل القيصر بطرس الأكبر في أعقاب معاهدة نيستاد سنة 1721، يُجادل بعض المؤرخين في أن الإمبراطورية ولدت حين تولى بطرس العرش في عام 1682.[4]
قبل عهد بطرس كانت دوقية موسكوفي على قدر من التخلف عن باقي نظيراتها الأوروبية بسبب العزلة التي كانت تعيش فيها البلاد الروسية بعد الغزو المغولي، والنظام الديني الصارم الذي يتبع الكنيسة الأرثوذكسية؛ وكانت توجهاتها التوسعية والاستعمارية موجهة نحو آسيا.
القرن الثامن عشر
الإمبراطور بطرس الأكبر، المؤسس الفعلي للإمبراطورية الروسية. أعلن عن قيام الإمبراطورية الروسية رسميًا في سنة 1721.
حكم بطرس الأول، أو الأكبر (1672-1725)، بمنطق الشخص الوحيد في روسيا ولعب دوراً رئيسياً في جلب بلاده إلى نظام الدول الأوروبية، فأصبحت روسيا أكبر دولة في العالم في عهده، بعد أن ابتدت بدايةً متواضعة في القرن الرابع عشر كإمارة موسكو. كانت الإمبراطورية موزعة على أوراسيا من بحر البلطيق إلى المحيط الهادئ، وكانت قد أخذت بالتوسع منذ أوائل القرن السابع عشر، وبلغت أقصى حدودها في الفترة التي استوطن الروس فيها سيبيريا لأول مرة خلال منتصف القرن السابع عشر، وبعد استرداد مدينة كييف من بولندا، وإخماد فتنة قبائل سيبيريا. إلا أنه على الرغم من كل هذا التوسّع، فإن هذه الأراضي الشاسعة، لم يتجاوز عدد سكانها 14 مليون نسمة. كانت غلة الحبوب والحنطة قليلة مقارنةً بتلك المنتجة في مزارع أوروبا الغربية، مما أدى إلى إجبار جميع السكان تقريباً على العمل في المزارع، باستثناء جزء صغير منهم عاشوا في المدن. استمرت فئة الخولوبس، القريبة من الرقيق، استمرت مؤسسة رئيسية في روسيا حتى سنة 1723، عندما غير بطرس الأكبر منزلة الأشخاص المنتمين إليها إلى أقنان منزليين، مما جعلهم غير معفيين من الضرائب، أما الخولوبس المزارعين فكانوا قد تحولوا إلى أقنان رسمياً في وقت سابق من سنة 1679.[5][6][7]
انبهر بطرس بشدة بالتقنيات المتقدمة، وفنون الحرب، والحنكة السياسية لدى الغرب. فأقدم على دراسة التكتيكات الحديثة وكيفية إقامة التحصينات وبنى جيشاً قوياً قوامه 300,000 مقاتل، يتألف من أعيانه الذين كانوا يجندون مدى الحياة، كما قام بدمج قوات الستريليتس في الجيش النظامي. في الفترة الممتدة بين عاميّ 1697 و1698، قام الأمير الروسي بأول زيارة من نوعها إلى أوروبا الغربية، حيث ترك هو والوفد المرافق له انطباعاً عميقاً. خلع بطرس الأكبر لقب إمبراطور على نفسه إلى جانب لقبه الرسمي كقيصر احتفالاً بغزواته وفتوحاته العديدة، وأصبح موسكوفيتياً رسمياً للإمبراطورية الروسية في أواخر عام 1721.
وجّه بطرس أولى نيرانه على العثمانيين، ثم حوّل انتباهه إلى الشمال، حيث كان ما يزال يفتقر إلى ميناء آمن في تلك الأنحاء من دولته، باستثناء ميناء أرخانجيلسك على البحر الأبيض، الذي يتجمد لمدة تسعة أشهر في السنة مما يجعله غير مناسب ليكون مرفأً عسكريًا. وكان الامتداد الروسي إلى بحر البلطيق مصدوداً من قبل السويد، التي تحيط أراضيها بالبحر سالف الذكر من ثلاث جهات. ولشدّة رغبة بطرس بالحصول على نافذة "إلى البحر"، قام في سنة 1699 بإنشاء تحالف سري مع الكومنولث البولندي اللتواني ضد السويد والدنمارك، مما أدى إلى نشوب الحرب الشمالية العظمى. انتهت الحرب في سنة 1721 عندما استنفذت قوى السويد وآثرت السلام مع روسيا. وكان من نتائج الحرب أن اكتسب بطرس أربع محافظات تقع جنوب وشرق خليج فنلندا، وبالتالي أمن وصوله إلى البحر، وهناك قام ببناء العاصمة الروسية الجديدة، سانت بطرسبرغ، لتحل محل موسكو، التي طالما كانت المركز الثقافي في روسيا.[8]
.
أعاد بطرس تنظيم حكومته وفقًا لأحدث الأنظمة الغربية، وحول روسيا إلى دولة استبدادية. فجعل مكان مجلس النبلاء القديم مجلس شيوخ بتسعة أعضاء، كان في الواقع مجلسًا أعلى للدولة. كما تم تقسيم الريف إلى مقاطعات ومناطق جديدة. وحصر بطرس مهمة مجلس الشيوخ في جمع العائدات الضريبية، فكان من نتيجة ذلك أن تضاعفت عائدات الضرائب ثلاث مرات طيلة عهده. دُمجت الكنيسة الأرثوذكسية جزئيًا في الهيكل الإداري للدولة، وذلك كجزء من عملية إصلاح الحكومة، الأمر الذي جعلها أداة للدولة. وفي خطوة مشابهة أقدم بطرس على إلغاء البطريركية واستعاض عنها بهيئة جماعية يُطلق عليها اسم "المجمع المقدس"، على رأسها مسؤول حكومي. وفي الوقت نفسه، قام بالقضاء على ما تبقى من أنظمة الحكم الذاتي المحلية، واستمر بالتركيز على العمل بمبدأ خدمة الدولة من قبل جميع النبلاء.
توفي بطرس الأكبر سنة 1725، تاركًا وراءه خلاف حول من سيعقبه، وبلد غير مستقر مستنفذ الموارد. أثار حكم بطرس الأكبر تساؤلات عديدة، منها إن كان تخلف روسيا، ورداءة علاقتها بالغرب راجع إليه، ومدى ملاءمة إصلاحاته من عدمها، وغيرها من المشاكل الأساسية التي واجهت العديد من حكام روسيا الذين تلوه لاحقًا. إلا أنه على الرغم من ذلك، يتفق المؤرخون على أن هذا القيصر هو من أرسى أسس الدولة الحديثة في روسيا.
الإمبراطورة كاترين الثانية الكبيرة.
وبعد وفاة بطرس الأكبر، لم يتربع أي حاكم عُرف بالطموح، أو حتى بشيء منه، على العرش الروسي، ما يُقارب أربعون سنة. وبعد هذه الفترة، ظهرت الإمبراطورة كاترين الثانية الكبيرة، الألمانية الأصل، والتي تزوجت بالقيصر بطرس الثالث، لتغيّر هذا الواقع، فساهمت في إعادة إحياء طبقة النبلاء، التي كانت قد بدأت بالظهور مجدداً بشكل بسيط فور وفاة بطرس الأكبر،[10] وقامت بإلغاء مبدأ خدمة الدولة المفروض على كل نبيل، فاكتسبت شعبية كبيرة في وسطهم، خصوصًا بعد أن أقدمت على إسناد معظم المهام الحكومية في المحافظات إليهم.
قامت كاترين الكبيرة بتوسيع التدخل الروسي في شؤون الكومنولث البولندي اللتواني بإجراءات عديدة كان من ضمنها دعم كونفدرالية تارغوويكا، إلا أن التكاليف الباهظة لهذا التدخل، جرّاء تجهيز الحملات والجنود واستمالة البولنديين، إلى جانب النظام القمعي الاجتماعي، الذي كان يفرض على الأقنان قضاء حياتهم في أراضي الملاك، دفع بالفلاحين الروس أن ينتفضوا ويثوروا على إمبراطورتهم في سنة 1773، خصوصًا بعد أن أصدرت الأخيرة مرسومًا ينص على بيع العبيد منفصلين عن الأرض. هدد المتمردون بالاستيلاء على موسكو، مرددين صرخة "الموت لجميع الملاك!"، المستوحاة من قوزاق آخر يدعى إميليان بوغاتشيف، قبل أن يتم قمعهم بلا رحمة. أخضعت كاترين بوغاشيف في نهاية المطاف، وتمّ حمله إلى الساحة الحمراء حيث قُطع رأسه، ولكن على الرغم من القضاء على سيد الثورة، إلا أن شبحها استمر يؤرق نوم كاترين وخلفاءها لسنين طويلة.[11]
وفي الفترة التي قامت فيها الإمبراطورة بقمع الفلاحين الروس، كانت تخوض حربًا ناجحة ضد الدولة العثمانية نجم عنها توسع روسيا في الحدود الجنوبية لمنطقة البحر الأسود. ثم أقدمت على التآمر مع حكام النمسا وبروسيا، للاستيلاء على أراضي الكومنولث البولندي اللتواني عندما كانت بولندا تُقسّم على يد الأمم الأوروبية، فدفعت بذلك الحدود الروسية غربًا إلى أوروبا الوسطى. كانت روسيا قد برزت وأصبحت قوة عظمى في أوروبا وقت وفاة كاترين الكبيرة عام 1796، واستمر الأمر على هذا المنوال في عهد القيصر ألكسندر الأول، الذي انتزع فنلندا من مملكة السويد الضعيفة في سنة 1809 وإقليم بيسارابيا من العثمانيين في عام 1812.[12]
النصف الأول من القرن التاسع عشر
قام نابليون بونابرت بزلة قدم كبيرة عندما شن هجوما على أرض القياصرة في سنة 1812، بعد خلاف مع القيصر ألكسندر الأول، فقد كانت الحملة عبارة عن كارثة كبيرة لحقت بالجيش الفرنسي، وكانت خطوة مهمة عجّلت في انهيار الإمبراطورية الفرنسية. فعلى الرغم من أن جيش نابليون الكبير نجح في الوصول إلى موسكو، إلا أن الروس اعتمدوا استراتيجية الأرض المحروقة، التي منعت الغزاة من غنم البلاد وضمها إلى إمبراطوريتهم. أضف إلى ذلك، فقد تعاون الطقس شديد البرودة، وحروب العصابات والفلاحين الثائرين على قتل وأسر آلاف الجنود الفرنسيين. حين تراجعت قوات نابليون، طاردتها القوات الروسية وصولاً إلى وسط فغرب أوروبا وإلى أبواب باريس نفسها. وبعد هزيمة نابليون على أيدي روسيا وحلفائها، أصبح القيصر الروسي يعرف باسم ألكسندر "منقذ أوروبا"، وترأس جلسة إعادة رسم خريطة أوروبا في مؤتمر فيينا سنة 1815، الأمر الذي جعل منه عاهل الهيئة التشريعية البولندية.[13]
على الرغم من أن الإمبراطورية الروسية لعبت دوراً قياديًا هامًا في سياسية القرن التالي، بفعل هزيمة الإمبراطورية الفرنسية والقضاء على نابليون راسم الخريطة الجغرافية والسياسية الأوروبية، إلا أن الابقاء على نظام الاستعباد حال دون أي تقدم اقتصادي ملحوظ. وفي الفترة التي أخذت دول أوروبا الغربية تحقق خلالها نمواً اقتصاديًا مطرداً بفعل الثورة الصناعية، التي كانت قد بدأت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، أخذت روسيا تظهر تخلفًا وتراجعًا أكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي خلق لها مشاكل جديدة، وهدد مركزها كقوة عظمى.[14] كان وضع روسيا كقوة عظمى مموها نتيجة عدم كفاءة حكومتها، وعزلتها عن الشعب، والتخلف الاقتصادي. بعد هزيمة نابليون، كان ألكسندر على استعداد لمناقشة الإصلاحات الدستورية، ولكن على الرغم من الإصلاحات، لم تحصل تغيرات شاملة.
وفي تاريخ 3 سبتمبر من سنة 1826، توّج القيصر نيقولا الأول خلفًا لأخيه الأكبر ألكسندر الأول. وقد افتتح عهد هذا القيصر بانتفاضة تكمن خلفيتها في الحروب النابليونية، ذلك أنه عندما اتجهت الجيوش الروسية، بقيادة عدد من الضباط المثقفين، إلى أوروبا أثناء الحملات العسكرية على الإمبراطورية الفرنسية، تأثر هؤلاء باليبرالية السائدة في دول أوروبا الغربية، فأخذوا يسعون إلى التغيير، وتطبيق هذه الأفكار في بلادهم الأوتوقراطية. كانت النتيجة ثورة دجنبر في شهر ديسمبر من سنة 1825، وهي نتاج أيدي مجموعة صغيرة من النبلاء الليبراليين وضباط الجيش الذين كانوا يريدون تثبيت شقيق نيقولا كملك دستوري، إلا أن التمرد سُحق بسهولة. أدّت هذه الثورة إلى تغيير نظرة نيقولا ببرنامج عصرنة روسيا الذي بدأه بطرس الأكبر، فقام بصرف النظر عنه فأعاد إحياء أيديولوجية الأرثوذكسية والأوتوقراطية والوطنية.[15]
حصن روس، في القرن التاسع عشر. مخفر للشركة الروسية الأمريكية في مقاطعة سونوما، كاليفورنيا.
بعد أن احتلت الجيوش الروسية جورجيا في سنة 1802، اشتبكت مع بلاد فارس من أجل السيطرة على أذربيجان، وانخرطت في حرب القوقاز ضد الجبليين على مدى نصف قرن. اضطر القياصرة الروس أيضًا إلى التعامل مع انتفاضتين في أراضيهم المكتسبة حديثا في الكومنولث البولندي واللتواني: ثورة نوفمبر في سنة 1830 وانتفاضة يناير في سنة 1863.[16][17]
جعل الرد القاسي على ثورة "الرابع عشر من ديسمبر" من هذا اليوم رمزاً للحركات الثورية التي برزت في السنوات اللاحقة. أُخضعت المدارس والجامعات لرقابة مشددة وفُرض على الطلاب كتب مدرسية رسمية، في سبيل قمع أي فكر ثوري قد ينشأ. كذلك تم زرع جواسيس الشرطة في كل مكان، وكان أي شخص يُتهم بالتخطيط لأي ثورة يُرسل إلى سيبيريا؛ وقد أُرسل مئات الآلاف من الناس خلال عهد نيقولا الأول إلى معسكرات مخصصة للأعمال الشاقة في تلك الأنحاء من روسيا.
وفي هذا العهد، أدّى طموح روسيا إلى الظهور كقوة لا يُستهان بها في العالم إلى انقسام المفكرين والمحدثين إلى فئتين رئيسيتين. ففضل البعض تقليد أوروبا الغربية وانتهاج منهج دولها، بينما كان آخرون ضد هذا الرأي ودعوا إلى العودة لتقاليد الماضي كفترة النهضة العربية بين التيار السلفي والتيار العلماني، وكان الاتجاه الأخير يتبناه السلافيليون، الذين انتقدوا بشدة "الانحلال الغربي". كان السلافيليون من مؤيدي نظام الرق ومعارضي البيروقراطية، ومن مناصري النظام الجماعي الروسي الذي كان سائداً في العصور الوسطى، أو مجتمع القرية، على فردانية الغرب. كذلك، وُضعت مذاهب اجتماعية بديلة من قبل المتطرفين الروس مثل ألكسندر هيرزن وميخائيل باكونين وبيوتر كروبوتكين.
النصف الثاني من القرن التاسع عشر
توفي القيصر نيقولا الأول بتاريخ 2 مارس سنة 1855 تاركًا وراءه فلسفته ومنهجه في الحكم موضع جدال بين السياسيين والفقهاء. وقبل سنة واحدة من وفاته، خاضت روسيا حربًا ضد تحالف دولي متكون من الإمبراطورية الفرنسية، الإمبراطورية البريطانية، الدولة العثمانية، مملكة سردينيا، ودوقية ناسو، في شبه جزيرة القرم، للسيطرة على تلك الأنحاء من العالم في المقام الأول، وعُرفت هذه الحرب بحرب القرم.[18] وكانت روسيا تعتبر قوة عسكرية عظمى لا تقهر، وقد سادت هذه الفكرة في أوروبا منذ هزيمة نابليون الكبرى الأولى على أيدي الروس، إلا أن تحالف القوى العظمى في أوروبا أثبت أنه أشد بأسًا وقوّة، وكشف مدى اضمحلال وضعف حكم القيصر نيقولا الأول، بعدما تبين درجة عجز وضعف القوات البرية والبحرية للإمبراطورية.[19]
النصب التذكاري للقيصر المحرر في صوفيا يخلد الدور الحاسم للقيصر الكسندر الثاني في تحرير بلغاريا من الحكم العثماني.
وبعد نيقولا الأول تولّى ألكسندر الثاني عرش الإمبراطورية في سنة 1855، وفي تلك الفترة كانت رغبة الشعب والسياسيين في الإصلاح الشامل لا تعلوا عليها رغبة. فظهرت حركة إنسانية أخذت بالتنامي شيءًا فشيئًا، وهاجمت الاسترقاق ودعت إلى إلغائه، وقد قد تم تشبيه هذه الحركة في السنوات اللاحقة، بحركة دعاة إلغاء العبودية في الولايات المتحدة قبل نشوب الحرب الأهلية الأمريكية.[20] في عام 1859، كان هناك أكثر من 23 مليون قن يعيشون في ظل ظروف أسوأ من تلك التي عاشها فلاحو أوروبا الغربية في القرن السادس عشر. وبناءً على هذه الوقائع والضغوطات التي مارستها هذه الحركة والرأي العام، قام ألكسندر الثاني بإلغاء نظام القنانة بنفسه بدلاً من انتظار أن يتم إلغائه من قبل الشعب عن طريق الثورة.
كان تحرير الأقنان في سنة 1861 أهم حدث في القرن التاسع عشر في التاريخ الروسي.[21] وكان ذلك بداية نهاية عهد احتكار الطبقة الأرستقراطية للسلطة. وقد أدّى التحرير إلى توريد العمالة الحرة إلى المدن، الأمر الذي نجم عنه نمو القطاع الصناعي، وزيادة حجم الطبقة الوسطى وتأثيرها على المجتمع؛ إلا أن الحكومة لم تقدم للأقنان المحررين الأراضي التي عملوا بها وعاشوا فيها طيلة سنوات، وعوضًا عن ذلك فُرض على هؤلاء الفلاحين دفع ضريبة خاصة إلى الحكومة مدى الحياة، والتي بدورها دُفعت ثمنًا للملاكين تعويضًا لهم عن الأرض التي فقدوها. وفي أحيان عديدة رهن الفلاحون الأرض نتيجة فقرهم الشديد وعدم مقدرتهم على تسديد هذه الضريبة. امتلكت جميع الأراضي التي سُلّمت للفلاحين من قبل "المير"، وهو مجتمع القرية، أي أن هذه الأراضي كانت عبارة عن ملكية مشتركة بين جميع أفراد القرى وكبارها، وكان المير يُقسّم الأراضي بين الفلاحين ويُشرف على إدارة المقتنيات والحقوق الحيازية المختلفة. وعلى الرغم من ألغاء العبودية، إلا أن إلغاءها تحقق بشروط غير مواتية للفلاحين، وبناءً على هذا، لم تفتر التوترات الثورية بل بقيت على حالها، على الرغم من النوايا الطيبة لألكسندر الثاني.[22][23]
في أواخر عقد السبعينات من القرن التاسع عشر، اشتبكت روسيا والدولة العثمانية مرة أخرى في بلاد البلقان.[24] وتصاعدت أزمة البلقان من سنة 1875 حتى سنة 1877، بسبب تمرد القوميات السلافية المختلفة ضد الحكم العثماني، الأمر الذي أدى إلى اتباع العثمانيين لسياية قمعية ضد هذه الحركات، اعتبرتها الإمبراطورية الروسية وحشيّة كبيرة. أصبح الرأي القومي الروسي يشكل عاملا محليًا خطيراً لدعمه للمسيحيين في منطقة البلقان للتحرر من الحكم العثماني، ودعمه لاستقلال بلغاريا والصرب.[25] في أوائل عام 1877، تدخلت روسيا نيابةً عن القوات الصربية والمتطوعين الروس عندما أعلنت الحرب على الدولة العثمانية، وفي غضون سنة واحدة، كانت القوات الروسية قد اقتربت من حدود الأستانة، عاصمة الدولة العثمانية، بشكل لا يدعوا للاطمئنان، فاضطر العثمانيون إلى الاستسلام. أقنع الدبلوماسيون القوميون والألوية الروس القيصر ألسكندر الثاني بإجبار الدولة العثمانية على توقيع معاهدة سان ستيفانو في مارس من سنة 1878، والتي اعترف العثمانيون بمقتضاها باستقلال بلغاريا، وبامتداد حدودها إلى جنوب غرب البلقان. وعندما هددت بريطانيا بإعلان الحرب على روسيا بسبب بنود معاهدة سان ستيفانو التي كان من شأنها توسعة النفوذ الروسي في المنطقة مما يتعارض مع مصالح بريطانيا، تراجعت روسيا عن قراراتها لاستنفاذها قواتها ومواردها في حروب البلقان، مما يجعلها غير قادرة على مقارعة دولة بقوة بريطانيا. وفي مؤتمر برلين في شهر يوليو من سنة 1878، وافقت روسيا على التضييق من حدود بلغاريا. نتيجة لذلك، أخذ السلافيون القوميون ينظرون بحقد إلى الإمبراطورية النمساوية المجرية وألمانيا لفشلها في دعم روسيا. حفزت خيبة الأمل بنتيجة حرب البلقان التوترات الثورية في البلاد.
بلدة ريفية روسية في فصل الشتاء، اللوحة رسمها بوريس كوستودييف.
في أعقاب اغتيال منظمة "نارودنايا فوليا" الإرهابية المجهولة للقيصر ألكسندر الثاني،[26][27] في عام 1881، مر العرش لابنه ألكسندر الثالث (1881-1894)، الرجعي الذي أحيا القول المأثور لنيقولا الأول: "أرثودوكسية وأوتوقراطية ووطنية". اعتقد ألكسندر الثالث أن بإمكانه إنقاذ روسيا من الفوضى عن طريق ابتعاده عن التأثيرات التخريبية عليها من قبل دول أوروبا الغربية. أبرمت روسيا في عهد هذا القيصر اتحاداً مع جمهورية فرنسا لاحتواء القوة المتنامية لألمانيا، كذلك فرضت كامل سيطرتها على آسيا الوسطى وانتزعت تنازلات إقليمية وتجارية هامة من الصين.[28]
كان قسطنطين بوبيدونوستيف مستشار القيصر الأكثر نفوذاً، وهو معلم ألكسندر الثالث ونجله نيقولا الثاني، والنائب العام للمجمع المقدس من سنة 1880 حتى سنة 1895. درّس تلاميذه الملكيين الخوف من حرية التعبير والصحافة، وكرههم بالديمقراطية والدساتير، والنظام البرلماني. الأمر الذي كان من شأنه قتل وقمع الثوريين واعتماد سياسة "الروسنة" في جميع أنحاء الإمبراطورية، طيلة عهد هذا الرجل.
أوائل القرن العشرين
خلف القيصر نيقولا الثاني (1894-1917) والده ألكسندر الثالث بتاريخ 1 نوفمبر سنة 1894. وفي بداية عهده بدأت الثورة الصناعية تؤثر بشكل ملحوظ على الإمبراطورية الروسية. فقال الليبراليون من أصحاب الرساميل الصناعية والنبلاء بإصلاح اجتماعي سلمي، وبملكية دستورية، وقاموا بتشكيل الحزب الدستوري الديمقراطي.[29][30] أما الثوريون الاجتماعيون فجمعوا بين التقليد النارودنيكي ودعوا إلى توزيع الأراضي بين أولئك الذين عملوا فعلا فيها، أي الفلاحين. كانت مجموعة أخرى متطرفة وهي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، من الدعاة إلى الماركسية في روسيا، حيث دعوا إلى استكمال الثورة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.[31]
في عام 1903 انقسم الحزب إلى جناحين في مدينة لندن، المناشفة أو المعتدلين والبلشفية أو المتطرفين. اعتقد المناشفة بأن الاشتراكية الروسية سوف تنمو تدريجيًا بشكل سلميّ، وذلك أن نظام القيصر ينبغي أن يتحول إلى جمهورية يتعاون فيها الاشتراكيون مع الأحزاب الليبرالية البورجوازية على بناء الوطن. دعا البلاشفة، بزعامة فلاديمير لينين، إلى تشكيل نخبة صغيرة من الثوريين المهنيين، تخضع لانضباط الحزب القوي، لتكون بمثابة طليعة الطبقة الكادحة من أجل الاستيلاء على السلطة بالقوة.[32]
كان فشل القوات المسلحة الروسية في تحقيق النصر في الحرب الروسية اليابانية (1904-1905) بمثابة ضربة قوية للنظام القيصري، والتي زادت من احتمالات حدوث قلاقل. في شهر يناير من سنة 1905 وقعت الأحداث المعروفة باسم الأحد الدامي، إذ قاد الأب " جورجي غابون" حشدا هائلا من الناس إلى قصر الشتاء في سانت بطرسبرغ لرفع عريضة إلى القيصر.[33] وعندما وصل الموكب إلى القصر، فتح القوزاق النار على المتظاهرين، مما أسفر عن مقتل المئات. كانت الجماهير الروسية مثارة بالمجزرة مما أدى إلى إعلان مطالبة بالجمهورية. وكانت هذه علامة على بداية الثورة الروسية عام 1905. فظهرت السوفيات (مجالس العمال) في معظم المدن لمباشرة النشاط الثوري وحث النس عليه. فكانت روسيا مشلولة بالتالي، والحكومة يائسة لا تقدر على الاتيان بحل جازم نهائي.[34][35]
في شهر أكتوبر من سنة 1905، أصد نيقولا الثاني بيان أكتوبر الشهير على مضض،[36] وأقر فيه إنشاء الدوما الوطني (البرلمان) ودعوته للانعقاد دون تأخير. شمل الحق في التصويت عدة فئات شعبية ولم يُطبق أي قانون دون الحصول على الموافقة عليه من مجلس الدوما. وكان من شأن هذا إرضاء الجماعات المعتدلة، ولكن الاشتراكيين رفضوا التنازلات التي قالوا أنها غير كافية وحاولوا تنظيم إضرابات جديدة. بحلول نهاية عام 1905، كان هناك انقسام بين الإصلاحيين، فكان عاقبة ذلك أن تعزز موقع القيصر لفترة من الزمن.
مشهد من الثورة الروسية الأولى، بريشة إيليا ريبين.
دخل القيصر نيقولا الثاني ورعاياه في الحرب العالمية الأولى بحماسة يدفعها شعورهم الوطني وأحساسهم القومي، أي الدفاع عن أخوة الروس من السلاف الأرثوذكس، والصرب ضد معسكر دول المحور.[37] في أغسطس من سنة 1914، دخل الجيش الروسي ألمانيا لدعم الجيوش الفرنسية. صوّرت الانقلابات العسكرية والدعاية المناهضة للحرب، الحكومة الروسية على أنها غير كفء لتولي شؤون البلاد والعباد، وسرعان ما أدّى ذلك إلى إثارة غضب الكثير من الناس وزيادة نقمتهم على الدولة والنظام الحاكم. قطعت السيطرة الألمانية على بحر البلطيق والسيطرة الألمانية-العثمانية على البحر الأسود وصول المدد إلى روسيا عن طريق حلفائها والأسواق الخارجية.[38][39]
بحلول منتصف سنة 1915 انخفضت معنويات العساكر الروسية. وسرت شائعات بنفاذ قريب للمواد الغذائية والوقود وبازدياد عدد الضحايا (على الرغم من بقاءه أقل من عدد ضحايا باقي الدول المتحاربة)، وبأن معدل التضخم يتصاعد. ومن الناحية الواقعية، إرتفع عدد الاضرابات التي قام بها عمال المصانع ذوي الأجور المحدودة، وكانت هناك تقارير تفيد بأن الفلاحين، الذين كانوا يطالبون بالإصلاح الزراعي، قد ضاق صدرهم واكتفوا وأنهم على وشك الثورة. وفي الوقت نفسه، انخفظت ثقة الشعب بالنظام الحاكم بعد ظهور تقارير في وسائل الاعلام المعادية للحكومة تفيد أن المتصوف غريغوري راسبوتين له تأثير سياسي عظيم داخل الحكومة. وقد أنهى اغتيال الأخير في عام 1916 هذه الفضيحة لكنه لم يُعد للدولة هيبتها المفقودة.
بتاريخ 3 مارس سنة 1917، تم تنظيم أضراب من قبل عمّال أحد المصانع في العاصمة سانت بطرسبرغ؛ وفي غضون أسبوع تقريبًا توقف جميع العاملين في المدينة عن متابعة أعمالهم، واندلع القتال في الشوارع. ثم تفجرت ثورة فبراير عندما حل القيصر مجلس الدوما، وأمر المضربين بالعودة إلى العمل.[40].
رفض مجلس الدوما الانحلال، وعقد المضربون اجتماعات جماهيرية تحديًا للنظام، ووقف الجيش علنًا إلى جانب العمال. وبعد بضعة أيام أُنشأت حكومة مؤقتة برئاسة غريغوري لفوف المُسمى من قبل مجلس النواب، وفي اليوم التالي ألقي القبض على القيصر وأعلن أنه قد تنازل عن الحكم.[41] قُتل نيقولا الثاني وزوجته وابنه وبناته الأربع وطبيب العائلة وخادم القيصر وسيدة الإمبراطورة وأسرة الطباخ جميعا في غرفة واحدة على أيدي البلاشفة في ليلة 17 يوليو من سنة 1918،[42] وفي الوقت نفسه، شكل الاشتراكيون في سانت بطرسبرغ مجلساً من العمال والجنود المعاونين لتزويدهم بالشعبية والسلطة التي افتقروها في مجلس الدوما.[43][44]
أراضي الامبراطورية
الحدود
وصلت الحدود الإدارية للامبراطورية الروسية إلى الحدود الطبيعية للسهول الأوروبية الشرقية، وذلك إن تم استثناء فنلندا والجزء البولندي الذي كان خاضعًا للسيطرة الروسية. وفي الشمال وصلت حدود الامبراطورية إلى المحيط المتجمد الشمالي؛ حيث امتلكت فيه جزر نوفايا زيمليا وكولغوييف وجزيرة فايغاش. وفي الشرق وقعت الأراضي الآسيوية الخاضعة للإمبراطورية، وهي سهوب سيبيريا وقيرغيزستان، التي كان كل منها يفصل بين جبال الأورال ونهر الأورال وبحر قزوين، وامتدت الحدود الإدارية الآسيوية غربًا إلى منحدرات جبال الأورال الفاصلة بين قارتي آسيا وأوروبا. وبالنسبة للحدود الجنوبية، فإنها وصلت إلى البحر الأسود والقوقاز، وانفصلت عن هذه الأخيرة بنهر مانيش، الذي كان يصل بحر آزوف بمنطقة بحر قزوين في العصور السابقة على العصر الحديث القريب. أما الحدود الغربية فكانت، ولا تزال هي نفسها، إلى حد كبير: فامتدت من شبه جزيرة كولا نحو فارانجيرفيورد وصولاً إلى خليج بوثنيا، ومن هناك إلى بحيرة قورش في جنوب بحر البلطيق، ومن ثم إلى مصب نهر الدانوب، حيث تلتف لتطوّق بولندا وتفصل بين روسيا وبروسيا وغاليسيا النمساوية ورومانيا.
من السمات الخاصة لروسيا أن لديها القليل من المنافذ الحرة إلى البحر المفتوح غير الشواطئ الجليدية في المحيط المتجمد الشمالي، فحتى البحر الأبيض يُعتبر مجرد خليج من المحيط سالف الذكر. كان التثليم العميق لخلجان بوثنيا وفنلندا محاطا بالأراضي الفنلندية، لذا قام الروس باتخاذ موطئ قدم لهم عند رأس الخليج الأخير من خلال إقامة عاصمتهم عند مصب نهر نيفا. ينتمي خليج ريغا والبلطيق أيضًا إلى الأراضي التي لم تكن مأهولة من قبل السلاف، ولكن من جانب شعوب دول البلطيق والفنلنديين ومن قبل الألمان كذلك الأمر. وينتمي الساحل الشرقي للبحر الأسود إلى منطقة جنوب القوقاز الجغرافيّة، وتفصله سلسلة كبيرة من الجبال عن روسيا. لكن حتى هذه المسطحات المائية الداخلية كانت بمثابة بحار، وكان المتنفس الوحيد منها، على البوسفور خاضعًا، للدولة العثمانية، في حين أن بحر قزوين، الذي تحده الصحراء من معظم نواحيه، برزت أهميته كحلقة وصل بين روسيا ومستوطناتها الآسيوية، أكثر من كونه قناة للاتصال مع البلدان الأخرى.
الجغرافيا
بحلول نهاية القرن التاسع عشر بلغت مساحة الإمبراطورية ما يُقارب من 22,400,000 كلم²، وهو ما يُعادل سدس مساحة الكرة الأرضية؛ منافستها الوحيدة من حيث المساحة في ذلك الوقت كانت الامبراطورية البريطانية، وكان غالبية السكان في الإمبراطورية يعيشون في الجزء الأوروبي من روسيا، وقد ضمت الإمبراطورية أكثر من 100 مجموعة عرقية، فيما شكّل الروس حوالي 45% من إجمالي عدد السكان.
تطور الأراضي
بالإضافة إلى كامل أراضي روسيا الحديثة،[45] فإن أراضي الإمبراطورية الروسية شملت، قبل عام 1917، أراضي كل من: أوكرانيا (دنيبر أوكرانيا وشبه جزيرة القرم[3]) وروسيا البيضاء ومولدافيا (بيسارابيا) وفنلندا (دوقية فنلندا) وأرمينيا وأذربيجان وجورجيا (بما في ذلك مينغريليا)، وبعض دول آسيا الوسطى مثل كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان (تركستان الروسية)، ومعظم ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا (محافظات البلطيق) وكذلك جزءاً كبيرا من بولندا (مملكة بولندا) ومحافظاتأردهان وأرتفين وإغدير وكارس في تركيا. وفي الفترة الممتدة بين عاميّ 1742 و1867، إدعت الإمبراطورية الروسية أن ألاسكا مستعمرة تخصها.
في أعقاب الهزيمة السويدية في الحرب الفنلندية والتوقيع على معاهدة فريدريكشامن في 17 سبتمبر من سنة 1809، أُدرجت فنلندا في الإمبراطورية الروسية باعتبارها دوقية مستقلة. حكم القيصر دوقية فنلندا بوصفه ملكًا دستوريًا، عن طريق الدوق الأكبر ومجلس الشيوخ الذين عينهم بنفسه.[46]
الأراضي الخارجية للامبراطورية
وفقا للمادة الأولى من القانون العضوي، كانت الإمبراطورية الروسية دولة واحدة لا تتجزأ. بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 26 على أن "مملكة بولندا ودوقية فنلندا غير قابلة للفصل عن عرش الإمبراطورية الروسية". كذلك، نظمت المادة الثانية العلاقات مع دوقية فنلندا، فنصت على أن: "دوقية فنلندا، تُشكل جزءاً لا يتجزأ من الدولة الروسية؛ تُحكم شؤونها الداخلية أنظمة خاصة مبنية على قواعد قانونية خاصة"، وكذلك فعل قانون 10 يونيو لسنة 1910.[47]
في الفترة الممتدة بين عاميّ 1744 و1867 سيطرت الامبراطورية أيضًا على ما يُسمى "بأمريكا الروسية"، أي ألاسكا بما فيها من جزر، وباستثناء هذه الأراضي، كانت الإمبراطورية الروسية عبارة عن كتلة متلاصقة من الأراضي الممتدة من أوروبا إلى آسيا. تختلف الإمبراطورية الروسية عن باقي الامبراطوريات الاستعمارية، حيث أنه في حين تم تقسيم الإمبراطويات الكبرى الأخرى مثل الإمبراطورية البريطانية والامبراطورية الفرنسية خلال القرن العشرين، فإن الإمبراطورية الروسية حافظت على جزء كبير من أراضيها، عند قيام الإتحاد السوفياتي الشيوعي، واستمرت على هذا المنوال بعد انهياره وقيام روسيا الإتحادية.
وعلاوةً على ذلك، سيطرت الإمبراطورية مؤقتًا على بعض الأراضي عن طريق حصولها على عدد من الامتيازات فيها، من شاكلة بعض أراضي الصين مثل ميناء كوانتونغ ومنطقة السكك الحديدية الصينية الشرقية، [48] التي اعترفت بها الامبراطورية الصينية، فضلا عن أنها تنازلت لروسيا عن مدينة تيانجين.
في عام 1815، إتجه الدكتور شافر، رجل الأعمال الروسي، إلى جزيرة كاواي، رابع أكبر جزيرة في الأرخبيل الهاوايي، للتفاوض على معاهدة الحماية مع حاكم جزيرة كواموالي، الخاضع لملك هاواي كاميهاميها الأول، إلا أن القيصر الروسي رفض التصديق على المعاهدة.