- السبت مايو 28, 2011 1:40 pm
#36778
علي بدوان
جاء خطاب الرئيس باراك أوباما الأخير في مقر وزارة الخارجية الأميركية محبوكاً بعناية خاصة، ومستنداً إلى واقعة غياب الرؤية الجادة، الموضوعية والمتوازنة، الملموسة والحازمة تجاه ماجرى وما يجري في ساحة الشرق الأوسط، وفي القلب من ذلك القضية الفلسطينية، حيث آتى في مضمونه مطابقاً للمواقف الإسرائيلية، مليئاً ومتخماً بالمبادىء والعموميات التي لاتفتح دروب الحل لمسارات التسوية المعقدة، والمصطدمة بجبال التعنت "الإسرائيلي" الرافض لاستحقاقات الشرعية الدولية قولاً وعملاً.
ومع هذا، فقد كان أوباما ذكياً ولماحاً، حاول ومنذ اليوم الأول لقدومه للبيت الأبيض، وعبر لونه بشرته غير المعتادة في رؤساء الولايات المتحدة أن يغري بعض عامة الناس في بلداننا العربية، وأن يدغدغ مشاعرهم بالحديث عن حق الشعوب في الحرية ورفض الاستبداد ومقارعة الطغاة، لقبول ما يقوله، محاولاً شراء الثورات العربية وركوب موجات الناس المتذمرة من أنظمتها التي طالما كانت تحت الرعاية الأميركية كما كان الحال مع مصر حسني مبارك وتونس بن علي.
لقد قدم أوباما، خطاباً متخماً بالديماغوجيا، وان جاء محبكاً، حي سعى لمصادر الثورات العربية، حتى لا تخرج عن السياق الذي تحاول الإدارة الأميركية ربطها به، محاولاً تحييد الذاكرة العربية المليئة بالنقد لسلوك الإدارات الأميركية المتعاقبة من قضايا الصراع مع الاحتلال الصهيوني، فأطلق جملاً وعبارات معسولة لم تخرج بفحواها عن سياسات الولايات المتحدة في المنطقة لكنها لاتقدم الملموس.
ونعتقد أن خطابه المليء بمفردات كثيرة، منها مفردات شعورية وعاطفية بالحديث عن الديمقراطية وحق الشعوب بالحرية، لايكفي لإقناع الناس في منطقتنا بعدالة رؤيته وتوازنها، فكان خطابه متواضعاً في حديثه عن الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني منذ نكبة العام 1948، متجاهلاً أن الولايات المتحدة شكلت دوماً مظلة للظلم الواقع على فلسطين المحتلة وشعبها، وسعت لتكريس واقع الاحتلال عبر إمداده بكل سبل البقاء عسكرياً وسياسياً ومالياً، وأن ثمة تبعات تتحملها تلك الدولة العظمى لأنها ذهبت كثيراً في اتجاهات مختلفة أدت إلى المزيد من التوتر في المنطقة، ومن الأضرار بمصالحها عند شعوب المنطقة وأبناءها عند مراجعة ما اقترفه الرئيس السابق جورج بوش حيث جاءت الارتدادات أبعد بكثير من مركز المشكلة الدائمة. لذلك فان إشاراته للقضية الفلسطينية جاءت في نهاية كلمته، ولم تكن لترتقي للحد الأدنى من المستوى المطلوب، وقد قدم عمليا رؤية منحازة بالكامل لصالح الخطاب "الإسرائيلي" متجاهلاً في الوقت نفسه جوهر القضية الفلسطينية والمتمثل بحق العودة.
إن خطاب أوباما الأخير، يكسر ويفضح القصور السياسي وحتى الفكري لدى بعض العرب الرسميين الذين هللوا لقدوم أوباما ولخطابه الأول والثاني الموجهين للعالم الإسلامي قبل عامين في كلاً من تركيا والقاهرة، فقد انكسرت الآن موجات التفاؤل وتبين أنها كانت موجات مصطنعة ومبالغ بها، وكان هدفها تخديري بالدرجة الأولى، وان المهللين لها من العرب، كانوا أناس لايقرؤا الأحداث بعين متفحصة، أو أنهم مدركين لفحواها لكنهم فضلوا محاباة ومجاراة العم سام ونصائحه السامة.
ففي حين يتبنى الرئيس أوباما بالنسبة للموضوع الفلسطيني مثلاً، فإن إدارته تتعاطى مع مواقف حكومة نتنياهو تعاطياً مخملياً ناعماً، فتغمض عينيها وتصم أذانها تجاه مايجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً لجهة قضم الأراضي وتهويدها في القدس وعموم الضفة الغربية وهو ما تجاهله أوباما تماماً في خطابه الأعمى والمنحاز، حيث لم يُدِن الاستيطان ولم يتطرق للجرائم "الإسرائيلية" بحق الشعب الفلسطيني، فضلاً عن تراجعه الكبير عن موقفه الذي أعلنه عندما تسلم مهامه في البيت الأبيض وخطابه بالقاهرة، عدا عن الصمت تجاه استمرار الحصار الظالم المطبق على قطاع غزة.
كما أن أوباما وفي حديثه عن ضرورة قيام دولة فلسطينية، كان يحاول أن ينتزع إقرارا عربياً لما يسمى "ًيهودية إسرائيل" بينما يتم تضييع حق العودة الذي يشكل العنوان الأبرز للقضية الوطنية الفلسطينية.
وكان أوباما قد رفض في خطابه أمس ما وصفه بالجهود المبولة من قبل الطرف الفلسطيني لعزل "إسرائيل" أممياً في سبتمبر/أيلول المقبل، في إشارة إلى استعداد الفلسطينيين لطرح إعلان الدولة على الجمعية العامة للأمم المتحدة لنيل الاعتراف بها، طارحاً موقفا متراجعاً عن مواقفه السابقة تحت عنوان "اتفاق لإقامة دولة فلسطينية يجب أن يعتمد على حدود 1967 مع مبادلات لأراض وتعديلات يتفق عليها الطرفان"، أي انتقل إلى الحديث عن إقامة الدولة الفلسطينية ضمن حدود العام 1967 وليس على حدود العام 1967.
خرج بموقف أميركي يتطابق بالتمام والكمال مع الرؤية "الإسرائيلية" التي حملها نتنياهو إلى واشنطن، والتي من المتوقع أن يقوم بعرضها على مؤتمر اللوبي الصهيوني (منظمة الايباك) في نيويورك، حيث لم يتطرق لوقف الاستيطان نهائيا، ويريد من الفلسطينيين العودة للتفاوض في ظل ظروف مجحفة، ويرفض الذهاب للجمعية العامة للأمم المتحدة، ويريد تأجيل قضايا اللاجئين والقدس، ويريد بدء التفاوض حول قضايا الأمن والحدود، وهذا هو نفس الموقف الإسرائيلي بالضبط.
إذا، جاء الخطاب العتيد للرئيس باراك أوباما مساء يوم الخميس العشرين من أيار/مايو 2011 في مقر وزارة الخارجية الأميركية، منسجماً بالكامل مع الرؤية "الإسرائيلية" فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ورشوة تمهيد لخطاب بنيامين نتنياهو بعد أيام أمام لوبي منظمة الايباك الصهيونية في نيويورك في سياقات التحشيد التي يسعى لها أوباما لكسب قطاعات اليهود الأميركيين إلى جانبه في معركته الانتخابية القادمة داخل الولايات المتحدة.
ومن جانب أخر، فان السموم التي أطلقها اوباما في خطابه تجاه سورية عند الحديث عنها، فضحت الطابق المستور للدور الأميركي الساعي في استهداف سورية. فالرئيس أوباما يطلق أقواله في خطابه الأخير معتبراً أن سورية تشكل "مصدر القلق الأساس للولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط" في الوقت الذي تباكى فيه على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتناسى فيه أيضا عذابات الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال، وقضاياها العادلة وفي القلب منها قضية العودة لأكثر من نصف الشعب الفلسطيني اللاجىء في منافي الشتات.
وعليه، إن الرد الفلسطيني المطلوب على خطاب أوباما المنحاز، إلى جانب العدو الصهيوني، وعلى النقيض من المصالح الوطنية والقومية لعموم العرب، ومحاولته ركوب موجات المطالب العادلة للناس في عموم المنطقة، يكون بـتعزيز المصالحة الفلسطينية/الفلسطينية والسير بها على طريق التطبيق الكامل على أرض الواقع، وتحقيق المزيد من الوحدة والتلاحم في الصف الفلسطيني.
ويبقى القول، أن سياسة الانتظار والارتهان العربي على مواقف أميركية يعتبر في جوهره علة العلل، فالموقف الرسمي العربي انتظاري وارتهاني واتكالي، وغير مبادر بالمعنى الحقيقي والتام للكلمة، بالرغم من إطلاق المبادرة العربية منذ قمة بيروت 2002، وهي مبادرة أصابها أوباما في خطابه الأخير بشكل غير مباشر لجهة ضرورة تعديلها لتنسجم مع مسار وفحوى الخطاب.
جاء خطاب الرئيس باراك أوباما الأخير في مقر وزارة الخارجية الأميركية محبوكاً بعناية خاصة، ومستنداً إلى واقعة غياب الرؤية الجادة، الموضوعية والمتوازنة، الملموسة والحازمة تجاه ماجرى وما يجري في ساحة الشرق الأوسط، وفي القلب من ذلك القضية الفلسطينية، حيث آتى في مضمونه مطابقاً للمواقف الإسرائيلية، مليئاً ومتخماً بالمبادىء والعموميات التي لاتفتح دروب الحل لمسارات التسوية المعقدة، والمصطدمة بجبال التعنت "الإسرائيلي" الرافض لاستحقاقات الشرعية الدولية قولاً وعملاً.
ومع هذا، فقد كان أوباما ذكياً ولماحاً، حاول ومنذ اليوم الأول لقدومه للبيت الأبيض، وعبر لونه بشرته غير المعتادة في رؤساء الولايات المتحدة أن يغري بعض عامة الناس في بلداننا العربية، وأن يدغدغ مشاعرهم بالحديث عن حق الشعوب في الحرية ورفض الاستبداد ومقارعة الطغاة، لقبول ما يقوله، محاولاً شراء الثورات العربية وركوب موجات الناس المتذمرة من أنظمتها التي طالما كانت تحت الرعاية الأميركية كما كان الحال مع مصر حسني مبارك وتونس بن علي.
لقد قدم أوباما، خطاباً متخماً بالديماغوجيا، وان جاء محبكاً، حي سعى لمصادر الثورات العربية، حتى لا تخرج عن السياق الذي تحاول الإدارة الأميركية ربطها به، محاولاً تحييد الذاكرة العربية المليئة بالنقد لسلوك الإدارات الأميركية المتعاقبة من قضايا الصراع مع الاحتلال الصهيوني، فأطلق جملاً وعبارات معسولة لم تخرج بفحواها عن سياسات الولايات المتحدة في المنطقة لكنها لاتقدم الملموس.
ونعتقد أن خطابه المليء بمفردات كثيرة، منها مفردات شعورية وعاطفية بالحديث عن الديمقراطية وحق الشعوب بالحرية، لايكفي لإقناع الناس في منطقتنا بعدالة رؤيته وتوازنها، فكان خطابه متواضعاً في حديثه عن الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني منذ نكبة العام 1948، متجاهلاً أن الولايات المتحدة شكلت دوماً مظلة للظلم الواقع على فلسطين المحتلة وشعبها، وسعت لتكريس واقع الاحتلال عبر إمداده بكل سبل البقاء عسكرياً وسياسياً ومالياً، وأن ثمة تبعات تتحملها تلك الدولة العظمى لأنها ذهبت كثيراً في اتجاهات مختلفة أدت إلى المزيد من التوتر في المنطقة، ومن الأضرار بمصالحها عند شعوب المنطقة وأبناءها عند مراجعة ما اقترفه الرئيس السابق جورج بوش حيث جاءت الارتدادات أبعد بكثير من مركز المشكلة الدائمة. لذلك فان إشاراته للقضية الفلسطينية جاءت في نهاية كلمته، ولم تكن لترتقي للحد الأدنى من المستوى المطلوب، وقد قدم عمليا رؤية منحازة بالكامل لصالح الخطاب "الإسرائيلي" متجاهلاً في الوقت نفسه جوهر القضية الفلسطينية والمتمثل بحق العودة.
إن خطاب أوباما الأخير، يكسر ويفضح القصور السياسي وحتى الفكري لدى بعض العرب الرسميين الذين هللوا لقدوم أوباما ولخطابه الأول والثاني الموجهين للعالم الإسلامي قبل عامين في كلاً من تركيا والقاهرة، فقد انكسرت الآن موجات التفاؤل وتبين أنها كانت موجات مصطنعة ومبالغ بها، وكان هدفها تخديري بالدرجة الأولى، وان المهللين لها من العرب، كانوا أناس لايقرؤا الأحداث بعين متفحصة، أو أنهم مدركين لفحواها لكنهم فضلوا محاباة ومجاراة العم سام ونصائحه السامة.
ففي حين يتبنى الرئيس أوباما بالنسبة للموضوع الفلسطيني مثلاً، فإن إدارته تتعاطى مع مواقف حكومة نتنياهو تعاطياً مخملياً ناعماً، فتغمض عينيها وتصم أذانها تجاه مايجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً لجهة قضم الأراضي وتهويدها في القدس وعموم الضفة الغربية وهو ما تجاهله أوباما تماماً في خطابه الأعمى والمنحاز، حيث لم يُدِن الاستيطان ولم يتطرق للجرائم "الإسرائيلية" بحق الشعب الفلسطيني، فضلاً عن تراجعه الكبير عن موقفه الذي أعلنه عندما تسلم مهامه في البيت الأبيض وخطابه بالقاهرة، عدا عن الصمت تجاه استمرار الحصار الظالم المطبق على قطاع غزة.
كما أن أوباما وفي حديثه عن ضرورة قيام دولة فلسطينية، كان يحاول أن ينتزع إقرارا عربياً لما يسمى "ًيهودية إسرائيل" بينما يتم تضييع حق العودة الذي يشكل العنوان الأبرز للقضية الوطنية الفلسطينية.
وكان أوباما قد رفض في خطابه أمس ما وصفه بالجهود المبولة من قبل الطرف الفلسطيني لعزل "إسرائيل" أممياً في سبتمبر/أيلول المقبل، في إشارة إلى استعداد الفلسطينيين لطرح إعلان الدولة على الجمعية العامة للأمم المتحدة لنيل الاعتراف بها، طارحاً موقفا متراجعاً عن مواقفه السابقة تحت عنوان "اتفاق لإقامة دولة فلسطينية يجب أن يعتمد على حدود 1967 مع مبادلات لأراض وتعديلات يتفق عليها الطرفان"، أي انتقل إلى الحديث عن إقامة الدولة الفلسطينية ضمن حدود العام 1967 وليس على حدود العام 1967.
خرج بموقف أميركي يتطابق بالتمام والكمال مع الرؤية "الإسرائيلية" التي حملها نتنياهو إلى واشنطن، والتي من المتوقع أن يقوم بعرضها على مؤتمر اللوبي الصهيوني (منظمة الايباك) في نيويورك، حيث لم يتطرق لوقف الاستيطان نهائيا، ويريد من الفلسطينيين العودة للتفاوض في ظل ظروف مجحفة، ويرفض الذهاب للجمعية العامة للأمم المتحدة، ويريد تأجيل قضايا اللاجئين والقدس، ويريد بدء التفاوض حول قضايا الأمن والحدود، وهذا هو نفس الموقف الإسرائيلي بالضبط.
إذا، جاء الخطاب العتيد للرئيس باراك أوباما مساء يوم الخميس العشرين من أيار/مايو 2011 في مقر وزارة الخارجية الأميركية، منسجماً بالكامل مع الرؤية "الإسرائيلية" فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ورشوة تمهيد لخطاب بنيامين نتنياهو بعد أيام أمام لوبي منظمة الايباك الصهيونية في نيويورك في سياقات التحشيد التي يسعى لها أوباما لكسب قطاعات اليهود الأميركيين إلى جانبه في معركته الانتخابية القادمة داخل الولايات المتحدة.
ومن جانب أخر، فان السموم التي أطلقها اوباما في خطابه تجاه سورية عند الحديث عنها، فضحت الطابق المستور للدور الأميركي الساعي في استهداف سورية. فالرئيس أوباما يطلق أقواله في خطابه الأخير معتبراً أن سورية تشكل "مصدر القلق الأساس للولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط" في الوقت الذي تباكى فيه على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتناسى فيه أيضا عذابات الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال، وقضاياها العادلة وفي القلب منها قضية العودة لأكثر من نصف الشعب الفلسطيني اللاجىء في منافي الشتات.
وعليه، إن الرد الفلسطيني المطلوب على خطاب أوباما المنحاز، إلى جانب العدو الصهيوني، وعلى النقيض من المصالح الوطنية والقومية لعموم العرب، ومحاولته ركوب موجات المطالب العادلة للناس في عموم المنطقة، يكون بـتعزيز المصالحة الفلسطينية/الفلسطينية والسير بها على طريق التطبيق الكامل على أرض الواقع، وتحقيق المزيد من الوحدة والتلاحم في الصف الفلسطيني.
ويبقى القول، أن سياسة الانتظار والارتهان العربي على مواقف أميركية يعتبر في جوهره علة العلل، فالموقف الرسمي العربي انتظاري وارتهاني واتكالي، وغير مبادر بالمعنى الحقيقي والتام للكلمة، بالرغم من إطلاق المبادرة العربية منذ قمة بيروت 2002، وهي مبادرة أصابها أوباما في خطابه الأخير بشكل غير مباشر لجهة ضرورة تعديلها لتنسجم مع مسار وفحوى الخطاب.