- السبت مايو 28, 2011 2:23 pm
#36805
أحمد عمرابي
خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى العالم العربي والإسلامي في مطلع الأسبوع الجاري، ليس سوى امتداد لخطاب مماثل وجهه قبل عامين إلى الشعوب والأنظمة العربية والإسلامية، من حيث الجوهر والأسلوب. الجوهر هو تغليب المصالح على المبادئ.. والأسلوب هو التدليس اللفظي المبني على المحسنات البلاغية، التي تجعل من الباطل حقا ومن الحق باطلا.
السمة العامة لهذا الخطاب الأخير هي «التغير». فالرئيس الأميركي يريد إقناع الشعوب العربية والإسلامية بأن الولايات المتحدة قررت، على خلفية التيار الراديكالي الثوري الذي يعم الآفاق في منطقة الشرق الأوسط، أن تغير ما بنفسها من قبيل التجاوب مع هذا التيار المتنامي، ومع ما أفرزه ويفرزه من تداعيات تفضي إلى خلق أوضاع جديدة.
غير أن ما يعكسه خطاب الرئيس ـــ إذا دققنا فيه ـــ ليس رغبة أميركية حقيقية في التغيير الجوهري، وإنما رغبة في أن تبدو أميركا لعين الرائي وكأنها قد تغيرت، بينما غلبة المصلحة على المبدأ تبقى على حالها.
لقد أعلن الرئيس أوباما، في أشارته إلى الثورات الشعبية التي تعصف بالعالم العربي على مدى ستة شهور حتى الآن، أن «سياسات القمع لن تجدي بعد اليوم». هذا في حد ذاته قول فصل جدير بالإعجاب، لكن سرعان ما يخرج الرئيس من حكمة المبدأ إلى نزوة المصلحة، بإدانته للقمع في مواضع معينة مع إجازته وتبريره في مواضع أخرى!
هذا التناقض الأميركي لا يقتصر على المنطقة العربية، وإنما هو جزء من الرؤية الأميركية الشاملة للعالم بأسره، فبينما تطرح واشنطن تشخيصا صائبا للمتغيرات الجارية في عالم اليوم، فإنها تطبق سياسات لا تتلاءم مع نتائج هذا التشخيص.
في هذا الصدد يقول أوباما في خطابه، إن القنوات الفضائية والإنترنت يوفران نافذة على العالم.. عالم يحقق إنجازات مدهشة في أماكن مثل الهند وإندونيسيا والبرازيل، ويضيف قائلاً: إن الهواتف النقالة وشبكات التواصل الاجتماعي يسمحان للشباب بالتواصل. ويقول أيضا؛ إن جيلا جديدا انبثق وصوته يقول لنا إنه لا يمكن رفض التغيير.
إنه تشخيص علمي وعصري ورصين، لكن عوضا عن نسج خيوط تواصل مع هذا الجيل العالمي الجديد من الشباب الصاعد، لا تزال الولايات المتحدة تفضل التحالف مع أنظمة الاستبداد، إما لضمان المصالح الذاتية أو لحماية الدولة الإسرائيلية.
شباب الجيل الجديد هو الذي تولى مسؤولية ثورة الشارع في كل من مصر وتونس. وبناء على أسطورة المبدأ المثالي، أرادت الولايات المتحدة من خلال خطاب أوباما، أن تثبت «وفاءها» للمثالية الديمقراطية بصورة عملية، عن طريق تقديم دعم اقتصادي للوضع الجديد في كلتا الدولتين. لكن هل هو فعلا دعم اقتصادي حقيقي؟ لنأخذ الحالة المصرية؛ لقد تقدم الرئيس أوباما بوعدين لمصر هما:
أولا؛ مساعدة نظام ما بعد مبارك في استعادة الأموال التي فقدتها مصر بسبب فساد العهد السابق.
ثانيا؛ خطة أميركية لمساعدة مصر اقتصادياً، من خلال إعفائها من ديون بقيمة مليار دولار، ومنحها معونة بقيمة مليار دولار أخرى.
بالنسبة للبند الأول فإن علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت واشنطن على استعداد لتمكين مصر من استرداد 30 مليار دولار، هي عبارة عن الأموال التي سرقها رجال النظام السابق ورئيسه وأودعت في بنوك ومؤسسات داخل الولايات المتحدة.. إذ لا تبدو على الأفق حتى الآن، أي مؤشرات تفيد بأن واشنطن راغبة جديا في التجاوب مع القاهرة.
ثالثا؛ إعفاء مصر من مديونية أميركية بقيمة مليار دولار فقط، لا يعني الكثير كما يبدو، إذا أخذنا في الاعتبار أن قيد الديون الخارجية الذي يكبل الاقتصاد المصري، تبلغ قيمته أكثر من 35 مليار دولار، أما مبلغ المليار دولار الآخر الذي وعد به أوباما، فإن من الصعب أن نطلق عليه «مساعدة» اقتصادية كما قال الرئيس الأميركي. فهو أولا، ليس هبة.. بل وليس قرضا مباشرا. إنه ضمان قرضي.. بمعنى أن تقترض مصر من مؤسسات مالية في حدود هذا المبلغ بضمانة أميركية. هو في الحقيقة إذن، قرض واجب السداد.. وقد يكون بسعر فائدة باهظ.
هكذا ينطوي خطاب أوباما على سلسلة من المخادعات، وكأن الرئيس الأميركي يفترض سذاجة مطلقة لدى جمهرة المتلقين على الطرف الآخر. والخدعة الأعظم تتمثل في ما أورده عن قضية الصراع العربي ـــ الإسرائيلي. وهذا حديث آخر.
خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى العالم العربي والإسلامي في مطلع الأسبوع الجاري، ليس سوى امتداد لخطاب مماثل وجهه قبل عامين إلى الشعوب والأنظمة العربية والإسلامية، من حيث الجوهر والأسلوب. الجوهر هو تغليب المصالح على المبادئ.. والأسلوب هو التدليس اللفظي المبني على المحسنات البلاغية، التي تجعل من الباطل حقا ومن الحق باطلا.
السمة العامة لهذا الخطاب الأخير هي «التغير». فالرئيس الأميركي يريد إقناع الشعوب العربية والإسلامية بأن الولايات المتحدة قررت، على خلفية التيار الراديكالي الثوري الذي يعم الآفاق في منطقة الشرق الأوسط، أن تغير ما بنفسها من قبيل التجاوب مع هذا التيار المتنامي، ومع ما أفرزه ويفرزه من تداعيات تفضي إلى خلق أوضاع جديدة.
غير أن ما يعكسه خطاب الرئيس ـــ إذا دققنا فيه ـــ ليس رغبة أميركية حقيقية في التغيير الجوهري، وإنما رغبة في أن تبدو أميركا لعين الرائي وكأنها قد تغيرت، بينما غلبة المصلحة على المبدأ تبقى على حالها.
لقد أعلن الرئيس أوباما، في أشارته إلى الثورات الشعبية التي تعصف بالعالم العربي على مدى ستة شهور حتى الآن، أن «سياسات القمع لن تجدي بعد اليوم». هذا في حد ذاته قول فصل جدير بالإعجاب، لكن سرعان ما يخرج الرئيس من حكمة المبدأ إلى نزوة المصلحة، بإدانته للقمع في مواضع معينة مع إجازته وتبريره في مواضع أخرى!
هذا التناقض الأميركي لا يقتصر على المنطقة العربية، وإنما هو جزء من الرؤية الأميركية الشاملة للعالم بأسره، فبينما تطرح واشنطن تشخيصا صائبا للمتغيرات الجارية في عالم اليوم، فإنها تطبق سياسات لا تتلاءم مع نتائج هذا التشخيص.
في هذا الصدد يقول أوباما في خطابه، إن القنوات الفضائية والإنترنت يوفران نافذة على العالم.. عالم يحقق إنجازات مدهشة في أماكن مثل الهند وإندونيسيا والبرازيل، ويضيف قائلاً: إن الهواتف النقالة وشبكات التواصل الاجتماعي يسمحان للشباب بالتواصل. ويقول أيضا؛ إن جيلا جديدا انبثق وصوته يقول لنا إنه لا يمكن رفض التغيير.
إنه تشخيص علمي وعصري ورصين، لكن عوضا عن نسج خيوط تواصل مع هذا الجيل العالمي الجديد من الشباب الصاعد، لا تزال الولايات المتحدة تفضل التحالف مع أنظمة الاستبداد، إما لضمان المصالح الذاتية أو لحماية الدولة الإسرائيلية.
شباب الجيل الجديد هو الذي تولى مسؤولية ثورة الشارع في كل من مصر وتونس. وبناء على أسطورة المبدأ المثالي، أرادت الولايات المتحدة من خلال خطاب أوباما، أن تثبت «وفاءها» للمثالية الديمقراطية بصورة عملية، عن طريق تقديم دعم اقتصادي للوضع الجديد في كلتا الدولتين. لكن هل هو فعلا دعم اقتصادي حقيقي؟ لنأخذ الحالة المصرية؛ لقد تقدم الرئيس أوباما بوعدين لمصر هما:
أولا؛ مساعدة نظام ما بعد مبارك في استعادة الأموال التي فقدتها مصر بسبب فساد العهد السابق.
ثانيا؛ خطة أميركية لمساعدة مصر اقتصادياً، من خلال إعفائها من ديون بقيمة مليار دولار، ومنحها معونة بقيمة مليار دولار أخرى.
بالنسبة للبند الأول فإن علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت واشنطن على استعداد لتمكين مصر من استرداد 30 مليار دولار، هي عبارة عن الأموال التي سرقها رجال النظام السابق ورئيسه وأودعت في بنوك ومؤسسات داخل الولايات المتحدة.. إذ لا تبدو على الأفق حتى الآن، أي مؤشرات تفيد بأن واشنطن راغبة جديا في التجاوب مع القاهرة.
ثالثا؛ إعفاء مصر من مديونية أميركية بقيمة مليار دولار فقط، لا يعني الكثير كما يبدو، إذا أخذنا في الاعتبار أن قيد الديون الخارجية الذي يكبل الاقتصاد المصري، تبلغ قيمته أكثر من 35 مليار دولار، أما مبلغ المليار دولار الآخر الذي وعد به أوباما، فإن من الصعب أن نطلق عليه «مساعدة» اقتصادية كما قال الرئيس الأميركي. فهو أولا، ليس هبة.. بل وليس قرضا مباشرا. إنه ضمان قرضي.. بمعنى أن تقترض مصر من مؤسسات مالية في حدود هذا المبلغ بضمانة أميركية. هو في الحقيقة إذن، قرض واجب السداد.. وقد يكون بسعر فائدة باهظ.
هكذا ينطوي خطاب أوباما على سلسلة من المخادعات، وكأن الرئيس الأميركي يفترض سذاجة مطلقة لدى جمهرة المتلقين على الطرف الآخر. والخدعة الأعظم تتمثل في ما أورده عن قضية الصراع العربي ـــ الإسرائيلي. وهذا حديث آخر.