صفحة 1 من 1

الولايات المتحدة والعالم الاسلامي

مرسل: السبت مايو 28, 2011 3:32 pm
بواسطة مشعل الزامل 8
تحتاج العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي،‮ ‬إلى دراسة أكاديمية معمقة،‮ ‬تتناولها من شتى الجوانب،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬تعود إلى الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي‮ ‬شهدت الحضورَ‮ ‬الأمريكيَّ‮ ‬في‮ ‬الساحة العربية الإسلامية،‮ ‬من المحيط الأطلسي‮ ‬إلى المحيط الهادي،‮ ‬في‮ ‬أعقاب تراجع حضور القوى الأوروبية التي‮ ‬كانت تنفرد بالمنطقة منذ فترة ما قبل القرن العشرين،‮ ‬وذلك من أجل الوقوف على طبيعة هذه العلاقة،‮ ‬وعلى العوامل التي‮ ‬كانت تؤثر فيها،‮ ‬ولعل بعضها ما‮ ‬يزال‮ ‬يؤثر فيها حتى اليوم‮.‬

ومنذ مجيئ الإدارة الأمريكية الجديدة،‮ ‬بدت في‮ ‬الأفق إشراقة‮ ‬ُ‮ ‬عهد جديد،‮ ‬كان الخطاب المهمّ‮ ‬الذي‮ ‬وجّهه الرئيس باراك أوباما من جامعة القاهرة‮ ‬يوم‮ ‬4‮ ‬يونيو‮ ‬2009‮ ‬إلى العالم الإسلامي،‮ ‬أحدَ‮ ‬أبرز ملامحه‮. ‬وجاء هذا الخطاب ـ الذي‮ ‬يُعدُّ‮ ‬في‮ ‬حقيقة الأمر وثيقةً‮ ‬سياسية تاريخية بالغة الأهمية ـ ليعلن عن التوجّه الجديد الذي‮ ‬قرّرت الإدارة الأمريكية أن تسير فيه،‮ ‬لكسب ثقة العالم الإسلامي،‮ ‬ولتحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية التي‮ ‬أصابها قدرٌ‮ ‬كبير من السوء في‮ ‬عهد الإدارة السابقة،‮ ‬ولبدء مرحلة جديدة من التعاون بين الجانبين في‮ ‬إطار من الاحترام المتبادل،‮ ‬ومراعاة المصالح المشتركة،‮ ‬والالتزام بقواعد القانون الدولي‮.‬

لقد ظهرت‮ ‬الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية كقوة نافذة عسكرياً‮ ‬واقتصادياً،‮ ‬خلال الحرب العالمية الأولى،‮ ‬ثم تبلورت العلاقات الأمريكية الدولية بعد ذلك،‮ ‬حتى إذا نشبت الحرب العالمية الثانية،‮ ‬تصدّرت أمريكا مقدمةَ‮ ‬القوى الدولية،‮ ‬حيث كان لثقلها العسكري‮ ‬والتكنولوجي،‮ ‬الدورُ‮ ‬الحاسم في‮ ‬انتصار الحلفاء وهزيمة المحور،‮ ‬فخرجت من أتون الحرب قوة‮ ‬ً‮ ‬رادعة‮ ‬ً‮ ‬ذات نفوذ واسع الانتشار،‮ ‬تمكنت به من الوقوف في‮ ‬وجه المعسكر الاشتراكي‮ ‬بقيادة الاتحاد السوفييتي‮ ‬السابق،‮ ‬طوال سنوات الحرب الباردة التي‮ ‬انتهت بانتصار المعسكر الرأسمالي‮ ‬بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬وسقوط حائط برلين الذي‮ ‬كان‮ ‬يرمز إلى عهد الأنظمة الشاملة القاهرة لإرادة الشعوب الخاضعة لهيمنتها‮.‬

لقد كانت الصورة التي‮ ‬وصلت إلى العالم الإسلامي‮ ‬عن الولايات‮ ‬المتحدة الأمريكية،‮ ‬في‮ ‬مطالع القرن العشرين،‮ ‬مقترنة بالمبادئ السامية والقيم المثلى الواردة في‮ ‬وثيقة الاستقلال الأمريكي‮ ‬والمتضمنة في‮ ‬الدستور الأمريكي‮. ‬كانت تلك الصورة زاهية بحق‮. ‬وكان الرأي‮ ‬العام العربي‮ ‬الإسلامي،‮ ‬ينظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها قلعة للحرية وحصناً‮ ‬للديمقراطية وأرضاً‮ ‬للتعدّدية العرقية والمذهبية والثقافية المنصهرة في‮ ‬بوتقة المواطنة الأمريكية‮. ‬ولكن الصورة شَابَها شيء‮ ‬غير قليل من الغبش،‮ ‬بسبب من المواقف التي‮ ‬اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية إزاء قضية الشعب الفلسطيني‮ ‬الذي‮ ‬احتلت أراضيه الوطنية بناء على وعد بلفور وانتهكت حقوقه وسفكت دماء الآلاف من أبنائه،‮ ‬بعد قيام إسرائيل في‮ ‬سنة‮ ‬1948، وعلى مدى أكثر من ستين عاماً‮ ‬من المعاناة القاسية والمحن المتتالية التي‮ ‬عاشها هذا الشعب الذي‮ ‬لم‮ ‬يجدمن لدن الولايات المتحدة الأمريكية أو من لدن الدول الكبرى الأخرى،‮ ‬أيَّ‮ ‬دعم أو مساندة،‮ ‬مما فتح المجال أمام إسرائيل،‮ ‬لممارسة المزيد من العدوان ضدّ‮ ‬الشعب الفلسطيني‮ ‬وارتكاب الجرائم التي‮ ‬يعاقب عليها القانون الدولي‮ ‬في‮ ‬حقه،‮ ‬وشجعها على عدم تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة التي‮ ‬اعترفت بحقوقه الشرعية والوطنية‮.‬

ثم توالت الأحداث في‮ ‬المنطقة،‮ ‬وتواصلت المواقف الأمريكية التي‮ ‬تُلحق الأضرار بالمصالح العليا للعالم الإسلامي،‮ ‬خصوصاً‮ ‬بعد احتلال العراق وأفغانستان،‮ ‬وإن كان ذلك قد تمَّ‮ ‬تحت‮ ‬غطاء من الأمم المتحدة‮. ‬ولكن الرأي‮ ‬العام العربي‮ ‬الإسلامي‮ ‬لم‮ ‬يتفهم أن تظل القوى العظمى بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬باسطة نفوذها وهيبتها وقبضتها الحديدية على الشعبين العراقي‮ ‬والأفغاني‮ ‬طوال هذه السنوات،‮ ‬مما جعل صورة‮ ‬الدولة العظمى التي‮ ‬تقود السياسة الدولية في‮ ‬هذه المرحلة من التاريخ،‮ ‬تسوء لدرجة أصبح معها إصلاح الوضع أمراً‮ ‬بالغ‮ ‬الصعوبة‮.‬

من أجل ذلك كانت السياسة الجديدة التي‮ ‬جاءت بها إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه قضايا العالم الإسلامي،‮ ‬مثارَ‮ ‬ارتياح لدى قطاع واسع من الرأي‮ ‬العام العربي‮ ‬الإسلامي‮. ‬وكنت أحد الذين تجاوبوا مع هذا التوجّه الجديد المبشر بالتحول الذي‮ ‬طال انتظارنا له‮. ‬فقد نشرت عدة مقالات في‮ ‬جريدة‮ (‬الحياة‮)‬،‮ ‬إحدى أوسع الصحف العربية والتي‮ ‬تصدر من لندن وتوزع في‮ ‬العالم العربي‮ ‬وفي‮ ‬مناطق شتى من العالم،‮ ‬حول العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي،‮ ‬حلّلت فيها من خلال رؤية مستوعبة لمعطيات الواقع ولآفاق المستقبل،‮ ‬أبعادَ‮ ‬هذه العلاقة التي‮ ‬أكدت في‮ ‬مقالاتي‮ ‬التي‮ ‬أعيد نشرها في‮ ‬هذا الكتاب،‮ ‬على إبراز معناها العميق الذي‮ ‬يشكل قوة دفع للتعاون الإيجابي‮ ‬والمثمر بين الجانبين في‮ ‬إطار الاحترام المتبادل والحفاظ على المصالح المشتركة‮.‬

إنَّ‮ ‬الدروس المستفادة من التجارب المتراكمة على مدى أكثر من سبعة عقود،‮ ‬تؤكد على حقيقة ذات قيمة بالغة،‮ ‬مفادها أن تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية في‮ ‬العالم الإسلامي،‮ ‬بل في‮ ‬العالم أجمع،‮ ‬يرتبط إلى حد كبير،‮ ‬بمدى التزام الإدارة الأمريكية والمشرّعين الأمريكيين‮ ‬بروح وثيقة الاستقلال وبمبادئ الدستور الأمريكي،‮ ‬واحترام ميثاق الأمم المتحدة في‮ ‬علاقاتها الدولية،‮ ‬وخصوصاً‮ ‬في‮ ‬علاقاتها مع الدول النامية التي‮ ‬تتطلع إلى دعم أمريكا لجهودها في‮ ‬التنمية والتطوّر،‮ ‬ومنها دول العالم الإسلامي،‮ ‬وعددها سبع وخمسون دولة أعضاء في‮ ‬منظمة المؤتمر الإسلامي‮. ‬فتلك هي‮ ‬السبيل إلى قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالدور الإنساني‮ ‬الحضاري‮ ‬الذي‮ ‬يجب أن تقوم به في‮ ‬نشر الأمن والسلام واستقرار العلاقات الدولية ونمائها وبناء القواعد المتينة لمستقبل إنساني‮ ‬مشرق ومزدهر‮.‬

إن ثمة قواسم مشتركة بين القيم الإسلامية ومبادئ الحضارة الإسلامية،‮ ‬وبين روح وثيقة الاستقلال الأمريكي‮ ‬والدستور الأمريكي‮. ‬وهذا وحده‮ ‬يكفي‮ ‬للدفع بالعلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي‮ ‬إلى الأمام،‮ ‬إذ ا صدقت النوايا وصحّت العزائم‮.‬