- الأحد مايو 29, 2011 1:17 am
#37117
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تبقى السياسة الخارجية الإيرانية محل جدل كبير على المستويين الإقليمي والدولي، مع تنوع عواملها، وكثرة شروط مصالحها، ومزجها الدائم بين "حكم" الدين، و"لعبة" السياسة.
فطهران لا تخف رغبتها في أن يعترف المجتمع الدولي وسائر دول المنطقة بموقعها كقوة عظمى إقليمية، وذلك بسبب قدراتها البشرية والسياسية والعسكرية أولاً، وغياب المنافس الإقليمي، مع الأوضاع السائدة في العراق وباكستان، وعدم وضوح الدور التركي ثانياً.
ورغم إقرار الجميع بمكانة إيران الإقليمية، إلا أن عددا من الأطراف الدولية يتوجس خيفة من مشاريع الجمهورية الإسلامية الخارجية، التي يرى البعض أنها تقوم على مزيج خطير من الدين والسياسة، ما يظهرها وأنها توسع أجندتها الخارجية بإتقان كبير يوازن بين التكتيك والإستراتيجيات بشكل ينسجم مع المثل الفارسي المعروف عن أهمية الصبر في مواجهة الخصوم بأسلوب "الذبح بالقطنة."
وبصرف النظر عن التحليلات المختلفة لموقف الولايات المتحدة من الثورة في إيران، بين من يعتقد أنها تضررت بسقوط الشاه، أحد أقرب حلفائها في المنطقة، وبين من يرى أنها كانت قد تخلت عنه قبل فترة بسبب إدراكها لضعف نظامه، فمن المؤكد أن الحدث الأبرز الذي رسم معالم العلاقة بين طهران والولايات المتحدة، وعبرها الغرب، كان أزمة السفارة الأمريكية في طهران.
وقد بدأت الأزمة في نوفمبر/تشرين الثاني 1979، واستمرت حتى يناير/كانون الثاني 1981، حيث احتجز عدد من الطلاب الثوريين في إيران 52 موظفاً أمريكياً كانوا ضمن طاقم سفارة واشنطن بطهران عشية الثورة لمدة 444 يوماً، ولم تنته إلا بتوقيع "اتفاقية الجزائر"، التي حوت ضمانات مالية وسياسية من إيران.
ولا شك أن الحادثة التي مثلت تبادل "عض أصابع" بين طهران وواشنطن علّمت الإيرانيين بأن الضغط وسيلة جيدة للحصول على المطالب، وهو ما طبقوه في الفترة اللاحقة، حيث شهدت الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990 موجة من خطف الأجانب، الذين فجّر الإفراج عنهم فضيحة "إيران كونترا."
قضية "إيران كونترا"
روابط ذات علاقة
إيران: هل تأتي الانتخابات الرئاسية بجديد لملف حقوق الإنسان؟
إيران: صراع أجنحة النخبة الحاكمة على الاقتصاد
صراع الفرس مع الأعراق الأخرى على الساحة الإيرانية
يعتبر هذا الملف أحد أبرز فصول السياسة الخارجية الإيرانية، حيث تشير تقارير صحفية تناولت الأمر إلى أن طهران حصلت على أسلحة أمريكية عن طريق إسرائيل التي شحنتها لها عبر طرف ثالث، مع علمها بوجهتها، خلال الحرب العراقية الإيرانية.
وتتباين وجهات النظر حول الجهة التي سربت معلومات هذه الصفقة إلى مجلة لبنانية، حيث يرى البعض أن ذلك كانت نتيجة صراع أجنحة في الولايات المتحدة أو إيران، بينما يحمل البعض الآخر سوريا المسؤولية، بدعوى أنها كانت تحاول التملص من ضغوط أمريكية أعقبت اتهامها بمحاولة تفجير طائرة إسرائيلية في لندن.
وبصرف النظر عن طبيعة الملف وما دار حوله، فإن البعض يرى أنه دليل أساسي على مرونة النظام الإيراني، وقبوله التعامل مع جهات "معادية،" وحتى تلك التي يصنفها على أنها "شيطان أكبر،" إذا اقتضت الظروف ذلك.
إطار تحرك السياسة الخارجية الإيرانية
ويدفع هذا الأمر بالمحللين إلى محاولة تحديد الأطر العامة لتحرك السياسة الخارجية الإيرانية، ويقتضي العودة إلى مفهوم "تصدير الثورة" الإسلامية إلى سائر الأقطار، وهو مفهوم يقوم على أسس يراها النظام الإيراني متصلة بعناوين مثل "وحدة الأمة الإسلامية."
وتحرص إيران خلال تعاطيها مع الملفات الإقليمية على إبراز تشددها على قضيتين أساسيتين، "الوحدة بين المسلمين،" وهو شعار يرتبط بمشروع تجاوز الإطار المذهبي بين السنّة (الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المسلمين) والشيعة، والتركيز على القضية الفلسطينية وضرورة "إعادة الحقوق للشعب الفلسطيني،" و"إشهار معاداة إسرائيل."
ولكن البعض يرى أن هذه الخطوط هي مجرد غطاء للمشروع الإيراني الحقيقي المرتبط بطموحات قومية لمد مناطق نفوذه في مجمل الدول العربية والإسلامية، ويرتكز على نشر التشييع وتأسيس الأحزاب الموالية لإيران وتسليحها في بعض الأحيان من جهة، واللعب على الورقة الفلسطينية من جهة أخرى، باعتبارها قضية قادرة على إكساب طهران مشروعية شعبية.
ويقر أولئك المنتقدون للسياسة الخارجية الإيرانية بأن طهران أزالت سفارة إسرائيل من أراضيها ودعمت الفصائل الفلسطينية، لكنهم يذكّرون أنها وقفت إلى جانب أرمينيا في حربها مع أذربيجان التي تقطنها غالبية مسلمة، كما أنها تثير بين الفينة والأخرى حفيظة دول الخليج بتصريحات لمسؤولين فيها يتحدثون عن تبعيتهم التاريخية لها.
كما أن التصريحات الإيرانية التي تشير إلى دور في مساعدة الولايات المتحدة بإسقاط نظامي صدام حسين في العراق وحركة طالبان في كابول كثيرة، ولكن نتائجها لم تكن كما ترغب طهران، وهو ما عبر عنه المساعد السابق للرئيس الإيراني محمد أبطحي، الذي أشار بسخرية إلى أن "مكافأة طهران كان تصنيفها ضمن محور الشر،" وفقاً لصحيفة الشرق الأوسط الصادرة في 14 يناير/كانون الثاني 2004.
نفوذ إيران والقلق من التشييع
تمثل قضية التشييع واحدة من أبرز محاور الخلاف بين إيران ودول الجوار، التي تشير إلى أن طهران تحاول نشر المذهب الجعفري الشيعي بين مواطنيها بوسائل متعددة، وهو ما تنفيه إيران بشدة، متهمة جهات معادية لها باستخدام هذا الملف ذريعة لإخافة الرأي العام منها.
لكن الخلاف حول هذه القضية لم يبق طويلاً في إطار التأويلات، بل أخرجته إلى العلن تصريحات رسمية، كتلك الصادرة عن المغرب قبل فترة، إلى جانب القلق الذي عبر عنه في السابق العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، من نشوء "الهلال الشيعي،" الممتد من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
وعلى المستوى الديني، انبرت مرجعيات معروفة في الأوساط الإسلامية، وفي مقدمتها الشيخ يوسف القرضاوي، لشن حملة عنيفة ضد إيران بسبب هذه القضية، كما شهدت الثقافة السياسية والدينية العربية عودة لمصطلحات مثل "الصفوية" و"الشعوبية" للدلالة على الدور الإيراني.
الإمساك بأوراق سياسية وعسكرية
ومن بين أهم أدوات السياسة الخارجية الإيرانية إمساكها بورقة التنظيمات المقاتلة في مجموعة من دول المنطقة، إذ سبق لإيران أن رعت تأسيس حزب الله اللبناني، الذي تحول مع الوقت إلى تنظيم فائق القوة على المستويين السياسي والعسكري.
وإلى جانب حزب الله، يبرز دعم إيران لحماس وحركة الجهاد الإسلامي في الأراضي الفلسطينية، في حين أن الولايات المتحدة تتهمها أيضاً بتقديم أسلحة إلى تنظيمات وفصائل في العراق وأفغانستان، تُستخدم في مهاجمة قواتها.
وتبرز أهمية هذه الأوراق في أنها تشكل واحدة من مرتكزات القوة الإيرانية الدبلوماسية والعسكرية، إذ تدرك طهران بأن تعدد الأدوار في أكثر من دولة بالمنطقة يضمن لها مكانة إقليمية في أي توزيع جديد لحصص النفوذ العالمي.
وعلى المستوى العسكري، يمكن لإيران باستخدام هذه القوى، إلى جانب خلايا أخرى يتردد أنها تنتشر في مناطق مختلفة من العالم، توجيه ضربات مؤلمة إلى خصومها في حال تعرضها لمخاطر أمنية.
منقول
فطهران لا تخف رغبتها في أن يعترف المجتمع الدولي وسائر دول المنطقة بموقعها كقوة عظمى إقليمية، وذلك بسبب قدراتها البشرية والسياسية والعسكرية أولاً، وغياب المنافس الإقليمي، مع الأوضاع السائدة في العراق وباكستان، وعدم وضوح الدور التركي ثانياً.
ورغم إقرار الجميع بمكانة إيران الإقليمية، إلا أن عددا من الأطراف الدولية يتوجس خيفة من مشاريع الجمهورية الإسلامية الخارجية، التي يرى البعض أنها تقوم على مزيج خطير من الدين والسياسة، ما يظهرها وأنها توسع أجندتها الخارجية بإتقان كبير يوازن بين التكتيك والإستراتيجيات بشكل ينسجم مع المثل الفارسي المعروف عن أهمية الصبر في مواجهة الخصوم بأسلوب "الذبح بالقطنة."
وبصرف النظر عن التحليلات المختلفة لموقف الولايات المتحدة من الثورة في إيران، بين من يعتقد أنها تضررت بسقوط الشاه، أحد أقرب حلفائها في المنطقة، وبين من يرى أنها كانت قد تخلت عنه قبل فترة بسبب إدراكها لضعف نظامه، فمن المؤكد أن الحدث الأبرز الذي رسم معالم العلاقة بين طهران والولايات المتحدة، وعبرها الغرب، كان أزمة السفارة الأمريكية في طهران.
وقد بدأت الأزمة في نوفمبر/تشرين الثاني 1979، واستمرت حتى يناير/كانون الثاني 1981، حيث احتجز عدد من الطلاب الثوريين في إيران 52 موظفاً أمريكياً كانوا ضمن طاقم سفارة واشنطن بطهران عشية الثورة لمدة 444 يوماً، ولم تنته إلا بتوقيع "اتفاقية الجزائر"، التي حوت ضمانات مالية وسياسية من إيران.
ولا شك أن الحادثة التي مثلت تبادل "عض أصابع" بين طهران وواشنطن علّمت الإيرانيين بأن الضغط وسيلة جيدة للحصول على المطالب، وهو ما طبقوه في الفترة اللاحقة، حيث شهدت الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990 موجة من خطف الأجانب، الذين فجّر الإفراج عنهم فضيحة "إيران كونترا."
قضية "إيران كونترا"
روابط ذات علاقة
إيران: هل تأتي الانتخابات الرئاسية بجديد لملف حقوق الإنسان؟
إيران: صراع أجنحة النخبة الحاكمة على الاقتصاد
صراع الفرس مع الأعراق الأخرى على الساحة الإيرانية
يعتبر هذا الملف أحد أبرز فصول السياسة الخارجية الإيرانية، حيث تشير تقارير صحفية تناولت الأمر إلى أن طهران حصلت على أسلحة أمريكية عن طريق إسرائيل التي شحنتها لها عبر طرف ثالث، مع علمها بوجهتها، خلال الحرب العراقية الإيرانية.
وتتباين وجهات النظر حول الجهة التي سربت معلومات هذه الصفقة إلى مجلة لبنانية، حيث يرى البعض أن ذلك كانت نتيجة صراع أجنحة في الولايات المتحدة أو إيران، بينما يحمل البعض الآخر سوريا المسؤولية، بدعوى أنها كانت تحاول التملص من ضغوط أمريكية أعقبت اتهامها بمحاولة تفجير طائرة إسرائيلية في لندن.
وبصرف النظر عن طبيعة الملف وما دار حوله، فإن البعض يرى أنه دليل أساسي على مرونة النظام الإيراني، وقبوله التعامل مع جهات "معادية،" وحتى تلك التي يصنفها على أنها "شيطان أكبر،" إذا اقتضت الظروف ذلك.
إطار تحرك السياسة الخارجية الإيرانية
ويدفع هذا الأمر بالمحللين إلى محاولة تحديد الأطر العامة لتحرك السياسة الخارجية الإيرانية، ويقتضي العودة إلى مفهوم "تصدير الثورة" الإسلامية إلى سائر الأقطار، وهو مفهوم يقوم على أسس يراها النظام الإيراني متصلة بعناوين مثل "وحدة الأمة الإسلامية."
وتحرص إيران خلال تعاطيها مع الملفات الإقليمية على إبراز تشددها على قضيتين أساسيتين، "الوحدة بين المسلمين،" وهو شعار يرتبط بمشروع تجاوز الإطار المذهبي بين السنّة (الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المسلمين) والشيعة، والتركيز على القضية الفلسطينية وضرورة "إعادة الحقوق للشعب الفلسطيني،" و"إشهار معاداة إسرائيل."
ولكن البعض يرى أن هذه الخطوط هي مجرد غطاء للمشروع الإيراني الحقيقي المرتبط بطموحات قومية لمد مناطق نفوذه في مجمل الدول العربية والإسلامية، ويرتكز على نشر التشييع وتأسيس الأحزاب الموالية لإيران وتسليحها في بعض الأحيان من جهة، واللعب على الورقة الفلسطينية من جهة أخرى، باعتبارها قضية قادرة على إكساب طهران مشروعية شعبية.
ويقر أولئك المنتقدون للسياسة الخارجية الإيرانية بأن طهران أزالت سفارة إسرائيل من أراضيها ودعمت الفصائل الفلسطينية، لكنهم يذكّرون أنها وقفت إلى جانب أرمينيا في حربها مع أذربيجان التي تقطنها غالبية مسلمة، كما أنها تثير بين الفينة والأخرى حفيظة دول الخليج بتصريحات لمسؤولين فيها يتحدثون عن تبعيتهم التاريخية لها.
كما أن التصريحات الإيرانية التي تشير إلى دور في مساعدة الولايات المتحدة بإسقاط نظامي صدام حسين في العراق وحركة طالبان في كابول كثيرة، ولكن نتائجها لم تكن كما ترغب طهران، وهو ما عبر عنه المساعد السابق للرئيس الإيراني محمد أبطحي، الذي أشار بسخرية إلى أن "مكافأة طهران كان تصنيفها ضمن محور الشر،" وفقاً لصحيفة الشرق الأوسط الصادرة في 14 يناير/كانون الثاني 2004.
نفوذ إيران والقلق من التشييع
تمثل قضية التشييع واحدة من أبرز محاور الخلاف بين إيران ودول الجوار، التي تشير إلى أن طهران تحاول نشر المذهب الجعفري الشيعي بين مواطنيها بوسائل متعددة، وهو ما تنفيه إيران بشدة، متهمة جهات معادية لها باستخدام هذا الملف ذريعة لإخافة الرأي العام منها.
لكن الخلاف حول هذه القضية لم يبق طويلاً في إطار التأويلات، بل أخرجته إلى العلن تصريحات رسمية، كتلك الصادرة عن المغرب قبل فترة، إلى جانب القلق الذي عبر عنه في السابق العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، من نشوء "الهلال الشيعي،" الممتد من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
وعلى المستوى الديني، انبرت مرجعيات معروفة في الأوساط الإسلامية، وفي مقدمتها الشيخ يوسف القرضاوي، لشن حملة عنيفة ضد إيران بسبب هذه القضية، كما شهدت الثقافة السياسية والدينية العربية عودة لمصطلحات مثل "الصفوية" و"الشعوبية" للدلالة على الدور الإيراني.
الإمساك بأوراق سياسية وعسكرية
ومن بين أهم أدوات السياسة الخارجية الإيرانية إمساكها بورقة التنظيمات المقاتلة في مجموعة من دول المنطقة، إذ سبق لإيران أن رعت تأسيس حزب الله اللبناني، الذي تحول مع الوقت إلى تنظيم فائق القوة على المستويين السياسي والعسكري.
وإلى جانب حزب الله، يبرز دعم إيران لحماس وحركة الجهاد الإسلامي في الأراضي الفلسطينية، في حين أن الولايات المتحدة تتهمها أيضاً بتقديم أسلحة إلى تنظيمات وفصائل في العراق وأفغانستان، تُستخدم في مهاجمة قواتها.
وتبرز أهمية هذه الأوراق في أنها تشكل واحدة من مرتكزات القوة الإيرانية الدبلوماسية والعسكرية، إذ تدرك طهران بأن تعدد الأدوار في أكثر من دولة بالمنطقة يضمن لها مكانة إقليمية في أي توزيع جديد لحصص النفوذ العالمي.
وعلى المستوى العسكري، يمكن لإيران باستخدام هذه القوى، إلى جانب خلايا أخرى يتردد أنها تنتشر في مناطق مختلفة من العالم، توجيه ضربات مؤلمة إلى خصومها في حال تعرضها لمخاطر أمنية.
منقول