منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#37125
الشورى والديمقراطية، وأحياناً يتم الخلط بين المفهومين كضرب من ضروب المشاكلة المعنوية التي تعكس طبيعة التعدد في الرأي حين الحديث عن آليات الشورى والديمقراطية.

لكننا حين نتأمل في كل من المفهومين سنجد أنفسنا أمام بعض أوجه الشبه التي تعكس التقاء في ظاهر الأداء عند ممارسة كل من الأسلوبين وإعمال آلياتهما في شؤون الحياة الخاصة والعامة.

بيد أن التأمل العميق في كل من المفهومين يقتضي الإقرار بفكرة السياق التاريخي لكل من المفهومين، وكذلك المصادر المختلفة لتأسيس الفكرتين، والتطور الذي لحق كلاً منهما، بالإضافة إلى دلالة المرجعية وما تعكسه من مستوى الالتزام لدى التطبيق.

من أهم نقاط الالتقاء بين الشورى والديمقراطية، هو ان الفكرتين تتجاوزان مجال التطبيق السياسي لتطالا كل جوانب الحياة، بحيث يمكن للفكرتين أن تكونا أسلوب حياة فضلاً عن أسلوب حكم.

وهذا المعنى العميق لكل من الفكرتين، يدل على أن التطبيقات الحياتية لمفهومي الديمقراطية والشورى، هي في الأصل نسيج شامل يخترق جميع ضروب الحياة، وينعكس في السلوك الشخصي والعام، كما قال القرآن الكريم (وأمرهم شورى بينهم).

وهذه الخاصية ستعكس لنا حقيقة من الأهمية بمكان عند قراءة الواقع، ومجالات تطبيقه بحسب المفهومين. وهي: إن الحديث الطويل عن الديمقراطية بوصفها فقط كمجرد انتخابات وصندوق اقتراع، إنما هو حديث ساذج لا يرقى إلى الإدراك الحقيقي لمعنى الديمقراطية.

وسنجد كذلك أن مفهوم الشورى بحسب وصف القرآن هو أيضاً مفهوم لا يمكن التعبير عن فقط بمجرد تنفيذ إحدى مجالاته التطبيقية. بل يقتضي أن يكون مفهوماً عاماً شاملاً. وفي خضم الواقع الإعلامي وما تضخه وسائل الإعلام من حديث طويل عن ضرورة الديمقراطية، وضرورة الحاجة إليها ستنشأ بعض الأسئلة الافتراضية مثل: كيف يمكن لنظام الشورى الإسلامي أن يتواءم مع طبيعة الديمقراطية التي أصبحت من أهم السمات التي تعبر عن الرقي السياسي في العالم؟

وهل هناك تصادم افتراضي بين مفهومي الشورى والديمقراطية؟

بل هل هناك إمكانية للمزج والتوفيق بينهما إن أمكن الأمر؟

وسنجد أنفسنا أمام هذه الأسئلة، كما لو كنا مطالبين بخيارات قطعية، فيما الواقع والحقيقة يقضيان بغير ذلك تماماً.

فالأسئلة التي ذكرناها آنفاً يتم طرحها، كما لو أن كلاً من الديمقراطية والشورى نظامان جاهزان للتطبيق فقط، أو هما مثل (الكتالوج) الذي نختاره في حال الرغبة والجاهزية؟!

وبالتالي فإن الأسئلة الصحيحة والحقيقية تقع في مكان آخر تماماً.

وهي تتجلى في سؤال واحد أساس، وهو: هل الشورى والديمقراطية نظامان جاهزان للتطبيق بمجرد الرغبة فيهما، أم أنهما يقتضيان من أي مجتمع يحاول أن يلتزم بهما أن يكتشفهما عبر التفاعل الخلاق والتعويد التربوي كتحولات ينجزها على جميع الأصعدة، أي في أن يجعل مجتمعاً ما من المجتمعات أي من مفهومي الديمقراطية أو الشورى، أسلوباً لحياته، وطريقة لعيشه ومن ثم نظاماً للحكم.

وهنا سنجد أن الواقع الاجتماعي والسياسي لا توجد فيه تلك التحولات التي تضمن مسيرة الشورى والديمقراطية وصولاً إلى تحققهما الكامل.

ولهذا فإن تلمس طرق التعبير الديمقراطي، وتمثل أساليب الشورى عبر الكثير من المؤسسات الاجتماعية والسياسية والتربوية، سيكون هو المؤثر على بداية الحراك في هذين المجالين، وهو حراك سيستغرق زمناً طويلاً لاتصاله بالكثير من العقبات التي من شأنها أن تقف عائقاً أمامه، لكنه في النهاية سيصحح مساره ليستقر على ما اختاره من نمطي الشورى والديمقراطية مستقبلاً.

لا يعني هذا بالطبع عدم الأخذ بآليات الديمقراطية كلما أمكن استخدامها، ولا آليات الشورى، وإنما يعني فقط: أن تصور الحلول السريعة في تفعيل آليات الديمقراطية والشورى لا يمكن أن يكون بين عشية وضحاها، بل عبر تحولات بطيئة قد تستغرق أجيالاً.

لكن في المقابل، لا بد أيضاً من إدراك البدايات الحقيقية لمعرفة طرق الالتزام بالديمقراطية، وتعيين طرائق تمثل الشورى عبر صيغتها الراجحة فحين تكون البدايات واضحة وصحيحة، يمكن الوصول إلى نتائج موضوعية في مسيرة الشورى والديمقراطية.

إن أهم ما يجب أن ننتبه له هو أن الواقع الاجتماعي ربما كان بعيداً عن التمثل التام والإدراك الواعي ليس فقط بمفهوم الديمقراطية كمفهوم حديث فحسب، بل وكذلك مفهوم الشورى أيضاً.

الأمر الذي سيعني أن مجتمعنا العربي والسعودي أمامه الكثير من الخطوات في مسيرة الشورى والديمقراطية.

وربما كانت جهود مجلس الشورى ومسيرته المعطاءة ودوره التنظيمي في إقرار مبادئ الشورى حول الكثير من قضايا المجتمع، والملفات المتعددة، من أهم التغييرات التي تصب في مسيرة التعددية وإدارة الرأي السلمي والعقلاني حيال المشكلات المتجددة والضغوط التي ينتجها الواقع المتغير باستمرار محلياً وإقليمياً وعالمياً.

في هذا الإطار يمكننا أن نقرأ حقيقة الجدل الذي يدور والنقاش الذي يثار في الإعلام والصحافة حول مفاهيم الشورى والديمقراطية، بطريقة عقيمة وغير عقلانية.

فالإقرار بأن المجتمع في طور تحولات تقتضي التجريب في العمل الشورى والديمقراطي، ضمن تجارب لا تزال في الطريق إلى البلورة هو السبيل الوحيد إلى الخروج من ذلك الجدل الذي يضع العربة دائماً أمام الحصان، دون أن ينتبه إلى الواقع وشروطه ومعطياته.

لا يمكننا في النهاية معرفة المآلات التي يمكن أن تستقر عليها مسير المجتمع سواء لجهة الديمقراطية أم الشورى، لكن المهم في الأمر أن تتحقق إحدى الفكرتين عبر المقدمات الصحيحة التي تقتضيها التحولات الحقيقية التي تؤدي إليها.