صفحة 1 من 1

العودة إلى فلسطين

مرسل: الأحد مايو 29, 2011 2:17 pm
بواسطة فراس الشويرخ 8-4-1
منح الصلح


كان الظن إذّاك عند كثيرين أن فلسطين القضية والوطن قد تآكلت أو شاخت، ولكنها بعكس التوقعات صمدت فظلت رغم مرور الأيام والسنين قادرة على مفاجأة القريبين منها، والبعيدين كحقيقة مستمرة الحضور نابضة من لحم ودم، حية في العقول والقلوب.


رغم أنه منذ العام 1948 قامت على أرض فلسطين دولة باغية باسم إسرائيل واكبتها طقوس وأعراس شاركت فيها، بل ورعتها أقوى دول العالم، وفي مقدمتها الدولتان الأنغلو - ساكسونيتان الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، إلا أن فلسطين الشعب والقضية استمرت هي أيضاً حية تنبض في قلوب أهلها والشعوب العربية والاسلامية وقطاعات واسعة من أبناء آسيا وافريقيا طلائعَ ونخباً وجماعات من أحرار العالم وأعلامه من كل لون وجنس.

رغم أن أقوياء العالم وقادته اصطفوا بأكثريتهم وراء الغزوة الاسرائيلية على فلسطين إلا أن جذوة الدفاع عن الذات والكرامة والحقوق لم تنطفئ مطلقاً في القلوب والضمائر بدءاً بأصحابها عرب فلسطين في العالمين العربي والاسلامي، بل وعند قطاعات مميزة من البشر المنحازين للحق في شتى البلدان المتقدمة وغير المتقدمة.

كان الظن إذّاك عند كثيرين أن فلسطين القضية والوطن قد تآكلت أو شاخت، ولكنها بعكس التوقعات صمدت فظلت رغم مرور الأيام والسنين قادرة على مفاجأة القريبين منها، والبعيدين كحقيقة مستمرة الحضور نابضة من لحم ودم، حية في العقول والقلوب قادرة دائماً على أن تطل هنا وهناك رغم انحياز جبابرة العالم ساطعة الوضوح والحقوق والأثر.

غير أنها قلما بلغت من السطوة في القلوب والعقول وعند القريب والبعيد ما بلغته أخيراً؛ حيث تبين أن القضية الفلسطينية ثابتة في موقعها من الضمائر والعقول كقضية حق من الدرجة الأولى، وأنها، إذا صح استعمال هذا النعت، من ذلك الصنف من القضايا التي تكبر مع الأيام وفي كل مكان بما يكاد لا أحد يتوقع إلا قلة محدودة من المختصين بالقضية الفلسطينية فهي دائمة النمو والتبلور والوضوح يوماً بعد يوم، وعبثاً تحاول الصهيونية وحلفاؤها من قادة العالم الغربي إطفاء منارتها عند الشعوب المقهورة بل وعند بعض الفئات الاستعمارية الضالعة في أهم قارات العالم كالولايات المتحدة وأوروبا، حتى يكاد لا يتصور أحد أنه في الولايات المتحدة نفسها نصيرة الصهيونية الأقوى والأثبت نجد أحياناً من يشكك في صوابية الانحياز الدائم وغير المشروط لها.

ولكن لابد من تجنب الوقوع في السذاجة وذلك بالتذكر الدائم أن ايجابياتنا نحو الغرب لا تقابلها بالضرورة ايجابية الغرب تجاهنا. والواقع أن الاسلام وحده بين الأديان من يقول بنظرية الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلامية، ولعل المسيحية الشرقية وحدها من بدأ يرسل أحياناً مؤشرات على قبوله بمقولة الأديان السماوية الثلاثة التي قال بها المسلمون وحدهم حتى الآن.

ولعل كلمة خاتم النبيين التي ترد كثيراً في الأدبيات الاسلامية هي اعلان، اعتراف بالدينين السماويين الآخرين فوق ما هو اقفال الباب أمام احتمالات ادعاءات مستقبلية قد يأتي بها أدعياء نبوة في مقتبل الأيام.

وإذا كان المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون قد قال: ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب فإنه كان يقصد أيضاً التنويه بالسمو الروحاني والأخلاقي الذي اتصف به المسلمون في تعاملهم مع الشعوب ذات الأديان والحضارات الأخرى.

وهنا يستحضر الذهن ظاهرة الاسلام السياسي التركي الحالي ممثلاً برجب طيب أردوغان الذي لم يستطع وهو زعيم الحزب الجمهوري الأكبر في تركيا احدى الدول الاسلامية والأهم في عالمنا المعاصر إلا أن يدأب على تذكيرها بأن ماضيها الاسلامي لا يقل بهاء عن حاضرها العلماني إن لم يفقه بإنجازاته وأمجاده. لم ينكر أردوغان عظمة الزعيم التركي العلماني مصطفى كمال وهو محرر تركيا من هجمة المتفوق الغربي عليها، ولكنه لم ينكر أولاً وبصورة أوضح عظمة الفترة العثمانية من حياة تركيا والشرق. ولعله تحول في نظر العالم الاسلامي كله الى رمز السياسي المسلم المعاصر المدرك إنجازات الحداثة الغربية، والمؤمن بإمكانات الافادة منها ولكن المتمسك بإسلامه أيضاً هذا الاسلام الذي بفضله أصبح العثمانيون الترك في فترة ما أسياداً في العالم المعاصر الذي صنعه الغربيون بالدرجة الأولى لتبين أن الاسلام مفهوماً على حقيقته وقابليته للتطور وفهمه لما حوله ومن حوله لن يكون إلا دافعاً لشعوبه الى أمام. وهذه تركيا كانت وما زالت منذ زمن تعطي الدليل على أن الاعتزاز بالذات الاسلامية والوطنية معاً قادر على أن يعطي الدولة التي تأخذ بهما بالشكل الصحيح قدرة على التطور والتفاعل مع معطيات التقدم الحديث الذي يبقيها في الطليعة من مسيرة الشرق.

ولعل أهمية أردوغان أنه أقنع إحدى الدول الاسلامية الأهم تركيا انها ستكون الأقوى والأسعد اذا استطاعت أن تأخذ من الغرب من دون أن تنسى إسلامها وشرقيتها. والزعماء الأهم في تاريخ الاسلام والشرق هم من شاركوا ونجحوا في جعل هذه المعادلة دليلهم المستمر في صنع الحاضر والمستقبل.

اكثر فاكثر يتأكد للشرق والغرب ان الاسلام التركي والانتفاضات العربية هما أهم ما يحصل في العالم منذ زمن على طريق بناء علاقة متوازنة وفعالة لا يجني ثمارها الاتراك والعرب وقادة الغرب المتنورون فحسب بل يجني ثمارها العالم كله. وبذلك لم تعد كلمة "العودة" شعاراً، بل أصبحت وتصبح أكثر فأكثر مع الأيام التزام قضية ووجهة مسار، بل هما معنى حياة فالقضية الفلسطينية ليست إحدى القضايا العربية ولا هي حتى أهم قضايا الأمة، بل هي الدليل والمقياس على استمرار شعور الأمة بوجودها ووزنها بين الأمم، وكونها حتى في زمننا هذا لا ماضيها فقط أمة عطاء للانسانية لا أمة أخذٍ من الغير فحسب، والاسلام والعروبة رايتان خالدتان من دونهما لا يكون العالم، ويستمر قوياً ناهضاً متجدداً في كل قاراته كما هو اليوم..