مشاهد من الثورة
مرسل: الأحد مايو 29, 2011 2:31 pm
حسين الشبكشي
الثورة المصرية التي بدأت وانتهت بشكل جمالي مبهر، وحازت إعجاب العالم، وتحولت إلى مضرب للأمثال في قوة الإرادة الشعبية وإمكانية تحقيق المستحيل متى آمن الشعب بنفسه وكسر حواجز الخوف والقلق، تنتابها اليوم حالة من الخوف والشك والقلق.. خوف من فقدان ما اكتسبت، وشك في من اعتقدت أنهم حموا الثورة، وقلق من تبعات ما سيأتي. ولذلك هناك اعتقاد بأن هناك مواجهة «نهائية» مطلوبة مع رموز الفساد الباقية من النظام القديم.
لكن هناك مغامرة خطيرة وعبارة بالغة التعقيد. ولعل ما يوضح هذه المسألة هو التعبير الشعبي البسيط الذي يفصح عنه البسطاء في الشارع المصري في ما يكتب على اللوحات والسيارات والشاحنات.. فمثلا هناك سيارة أجرة كُتب عليها «اللي فاهم حاجة يفهمني»، وهي عبارة بسيطة لكنها تعبر عن حال الكثيرين!.. فالعبارة توضح حيرة العامة من الناس مما يحصل، فهؤلاء لا يفهمون عبارات مثل «الثورة المضادة» و«الفلول»، والتي تصب في صميم اتهامات شباب الثورة بأنهم خلف تعطيل الثورة نفسها. وهناك عبارة أخرى طريفة لكنها حتما معبرة ولافتة جدا، وهي التي كانت معلقة خلف إحدى الشاحنات الثقيلة «هوّه إحنا فهمنا معنى إخوان مسلمين لما هنفهم جماعة سلفية؟!»، فأيضا الشارع البسيط لا يفهم هذا التأجيج والتحزيب المريب باسم دين بسيط عاشوا معه عقودا من الزمن من دون تعقيدات مستجدة، وهو الأمر الذي حدث فجأة، وكأن الدين يقدم إليهم مجددا عبر دعاة جدد كل منهم لديه صك وكالة حصري من الحق عز وجل يقدم الدين الحقيقي للناس. لكن اللوحة الأكثر بلاغة حملها شاب وشابة بشكل لافت وسط ميدان التحرير، كُتب عليها «ماليش دعوة.. أنا عايز أشتغل»، وهي توضح حجم التكلفة الاقتصادية والاجتماعية المهول للفوضى والتخبط الحاصل والانشغال بالتشفي والانتقام من البعض بدلا من تهيئة المناخ السوي لبناء الدولة وأجهزتها الحيوية من الأمن والتعليم والقضاء والاقتصاد، والتي هي صمام الأمن الحقيقي لنجاح الثورة والانطلاق للمرحلة القادمة المهمة والحساسة.
الثورة تطلب الخلاص من رموز وأعوان النظام القديم.. نظام حكم لأكثر من ثلاثين عاما، وهو تكملة للأنظمة التي كانت قبله باعتباره امتدادا للانقلاب العسكري الذي جاء بالجيش لحكم مصر، فأين تبدأ رموز هذا النظام وأين تنتهي؟.. وهل هناك «قائمة» معروفة لهؤلاء الأشخاص، أم أن الموضوع عاطفي بحت تحكمه الأهواء والثأر الشخصي لفئات بعينها كما يظهر الآن؟.. وكم كان ساخرا وحزينا وبائسا مشهد «اتهام» محمد حسنين هيكل للرئيس السابق محمد حسني مبارك بأن لديه ثروة مالية هائلة، وتقديمه أرقاما «تثبت» ذلك في حوار صحافي معه، وتم استدعاؤه من قبل المحققين المصريين لإثبات ما ادعاه، فتراجع هيكل عن أقواله وقال إن ادعاءاته كانت مبنية على معلومات صحافية «أخرى»، فذكرنا بأسلوبه القديم في «فبركة» الأحداث والمعلومات كما كان يفعل أيام كان بوق نظام عبد الناصر الطاغية، وبعد ذلك أيام كان منظرا ومعارضا للسادات ومبارك.
الثورة المصرية حركة مهمة، لكنها اليوم لا تقرأ الشارع جيدا، ولا تعرف أولوياتها بشكل حكيم ودقيق، وهو ما سيولد «حراكا» شعبيا مضادا لا فلول فيه ولا مضادة، لكنه سيكون نابعا من الشعور بالظلم، لأن ثورة الخبز والفساد تحولت إلى ثورة جياع ومنسيين. وآخر لوحة من الشارع المصري اليوم تختزل المشهد الحاصل كله علقها صاحب محل بقالة بسيط «نفسي أنام وأنا مطمئن».
الثورة المصرية التي بدأت وانتهت بشكل جمالي مبهر، وحازت إعجاب العالم، وتحولت إلى مضرب للأمثال في قوة الإرادة الشعبية وإمكانية تحقيق المستحيل متى آمن الشعب بنفسه وكسر حواجز الخوف والقلق، تنتابها اليوم حالة من الخوف والشك والقلق.. خوف من فقدان ما اكتسبت، وشك في من اعتقدت أنهم حموا الثورة، وقلق من تبعات ما سيأتي. ولذلك هناك اعتقاد بأن هناك مواجهة «نهائية» مطلوبة مع رموز الفساد الباقية من النظام القديم.
لكن هناك مغامرة خطيرة وعبارة بالغة التعقيد. ولعل ما يوضح هذه المسألة هو التعبير الشعبي البسيط الذي يفصح عنه البسطاء في الشارع المصري في ما يكتب على اللوحات والسيارات والشاحنات.. فمثلا هناك سيارة أجرة كُتب عليها «اللي فاهم حاجة يفهمني»، وهي عبارة بسيطة لكنها تعبر عن حال الكثيرين!.. فالعبارة توضح حيرة العامة من الناس مما يحصل، فهؤلاء لا يفهمون عبارات مثل «الثورة المضادة» و«الفلول»، والتي تصب في صميم اتهامات شباب الثورة بأنهم خلف تعطيل الثورة نفسها. وهناك عبارة أخرى طريفة لكنها حتما معبرة ولافتة جدا، وهي التي كانت معلقة خلف إحدى الشاحنات الثقيلة «هوّه إحنا فهمنا معنى إخوان مسلمين لما هنفهم جماعة سلفية؟!»، فأيضا الشارع البسيط لا يفهم هذا التأجيج والتحزيب المريب باسم دين بسيط عاشوا معه عقودا من الزمن من دون تعقيدات مستجدة، وهو الأمر الذي حدث فجأة، وكأن الدين يقدم إليهم مجددا عبر دعاة جدد كل منهم لديه صك وكالة حصري من الحق عز وجل يقدم الدين الحقيقي للناس. لكن اللوحة الأكثر بلاغة حملها شاب وشابة بشكل لافت وسط ميدان التحرير، كُتب عليها «ماليش دعوة.. أنا عايز أشتغل»، وهي توضح حجم التكلفة الاقتصادية والاجتماعية المهول للفوضى والتخبط الحاصل والانشغال بالتشفي والانتقام من البعض بدلا من تهيئة المناخ السوي لبناء الدولة وأجهزتها الحيوية من الأمن والتعليم والقضاء والاقتصاد، والتي هي صمام الأمن الحقيقي لنجاح الثورة والانطلاق للمرحلة القادمة المهمة والحساسة.
الثورة تطلب الخلاص من رموز وأعوان النظام القديم.. نظام حكم لأكثر من ثلاثين عاما، وهو تكملة للأنظمة التي كانت قبله باعتباره امتدادا للانقلاب العسكري الذي جاء بالجيش لحكم مصر، فأين تبدأ رموز هذا النظام وأين تنتهي؟.. وهل هناك «قائمة» معروفة لهؤلاء الأشخاص، أم أن الموضوع عاطفي بحت تحكمه الأهواء والثأر الشخصي لفئات بعينها كما يظهر الآن؟.. وكم كان ساخرا وحزينا وبائسا مشهد «اتهام» محمد حسنين هيكل للرئيس السابق محمد حسني مبارك بأن لديه ثروة مالية هائلة، وتقديمه أرقاما «تثبت» ذلك في حوار صحافي معه، وتم استدعاؤه من قبل المحققين المصريين لإثبات ما ادعاه، فتراجع هيكل عن أقواله وقال إن ادعاءاته كانت مبنية على معلومات صحافية «أخرى»، فذكرنا بأسلوبه القديم في «فبركة» الأحداث والمعلومات كما كان يفعل أيام كان بوق نظام عبد الناصر الطاغية، وبعد ذلك أيام كان منظرا ومعارضا للسادات ومبارك.
الثورة المصرية حركة مهمة، لكنها اليوم لا تقرأ الشارع جيدا، ولا تعرف أولوياتها بشكل حكيم ودقيق، وهو ما سيولد «حراكا» شعبيا مضادا لا فلول فيه ولا مضادة، لكنه سيكون نابعا من الشعور بالظلم، لأن ثورة الخبز والفساد تحولت إلى ثورة جياع ومنسيين. وآخر لوحة من الشارع المصري اليوم تختزل المشهد الحاصل كله علقها صاحب محل بقالة بسيط «نفسي أنام وأنا مطمئن».