الفتح الإسلامي لعمورية
مرسل: الأحد مايو 29, 2011 3:14 pm
وصل المعتصم إلي الخلافة, بعد وفاة أخيه المأمون الذي عهد إليه بالخلافة, وأوصاه بوصية طويلة , بدأ المعتصم بقرار خطير, فقد أمر بهدم ما كان المأمون أبتناه بطوانة , وأمر بصرف من كان المأمون أسكن ذلك من الناس إلى بلادهم, وهو خطأ كبير, ونهاية لخطة حكيمة وضعها سلفه لضرب البيزنطيين , الأمر الذي يعكس سياسة جديدة تجاه الدولة البيزنطية, حيث لم يتجه المعتصم مثل أخيه المأمون في محاولاته لتقويض الإمبراطورية البيزنطية, وبدء عهده بمحاولة القضاء علي فتنة بابك الخرمي, والتي اتخذت أبعاد سياسية ودينية كبيرة, ولأهمية فتنة بابك الخرمي وعلاقته بموضوع البحث فسوف نناقش بعض جوانب تلك الفتنة.
[عدل] فتنة بابك الخرمي(201-222هـ)هي أخطر حركة دينية في المظهر سياسية في الغاية عرفتها فارس منذ قيام الدولة العباسية, وتتميز عن الحركات السابقة بسعتها وبتنظيم دعايتها , ولكنها في أسسها تشبه الحركات السابقة, وتعتبر حركة بابك استمرار للحركة الخرمية, فقد نجح الرجل أن يتزعم طائفة من أتباعها, ثم أستطاع أن يوحد صفوفها وينظمها, وأضاف إليها عبقريته العسكرية ودهائه السياسي ومقدرته علي التنظيم . استمر بابك في نجاح مطرد في حركته من سنة 201 إلي 218هـ, فقد أستطاع أن يهزم أربعة قواد من قادة المأمون, وقام بتخريب حصون أذربيجان التابعة للعباسيين فأضعف ذلك دفاعهم, وظل نجاحه حتى سنة 218هـ حينما أستطاع إسحاق بن إبراهيم, تشتيت المحمرة من أتباع بابك في منطقة همذان, والذي التحق قسم منهم بالدولة البيزنطية والذين لعبوا دورا مهم في تخريب زبطرة. استطاع بابك الاتصال بالإمبراطور البيزنطي, حيث وجدت إشارات بالمصادر البيزنطية إلي مفاوضات سرية بين بابك وبين البيزنطيين , وما يدل علي وجود علاقات بين بابك وبين البيزنطيين, هروب المحمرة إلي الدولة البيزنطية كما ذكرنا, وكذلك انه عندما ضاق الحال به أراد أن يفر إلي القسطنطينية, وكانت تلك العلاقة ما بين البيزنطيين وبابك, دور خطير في تحويل ثيوفيل إلي الدولة العباسية بدلا من محاولة استعادة كريت وقبرص, كذلك من الملاحظ أن ثيوفيل لم يبدي اهتمام في بداية حكمه إلي الجبهة الإسلامية, إلا بعد غزو المأمون للصائفة بنفسه عام 215هـ, فربما استغل بابك هذا العداء واتصل بالإمبراطور البيزنطي وإجراء نوع من التحالف لتبادل المساعدة وقت الحاجة, وإلا فلم لبى ثيوفيل استغاثة بابك, وقام بالهجوم علي زبطرة,وقد وجد ثيوفيل في مساندة بابك الخرمي فرصة للرد علي مساندة الخليفة المأمون لثورة توماس , وكذلك فإن مراسلة بابك لثيوفيل, فنص المصادر العربية نجد فيها شاهد علي أنها ليست المراسلة الأولي بينهما وإلا لما أرسل إليه بما سبق ذكره في رسالته التي تنم علي معرفة [[بابك[[بطبيعة العلاقة العباسية البيزنطية ونستشف منها أيضا علم بابك بحقد ثيوفيل البالغ علي العباسيين" فإن أردت الخروج إليه فليس في وجهك أحد يمنعك" مما يعني علمه بنوايا ثيوفيل تجاه الدولة العباسية ونيته في الانتقام منها, خصوصا بعد إذلال المأمون له من قبل , الأمر الذي يعني عن وجود علاقات متبادلة بين الطرفين ومراسلات وربما كانت هناك اتفاقية أو معاهدة, ولكنه مجرد رأي ليس له دليل ولكن الشاهد من الرسالة السابقة يوضح فقط وجود علاقات ومراسلات بين الطرفين. ومن تلك الرسالة يتضح انه يطمعه في الدخول في حرب مع العباسيين وسهل له أمر الانتصار وغرضه من ذلك " طمعاً منه بكتابه ذلك إليه في أن ملك الروم إن تحرك انكشف عنه بعض ما هو فيه بصرف المعتصم بعض من بإزائه من جيوشه إلى ملك الروم، واشتغاله به عنه" استطاع المعتصم أن يقضي علي فتنة بابك الخرمي, بعد أن وجه إليه اقدر قواده وهو الأفشين حيدر بن كلوس, والذي بعد مواجهات دامية أن يهزم بابك ويستولي علي عاصمته البذ في عام 222هـ, وقد استطاع الأفشين القبض عليه, بمساعدة أحد البطارقة, والذي امن بابك ثم غدر به, وجئ به إلي سامراء حيث قطعت أوصاله ثم صلب و أرسلت رأسه إلي همذان .
[عدل] الغارة البيزنطية علي زبطرة وملطيةعندما أوشك بابك علي الهزيمة أرسل إلي ثيوفيل, علي أمل أن يمد له يد المساعدة, وقد أخبره أن المعتصم قد وجه إليه كل جيوشه "حتى لم يبقي أحد علي بابه فإن أردت الخروج إليه فاعلم أنه ليس في وجهك أحد يمنعك؛ طمعاً منه بكتابه ذلك إليه في أن ملك الروم إن تحرك انكشف عنه بعض ما هو فيه بصرف المعتصم بعض من بإزائه من جيوشه إلى ملك الروم، واشتغاله به عنه" . ويعتبر هذا هو السبب الرئيسي وراء هجوم ثيوفيل علي زبطرة وملطية, والذي اتسم بالوحشية الشديدة, ولعله أيضا أراد الانتقام من الخلافة, وخصوصا بعد ازلال المأمون له, ورفضه لطلبه بالصلح.
[عدل] دور المحمرة في الهجوم علي زبطرةوربما يكون المحمرة قد لعبوا دورا في إقناع الإمبراطور بالتوجه للحرب مع المسلمين, يذكر الطبري أن كان مع ثيوفيل أثناء هجومه علي زبطرة " المحمرة الذين كانوا خرجوا بالجبال فلحقوا بالروم حين قاتلهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب جماعة رئيسهم بارسيس. وكان ملك الروم قد فرض لهم، وزوجهم وصيرهم مقاتلة يستعين بهم في أهم أموره إليه" تعتبر تلك الإشارة عن المحمرة ومشاركتهم في الهجوم, وكذلك عن منزلتهم فكما قال الطبري يستعين بهم في أهم أموره, وهؤلاء المحمرة من أتباع بابك, ربما كانوا عامل في تشجيع ثيوفيل علي الهجوم, كذلك لا يستبعد أنهم وراء وحشية الهجوم علي زبطرة, فقد كان ثيوفيل في غاراته السابقة يكتفي بالقتل وأخذ الأسري, أما في هذا الهجوم فتم معاملة الأسري بوحشية, حيث قام بالتمثيل بهم " ومثل بمن صار في يده من المسلمين وسمل أعينهم، وقطع أنوفهم وآذانهم" , وقد ذكر أنها كانت مذبحة عامة شملت اليهود والمسيحيين والمسلمين , ربما يرجع ذلك إلي مشاركة المحمرة, الذين لم ينسوا هزيمتهم وإخراجهم من بلادهم, وكذلك القبض علي رئيسهم بابك وقتله ربما كان عامل وراء فظاعة الهجوم, كذلك عندما أرسل ثيوفيل إلي المعتصم سفارة أثناء حصاره لعمورية يوضح له أن قادته تجاوزوا أوامره, أثناء حملته علي زبطرة, "وأن الإمبراطور يعد بتسليم كل من قام بعمل تخريبي ضد هذه المدينة" وعلي ما يبدو أنها إشارة إلي المحمرة فلا يعقل أن الإمبراطور الذي يسعي إلي حفظ الدم [[[مسيحية|المسيحي]] في عمورية أن يسلم غيرهم إلي المسلمين ليقتلوهم, والله أعلم. وصلت أنباء تلك الغارة إلي المعتصم, فقام المعتصم بتصرف سريع" ووجه عجيف بن عنبسة وعمراً الفرغاني ومحمد كوتة وجماعة من القواد إلى زبطرة إعانة لأهلها، فوجدوا ملك الروم قد انصرف إلى بلاده بعد ما فعل ما قد ذكرناه، فوقفوا قليلاً؛ حتى تراجع الناس إلى قراهم" .
[عدل] قصة المرأة الهاشميةوقد ذكر ابن الأثير أن " أن امرأة هاشمية صاحت، وهي أسيرة في أيدي الروم: وامعتصماه " , وعلي ما يبدو ضعف تلك الرواية, وذلك لعدة أمور منها, أن المؤرخين الذين ذكروا قصة المرأة اختلفوا هل هي هاشمية أم لا؟, فبينما يذكر ابن الأثير أنها هاشمية يذكر العصامي" أن رجلا وقف على المعتصم حال شربه وقال: يا أمير المؤمنين كنت بعمورية وجارية من أحسن النساء أسيرة قد لطمها على وجهها علج فقالت: وامعتصماه" , وكذلك ابن الجوزي في المنتظم , ونجد الاختلاف في كونها هاشمية أم لا في كثير من كتب المؤرخين والأدباء, فنجد القلقشندي يذكر رواية ذات طابع أدبي بديع عن تلك الشريفة التي أسرها الروم . كذلك فإن تلك الرواية لم يذكرها المعاصرون, فنجد أن الطبري لم يذكر تلك الرواية, كذلك فإن المسعودي يذكر أنه عند وصول نبأ الغارة " فدخل إبراهيم بن المهدي على المعتصم، فأنشده قائماً قصيدةً طويلةً يذكر فيها ما نزل بمن وصفنا ويحضه على الانتصار ويحثه على الجهاد" .
[عدل] الاستعدادات لفتح عموريةعند وصول الخبر إلي المعتصم, تأثر من شدة الغارة, فصاح في القصر بالنفير, وقام بإرسال " عجيف بن عنبسة وعمراً الفرغاني ومحمد كوتة وجماعة من القواد إلى زبطرة إعانة لأهلها، فوجدوا ملك الروم قد انصرف إلى بلاده بعد ما فعل ما قد ذكرناه، فوقفوا قليلاً؛ حتى تراجع الناس إلى قراهم، واطمأنوا" , وكان هذا حسن تصرف سريع من المعتصم, وعسكر غربي دجلة حتى تجتمع إليه القوات, وقد عزم علي غزو عمورية, ويرجع اختيار عمورية دون غيرها ما ذكره الطبري عنها "هي عين النصرانية وبنكها؛ وهي أشرف عندهم من القسطنطينية", كذلك فهي مسقط رأس الأسرة العمورية, وبذلك تكون ضربه مهينه لرأس الإمبراطورية ذاتها، وتشير المصادر البيزنطية أن المعتصم أمر إن ينقش علي الألوية والتروس إلي عمورية , وهو ما ينفي أن المعتصم قد قرر غزو عمورية بعد خروجه من سامراء كما يري البعض , وكذلك يوجد رأي بأن مشروع فتح عمورية إنما كان مخطط له من قبل المأمون ولكنه لم يسعفه القدر لإتمامه , ولا نجد أي إشارة لكون المأمون يرغب في فتح عمورية بالتحديد في المصادر العربية, ولكن ما نجده يدل علي انه كان يريد تقويض الإمبراطورية البيزنطية وفتح القسطنطينية حلم الخلفاء من أيام معاوية بن سفيان, ومن الغريب إعلام الجيش بوجهته, حتى أن الإمبراطور علم بوجهة الحملة, وانه قد عسكر في انتظارها عند دوريليوم , فيما يعد جرأة من المعتصم, وتحدي مباشر للإمبراطور البيزنطي, لأنه من ابسط دواعي الأمن في الخروج في الغزوات عدم التصريح بوجهتها, والله اعلم. وقد تجهز الخليفة بالكثير من أدوات الحصار والعدد والمؤن, وكانت أكبر حملة يقوم بها خليفة ضد بيزنطة من حيث كبر الاستعداد علي ما رواه الطبري , وقد قدر المسعودي حجم القوات التي صاحبت المعتصم ما بين المائتين والخمسمائة ألف .
[عدل] المسير والفتحاصطحب المعتصم معه خيرة قواد الدولة في ذلك الوقت علي رأسهم الأفشين, وقام بتقسيم الجيش" وجعل على مقدمته أشناس، ويتلوه محمد بن إبراهيم، وعلى ميمنته إيتاخ، وعلى ميسرته جعفر بن دينار بن عبد الله الخياط، وعلى القلب عجيف بن عنبسة" , وعندما وصل إلي نهر اللمس , قسم الجيش من جديد, فأرسل الأفشين إلي سروج ,وأرسل أشناس من درب طرسوس, وقد حدد لهم يوما ليجتمع الجيشان فيه علي أنقرة," فإذا فتحها الله عليه صار إلى عمورية ، إذ لم يكن شيء مما يقصد له من بلاد الروم أعظم من هاتين المدينتين، ولا أحرى أن تجعل غايته التي يؤمّها" . عندما علم الإمبراطور البيزنطي بهذه الحملة خرج علي رأس جيشه لمنازلة المسلمين, وعندما وصلت الأنباء عن ضخامة الجيش الإسلامي, طلب بعض قادته إخلاء عمورية صونا للدم المسيحي, ولكن الإمبراطور رفض الاستماع لهذه النصيحة . وأثناء مسير القوات استطاعت استخبارات المسلمين العسكرية, تحديد موقع الإمبراطور البيزنطي, فأرسل المعتصم إلي أشناس يأمره بالانتظار بمرج الأسقفّ, حتى تتوافي إليه القوات, ثم أرسل إليه مرة ثانية يأمره بتوجيه سرية لاستطلاع مكان الملك وموقفه, فأرسل عمرو الفرغاني في مائتي فارس, والذي استطاع أن يقبض علي رجل رومي, والذي دله علي مكان الإمبراطور, وكان تقريرهم بأن " الملك مقيم منذ أكثر من ثلاثين يوماً ينتظر عبور المعتصم ومقدمّته باللمس ؛فيواقعهم من وراء اللمس..... أنه قد رحل من ناحية الأرمنياق عسكر ضخم ، وتوسط البلاد - يعني عسكر الأفشين - وأنه قد صار خلفه" فأرسل أشناس التقرير إلي المعتصم, والذي وجه الرجال في طلب الأفشين " إشفاقاً من أن يواقعه ملك الروم".
[عدل] معركة الأفشين مع الإمبراطور البيزنطي ثيوفيلحين علم ثيوفيل بتوجه الأفشين إليه, سارع بالتوجه إليه ومعه قسم من جيشه, وجعل أحد أقاربه علي الباقي, وألتقي مع الأفشين في معركة هائلة في صباح الخميس 25 شعبان 223هـ عند مدينة دازيمون , وكان النصر حليف البيزنطيين في بداية الأمر لكن الأمر تغير بعد الظهر" فلما كان الظهر رجع فرسانهم، فقاتلونا قتالاً شديداً حتى حرقوا عسكرنا، واختلطوا بنا واختلطنا بهم؛ فلم ندر في أي كردوس الملك" وكانت المعركة شديدة حتى أن الإمبراطور لم ينجو إلا بصعوبة شديدة, ولم يظهر إلا في اليوم الثاني, فلم رجع وجد هروب كثير من جنده, وربما مرجع ذلك لظنهم بموته, فما كان منه إلا أن قتل قريبه الذي استخلفه علي الجند, وبعث في المدن بإرسال الجنود الفارين إلي قتال المسلمين, بعد جلدهم, ووجه خصيا له مع الجنود للدفاع عن أنقرة " فجاء الخصي إلى أنقرة، وجئنا معه، فإذا أنقرة قد عطلها أهلها، وهربوا منها، فكتب الخصي إلى ملك الروم يعلمه ذلك، فكتب إليه الملك يأمره بالمسير إلى عمورية" , أما عن الملك فقد أتخذ طريقه إلي نيقية ومنها إلي دوريليوم . == فتح أنقرة والمسير إلي عمورية ==
بعدما انتصر الأفشين توجه إلي أنقرة, فوجدوا قد هجرت, كما ذكرنا, فأحتلها, وخربت المدينة, وتوالي قدوم القوات إلي أنقرة وبعد سقوط أنقرة أمر ثيوفيل بتركيز القوات في عمورية من أجل الدفاع عنها, وقام بتعيين قائد قدير وهو ياطس وقام بآخر محاولة من أجل إنقاذ عمورية, فأرسل سفارة إلي المعتصم يعده أن يسلم كل من قام بعمل تخريبي ضد زبطرة, وبناءه لزبطرة علي نفقته الخاصة, فرفض المعتصم عرض ثيوفيل. قام المعتصم بإعادة تقسيم القوات " ثم صيّر العسكر ثلاثة عساكر: عسكر فيه أشناس في الميسرة، والمعتصم في القلب، والأفشين في الميمنة؛ وبين كل عسكر وعسكر فرسخان، وأمر كل عسكر منهم أن يكون له ميمنة وميسرة" , وأمر بتخريب جميع القرى علي طول الطريق إلي عمورية. تواصل قدوم الجيوش إلي عمورية, وكان أول من وردها أشناس, وعند تكامل القوات، قام المعتصم بتوزيع أبراج المدينة علي قواده ليتولوا مهاجمته, علي قدر ما معه من قوات, وتشير المصادر العربية إلي ظهور عربي متنصر كان قد أسره البيزنطيون فتنصر وتزوج منهم وعاش في عمورية, وعندما علم بقدوم الخليفة, اختبأ خارج المدينة, وسارع بالاتصال بالخليفة المعتصم, اخبره عن نقطة ضعف في سور المدينة, حيث كان هناك موضع في السور هدم نتيجة سيل شديد, وتواني الحاكم في بناءه, وعندما علم بمرور الإمبراطور بناه بغير إحكام, فانتهز المعتصم ذلك وأمر بتركيز الرمي بالمنجنيق علي هذا الموضع, حتى تصدع السور, ولكن قاوم أهالي عمورية بشجاعة "فلما رأى أهل عمورية انفراج السور، علقوا عليه الخشب الكبار، كل واحد بلزق الأخرى؛ فكان حجر المنجنيق إذا وقع على الخشب تكسر، فعلقوا خشباً غيره، وصيروا فوق الخشب البراذع ليترسوا السور" وعموما لم يفد هذا كثيرا فقد انصدع السور, الأمر الذي كان له أثره علي ياطس, فحاول ياطس مراسلة الإمبراطور, عن طريق جاسوسين فشلا في اختراق حصار المسلمين, وتم وقوع الخطاب في أيدي المسلمين, وعلي ما ذكر الطبري فإنه كان ينوي الهروب, وعلي ما يبدو أن المعتصم استغل الخطاب في حرب نفسيه ضد ياطس والمقاومين داخل المدينة " فقالا: ياطس يكون في هذا البرج، فأمر بهما فوقفا بحذاء البرج الذي فيه ياطس طويلاً، وبين أيديهما رجلان يحملان لهما الدراهم وعليهما الخلع، ومعهما الكتاب حتى فهمهما ياطس وجميع الروم، وشتموهما من فوق السور" , وقام بعدها المعتصم بتشديد الحصار والدوريات حول المدينة حتى لا يستطيع أحد الخروج أو الدخول. كانت عمورية مدينة شديدة التحصين يوجد بها 44 برج, ويحيط بها خندق, لكن انهدام السور في الموضع الذي دل عليه العربي المتنصر, اضعف من موقف المدافعين, كذلك فقد احتال المعتصم لكي يتغلب علي مناعة الخندق " دبر في ذلك أن يدفع الغنم إلى أهل العسكر إلى كل رجل شاة فيأكل لحمها، ويحشو جلدها تراباً ثم يؤتى بالجلود مملوءة تراباً؛ حتى تطرح في الخندق" , وقد كان لذلك بالتأكيد أثره في رفع معنويات الجنود, وساعد في ردم الخندق. قام المسلمون بمهاجمة الموضع المتهدم في السور, فأول من هاجم السور أشناس, وفي اليوم الثاني الأفشين, وقد كان الهجوم موفق في اليوم الثاني أكثر من اليوم الأول, الأمر الذي جعل أشناس يحقد علي قواده, وقام بتوبيخهم أشد التوبيخ علي تقصيرهم في مهاجمة السور في اليوم الأول, ولكن مرجع ذلك لم يكن حقا إلي مهارة الأفشين فحسب, ولكن كان لان من قاتل في اليوم الأول من المدافعين هم أنفسهم من قاتل في اليوم الثاني, وهم من قاتل في اليوم الثالث, فنجد الطبري يذكر عن القتال في اليوم الثالث " فلما كان في اليوم الثالث كانت الحرب على أصحاب أمير المؤمنين خاصة، ومعهم المغاربة والأتراك، والقيم بذلك إيتاخ، فقاتلوا فأحسنوا واتسع لهم الموضع المنثلم", الأمر الذي كان له أثره علي القائد المكلف بهذا الموضع, فقد كثر الجرحى والقتلى في صفوف قواته, في حين أن جنود المسلمين المهاجمين يتغيرون كل يوم وهم في حالة معنوية جيدة, خاصة بعد انفراج السور, وهو ما ِأشار إليه الطبري, وعندما طلب المدد من ياطس وباقي القواد لم يمده أحد, وربما لا يرجع ذلك إلي تخاذل منهم, ولكن ربما يرجع إلي شدة هجمات المسلمين علي باقي الأبراج وسور المدينة, وعندها لم يجد بدا من التسليم فخرج وسلم ما كلف بالدفاع عنه, مقابل الأمان له ولجنوده, وبذلك أنتهي حصار المدينة الذي استمر 12 يوما في 12 أغسطس 839م-18 رمضان 223هـ. فاستباحها المسلمون, وقام المعتصم بقتل ياطس, و بلغ من كثر السبي والمغانم أن أمر المعتصم " ألا ينادى على السبي إلا ثلاثة أصوات، ليتروح البيع، فمن زاد بعد ثلاثة أصوات، وإلا بيع العلق؛ فكان يفعل ذلك في اليوم الخامس؛ فكان ينادي على الرقيق خمسة خمسة، وعشرة عشرة، والمتاع الكثير جملة واحدة " , " وجاء ببابها إلى العراق وهو باق حتى الآن منصوب على أحد الأبواب دار الخلافة وهو الباب الملاصق مسجد الجامع في القصر" . وهنا يبدر لنا تساؤل أين كان ثيوفيل أثناء حصار المعتصم لعمورية؟ ولماذا لم يحاول فك الحصار تركها لمصيرها؟ هل كانت مواجهة مع الأفشين حاسمة بشكل أعجزه عن تجميع قوات؟ أم هو عامل الوقت؟, كل ما استطعت التوصل له هو رأي بأن ثيوفيل توجه للقسطنطينية لسماعه بخبر مؤامرة عسكرية ضده . وقد قيل أن المعتصم كان ينوي المسير إلي القسطنطينية ومحاولة فتحها, ولكن ما دلت عليه الأحداث السابقة, والتالية تنفي هذا الرأي, فقد أنشغل المعتصم بالفتن الداخلية, و خاصة فتنة خلق القرآن, وعموما لم يدم العمر بالمعتصم لتنفيذ هذا المشروع لو صح بأنه كان ينوي ذلك. أما ثيوفيل, فقد توجه إلي الغرب باحثا عن المساعدة, وقد راسل الأمير الأموي, عبد الرحمن الثاني, يعرض عليه التحالف , كذلك فقد أرسل إلي البندقية وإلي ملك الإفرنج يطلب النجدة, واستمرت المناوشات بين العرب والبيزنطيين, حتى عام 841م حينما أرسل الإمبراطور البيزنطي هدايا إلي الخليفة واقترح تبادل الأسرى, ولم يرضي المعتصم بحصول الفداء رسميا ولكنه أرسل هدايا أكثر ووعد بأن يطلق ضعف عدد الأسرى المسلمين الذين يطلقون, وعلي هذا الأساس حصلت الهدنة .
[عدل] فتنة بابك الخرمي(201-222هـ)هي أخطر حركة دينية في المظهر سياسية في الغاية عرفتها فارس منذ قيام الدولة العباسية, وتتميز عن الحركات السابقة بسعتها وبتنظيم دعايتها , ولكنها في أسسها تشبه الحركات السابقة, وتعتبر حركة بابك استمرار للحركة الخرمية, فقد نجح الرجل أن يتزعم طائفة من أتباعها, ثم أستطاع أن يوحد صفوفها وينظمها, وأضاف إليها عبقريته العسكرية ودهائه السياسي ومقدرته علي التنظيم . استمر بابك في نجاح مطرد في حركته من سنة 201 إلي 218هـ, فقد أستطاع أن يهزم أربعة قواد من قادة المأمون, وقام بتخريب حصون أذربيجان التابعة للعباسيين فأضعف ذلك دفاعهم, وظل نجاحه حتى سنة 218هـ حينما أستطاع إسحاق بن إبراهيم, تشتيت المحمرة من أتباع بابك في منطقة همذان, والذي التحق قسم منهم بالدولة البيزنطية والذين لعبوا دورا مهم في تخريب زبطرة. استطاع بابك الاتصال بالإمبراطور البيزنطي, حيث وجدت إشارات بالمصادر البيزنطية إلي مفاوضات سرية بين بابك وبين البيزنطيين , وما يدل علي وجود علاقات بين بابك وبين البيزنطيين, هروب المحمرة إلي الدولة البيزنطية كما ذكرنا, وكذلك انه عندما ضاق الحال به أراد أن يفر إلي القسطنطينية, وكانت تلك العلاقة ما بين البيزنطيين وبابك, دور خطير في تحويل ثيوفيل إلي الدولة العباسية بدلا من محاولة استعادة كريت وقبرص, كذلك من الملاحظ أن ثيوفيل لم يبدي اهتمام في بداية حكمه إلي الجبهة الإسلامية, إلا بعد غزو المأمون للصائفة بنفسه عام 215هـ, فربما استغل بابك هذا العداء واتصل بالإمبراطور البيزنطي وإجراء نوع من التحالف لتبادل المساعدة وقت الحاجة, وإلا فلم لبى ثيوفيل استغاثة بابك, وقام بالهجوم علي زبطرة,وقد وجد ثيوفيل في مساندة بابك الخرمي فرصة للرد علي مساندة الخليفة المأمون لثورة توماس , وكذلك فإن مراسلة بابك لثيوفيل, فنص المصادر العربية نجد فيها شاهد علي أنها ليست المراسلة الأولي بينهما وإلا لما أرسل إليه بما سبق ذكره في رسالته التي تنم علي معرفة [[بابك[[بطبيعة العلاقة العباسية البيزنطية ونستشف منها أيضا علم بابك بحقد ثيوفيل البالغ علي العباسيين" فإن أردت الخروج إليه فليس في وجهك أحد يمنعك" مما يعني علمه بنوايا ثيوفيل تجاه الدولة العباسية ونيته في الانتقام منها, خصوصا بعد إذلال المأمون له من قبل , الأمر الذي يعني عن وجود علاقات متبادلة بين الطرفين ومراسلات وربما كانت هناك اتفاقية أو معاهدة, ولكنه مجرد رأي ليس له دليل ولكن الشاهد من الرسالة السابقة يوضح فقط وجود علاقات ومراسلات بين الطرفين. ومن تلك الرسالة يتضح انه يطمعه في الدخول في حرب مع العباسيين وسهل له أمر الانتصار وغرضه من ذلك " طمعاً منه بكتابه ذلك إليه في أن ملك الروم إن تحرك انكشف عنه بعض ما هو فيه بصرف المعتصم بعض من بإزائه من جيوشه إلى ملك الروم، واشتغاله به عنه" استطاع المعتصم أن يقضي علي فتنة بابك الخرمي, بعد أن وجه إليه اقدر قواده وهو الأفشين حيدر بن كلوس, والذي بعد مواجهات دامية أن يهزم بابك ويستولي علي عاصمته البذ في عام 222هـ, وقد استطاع الأفشين القبض عليه, بمساعدة أحد البطارقة, والذي امن بابك ثم غدر به, وجئ به إلي سامراء حيث قطعت أوصاله ثم صلب و أرسلت رأسه إلي همذان .
[عدل] الغارة البيزنطية علي زبطرة وملطيةعندما أوشك بابك علي الهزيمة أرسل إلي ثيوفيل, علي أمل أن يمد له يد المساعدة, وقد أخبره أن المعتصم قد وجه إليه كل جيوشه "حتى لم يبقي أحد علي بابه فإن أردت الخروج إليه فاعلم أنه ليس في وجهك أحد يمنعك؛ طمعاً منه بكتابه ذلك إليه في أن ملك الروم إن تحرك انكشف عنه بعض ما هو فيه بصرف المعتصم بعض من بإزائه من جيوشه إلى ملك الروم، واشتغاله به عنه" . ويعتبر هذا هو السبب الرئيسي وراء هجوم ثيوفيل علي زبطرة وملطية, والذي اتسم بالوحشية الشديدة, ولعله أيضا أراد الانتقام من الخلافة, وخصوصا بعد ازلال المأمون له, ورفضه لطلبه بالصلح.
[عدل] دور المحمرة في الهجوم علي زبطرةوربما يكون المحمرة قد لعبوا دورا في إقناع الإمبراطور بالتوجه للحرب مع المسلمين, يذكر الطبري أن كان مع ثيوفيل أثناء هجومه علي زبطرة " المحمرة الذين كانوا خرجوا بالجبال فلحقوا بالروم حين قاتلهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب جماعة رئيسهم بارسيس. وكان ملك الروم قد فرض لهم، وزوجهم وصيرهم مقاتلة يستعين بهم في أهم أموره إليه" تعتبر تلك الإشارة عن المحمرة ومشاركتهم في الهجوم, وكذلك عن منزلتهم فكما قال الطبري يستعين بهم في أهم أموره, وهؤلاء المحمرة من أتباع بابك, ربما كانوا عامل في تشجيع ثيوفيل علي الهجوم, كذلك لا يستبعد أنهم وراء وحشية الهجوم علي زبطرة, فقد كان ثيوفيل في غاراته السابقة يكتفي بالقتل وأخذ الأسري, أما في هذا الهجوم فتم معاملة الأسري بوحشية, حيث قام بالتمثيل بهم " ومثل بمن صار في يده من المسلمين وسمل أعينهم، وقطع أنوفهم وآذانهم" , وقد ذكر أنها كانت مذبحة عامة شملت اليهود والمسيحيين والمسلمين , ربما يرجع ذلك إلي مشاركة المحمرة, الذين لم ينسوا هزيمتهم وإخراجهم من بلادهم, وكذلك القبض علي رئيسهم بابك وقتله ربما كان عامل وراء فظاعة الهجوم, كذلك عندما أرسل ثيوفيل إلي المعتصم سفارة أثناء حصاره لعمورية يوضح له أن قادته تجاوزوا أوامره, أثناء حملته علي زبطرة, "وأن الإمبراطور يعد بتسليم كل من قام بعمل تخريبي ضد هذه المدينة" وعلي ما يبدو أنها إشارة إلي المحمرة فلا يعقل أن الإمبراطور الذي يسعي إلي حفظ الدم [[[مسيحية|المسيحي]] في عمورية أن يسلم غيرهم إلي المسلمين ليقتلوهم, والله أعلم. وصلت أنباء تلك الغارة إلي المعتصم, فقام المعتصم بتصرف سريع" ووجه عجيف بن عنبسة وعمراً الفرغاني ومحمد كوتة وجماعة من القواد إلى زبطرة إعانة لأهلها، فوجدوا ملك الروم قد انصرف إلى بلاده بعد ما فعل ما قد ذكرناه، فوقفوا قليلاً؛ حتى تراجع الناس إلى قراهم" .
[عدل] قصة المرأة الهاشميةوقد ذكر ابن الأثير أن " أن امرأة هاشمية صاحت، وهي أسيرة في أيدي الروم: وامعتصماه " , وعلي ما يبدو ضعف تلك الرواية, وذلك لعدة أمور منها, أن المؤرخين الذين ذكروا قصة المرأة اختلفوا هل هي هاشمية أم لا؟, فبينما يذكر ابن الأثير أنها هاشمية يذكر العصامي" أن رجلا وقف على المعتصم حال شربه وقال: يا أمير المؤمنين كنت بعمورية وجارية من أحسن النساء أسيرة قد لطمها على وجهها علج فقالت: وامعتصماه" , وكذلك ابن الجوزي في المنتظم , ونجد الاختلاف في كونها هاشمية أم لا في كثير من كتب المؤرخين والأدباء, فنجد القلقشندي يذكر رواية ذات طابع أدبي بديع عن تلك الشريفة التي أسرها الروم . كذلك فإن تلك الرواية لم يذكرها المعاصرون, فنجد أن الطبري لم يذكر تلك الرواية, كذلك فإن المسعودي يذكر أنه عند وصول نبأ الغارة " فدخل إبراهيم بن المهدي على المعتصم، فأنشده قائماً قصيدةً طويلةً يذكر فيها ما نزل بمن وصفنا ويحضه على الانتصار ويحثه على الجهاد" .
[عدل] الاستعدادات لفتح عموريةعند وصول الخبر إلي المعتصم, تأثر من شدة الغارة, فصاح في القصر بالنفير, وقام بإرسال " عجيف بن عنبسة وعمراً الفرغاني ومحمد كوتة وجماعة من القواد إلى زبطرة إعانة لأهلها، فوجدوا ملك الروم قد انصرف إلى بلاده بعد ما فعل ما قد ذكرناه، فوقفوا قليلاً؛ حتى تراجع الناس إلى قراهم، واطمأنوا" , وكان هذا حسن تصرف سريع من المعتصم, وعسكر غربي دجلة حتى تجتمع إليه القوات, وقد عزم علي غزو عمورية, ويرجع اختيار عمورية دون غيرها ما ذكره الطبري عنها "هي عين النصرانية وبنكها؛ وهي أشرف عندهم من القسطنطينية", كذلك فهي مسقط رأس الأسرة العمورية, وبذلك تكون ضربه مهينه لرأس الإمبراطورية ذاتها، وتشير المصادر البيزنطية أن المعتصم أمر إن ينقش علي الألوية والتروس إلي عمورية , وهو ما ينفي أن المعتصم قد قرر غزو عمورية بعد خروجه من سامراء كما يري البعض , وكذلك يوجد رأي بأن مشروع فتح عمورية إنما كان مخطط له من قبل المأمون ولكنه لم يسعفه القدر لإتمامه , ولا نجد أي إشارة لكون المأمون يرغب في فتح عمورية بالتحديد في المصادر العربية, ولكن ما نجده يدل علي انه كان يريد تقويض الإمبراطورية البيزنطية وفتح القسطنطينية حلم الخلفاء من أيام معاوية بن سفيان, ومن الغريب إعلام الجيش بوجهته, حتى أن الإمبراطور علم بوجهة الحملة, وانه قد عسكر في انتظارها عند دوريليوم , فيما يعد جرأة من المعتصم, وتحدي مباشر للإمبراطور البيزنطي, لأنه من ابسط دواعي الأمن في الخروج في الغزوات عدم التصريح بوجهتها, والله اعلم. وقد تجهز الخليفة بالكثير من أدوات الحصار والعدد والمؤن, وكانت أكبر حملة يقوم بها خليفة ضد بيزنطة من حيث كبر الاستعداد علي ما رواه الطبري , وقد قدر المسعودي حجم القوات التي صاحبت المعتصم ما بين المائتين والخمسمائة ألف .
[عدل] المسير والفتحاصطحب المعتصم معه خيرة قواد الدولة في ذلك الوقت علي رأسهم الأفشين, وقام بتقسيم الجيش" وجعل على مقدمته أشناس، ويتلوه محمد بن إبراهيم، وعلى ميمنته إيتاخ، وعلى ميسرته جعفر بن دينار بن عبد الله الخياط، وعلى القلب عجيف بن عنبسة" , وعندما وصل إلي نهر اللمس , قسم الجيش من جديد, فأرسل الأفشين إلي سروج ,وأرسل أشناس من درب طرسوس, وقد حدد لهم يوما ليجتمع الجيشان فيه علي أنقرة," فإذا فتحها الله عليه صار إلى عمورية ، إذ لم يكن شيء مما يقصد له من بلاد الروم أعظم من هاتين المدينتين، ولا أحرى أن تجعل غايته التي يؤمّها" . عندما علم الإمبراطور البيزنطي بهذه الحملة خرج علي رأس جيشه لمنازلة المسلمين, وعندما وصلت الأنباء عن ضخامة الجيش الإسلامي, طلب بعض قادته إخلاء عمورية صونا للدم المسيحي, ولكن الإمبراطور رفض الاستماع لهذه النصيحة . وأثناء مسير القوات استطاعت استخبارات المسلمين العسكرية, تحديد موقع الإمبراطور البيزنطي, فأرسل المعتصم إلي أشناس يأمره بالانتظار بمرج الأسقفّ, حتى تتوافي إليه القوات, ثم أرسل إليه مرة ثانية يأمره بتوجيه سرية لاستطلاع مكان الملك وموقفه, فأرسل عمرو الفرغاني في مائتي فارس, والذي استطاع أن يقبض علي رجل رومي, والذي دله علي مكان الإمبراطور, وكان تقريرهم بأن " الملك مقيم منذ أكثر من ثلاثين يوماً ينتظر عبور المعتصم ومقدمّته باللمس ؛فيواقعهم من وراء اللمس..... أنه قد رحل من ناحية الأرمنياق عسكر ضخم ، وتوسط البلاد - يعني عسكر الأفشين - وأنه قد صار خلفه" فأرسل أشناس التقرير إلي المعتصم, والذي وجه الرجال في طلب الأفشين " إشفاقاً من أن يواقعه ملك الروم".
[عدل] معركة الأفشين مع الإمبراطور البيزنطي ثيوفيلحين علم ثيوفيل بتوجه الأفشين إليه, سارع بالتوجه إليه ومعه قسم من جيشه, وجعل أحد أقاربه علي الباقي, وألتقي مع الأفشين في معركة هائلة في صباح الخميس 25 شعبان 223هـ عند مدينة دازيمون , وكان النصر حليف البيزنطيين في بداية الأمر لكن الأمر تغير بعد الظهر" فلما كان الظهر رجع فرسانهم، فقاتلونا قتالاً شديداً حتى حرقوا عسكرنا، واختلطوا بنا واختلطنا بهم؛ فلم ندر في أي كردوس الملك" وكانت المعركة شديدة حتى أن الإمبراطور لم ينجو إلا بصعوبة شديدة, ولم يظهر إلا في اليوم الثاني, فلم رجع وجد هروب كثير من جنده, وربما مرجع ذلك لظنهم بموته, فما كان منه إلا أن قتل قريبه الذي استخلفه علي الجند, وبعث في المدن بإرسال الجنود الفارين إلي قتال المسلمين, بعد جلدهم, ووجه خصيا له مع الجنود للدفاع عن أنقرة " فجاء الخصي إلى أنقرة، وجئنا معه، فإذا أنقرة قد عطلها أهلها، وهربوا منها، فكتب الخصي إلى ملك الروم يعلمه ذلك، فكتب إليه الملك يأمره بالمسير إلى عمورية" , أما عن الملك فقد أتخذ طريقه إلي نيقية ومنها إلي دوريليوم . == فتح أنقرة والمسير إلي عمورية ==
بعدما انتصر الأفشين توجه إلي أنقرة, فوجدوا قد هجرت, كما ذكرنا, فأحتلها, وخربت المدينة, وتوالي قدوم القوات إلي أنقرة وبعد سقوط أنقرة أمر ثيوفيل بتركيز القوات في عمورية من أجل الدفاع عنها, وقام بتعيين قائد قدير وهو ياطس وقام بآخر محاولة من أجل إنقاذ عمورية, فأرسل سفارة إلي المعتصم يعده أن يسلم كل من قام بعمل تخريبي ضد زبطرة, وبناءه لزبطرة علي نفقته الخاصة, فرفض المعتصم عرض ثيوفيل. قام المعتصم بإعادة تقسيم القوات " ثم صيّر العسكر ثلاثة عساكر: عسكر فيه أشناس في الميسرة، والمعتصم في القلب، والأفشين في الميمنة؛ وبين كل عسكر وعسكر فرسخان، وأمر كل عسكر منهم أن يكون له ميمنة وميسرة" , وأمر بتخريب جميع القرى علي طول الطريق إلي عمورية. تواصل قدوم الجيوش إلي عمورية, وكان أول من وردها أشناس, وعند تكامل القوات، قام المعتصم بتوزيع أبراج المدينة علي قواده ليتولوا مهاجمته, علي قدر ما معه من قوات, وتشير المصادر العربية إلي ظهور عربي متنصر كان قد أسره البيزنطيون فتنصر وتزوج منهم وعاش في عمورية, وعندما علم بقدوم الخليفة, اختبأ خارج المدينة, وسارع بالاتصال بالخليفة المعتصم, اخبره عن نقطة ضعف في سور المدينة, حيث كان هناك موضع في السور هدم نتيجة سيل شديد, وتواني الحاكم في بناءه, وعندما علم بمرور الإمبراطور بناه بغير إحكام, فانتهز المعتصم ذلك وأمر بتركيز الرمي بالمنجنيق علي هذا الموضع, حتى تصدع السور, ولكن قاوم أهالي عمورية بشجاعة "فلما رأى أهل عمورية انفراج السور، علقوا عليه الخشب الكبار، كل واحد بلزق الأخرى؛ فكان حجر المنجنيق إذا وقع على الخشب تكسر، فعلقوا خشباً غيره، وصيروا فوق الخشب البراذع ليترسوا السور" وعموما لم يفد هذا كثيرا فقد انصدع السور, الأمر الذي كان له أثره علي ياطس, فحاول ياطس مراسلة الإمبراطور, عن طريق جاسوسين فشلا في اختراق حصار المسلمين, وتم وقوع الخطاب في أيدي المسلمين, وعلي ما ذكر الطبري فإنه كان ينوي الهروب, وعلي ما يبدو أن المعتصم استغل الخطاب في حرب نفسيه ضد ياطس والمقاومين داخل المدينة " فقالا: ياطس يكون في هذا البرج، فأمر بهما فوقفا بحذاء البرج الذي فيه ياطس طويلاً، وبين أيديهما رجلان يحملان لهما الدراهم وعليهما الخلع، ومعهما الكتاب حتى فهمهما ياطس وجميع الروم، وشتموهما من فوق السور" , وقام بعدها المعتصم بتشديد الحصار والدوريات حول المدينة حتى لا يستطيع أحد الخروج أو الدخول. كانت عمورية مدينة شديدة التحصين يوجد بها 44 برج, ويحيط بها خندق, لكن انهدام السور في الموضع الذي دل عليه العربي المتنصر, اضعف من موقف المدافعين, كذلك فقد احتال المعتصم لكي يتغلب علي مناعة الخندق " دبر في ذلك أن يدفع الغنم إلى أهل العسكر إلى كل رجل شاة فيأكل لحمها، ويحشو جلدها تراباً ثم يؤتى بالجلود مملوءة تراباً؛ حتى تطرح في الخندق" , وقد كان لذلك بالتأكيد أثره في رفع معنويات الجنود, وساعد في ردم الخندق. قام المسلمون بمهاجمة الموضع المتهدم في السور, فأول من هاجم السور أشناس, وفي اليوم الثاني الأفشين, وقد كان الهجوم موفق في اليوم الثاني أكثر من اليوم الأول, الأمر الذي جعل أشناس يحقد علي قواده, وقام بتوبيخهم أشد التوبيخ علي تقصيرهم في مهاجمة السور في اليوم الأول, ولكن مرجع ذلك لم يكن حقا إلي مهارة الأفشين فحسب, ولكن كان لان من قاتل في اليوم الأول من المدافعين هم أنفسهم من قاتل في اليوم الثاني, وهم من قاتل في اليوم الثالث, فنجد الطبري يذكر عن القتال في اليوم الثالث " فلما كان في اليوم الثالث كانت الحرب على أصحاب أمير المؤمنين خاصة، ومعهم المغاربة والأتراك، والقيم بذلك إيتاخ، فقاتلوا فأحسنوا واتسع لهم الموضع المنثلم", الأمر الذي كان له أثره علي القائد المكلف بهذا الموضع, فقد كثر الجرحى والقتلى في صفوف قواته, في حين أن جنود المسلمين المهاجمين يتغيرون كل يوم وهم في حالة معنوية جيدة, خاصة بعد انفراج السور, وهو ما ِأشار إليه الطبري, وعندما طلب المدد من ياطس وباقي القواد لم يمده أحد, وربما لا يرجع ذلك إلي تخاذل منهم, ولكن ربما يرجع إلي شدة هجمات المسلمين علي باقي الأبراج وسور المدينة, وعندها لم يجد بدا من التسليم فخرج وسلم ما كلف بالدفاع عنه, مقابل الأمان له ولجنوده, وبذلك أنتهي حصار المدينة الذي استمر 12 يوما في 12 أغسطس 839م-18 رمضان 223هـ. فاستباحها المسلمون, وقام المعتصم بقتل ياطس, و بلغ من كثر السبي والمغانم أن أمر المعتصم " ألا ينادى على السبي إلا ثلاثة أصوات، ليتروح البيع، فمن زاد بعد ثلاثة أصوات، وإلا بيع العلق؛ فكان يفعل ذلك في اليوم الخامس؛ فكان ينادي على الرقيق خمسة خمسة، وعشرة عشرة، والمتاع الكثير جملة واحدة " , " وجاء ببابها إلى العراق وهو باق حتى الآن منصوب على أحد الأبواب دار الخلافة وهو الباب الملاصق مسجد الجامع في القصر" . وهنا يبدر لنا تساؤل أين كان ثيوفيل أثناء حصار المعتصم لعمورية؟ ولماذا لم يحاول فك الحصار تركها لمصيرها؟ هل كانت مواجهة مع الأفشين حاسمة بشكل أعجزه عن تجميع قوات؟ أم هو عامل الوقت؟, كل ما استطعت التوصل له هو رأي بأن ثيوفيل توجه للقسطنطينية لسماعه بخبر مؤامرة عسكرية ضده . وقد قيل أن المعتصم كان ينوي المسير إلي القسطنطينية ومحاولة فتحها, ولكن ما دلت عليه الأحداث السابقة, والتالية تنفي هذا الرأي, فقد أنشغل المعتصم بالفتن الداخلية, و خاصة فتنة خلق القرآن, وعموما لم يدم العمر بالمعتصم لتنفيذ هذا المشروع لو صح بأنه كان ينوي ذلك. أما ثيوفيل, فقد توجه إلي الغرب باحثا عن المساعدة, وقد راسل الأمير الأموي, عبد الرحمن الثاني, يعرض عليه التحالف , كذلك فقد أرسل إلي البندقية وإلي ملك الإفرنج يطلب النجدة, واستمرت المناوشات بين العرب والبيزنطيين, حتى عام 841م حينما أرسل الإمبراطور البيزنطي هدايا إلي الخليفة واقترح تبادل الأسرى, ولم يرضي المعتصم بحصول الفداء رسميا ولكنه أرسل هدايا أكثر ووعد بأن يطلق ضعف عدد الأسرى المسلمين الذين يطلقون, وعلي هذا الأساس حصلت الهدنة .