- الأحد مايو 29, 2011 4:24 pm
#37341
مفهوم دار الإسلام ودار الحرب وحكم الهجرة منها
نص السؤال:
ما المقصود بدار الحرب، ومتى يُطلق على منطقة بأنها دارُ حربٍ، وهل تُقام فيها الحدود؟ ومتى تجب الهجرة؟
نص الإجابة
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
جاء في كتاب "بيان للناس الصادر عن الأزهر " أنَّ تقسيم البلاد إلى دار كُفْرٍ وإسلامٍ أمر اجتهاديٌّ من واقع الحال في زمان الأئمة المجتهدين، وليس هناك نصٌّ فيه من قرآنٍ أو سنةٍ.
والمحقُّقون من العلماء قالوا: إن مدار الحكم على بلدٍ بأنه بلدُ إسلامٍ أو بلد حرب هو الأمن على الدين، حتى لو عاش المسلم في بلد ليس له دين، أو دينه غير دين الإسلام ، ومارس شعائر دينه بحريَّةٍ فهو في دار إسلام، بمعنى أنه لا تجب عليه الهجرة منها.
وذكر المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة في رسالة عن نظرية الحرب في الإسلام رأيين للفقهاء في دار الإسلام ودار الحرب. ثم اختار رأيَ أبي حنيفة وهو : أن مدار الحكم هو أمن المسلم، فإن كان آمنًا بوصف كونه مسلمًا فالدار دار إسلام، وإلا فهي دار حرب. وقال: إنه الأقرب إلى معنى الإسلام، ويوافقُ الأصلَ في فكرة الحروب الإسلامية وأنها لدفع الاعتداءِ . انتهى.
وبخصوص الحدود قال فريق من الفقهاء منهم أبو حنيفة: إذا غَزَا أمير أرض الحرب فإنه لا يُقيم للحد على أحد من جنوده في عسكره، إلا أن يكون إمام مصر أو الشام أو العراق أو ما أشبه ذلك، فيقيم الحدود في عسكره، وحجَّتهم أن إقامتها في دار الحرب قد تحمل المحدود على الالتحاقِ بالكفر.
وقد نصَّ على عدم إقامتها أحمد وإسحاق بن راهويهِ والأوزاعيُّ وغيرهم، وعليه إجماع الصحابة، وكان أبو محجن الثقفيّ لا يُطيق الصبر عن شرب الخمر، فشربها بالقادسية فحبسه أمير الجيش سعد بن أبي وقاص وأمر بتقييده، ثم طلب من امرأة سعد أن تُطْلِقَه ليشترك في المعركة وتعهد بالعودة إلى الحبس، وكان ذلك، ولما عرف سعد بلاءه في الحرب عفا عنه، فتاب عن الخمر.
ورأى جماعة آخرون عدم الفرق بين إقامة الحدود في دار الإسلام وغيرها، ومنهم مالك والليث بن سعد.
وبعد، فهذا سؤال تقليديٌّ عن الحدود قضت به ظروفً كان المسلمون فيها أصحاب قوةٍ وسلطان يفتحون البلاد بالإسلام، فهل يمكن في ظروفنا الحاضرة أن يكون لنا هذا الوضع؟
هذا، ويثار هنا سؤال عن حكم إقامة المسلم في بلاد المشركين، ورأى الإسلام في الجاليات الإسلامية.
روى أبو داود والترمذي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " أنا برئ من كل مسلم يُقيم بين أَظْهُرِ المشركين". وهذا الحديث يلتقي مع الآيات التي تحثُّ على الهجرة من مكةَ إلى المدينة، وتنعي على من يستطيعون الهجرة ولا يهاجرون، ومنها قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا، فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (سورة النساء : 97).
والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام باقيةٌ إلى يوم القيامة، لكن هل هي واجبةٌ أم مندوبةٌ؟ قال العلماء: إن خاف المسلم على دينه وخُلُقِهِ أو على ماله وَجَبَ أنْ يُهاجرَ، وإنْ لم يَخَفْ لم تَجِب الهجرة، وتكون سُنَّةً. لكنْ قال المحققون: إذا وَجَدَ المسلم أن بقاءَهُ في دار الكفر يُفيد المسلمين الموجودين في دار الإسلام، أو يُفيد المسلمين الموجودين في دار الكفر بمثلِ تعليمِهِمْ وقضاءِ مصالحهم، أو يُفيد الإسلامَ نفسَهُ بنشرِ مبادئِهِ والرد على الشُّبَهِ الموجهَّةِ إليه ـ كان وُجُودُهُ في هذا المجتمع أفضلَ من هجره، ويتطلب ذلك أن يكون قويَّ الإيمانِ والشخصيةِ والنفوذِ حتى يُمْكِنَهُ أنْ يَقومَ بهذه المهمة. وقد كان لبعض الدعاةِ والتجار في الزمن الأوَّلِ أَثَرٌ كبير في نشر الإسلام في بلاد الكفر .
ويقول فضيلة الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء
إنّ دار الحرب مصطلح فقهي استعمله الفقهاء في مرحلة معيّنة من التاريخ الإسلامي للدلالة على بلاد خارج دار الإسلام وليس بينها وبين دار الإسلام عهد، وبناء على ذلك فإنّ دار الحرب من الناحية الواقعية لا يمكن أن توجد إلاّ بعد وجود دار الإسلام. وفي هذه الحالة فإنّ الحاكم المسلم في دار الإسلام هو الذي يحدّد دار الحرب ودار العهد.
ومن ناحية ثانية فإنّ بلاد المسلمين تتفاوت اليوم في اعتبارها دار إسلام أو لا. فالقليل منها كما هو معروف يحتكم إلى الشريعة الإسلامية في أكثر تشريعاته. وأكثرها يحصر التزامه بالأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية منها. وهناك عدد آخر ولو كان قليلاً يرفض الخضوع للأحكام الشرعية حتّى في مجال الأحوال الشخصية، وبالتالي فإنّ دار الإسلام بالمعنى الفقهي لا تنطبق على كثير من الدول الإسلامية.
لكنّنا نميل إلى اعتبار جميع البلاد الإسلامية، وهي البلاد التي تقطنها أكثرية إسلامية، نميل إلى اعتبارها دار إسلام بحيث يجب إنزال أحكام دار الإسلام عليها والسعي لدى الحكّام إلى تطبيق جميع الأحكام الشرعية. وانطلاقاً من هذا الواقع فإنّنا نعتقد أنّ الدول الإسلامية، أي الحكّام، هم الذين من شأنهم أن يحدّدوا دار الحرب أو دار العهد. وقد اتفق جميع حكّام المسلمين بعد دخولهم في مواثيق الأمم المتحدة على اعتبار دول العالم كلّها دولاً معاهدة وليست دار حرب.
نص السؤال:
ما المقصود بدار الحرب، ومتى يُطلق على منطقة بأنها دارُ حربٍ، وهل تُقام فيها الحدود؟ ومتى تجب الهجرة؟
نص الإجابة
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
جاء في كتاب "بيان للناس الصادر عن الأزهر " أنَّ تقسيم البلاد إلى دار كُفْرٍ وإسلامٍ أمر اجتهاديٌّ من واقع الحال في زمان الأئمة المجتهدين، وليس هناك نصٌّ فيه من قرآنٍ أو سنةٍ.
والمحقُّقون من العلماء قالوا: إن مدار الحكم على بلدٍ بأنه بلدُ إسلامٍ أو بلد حرب هو الأمن على الدين، حتى لو عاش المسلم في بلد ليس له دين، أو دينه غير دين الإسلام ، ومارس شعائر دينه بحريَّةٍ فهو في دار إسلام، بمعنى أنه لا تجب عليه الهجرة منها.
وذكر المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة في رسالة عن نظرية الحرب في الإسلام رأيين للفقهاء في دار الإسلام ودار الحرب. ثم اختار رأيَ أبي حنيفة وهو : أن مدار الحكم هو أمن المسلم، فإن كان آمنًا بوصف كونه مسلمًا فالدار دار إسلام، وإلا فهي دار حرب. وقال: إنه الأقرب إلى معنى الإسلام، ويوافقُ الأصلَ في فكرة الحروب الإسلامية وأنها لدفع الاعتداءِ . انتهى.
وبخصوص الحدود قال فريق من الفقهاء منهم أبو حنيفة: إذا غَزَا أمير أرض الحرب فإنه لا يُقيم للحد على أحد من جنوده في عسكره، إلا أن يكون إمام مصر أو الشام أو العراق أو ما أشبه ذلك، فيقيم الحدود في عسكره، وحجَّتهم أن إقامتها في دار الحرب قد تحمل المحدود على الالتحاقِ بالكفر.
وقد نصَّ على عدم إقامتها أحمد وإسحاق بن راهويهِ والأوزاعيُّ وغيرهم، وعليه إجماع الصحابة، وكان أبو محجن الثقفيّ لا يُطيق الصبر عن شرب الخمر، فشربها بالقادسية فحبسه أمير الجيش سعد بن أبي وقاص وأمر بتقييده، ثم طلب من امرأة سعد أن تُطْلِقَه ليشترك في المعركة وتعهد بالعودة إلى الحبس، وكان ذلك، ولما عرف سعد بلاءه في الحرب عفا عنه، فتاب عن الخمر.
ورأى جماعة آخرون عدم الفرق بين إقامة الحدود في دار الإسلام وغيرها، ومنهم مالك والليث بن سعد.
وبعد، فهذا سؤال تقليديٌّ عن الحدود قضت به ظروفً كان المسلمون فيها أصحاب قوةٍ وسلطان يفتحون البلاد بالإسلام، فهل يمكن في ظروفنا الحاضرة أن يكون لنا هذا الوضع؟
هذا، ويثار هنا سؤال عن حكم إقامة المسلم في بلاد المشركين، ورأى الإسلام في الجاليات الإسلامية.
روى أبو داود والترمذي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " أنا برئ من كل مسلم يُقيم بين أَظْهُرِ المشركين". وهذا الحديث يلتقي مع الآيات التي تحثُّ على الهجرة من مكةَ إلى المدينة، وتنعي على من يستطيعون الهجرة ولا يهاجرون، ومنها قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا، فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (سورة النساء : 97).
والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام باقيةٌ إلى يوم القيامة، لكن هل هي واجبةٌ أم مندوبةٌ؟ قال العلماء: إن خاف المسلم على دينه وخُلُقِهِ أو على ماله وَجَبَ أنْ يُهاجرَ، وإنْ لم يَخَفْ لم تَجِب الهجرة، وتكون سُنَّةً. لكنْ قال المحققون: إذا وَجَدَ المسلم أن بقاءَهُ في دار الكفر يُفيد المسلمين الموجودين في دار الإسلام، أو يُفيد المسلمين الموجودين في دار الكفر بمثلِ تعليمِهِمْ وقضاءِ مصالحهم، أو يُفيد الإسلامَ نفسَهُ بنشرِ مبادئِهِ والرد على الشُّبَهِ الموجهَّةِ إليه ـ كان وُجُودُهُ في هذا المجتمع أفضلَ من هجره، ويتطلب ذلك أن يكون قويَّ الإيمانِ والشخصيةِ والنفوذِ حتى يُمْكِنَهُ أنْ يَقومَ بهذه المهمة. وقد كان لبعض الدعاةِ والتجار في الزمن الأوَّلِ أَثَرٌ كبير في نشر الإسلام في بلاد الكفر .
ويقول فضيلة الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء
إنّ دار الحرب مصطلح فقهي استعمله الفقهاء في مرحلة معيّنة من التاريخ الإسلامي للدلالة على بلاد خارج دار الإسلام وليس بينها وبين دار الإسلام عهد، وبناء على ذلك فإنّ دار الحرب من الناحية الواقعية لا يمكن أن توجد إلاّ بعد وجود دار الإسلام. وفي هذه الحالة فإنّ الحاكم المسلم في دار الإسلام هو الذي يحدّد دار الحرب ودار العهد.
ومن ناحية ثانية فإنّ بلاد المسلمين تتفاوت اليوم في اعتبارها دار إسلام أو لا. فالقليل منها كما هو معروف يحتكم إلى الشريعة الإسلامية في أكثر تشريعاته. وأكثرها يحصر التزامه بالأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية منها. وهناك عدد آخر ولو كان قليلاً يرفض الخضوع للأحكام الشرعية حتّى في مجال الأحوال الشخصية، وبالتالي فإنّ دار الإسلام بالمعنى الفقهي لا تنطبق على كثير من الدول الإسلامية.
لكنّنا نميل إلى اعتبار جميع البلاد الإسلامية، وهي البلاد التي تقطنها أكثرية إسلامية، نميل إلى اعتبارها دار إسلام بحيث يجب إنزال أحكام دار الإسلام عليها والسعي لدى الحكّام إلى تطبيق جميع الأحكام الشرعية. وانطلاقاً من هذا الواقع فإنّنا نعتقد أنّ الدول الإسلامية، أي الحكّام، هم الذين من شأنهم أن يحدّدوا دار الحرب أو دار العهد. وقد اتفق جميع حكّام المسلمين بعد دخولهم في مواثيق الأمم المتحدة على اعتبار دول العالم كلّها دولاً معاهدة وليست دار حرب.