صفحة 1 من 1

مشكلة الصين المستعصيه

مرسل: الأحد مايو 29, 2011 4:59 pm
بواسطة معاذ الخليوي 1
من الممكن أن تصنع الدول التابعة مشكلات ضخمة للدول الراعية لها.

ولست بحاجة لأن تكون أمريكيا حتى تفهم هذه الحقيقة الأولية فى السياسة الدولية. فقد ظل الصينيون مترددون فى اتخاذ دول تابعة لهم، ربما لأنهم تعلموا الدروس باهظة التكلفة من الأمريكيين. ولكن من بين الدول التابعة القليلة تبرز كوريا الشمالية كمشكلة من الجحيم بالنسبة للصين. حيث عانت بكين خسائر صاعقة بلغت مليون ضحية خلال الحرب الكورية (1950 1953)، وقدمت منذ ذلك الحين معونات اقتصادية بلغت عشرات المليارات من الدولارات، لتأمين استمرار بقاء بيونج يانج. ولكن ما الذى حصلت عليه مقابل ذلك؟


من الواضح أن نظاما جاحدا فى كوريا الشمالية، يقوم مرارا بإزعاج القيادة الصينية، أجرى مرتين اختبارا لأسلحة نووية على أعتاب الصين، وهو يحاول على نحو متكرر إبرام صفقة مع الأمريكيين من وراء ظهر بكين. وكان آخر أعمال الجحود من قبل بيونج يانج هو كشفها علنا عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم الذى كان سريا حتى الآن، وقيامها بقصف جزيرة كورية جنوبية غير مأهولة بواسطة الجيش الكورى الشمالى. والأمر الملفت ليس خطر تصعيد التوترات الذى نجم عن هذين العملين فحسب، وإنما الكيفية التى تم تنفيذهما به. فعند إعلان الكوريين الشماليين عن مفاعلهم الجديد لتخصيب اليورانيوم، كان من الواضح أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء إبلاغ الصينيين. وفى الواقع، سمحوا لعلماء أمريكيين بارزين (وليس لمسئولين صينيين، كما هو ملاحظ) لزيارة منشأة فائقة السرية، كطريقة لإرسال رسالة ما إلى واشنطن. وعندما قرر الكوريون الشماليون إطلاق أكثر من مائة قذيفة مدفعية على جزيرة كورية جنوبية يوم 23 نوفمبر، لم يستشيروا رعاتهم الصينيين.


ولا شك أن هذه التصرفات الخرقاء والفظة مزعجة للغاية بالنسبة للزعماء الصينيين، لأنهم كانوا يعاملون الكوريين الشماليين حتى الآن باحترام بالغ. فقبل شهرين فقط، زار ديكتاتور كوريا الشمالية المتداعى كيم يونج إيل الصين مع ابنه الثالث الذى يبدو أنه وريثه. ولقيا معاملة رفيعة المستوى.

وذهب السيد تشى جينبينج، المفترض أن يكون الرئيس القادم للصين (عام 2013) بنفسه إلى سفارة كوريا الشمالية لحضور الاحتفال بمرور 60 عاما على قيام الحزب الحاكم فى كوريا الشمالية. وبعد فترة وجيزة، زار مسئول صينى أمنى رفيع المستوى وزعيم كبير فى الحزب الشيوعى بيونج يانج لإقرار اختيار الابن الثالث لكيم خليفة له.

والآن، بعدما أهان الكوريون الشماليون رعاتهم الصينيين مرة أخرى، وأوجدوا مواجهة خطيرة مع الأمريكيين، تواجه بكين معضلة مستحيلة. فمن ناحية، يمثل ما فعله الكوريون الشماليون تهديدا مباشرا للأمن القومى الصينى من عدة أوجه.

حيث إن إعلانهم عن قدراتهم الجديدة فى تخصيب اليورانيوم، والانخراط فى اشتباك مسلح مع كوريا الجنوبية سوف يدفع الأمريكيين إلى الرد، بزيادة نشر قواتهم فى المنطقة (عند أبواب الصين) فضلا عن الضغط على الصين لكبح جماح الدولة التابعة لها. ونظرا لأن الصين تحذر نوايا الأمريكيين، فآخر ما تريد أن تراه هو تعزيز القوات البحرية أو البرية الأمريكية غرب المحيط الهادى.

بينما يقدم سلوك كوريا الشمالية العدوانى ذريعة مثالية لواشنطن من أجل زيادة قدراتها الهجومية البحرية والجوية المتمركزة فى اليابان وكوريا الجنوبية وجزيرة جوام. ومثل هذا الانتشار للقوات يعرض الصين للخطر.

وربما يظن المراقبون غير العليمين ببواطن الأمور أن الكوريين الشماليين يمتلكون أسلحة نووية من أجل ردع الأمريكيين. وهو أمر واضح لدرجة أن معظم الناس قد لا يفكرون فيه. بيد أن كوريا شمالية مسلحة تعتبر أيضا تهديدا مباشرا للصين. فالبلدان ليس لهما حدود معترف بها دوليا (ترتبط بكين وبيونج يانج باتفاقيات حدود ثنائية سرية تفتقر إلى قوة القانون الدولى). وقال الكوريون الشماليون للغرب (من وراء ظهر الصينيين بالطبع) إن الأسلحة النووية قوة ردع ضد الصين.

من ناحية أخرى، فإن بكين على استعداد لتنفيذ رغبات واشنطن، والضغط بثقلها على نظام كيم يونج إيل، على الرغم من كون ذلك أمرا بغيضا. وعلى النقيض مما تدعيه بكين، فإن لديها العديد من الوسائل لإيلام بيونج يانج. فالصين تورد معظم ما تحتاج كوريا الشمالية من غذاء وتقريبا جميع ما تحتاجه من وقود. ويمر عبر الصين جزء كبير من تجارة كوريا الشمالية الخارجية. فإذا طبقت الصين عقوبات اقتصادية حقيقية، قد لا تنهار كوريا الشمالية فورا، غير أنه من المستبعد أن يستمر نظامها طويلا.

وتعتمد بيونج يانج على الصين أيضا لمنع الهروب الجماعى للكوريين الشماليين. فإذا فتحت الصين حدودها مع كوريا الشمالية، يمكن للمرء أن يتخيل بسهولة موجة عارمة من المنشقين تتدفق عبر الحدود العزلاء التى يصل طولها إلى 1400 كيلومتر. وهذا وحده من شأنه إثارة أزمة فى بيونج يانج. ومن الناحية الدبلوماسية، يمكن للصين أن توقف حمايتها لبيونج يانج ضد العقوبات الدولية. فحتى الآن، تستخدم الصين حق الفيتو (أو التهديد بحق الفيتو) للتخفيف من عقوبات مجلس الأمن ضد كوريا الشمالية. فإذا غضبت الصين بالفعل، يمكنها أن تسمح لمجلس الأمن بتمرير عقوبات أكثر قسوة.

ولكن لماذا تتردد الصين فى فرض ضغوط حقيقية على كوريا الشمالية؟ الإجابة النموذجية التى تسمعها هى أن الصين لا تريد أن ترى انهيار كوريا الشمالية، فهو حدث سوف يطلق العنان لتدفق اللاجئين إلى الصين. وهذا ببساطة غير صحيح، فعدد سكان كوريا الشمالية يبلغ 21 مليون نسمة، وهو ما يساوى نحو حجم مقاطعة صغيرة فى الصين.

وفى حالة انهيار كوريا الشمالية، يمكن لخمسة ملايين كورى شمالى على الأكثر الفرار إلى الصين (بسبب عدم وجود وسائل انتقال). وتستطيع الصين بسهولة استيعاب مثل هذا التدفق. ولدى الصين فى كل لحظة هجرة داخلية تبلغ مائة مليون نسمة. ومن ثم، فلديها وسائل كافية للتعامل مع هذه القضية من قضايا اللاجئين.

فما يدفع الصين إلى دعم كوريا الشمالية هو الخشية من حالة عدم التيقن الجيوسياسى التى سوف تتبع انهيار بيونج يانج. فالصين ترى فى الولايات المتحدة تهديدا لكل من الأمن القومى وأمن النظام الحاكم معا. كما يتزايد استخدام الوجود العسكرى الأمريكى فى شمال شرق آسيا من أجل احتواء النفوذ الصينى. ومن ثم فأى انهيار فى كوريا الشمالية سوف يجلب الأمريكيين إلى عتبات الصين (بافتراض أن كوريا موحدة سوف تتيح للأمريكيين مواصلة تمركز قواتهم القتالية على أراضيها).

ومن الناحية السياسية، يعتقد الحزب الشيوعى الصينى، وهو محق فى ذلك، أن الولايات المتحدة ترغب فى قيام نظام سياسى مغاير فى الصين. وإذا نشأت كوريا موحدة وديمقراطية من ركام نظام كيم يونج إيل، فسوف تشعر الصين بأنها معرضة للخطر سياسيا على نحو أكبر.

ومن ثم فكوريا الشمالية تمثل بالنسبة للصين مشكلة من الجحيم، كما أنها فى نفس الوقت أصل من أصولها الاستراتيجية.

والصينيون يعرفون ذلك، كما يعرف الكوريون الشماليون ذلك، ربما بأفضل مما يعرفه الصينيون. والأمريكيون، بالطبع، يعرفون ذلك جيدا. والمشكلة هى أن العالم ليس لديه ما يفعله حيال هذه المشكلة المستعصية.