خطاب الحجاج حين ولايته للعراق
مرسل: الأحد مايو 29, 2011 6:46 pm
ولاية الحجاج على العراق
دامت ولاية الحجاج على العراق عشرين عاماً، وفيها مات. وكانت العراق عراقين، عراق العرب وعراق العجم، فنزل الحجاج بالكوفة، وكان قد أرسل من أمر الناس بالاجتماع في المسجد، ثم دخل المسجد ملثماً بعمامة حمراء، وأعتلى المنبر فجلس وأصبعه على فمه ناظراً إلى المجتمعين في المسجد فلما ضجوا من سكوته خلع عمامته فجأة وقال خطبته المشهورة التي بدأها بقول:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني
ومنها:
أما والله فإني لأحمل الشر بثقله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى. ثم قال: والله يا أهل العراق، إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً، وأشدها مكسراً، فوجهني إليكم، ورماكم بي. يا أهل العراق، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق، إنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مناخ الضلال، وسننتم سنن العي، وأيم الله لألحونكم لحو العود، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، إني والله لا أحلق إلا فريت، ولا أعد إلا وفيت، إياي وهذه الزرافات، وقال وما يقول، وكان وما يكون، وما أنتم وذاك؟. يا أهل العراق! إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفرتم بأنعم الله، فأتاها وعيد القرى من ربها، فاستوسقوا واعتدلوا، ولا تميلوا، واسمعوا وأطيعوا، وشايعوا وبايعوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار والإبذار والأهذار، ولا مع ذلك النفار والفرار، إنما هو انتضاء هذا السيف، ثم لا يغمد في الشتاء والصيف، حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم، ويقيم له أودكم، وصغركم، ثم إني وجدت الصدق من البر، ووجدت البر في الجنة، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت الفجور في النار، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين، وقد أمرت لكم بذلك، وأجلتكم ثلاثة أيام، وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به، ويستوفيه مني، لئن تخلف منكم بعد قبض عطائه أحد لأضربن عنقه. ولينهبن ماله. ثم التفت إلى أهل الشام فقال: يا أهل الشام! أنتم البطانة والعشيرة، والله لريحكم أطيب من ريح المسك الأزفر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: "ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء" والتفت إلى أهل العراق فقال: لريحكم أنتن من ريح الأبخر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار". اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام: فقال القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله، فسكتوا فقال الحجاج من فوق المنبر: "أسكت يا غلام"، فسكت، فقال:" يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق. يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون السلام؟ هذا أدب ابن أبيه؟ والله لئن بقيت لكم لأؤدبنكم أدباً سوى أدب ابن أبيه، ولتستقيمن لي أو لأجعلن لكل امرئ منكم في جسده وفي نفسه شغلاً، اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام"، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم فلما بلغ إلى موضع السلام صاحوا وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته، فأنهاه ودخل قصر الإمارة." .
—الحجاج بن يوسف[3]
وبين في خطبته سياسته الشديدة، وبين فيها شخصيته، كما ألقى بها الرعب في قلوب أهل العراق. ومن العراق حكم الحجاج الجزيرة العربية، فكانت اليمن والبحرين والحجاز، وكذلك خراسان من المشرق تتبعه، فقاتل الخوارج، والثائرين على الدولة الأموية في معارك كثيرة، فكانت له الغلبة عليهم في كل الحروب، وبنى واسط، فجعلها عاصمته.
منقول من الموسوعة الحرة.
دامت ولاية الحجاج على العراق عشرين عاماً، وفيها مات. وكانت العراق عراقين، عراق العرب وعراق العجم، فنزل الحجاج بالكوفة، وكان قد أرسل من أمر الناس بالاجتماع في المسجد، ثم دخل المسجد ملثماً بعمامة حمراء، وأعتلى المنبر فجلس وأصبعه على فمه ناظراً إلى المجتمعين في المسجد فلما ضجوا من سكوته خلع عمامته فجأة وقال خطبته المشهورة التي بدأها بقول:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني
ومنها:
أما والله فإني لأحمل الشر بثقله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى. ثم قال: والله يا أهل العراق، إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً، وأشدها مكسراً، فوجهني إليكم، ورماكم بي. يا أهل العراق، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق، إنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مناخ الضلال، وسننتم سنن العي، وأيم الله لألحونكم لحو العود، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، إني والله لا أحلق إلا فريت، ولا أعد إلا وفيت، إياي وهذه الزرافات، وقال وما يقول، وكان وما يكون، وما أنتم وذاك؟. يا أهل العراق! إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفرتم بأنعم الله، فأتاها وعيد القرى من ربها، فاستوسقوا واعتدلوا، ولا تميلوا، واسمعوا وأطيعوا، وشايعوا وبايعوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار والإبذار والأهذار، ولا مع ذلك النفار والفرار، إنما هو انتضاء هذا السيف، ثم لا يغمد في الشتاء والصيف، حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم، ويقيم له أودكم، وصغركم، ثم إني وجدت الصدق من البر، ووجدت البر في الجنة، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت الفجور في النار، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين، وقد أمرت لكم بذلك، وأجلتكم ثلاثة أيام، وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به، ويستوفيه مني، لئن تخلف منكم بعد قبض عطائه أحد لأضربن عنقه. ولينهبن ماله. ثم التفت إلى أهل الشام فقال: يا أهل الشام! أنتم البطانة والعشيرة، والله لريحكم أطيب من ريح المسك الأزفر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: "ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء" والتفت إلى أهل العراق فقال: لريحكم أنتن من ريح الأبخر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار". اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام: فقال القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله، فسكتوا فقال الحجاج من فوق المنبر: "أسكت يا غلام"، فسكت، فقال:" يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق. يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون السلام؟ هذا أدب ابن أبيه؟ والله لئن بقيت لكم لأؤدبنكم أدباً سوى أدب ابن أبيه، ولتستقيمن لي أو لأجعلن لكل امرئ منكم في جسده وفي نفسه شغلاً، اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام"، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم فلما بلغ إلى موضع السلام صاحوا وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته، فأنهاه ودخل قصر الإمارة." .
—الحجاج بن يوسف[3]
وبين في خطبته سياسته الشديدة، وبين فيها شخصيته، كما ألقى بها الرعب في قلوب أهل العراق. ومن العراق حكم الحجاج الجزيرة العربية، فكانت اليمن والبحرين والحجاز، وكذلك خراسان من المشرق تتبعه، فقاتل الخوارج، والثائرين على الدولة الأموية في معارك كثيرة، فكانت له الغلبة عليهم في كل الحروب، وبنى واسط، فجعلها عاصمته.
منقول من الموسوعة الحرة.