- الأحد مايو 29, 2011 8:38 pm
#37438
عبد اللطيف مهنا
في الخامس عشر من هذا الشهر، حول الدم الفلسطيني يوم النكبة إلى يوم العودة. فيه أحيا أحفاد من شردتهم النكبة ذكرى نكبتهم على طريقتهم الفلسطينية جداً. من الآن فصاعداً، ليعلم القاصي والداني أن الصراع مع الغازي المغتصب، وأولياء أموره في الغرب، وحلفائه من بني جلدتنا، قد عاد إلى مربعه الأول... نتنياهو قال لنا مثل هذا:
إن تظاهراتهم "لا تطالب بحدود 1967، بل تشكيكاً بوجود إسرائيل بالذات"...
في هذا اليوم الملحمي طرح الدم العائد سؤالاً حيّر الغاصب وقض مضجع أولياء أموره وأقلق حلفائه:
هل هي بعض إرهاصات لتلك الحرب الشعبية العربية الموعودة، هذه التي لطالما حلم بها حالمو هذه الأمة العنيدة ومعذبوها؟!
لم ينتظر الإسرائيليون إجابة مجيب، قال قائلهم: "الثورة العربية تدق أبواب إسرائيل"، وقال آخر "لم تبق حدود"، وتحدث من تحدث وكتب من كتب عن "معركة السياج"، و"التطويق"، و"الهجوم من كل النواحي"، وقالت هآرتس باسمهم جميعاً: "إسرائيل لا تسيطر على السياقات وتوقيتها"... وأخيراً قالوا المرتعبون وهم جميعاً، وقد استيقظت فيهم معتق ثقافة "الغيتو"، واحتدمت في أعماقهم فوبيا القلق الوجودي المزمن، وفاض إحساس السارق باقتراب مآل القصاص: ما شهدناه من هذه الجموع الزاحفة المقتحمة هو مجرد طلائع... ماذا لو أصبحت مليونية؟!
ماذا لو أرسلت أمة الميادين المليونية المنتفضة ملايينها لتعيد التاريخ والجغرافية إلى نصابيهما؟!
* * *
في الخامس عشر من شهرنا هذا، زاحفو يوم العودة سمعوا الجليل المحتل والنقب المقهور والساحل المغتصب يهيب بهم، أناديكم... أشد على أياديكم... لبّوا نداء الأرض زاحفين، وتقدم النشامى وهم ينزفون... فتكت صدورهم العارية وأظافرهم الدامية بأسلاك البغي الالكترونية، وطأت أقدامهم الغاضبة حقول الألغام في مجدل شمس، وأرعبت هتافاتهم، حدائهم، للأرض حصونهم الأسمنتية وبروجهم الاحتلالية المشيدة قبالة مارون الرأس... فلّت بسالتهم حديد الدبابات وردت على رصاصهم بالدم الزكي اللاهب... عبر ممرات التهجير، التي سلكها الأجداد المقتلعون من ترابهم، المطرودون من أرض الأجداد، عاد الأحفاد بعد ثلاثة وستين عاماً... ولم ينسوا... تكحّلت بسمرتهم مارون الرأس، ورحبت بإطلالتهم مزغردة مجدل شمس، وسطّرت رمزية فعلهم بفخر بيت حانون وقلنديا... وشهدت الكرامة كيف حال بينهم وبين الوطن رصاص الجند وبلطات العسس من نواطير حدود المحتل...
...في مجدل شمس، قفز الشهابي على المجنزرة شاكاً علمه على هامة برجها وترجّل مدرجاً بدمه الطهور... ووصل حسن حجازي، قاطعاً محتل الجولان والجليل إلى ساحل حيث بيت عمه في يافا، المنتظره العائدين متكئة على خاصرة بحرنا... وقال لهم: هذا البلد "ليس إسرائيل... وأنا لا أعترف بشيء اسمه إسرائيل... إنه بلدي"... الشهيد الشهابي ومن استشهد معه والعائد حجازي وجرحى ملحمة يوم العودة، قالوا لكل من يهمه الأمر: إذا كان يعوزنا سلاحهم الفتاك، فلم لا نبتكر نحن سلاحنا الخاص بنا الأشد فعلاً في مفاصل التاريخ من أسلحتهم؟!
وإذا كان لهم أمراً واقعاً عدوانياً، فلم لا يكون لنا نحن أصحاب الحق أمرنا الواقع المشروع والمحتوم؟!
* * *
كعادته لقرن ونيّف، في الخامس عشر من هذا الشهر الربيعي الواعد، امتزج الدم الفلسطيني بالعربي على معابر العودة، في مارون الرأس، ومجدل شمس... رد الفلسطينيون لأمتهم المنتفضة لكرامتها التحية بأحسن منها... أقتربت فلسطين أكثر من ذي قبل... وشهد هذا اليوم أن شعب دلال المغربي كان كما كان وسيظل حربه أمة البوعزيزي، وخندق ميادين تحريرها المتقدم، والعاكس الأمين لنبضها الناهض والمترجمه دماً يسطّره مآثر وبطولات...
...في ذكرى النكبة عادت فلسطين بوصلة للأمة، وليس سواها من يؤشر على قيامتها... وحدتها، كرامتها، يقظتها... عروبتها وإعادة الاعتبار لتليد أمجادها... وكان في ما يرمز له يوم العودة، أن غدت الأمة فلسطين، والفلسطنة هوية نضالية... انقرضت في مياديننا حقب الذل، وقالت شوارعنا أن لا شرعية إلا لمن يواجه أعدائنا رافعاً رأسه... لا صوت يعلو على صوت الأمة، هذه التي لها من أسلحتها الفريدة المفاجأة ما يعادل كل ما حبلت به ترسانات الغزاة.
* * *
في ذكرى النكبة، يوم العودة، كان الإعلان عن بدء ملحمة نضالية شعبية عربية جديدة، وفيه ما يرمز كثيراً وعميقاً للآتي. طرحت مسألة وجود المحتل الغاصب قيد البحث وبرسم التفكّر والتحسّب لدى أعداء البشرية. من الآن بدأوا يستعدون للذكرى الرابعة الستين، التي سوف تأتيهم بعد حول... لن تحميهم ولن تطمئنهم بعد اليوم ترسانات الغرب ولا بأس كل هذا العالم الظالم... لا أسوارهم وحصونهم ولا بروجهم المشيّدة على أعظام جدودنا ولا قبابهم الحديدية... لن تجديهم معاهدات الذل واتفاقيات العار وتسويات الدونية والتفريط فتيلاً... انتهت في دنيانا حقب الحدود المحروسة فاللاجئون، العائدون، قالوا لهم نحن هنا... قال الحدث الرمز، إنما هو مجرد ابتكار نضالي من ابتكاراتنا ومحتم التكرار...
في الخامس عشر من هذا الشهر، حول الدم الفلسطيني يوم النكبة إلى يوم العودة. فيه أحيا أحفاد من شردتهم النكبة ذكرى نكبتهم على طريقتهم الفلسطينية جداً. من الآن فصاعداً، ليعلم القاصي والداني أن الصراع مع الغازي المغتصب، وأولياء أموره في الغرب، وحلفائه من بني جلدتنا، قد عاد إلى مربعه الأول... نتنياهو قال لنا مثل هذا:
إن تظاهراتهم "لا تطالب بحدود 1967، بل تشكيكاً بوجود إسرائيل بالذات"...
في هذا اليوم الملحمي طرح الدم العائد سؤالاً حيّر الغاصب وقض مضجع أولياء أموره وأقلق حلفائه:
هل هي بعض إرهاصات لتلك الحرب الشعبية العربية الموعودة، هذه التي لطالما حلم بها حالمو هذه الأمة العنيدة ومعذبوها؟!
لم ينتظر الإسرائيليون إجابة مجيب، قال قائلهم: "الثورة العربية تدق أبواب إسرائيل"، وقال آخر "لم تبق حدود"، وتحدث من تحدث وكتب من كتب عن "معركة السياج"، و"التطويق"، و"الهجوم من كل النواحي"، وقالت هآرتس باسمهم جميعاً: "إسرائيل لا تسيطر على السياقات وتوقيتها"... وأخيراً قالوا المرتعبون وهم جميعاً، وقد استيقظت فيهم معتق ثقافة "الغيتو"، واحتدمت في أعماقهم فوبيا القلق الوجودي المزمن، وفاض إحساس السارق باقتراب مآل القصاص: ما شهدناه من هذه الجموع الزاحفة المقتحمة هو مجرد طلائع... ماذا لو أصبحت مليونية؟!
ماذا لو أرسلت أمة الميادين المليونية المنتفضة ملايينها لتعيد التاريخ والجغرافية إلى نصابيهما؟!
* * *
في الخامس عشر من شهرنا هذا، زاحفو يوم العودة سمعوا الجليل المحتل والنقب المقهور والساحل المغتصب يهيب بهم، أناديكم... أشد على أياديكم... لبّوا نداء الأرض زاحفين، وتقدم النشامى وهم ينزفون... فتكت صدورهم العارية وأظافرهم الدامية بأسلاك البغي الالكترونية، وطأت أقدامهم الغاضبة حقول الألغام في مجدل شمس، وأرعبت هتافاتهم، حدائهم، للأرض حصونهم الأسمنتية وبروجهم الاحتلالية المشيدة قبالة مارون الرأس... فلّت بسالتهم حديد الدبابات وردت على رصاصهم بالدم الزكي اللاهب... عبر ممرات التهجير، التي سلكها الأجداد المقتلعون من ترابهم، المطرودون من أرض الأجداد، عاد الأحفاد بعد ثلاثة وستين عاماً... ولم ينسوا... تكحّلت بسمرتهم مارون الرأس، ورحبت بإطلالتهم مزغردة مجدل شمس، وسطّرت رمزية فعلهم بفخر بيت حانون وقلنديا... وشهدت الكرامة كيف حال بينهم وبين الوطن رصاص الجند وبلطات العسس من نواطير حدود المحتل...
...في مجدل شمس، قفز الشهابي على المجنزرة شاكاً علمه على هامة برجها وترجّل مدرجاً بدمه الطهور... ووصل حسن حجازي، قاطعاً محتل الجولان والجليل إلى ساحل حيث بيت عمه في يافا، المنتظره العائدين متكئة على خاصرة بحرنا... وقال لهم: هذا البلد "ليس إسرائيل... وأنا لا أعترف بشيء اسمه إسرائيل... إنه بلدي"... الشهيد الشهابي ومن استشهد معه والعائد حجازي وجرحى ملحمة يوم العودة، قالوا لكل من يهمه الأمر: إذا كان يعوزنا سلاحهم الفتاك، فلم لا نبتكر نحن سلاحنا الخاص بنا الأشد فعلاً في مفاصل التاريخ من أسلحتهم؟!
وإذا كان لهم أمراً واقعاً عدوانياً، فلم لا يكون لنا نحن أصحاب الحق أمرنا الواقع المشروع والمحتوم؟!
* * *
كعادته لقرن ونيّف، في الخامس عشر من هذا الشهر الربيعي الواعد، امتزج الدم الفلسطيني بالعربي على معابر العودة، في مارون الرأس، ومجدل شمس... رد الفلسطينيون لأمتهم المنتفضة لكرامتها التحية بأحسن منها... أقتربت فلسطين أكثر من ذي قبل... وشهد هذا اليوم أن شعب دلال المغربي كان كما كان وسيظل حربه أمة البوعزيزي، وخندق ميادين تحريرها المتقدم، والعاكس الأمين لنبضها الناهض والمترجمه دماً يسطّره مآثر وبطولات...
...في ذكرى النكبة عادت فلسطين بوصلة للأمة، وليس سواها من يؤشر على قيامتها... وحدتها، كرامتها، يقظتها... عروبتها وإعادة الاعتبار لتليد أمجادها... وكان في ما يرمز له يوم العودة، أن غدت الأمة فلسطين، والفلسطنة هوية نضالية... انقرضت في مياديننا حقب الذل، وقالت شوارعنا أن لا شرعية إلا لمن يواجه أعدائنا رافعاً رأسه... لا صوت يعلو على صوت الأمة، هذه التي لها من أسلحتها الفريدة المفاجأة ما يعادل كل ما حبلت به ترسانات الغزاة.
* * *
في ذكرى النكبة، يوم العودة، كان الإعلان عن بدء ملحمة نضالية شعبية عربية جديدة، وفيه ما يرمز كثيراً وعميقاً للآتي. طرحت مسألة وجود المحتل الغاصب قيد البحث وبرسم التفكّر والتحسّب لدى أعداء البشرية. من الآن بدأوا يستعدون للذكرى الرابعة الستين، التي سوف تأتيهم بعد حول... لن تحميهم ولن تطمئنهم بعد اليوم ترسانات الغرب ولا بأس كل هذا العالم الظالم... لا أسوارهم وحصونهم ولا بروجهم المشيّدة على أعظام جدودنا ولا قبابهم الحديدية... لن تجديهم معاهدات الذل واتفاقيات العار وتسويات الدونية والتفريط فتيلاً... انتهت في دنيانا حقب الحدود المحروسة فاللاجئون، العائدون، قالوا لهم نحن هنا... قال الحدث الرمز، إنما هو مجرد ابتكار نضالي من ابتكاراتنا ومحتم التكرار...