- الأحد مايو 29, 2011 11:12 pm
#37488
شهد العام 2011 قبل أن ينتصف، أكبر حجم حضور نسائي عربي مشهود من قبل العالم ووسائل الاعلام، من خلال مشاركة النساء في الحراك السياسي والاجتماعي الذي تعيشه المنطقة، حيث تصدرن صفحات الصحف والفيسبوك ونشرات الاخبار، وكن مرئيات ومسموعات في الوقت نفسه، يدلين بأرائهن وتصدح حناجرهن بالهتافات والمطالبات التي لا تنفصل عن مطالب زملائهن الرجال بإسقاط نظام وإحلال نظام جديد بدلا عنه يحقق لهن طموحاتهن في مجتمع عصري يقوم على الحريات العامة.
اثنان من المجتمعات التي طالبت بالتغيير وأسقطت نظامين انتهى عمرهما الافتراضي، أي تونس ومصر، منشغلتان الآن بالمرحلة الجديدة، تنظفان مخلفات المرحلة السابقة وتستعدان لانتخابات عامة ودستور يناسب الزمن الجديد. أما اليمن كنموذج لمجتمع لا يزال يطالب بالتغيير ولم يتحقق له ذلك بعد، فلا تزال جموع ساحة التغيير وغيرها من الساحات التي يتجمع فيها المتظاهرون، مصرّة على مطالبة الرئيس علي عبدالله صالح بالرحيل هو ونظامه بعد حكم تجاوز العقود الثلاثة. ويبقى السؤال الذي يخطر ببال المتابع لهذا الحراك الفائر، أنه، وبعد أن يهدأ غبار المعركة من محاربة الفساد ومحاكمة المتنفذين، وبعد أن يبدأ الاعداد للمرحلة الجديدة سياسياً واقتصادياً، هل ستتذكر تلك المجتمعات المرأة ضمن من يستحقون المكافأة، كونها واحدة من المؤثرات في التغيير الجديد وما كان يمكن للثورات ان تنجح من دونها كما يشير كثير من المعلقين؟. أم أنها، وكما في شواهد تاريخية عديدة، ستكون أول من يضحى بها بعد انتهاء المعارك وأول من سيعود الى الصفوف الخلفية؟
مناصفة في تونس
في نهاية ابريل الماضي، عقدت في العاصمة التونسية (الندوة الوطنية حول المرأة التونسية وإعلام ما بعد الثورة بين الحضور والغياب)، التي شارك فيها أكاديميون واعلاميون ناقشوا الحضور الباهت للمرأة في التلفزيون والاذاعة وعلو الصوت الذكوري الذي يحاول ان يخطف نجاح الثورة لصالحه، فهيمن على البرامج التلفزيونية الحوارية الحضور الرجالي الذي يدلي بشؤون وهموم الوطن، في مقابل خفوت الصوت النسائي إلا باستثناءات. وكانت من بين الأوراق تلك المقدمة من الباحثة فتحية السعيدي عن (حضور المرأة في شبكة الفيس بوك) من خلال بحث شمل عينة من 550 إمرأة عبر هذا الفضاء الافتراضي. وبينت الدراسة انشغال النساء قبل الثورة وأثناءها بالانتهاكات الأمنية وكشفهن عن وجه ثوري غير معتاد وتعاطفهن مع عائلات الشهداء. أما بعد الثورة، فبرز تعبيرهن عن الخوف من الفتنة في تونس واستثناء النساء وإقصائهن عن المشاركة في الحياة العامة والعودة إلى الوراء. ولاحظت الباحثة أن هناك مجموعة صغيرة من النساء صرّحن بأفكارهن التحررية، لكنهن تعرضن لهجمات من قوى رجعية كما تعرضن لعنف لفظي وعنف جنسي افتراضي. وبيّنت أنه كلما تعلق الأمر برأيهن في الدين وبإبراز موقف يختلف مع (حركة النهضة) الاسلامية، جوبهن بالتصدي لأفكارهن.
يصلح هذا المثال دليلا على ما آلت اليه أوضاع النساء في تونس، التي، عندما اندلعت الثورة استخدمت مشاركتهن وقوداً للدفع حتى إسقاط نظام بن علي، وسرعان ما تم نسيانهن في المرحلة التالية عند تشكيل الحكومتين اللاحقتين، لتقتصر مشاركتهن على وزيرة او وزيرتين بينهما وزيرة للمرأة.
هذا القلق يمكن ان يلتقطه المرء بسرعة من المواقع الألكترونية الخاصة بالصحف او الجمعيات النسائية التونسية، او صفحات التواصل الاجتماعي، او من خلال الحوار المباشر مع النساء او الناشطين. هناك حالة من الذعر من عودة أنصار حركة النهضة والاعتراف الرسمي بها كحزب من قبل الحكم الجديد. علينا ونحن نتابع المشهد التونسي الا ننسى انه في العام 1956 وفي عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، وضع في تونس قانون للاحوال الشخصية متقدم عما سواه من انظمة الاحوال الشخصية في الدول العربية، ينطوي على حظر لتعدد الزوجات هو الاول من نوعه في العالم الاسلامي. لكن وفي محاول لطمأنة المجتمع من عودة حركة النهضة الاسلامية، المحظورة سابقا، الى تونس قال ناطق باسمها ان "بعض القيود على المرأة هي من تأثير تقاليد اجتماعية وليس بسبب الدين"، فيما أكد زعيم الحركة راشد الغنوشي تمسك حزبه بالنموذج التركي المعتدل.
هل يعكس التخوف من هذا الحزب غياب الثقة الشعبية بالديمقراطية وآلياتها التي يجري تفعليها حالياُ من بعد سبات على يد النظام السابق؟ وجهت السؤال للبروفيسور آمال قرامي الاستاذة في الجامعة التونسية والمختصة بدراسات الجندر والدراسات الإسلامية التي قالت: "لا يتعلق القلق بحزب النهضة فحسب، بل بأحزاب إسلامية أخرى منها من نالت الترخيص ومنها من لم تنله بعد، كحزب التحرير وتيارات سلفية أخرى. ولفتت الانتباه إلى أمرين، أولهما تناقض تصريحات الزعماء الاسلاميين بين ما يدلون به إلى الصحافة وما ينطقون به في المساجد أو في المجالس الخاصة، وثانيها، انفصال خطاب القادة عن القاعدة، فالشباب يريد عودة النساء إلى البيت وتحجيب النساء بالقوة ولبس النقاب متأثرا بالفضائيات المتطرفة، وليس متأثراً بدرجة كبيرة بزعماء النهضة أو غيرها".
ولم يتوقّف الأمر عند حدود الحكومة، اذ تذكرنا الدكتورة قرامي أن غالب الأحزاب والجمعيات والاتحاد العامّ التونسي للشغل قدّمت نوّابا –ذكورا- يمثّلونها في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، "كانت نسبة النساء حوالي 20 في المائة والحال أنّها كانت من قبل في البرلمان 27 في المائة".
وتتبنى شاذلية وهي سيدة أعمال تونسية هذا التخوف وترى ان "هناك نية مبيتة لإقصاء المرأة ارضاءً لأطراف معينة"!. وتشير الى القلق في صفوف النساء من هيمنة الحركة الإسلامية على البلاد "أصبحنا نرى النقاب على وجوه بعض النساء مع ازدياد نسبة المحجبات قياساً بما قبل الثورة". الا أن الصحافية شيراز الرحالي من صحيفة (الموقف) التونسية المستقلة، تبدو أكثر تفاؤلا: "لا يمكن الحديث اليوم عن أن المرأة لم تجن ثمار الثورة، لان المطلب الأساسي قد تحقق وسقط النظام ومازالت الثورة متواصلة حتى تحقيق أهدافها". غير أنها لا تنفي تنوع الشعارات التي رفعت أثناء الاحتجاجات قبل سقوط النظام، ومنها "المرأة للبيت"، مذكرة بالسخط الذي كان سائدا في الشارع التونسي على زوجة الرئيس السابق وارتباط اسمها بالفساد في البلاد. وهذا الكلام لا يبدو نكوصا الى الوراء وتحسرا على حقبة سابقة، وبحسب تعبير استاذة القانون سلسبيل القليبي في محاضرة بنادي الطاهر الحداد بتونس: "نحن اقتلعنا نظاما فاسدا لا قيم اجتماعية له".
الا أن السلطات ردت على تخوف النساء وضغوط المجتمع المدني بقانون يعتبر سابقة فى العالم العربي والاسلامي، المناصفة، الذي يفرض على جميع الأحزاب التي ستقدم مرشحين للمجلس التأسيسي في الانتخابات التى ستجري فى 24 يوليو - تموز القادم لانتخاب اول جمعية تأسيسية تضع دستورا مناسبا للبلاد لفترة ما بعد بن على، أن تكون قائماتها الانتخابية بالمناصفة بين الرجال والنساء وبالتناوب في الترتيب داخل القائمة الواحدة.
ثورة مضادة في مصر
في مصر وقفت النساء جنباً إلى جنب مع الرجال في ساحة التحرير وغيرها من الساحات في المدن المصرية الأخرى، بعد ان خرجت الدعوات من المجموعات الشبابية من خلال المواقع الافتراضية مثل صفحة (كلنا خالد سعيد) و(شباب 6 ابريل) داعية الى التجمع يوم 25 يناير الماضي. وطالبت المتظاهرات مع زملائهن بوضع حد للقمع السياسي وبإجراء إصلاحات جذرية داخل النظام، قبل أن تتطور المطالبات الى دعوة مبارك الى الرحيل. وقدمت النساء خدمات لوجستية مثل التدقيق في هويات القادمين الى الساحة، وجمع النقود لأجل تأمين المستلزمات لمن سيرابط ليلا نهارا في ميدان التحرير. وتشاركن مع الرجال في عنف رجال الأمن والبلطجية الذي أفضى أحياناً الى الموت.
برز في تلك الفترة أكثر من فتاة عرفن باسم "فتيات الفيسبوك" ينتمين الى مجموعة الشباب التي قادت التغيير الأخير في مصر وأدى الى سقوط النظام في فبراير الماضي. فقد كتبت أسماء محفوظ على صفحتها في الفيسبوك: "أنا ذاهبة الى ميدان التحرير" واستفزت رجولة الشباب ان يفعلوا مثلها ان امتلكوا الجرأة على ذلك. كذلك برزت إسراء عبد الفتاح، التي كانت عرفت اعلامياً قبل ثلاث سنوات عندما دعت هي وزملاؤها الى إضراب عام يوم 6 أبريل عام 2008 تضامناً مع عمال المحلة ضد الغلاء والفساد. وبلغ حجم الدخول فترتها الى الصفحة التي حملت الدعوة في الفيسبوك نحو 77000 مشتركاً. الا أنها لم تكن بمنأى عن الأمن المصري الذي قادها الى الاعتقال مع ستة آخرين لمدة عشرين يوما، حتى أفرج عنهم بعد تدخل من جهات عدة. وتلاحظ الدكتورة عزة كامل الناشطة في مجال حقوق المرأة مساهمة النساء في ذلك الحراك السياسي بأنه "لأول مرة منذ عقود طويلة، تعامل النساء على أنهن كاملات الأهلية لا فرق بينهن وبين الرجال، لا فرق بين محجبة، ومنتقبة، وغير محجبة، مسلمة، ومسيحية".
هذا المشهد الحيوي لم ينعكس بالتوازي مع القرارات الرسمية فترة ما بعد الثورة وتولي حكومتين الوزارة. فاللجنة التي شكلت لاعادة النظر في التعديلات الدستورية تألفت من تسعة رجال قانونيين ليس بينهم امرأة واحدة، على رغم وجود بعض النساء المختصات في القانون الدستوري. وكان رد النساء عملياً كما حصل يوم 8 مارس الماضي، عندما تجمعت النساء مع الرجال أمام نقابة الصحفيين حاملات اللافتات والشعارات بالمطالب المتفق عليها، وتوجهن جميعا إلى ميدان التحرير ليلتحمن بمسيرات أخرى من مناطق مختلفة، وكانت المفاجأة أن هناك المئات من البلطجية وكذلك بعض السلفيين في انتظارهن، أخذوا بالتحرش بالمتظاهرات وقاموا بأعمال استفزازية وصلت إلى توجيه الكلمات البذيئة وتحول الميدان إلى بؤرة للصراع والجدل غير الحضارى.
ويمكن القول إن النساء من ضحايا ما يسمى بـ"الثورة المضادة" في مصر الآن، وهو أمر استدعى تنظيم النساء لأنفسهن ضمن (تحالف المنظمات النسوية المصرية) الذي وجه في مارس الماضي رسالة لرئيس الوزراء الجديد عصام شرف في مطالبة لأن تضم الوزارة الجديدة كفاءات نسائية، وأن يتم تمثيل النساء فى جميع اللجان بما لا يقل عن 30 في المائة من عضويتها. وشددن بشكل خاص على الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد لمصر التي سيتم اختيارها من قبل البرلمان الجديد. الا أن الوزارة الجديدة ضمت امرأة واحدة فقط اوكلت لها حقيبة التخطيط.
الناشطة الشابة إسراء عبدالفتاح التي تعمل حالياَ مديرة مشاريع في المعهد المصري الديمقراطي، تعترف بتجاهل صناع القرار لدور المرأة "وهذا ما يقلقنى على مستقبل المرأة وحقوقها فى مصر". وترى ان قيام الثورة لا يعني بالضرورة الايمان بدور المرأة في بناء المرحلة اللاحقة. وأن تغيير الصورة الذهنية عن المرأة فى المجتمع المصري أمر غير سهل ويحتاج لمجهود وحملات كثيرة. هل هي وزميلاتها قلقات على المكاسب التي حققتها المرأة عبر السنوات الماضية، مثل قانون الأحوال الشخصية، منصب أول قاضية في مصر، نائبة رئيس محكمة الاستئناف، الخ؟ "نعم" تقول اسراء "وهذا مرتبط بحال ان القوى السياسية المدنية لم تتمكن من تنظيم نفسها لتنافس التيار الاسلامي بجدّية".
تحالف المنظمات النسوية الذي يضم 15 منظمة نسوية مصرية يحاول أن يفرض حضوراً في مواجهة الاستخفاف الذي تقابل به المرأة وتنظيماتها، فقد أعلنت المتحدثات باسمه في مؤتمر صحفي عقد في ابريل الماضي عن خططه لدولة مدنية ديمقراطية. الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض، العضو بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، كرر خلال المؤتمر هذه المسلمة التي بات على النساء معرفتها والتحرك على أساسها، وهي أن قضية النساء مرتبطة بثقافة المجتمع، وليس بالتغيير الذي طرأ على المجتمع بعد الثورة.
ترددت أسماء ثلاث نساء مصريات في سياق الترشح للرئاسة في الخريف المقبل. اثنتان منهما لم تبادرا الى اعلان رغبتهما ولكن الفكرة اقترحت عليهما من مجموعة من النساء المتحمسات، وتم انشاء صفحة من المؤيدين نساء ورجالاً على الفيس بوك للمستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا. وكان رد المستشارة رفض الترشح مع تأكيدها على أهلية المرأة المصرية وحقها الدستورى فى تولي الرئاسة، "منصب الرئاسة ليس إمامة أو خلافة، وهو مجرد وظيفة فى إطار الدستور والقانون".
أما المستشارة نهى الزيني، نائبة رئيس هيئة النيابة الإدارية في مصر، قصرّحت لـ"العربية.نت" إنها تؤيد بشكل قاطع ترشح المرأة لهذا المنصب لأنه يعتبر وظيفة في الدولة وليس ولاية عامة. ولكنها من ناحية أخرى نفت نيتها ترشيح نفسها في الانتخابات القادمة للرئاسة، بسبب الثقافة السائدة في الشارع المصري المضادة للفكرة.
تبقى الإعلامية "بثينة كامل" هي المرأة الوحيدة التي قررت الترشح عمليا لمنصب رئيس الجمهورية في مصر. وقد صرحت أخيرا بأنها سوف تروّج لحملتها الإنتخابية في المحافظات المصرية من خلال قناة (ريالتى تي في) reality tv التليفزيونية التي سيتم إطلاقها في القريب من خلال برنامج يحمل اسم "يوميات مرشحة الرئاسة".
شراكة في اليمن
المتابع للمشهد اليمني يرى الجموع الغفيرة من الشباب تحديدا، وبينهم نساء محجبات ومنقبات، يقفون في الساحات في المدن اليمنية الأساسية، ويطالبون برحيل الرئيس علي عبدالله صالح. بل إن العارفين بظروف اليمن الاجتماعية وشدة قبضة التقاليد القبلية فيها، يستطيع ان يحكم على مدى قوة النساء في مواجهة كل تلك الظروف والصمود بين الجموع، تحت وطأة ردة الفعل الحادة للنظام اليمني، كما في إدانته في احدى خطاباته الأخيرة بالمشاركة النسائية في التظاهرات، ومهاجمته للاختلاط بين الرجال والنساء، كونه محرما دينياً، مع ملاحظة أن النساء اليمنيات خرجن للشارع، قسم مع التغيير وقسم ضد التغيير.
توكل كرمان الاعلامية والناشطة واحدة من أبرز الوجوه في ساحة التغيير في صنعاء العاصمة اليمنية، اختيرت واحدة من سبع نساء أحدثن تغييراً في العالم وفق تقرير لمنظمة «مراسلون بلا حدود» عام 2009. فهذه الشابة تحدت السلطة منذ عام 2004 منطلقة من الهمّ المهني عندما أسّست (منظمة صحافيات بلا حدود) وكانت أول منظمة يمنية تُعنى بحماية حرية التعبير في مختلف الوسائل السمعية والبصرية. وقادت العديد من الاعتصامات العامين الاخيرين للمطالبة بإيقاف المحكمة الاستثنائية المتخصصة بالصحافيين، وبكف السلطة عن سياسة إيقاف الصحف. وكان لها مع السلطة مواجهات سابقة أدت بها الى الاعتقال أكثر من مرة. لكن المرء سيفاجأ من حقيقتين تخصان توكل، أولهما أن هذه الشابة المتمردة التي خلعت النقاب واكتفت بالحجاب، محسوبة على حزب (التجمع اليمني للإصلاح)، الحزب الديني الوحيد في اليمن، بل وتدرجت فيه إلى عضوية مجلس الشورى فيه. وهي على ما يبدو تراهن على التيار الشبابي الاصلاحي في الحزب، وليس على الخط المتشدد الذي يقوده عبدالكريم الزنداني رئيس الحزب.
تلخص وداد البدوي الصحفية ورئيسة مركز الإعلام الثقافي CMC، حقيقة الحضور الكبير للنساء في هذا الحراك اليمني بقولها: "ربما أن وضعهن الحالي المتردي هو ما دفع بهن للخروج السريع والمطالبة بدولة مدنية حديثة تكفل لهن العدالة الإجتماعية". ومن المطالب التي تخص المرأة إلغاء الاعتبارات القبلية في الدولة، كون هذه الاعتبارات تقصي المرأة من حقوقها لتركز على الرجال. "المرأة نفسها في ساحات الحرية والتغيير تريد التخلص من العنف الممارس ضدها بسبب القوانين التمييزية، تقول وداد وتكمل: "لدينا أكثر من 27 مادة تمييزية نناضل من أجل تغييرها لسنوات، من دون جدوى". وهي لا تعتقد بأن المرأة ستكون من المنسيين بعد نجاح الثورة، كونها مشاركة في المجالس التنسيقية للثورة في المحافظات المختلفة مثل صنعاء وتعز وعدن وبعضها تترأسها المرأة. "يمكنني القول إن المرأة وجدت المساواة الحقيقة وعدم التمييز في الساحة، أكثر مما وجدتها في حياتها العامة".
الأديبة والصحفية والناشطة بشرى المقطري ابنة مدينة تعز، لم تكن اقل جرأة من زميلتها، حتى أن بيتها تعرض لاطلاق رصاص استدعى اصدار بيانات الادانة من بعض التنظيمات الحزبية والحقوقية بينها اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين. وتؤكد بشرى ان المرأة دخلت الثورة كشريك حقيقي، هن واعيات لمطالبهن وللتحديات التي تحاصرهن كنساء من القوى التقليدية الكثيرة. وتقول في حوار هاتفي سريع بعد ان صعب عليها الدخول الى رسائلها الألكترونية للرد على أسئلة "المجلة"، بسبب حجب خدمة الانترنت من قبل الحكومة: "لدينا مطالب كثيرة وواضحة، وهي مدعومة من قبل قوى الشباب الحية ومن بعض الأحزاب". من بين المطالب التي رفعتها هي وزميلاتها نظام الكوتا وضرورة تمثيل المرأة سياسياً واجتماعياً، ومنع زواج القاصرات. وترى المقطري أن الصراع ساهم في فرز الصراع بين العقليات القديمة والجديدة، بين مشروع تقدمي وآخر تقليدي، والمرأة جزء من هذا الصراع. "يوم أمس كان دامياً تمّ فيه حجز مجموعة من الناشطات والصحفيات في مركز للشرطة مع الاعتداء عليهن لفظياً بأبشع الألفاظ".
تقول غادة صالح مديرة إدارية في شركة خاصة ان المرأة اليمنية "يجب أن تكون شريكاً فعلياً وعملياً للرجل وليس بمجرد كلام".. أما رجاء علي مقبل وهي ربة بيت فتقول: "لا يجب أن نعتمد على الأحزاب فقط أياً كان توجهها، فالأحزاب تستغل المرأة كورقة لا أكثر، والمطلوب ارادة خاصة بالمرأة نفسها"، الا أنها ترى في وصول الجماعات الإسلامية "الأخوان المسلمين" الى الحكم اثرا سلبيا على المرأة وقضاياها "ولديهم سوابق في اليمن". أما الصيدلانية يمنى الأسودي فترى في الفترة القادمة دلائل على تمكن المرأة من المراكز والمواقع القيادية في الدولة الجديدة "بعد أن قادت النساء الثورة الشبابية في الساحات".
الحركة النسوية
هل يبدو المستقبل معتما بالنسبة للمرأة العربية في هذه الثورت التي جاءت تطالب بتغيير النظام القديم بكل تداعياته، عندما كانت تصيح في الساحات والتظاهرات: "الشعب يريد اسقاط النظام"؟
تقول الصحفية البريطانية جين مارتنسون مسؤولة قسم المرأة في صحيفة (ذي غارديان) "ان الثورات العربية قامت لأن النساء أصرّين أن يكن جزءا من حراكها باتجاه الديمقراطية". هذا صحيح، فلا أحد ينكر كيف ظهرت صور النساء في التغطيات الاعلامية العربية تبحث عنهن الصحف والقنوات الفضائية وتركز على سيرهن الذاتية. ولكن بعد أن انتهت مرحلة اسقاط النظامين في مصر وتونس، لم يبد ان هناك اهتماماً جدياً بالتمثيل النسائي في ادارة شؤون البلاد، فقد عاد المجتمعان الى القوالب المسبقة على الثورة، ان بخصوص الاقليات او بخصوص الجندر، وبقي مفهوم "المواطن من الدرجة الثانية" فاعلا على أرض الواقع. في تونس مثلا حيث الحراك النقابي والمجتمع المدني أكثر حضورا من العديد من المجتمعات العربية الأخرى، نلاحظ أن الأحزاب والجمعيات والاتحاد العامّ التونسي للشغل رشحت نوّابا رجالا يمثّلونها في (الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي)، وبلغت نسبة النساء حوالي 20 في المائة من الترشيحات بينما كانت في البرلمان الأخير أي قبل سقوط بن علي 27 في المائة، على الرغم من ان هذا الحضور النسائي البرلماني مثله مثل الحضور الرجالي لم يكن فاعلا فترة بن علي، ولكن للارقام لغتها أيضا.
وتذكرنا الدكتورة آمال قرامي أننا أمام عقلية مسؤولين سياسيين راعت رغبات الرجال ولم تعبّر عن تطلعات النساء، وهو أمر يتكرر مع كل ثورة. و"كأن الرجال عندما يستفيقون من وقع الثورة، يريدون أن يحققوا مجدا ذكورياً خالصا من دون تسليط الأضواء على مساهمة النساء في بناء هذا المجد". تقول قرامي المختصة بشؤون الجندر.. إلا أن بعض الاشارات القليلة هنا وهناك تدفعنا الى التفاؤل قليلا، مثل انتخاب (حركة عدالة وحرية السياسة الشعبية) بمدينة الإسكندرية للشابة أماني السيد منسقة عامة للحركة قبل أسابيع قليلة، والخطوة هي الأولى من نوعها بين الحركات الشبابية في مصر، لكن البادرة تبقى محدودة التاثير قياساً بالهيمنة الذكورية على المشهد السياسي بشبابه ومخضرميه.
في الوقت الحالي تنادي نساء مصر وتونس بمجتمع مدني ودولة مدنية لا دولة دينية، تضمن المساواة بين الرجل والمرأة وبين مختلف أطياف المجتمع في الحقوق الدستورية. وعلى هذا الأساس تناضل الناشطات الآن يساندهن في ذلك الرجال المؤمنين بهذه الفكرة. وتستعد نساء اليمن بعد اجتياز فترة القلق مع نظام علي عبدالله صالح الى الالفتات لحقوقهن، وقد أثبتن وهن في ساحات الاعتصام قدرة على الجدل والتفاوض لا تقل شأنا عن زملائهن من الرجال.
إن المعركة ليست سهلة وينتظر النساء بمن فيهن الشابات الناشطات، شوط آخر من المطالبات ستأخذ في حينها طبيعة أخرى واسماً آخر ربما اندرج تحت مسمى (الحركة النسوية) الذي سيعاد له الاعتبار بعد أن خفت قليلا في السنوات الماضية.
*غالية قباني
اثنان من المجتمعات التي طالبت بالتغيير وأسقطت نظامين انتهى عمرهما الافتراضي، أي تونس ومصر، منشغلتان الآن بالمرحلة الجديدة، تنظفان مخلفات المرحلة السابقة وتستعدان لانتخابات عامة ودستور يناسب الزمن الجديد. أما اليمن كنموذج لمجتمع لا يزال يطالب بالتغيير ولم يتحقق له ذلك بعد، فلا تزال جموع ساحة التغيير وغيرها من الساحات التي يتجمع فيها المتظاهرون، مصرّة على مطالبة الرئيس علي عبدالله صالح بالرحيل هو ونظامه بعد حكم تجاوز العقود الثلاثة. ويبقى السؤال الذي يخطر ببال المتابع لهذا الحراك الفائر، أنه، وبعد أن يهدأ غبار المعركة من محاربة الفساد ومحاكمة المتنفذين، وبعد أن يبدأ الاعداد للمرحلة الجديدة سياسياً واقتصادياً، هل ستتذكر تلك المجتمعات المرأة ضمن من يستحقون المكافأة، كونها واحدة من المؤثرات في التغيير الجديد وما كان يمكن للثورات ان تنجح من دونها كما يشير كثير من المعلقين؟. أم أنها، وكما في شواهد تاريخية عديدة، ستكون أول من يضحى بها بعد انتهاء المعارك وأول من سيعود الى الصفوف الخلفية؟
مناصفة في تونس
في نهاية ابريل الماضي، عقدت في العاصمة التونسية (الندوة الوطنية حول المرأة التونسية وإعلام ما بعد الثورة بين الحضور والغياب)، التي شارك فيها أكاديميون واعلاميون ناقشوا الحضور الباهت للمرأة في التلفزيون والاذاعة وعلو الصوت الذكوري الذي يحاول ان يخطف نجاح الثورة لصالحه، فهيمن على البرامج التلفزيونية الحوارية الحضور الرجالي الذي يدلي بشؤون وهموم الوطن، في مقابل خفوت الصوت النسائي إلا باستثناءات. وكانت من بين الأوراق تلك المقدمة من الباحثة فتحية السعيدي عن (حضور المرأة في شبكة الفيس بوك) من خلال بحث شمل عينة من 550 إمرأة عبر هذا الفضاء الافتراضي. وبينت الدراسة انشغال النساء قبل الثورة وأثناءها بالانتهاكات الأمنية وكشفهن عن وجه ثوري غير معتاد وتعاطفهن مع عائلات الشهداء. أما بعد الثورة، فبرز تعبيرهن عن الخوف من الفتنة في تونس واستثناء النساء وإقصائهن عن المشاركة في الحياة العامة والعودة إلى الوراء. ولاحظت الباحثة أن هناك مجموعة صغيرة من النساء صرّحن بأفكارهن التحررية، لكنهن تعرضن لهجمات من قوى رجعية كما تعرضن لعنف لفظي وعنف جنسي افتراضي. وبيّنت أنه كلما تعلق الأمر برأيهن في الدين وبإبراز موقف يختلف مع (حركة النهضة) الاسلامية، جوبهن بالتصدي لأفكارهن.
يصلح هذا المثال دليلا على ما آلت اليه أوضاع النساء في تونس، التي، عندما اندلعت الثورة استخدمت مشاركتهن وقوداً للدفع حتى إسقاط نظام بن علي، وسرعان ما تم نسيانهن في المرحلة التالية عند تشكيل الحكومتين اللاحقتين، لتقتصر مشاركتهن على وزيرة او وزيرتين بينهما وزيرة للمرأة.
هذا القلق يمكن ان يلتقطه المرء بسرعة من المواقع الألكترونية الخاصة بالصحف او الجمعيات النسائية التونسية، او صفحات التواصل الاجتماعي، او من خلال الحوار المباشر مع النساء او الناشطين. هناك حالة من الذعر من عودة أنصار حركة النهضة والاعتراف الرسمي بها كحزب من قبل الحكم الجديد. علينا ونحن نتابع المشهد التونسي الا ننسى انه في العام 1956 وفي عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، وضع في تونس قانون للاحوال الشخصية متقدم عما سواه من انظمة الاحوال الشخصية في الدول العربية، ينطوي على حظر لتعدد الزوجات هو الاول من نوعه في العالم الاسلامي. لكن وفي محاول لطمأنة المجتمع من عودة حركة النهضة الاسلامية، المحظورة سابقا، الى تونس قال ناطق باسمها ان "بعض القيود على المرأة هي من تأثير تقاليد اجتماعية وليس بسبب الدين"، فيما أكد زعيم الحركة راشد الغنوشي تمسك حزبه بالنموذج التركي المعتدل.
هل يعكس التخوف من هذا الحزب غياب الثقة الشعبية بالديمقراطية وآلياتها التي يجري تفعليها حالياُ من بعد سبات على يد النظام السابق؟ وجهت السؤال للبروفيسور آمال قرامي الاستاذة في الجامعة التونسية والمختصة بدراسات الجندر والدراسات الإسلامية التي قالت: "لا يتعلق القلق بحزب النهضة فحسب، بل بأحزاب إسلامية أخرى منها من نالت الترخيص ومنها من لم تنله بعد، كحزب التحرير وتيارات سلفية أخرى. ولفتت الانتباه إلى أمرين، أولهما تناقض تصريحات الزعماء الاسلاميين بين ما يدلون به إلى الصحافة وما ينطقون به في المساجد أو في المجالس الخاصة، وثانيها، انفصال خطاب القادة عن القاعدة، فالشباب يريد عودة النساء إلى البيت وتحجيب النساء بالقوة ولبس النقاب متأثرا بالفضائيات المتطرفة، وليس متأثراً بدرجة كبيرة بزعماء النهضة أو غيرها".
ولم يتوقّف الأمر عند حدود الحكومة، اذ تذكرنا الدكتورة قرامي أن غالب الأحزاب والجمعيات والاتحاد العامّ التونسي للشغل قدّمت نوّابا –ذكورا- يمثّلونها في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، "كانت نسبة النساء حوالي 20 في المائة والحال أنّها كانت من قبل في البرلمان 27 في المائة".
وتتبنى شاذلية وهي سيدة أعمال تونسية هذا التخوف وترى ان "هناك نية مبيتة لإقصاء المرأة ارضاءً لأطراف معينة"!. وتشير الى القلق في صفوف النساء من هيمنة الحركة الإسلامية على البلاد "أصبحنا نرى النقاب على وجوه بعض النساء مع ازدياد نسبة المحجبات قياساً بما قبل الثورة". الا أن الصحافية شيراز الرحالي من صحيفة (الموقف) التونسية المستقلة، تبدو أكثر تفاؤلا: "لا يمكن الحديث اليوم عن أن المرأة لم تجن ثمار الثورة، لان المطلب الأساسي قد تحقق وسقط النظام ومازالت الثورة متواصلة حتى تحقيق أهدافها". غير أنها لا تنفي تنوع الشعارات التي رفعت أثناء الاحتجاجات قبل سقوط النظام، ومنها "المرأة للبيت"، مذكرة بالسخط الذي كان سائدا في الشارع التونسي على زوجة الرئيس السابق وارتباط اسمها بالفساد في البلاد. وهذا الكلام لا يبدو نكوصا الى الوراء وتحسرا على حقبة سابقة، وبحسب تعبير استاذة القانون سلسبيل القليبي في محاضرة بنادي الطاهر الحداد بتونس: "نحن اقتلعنا نظاما فاسدا لا قيم اجتماعية له".
الا أن السلطات ردت على تخوف النساء وضغوط المجتمع المدني بقانون يعتبر سابقة فى العالم العربي والاسلامي، المناصفة، الذي يفرض على جميع الأحزاب التي ستقدم مرشحين للمجلس التأسيسي في الانتخابات التى ستجري فى 24 يوليو - تموز القادم لانتخاب اول جمعية تأسيسية تضع دستورا مناسبا للبلاد لفترة ما بعد بن على، أن تكون قائماتها الانتخابية بالمناصفة بين الرجال والنساء وبالتناوب في الترتيب داخل القائمة الواحدة.
ثورة مضادة في مصر
في مصر وقفت النساء جنباً إلى جنب مع الرجال في ساحة التحرير وغيرها من الساحات في المدن المصرية الأخرى، بعد ان خرجت الدعوات من المجموعات الشبابية من خلال المواقع الافتراضية مثل صفحة (كلنا خالد سعيد) و(شباب 6 ابريل) داعية الى التجمع يوم 25 يناير الماضي. وطالبت المتظاهرات مع زملائهن بوضع حد للقمع السياسي وبإجراء إصلاحات جذرية داخل النظام، قبل أن تتطور المطالبات الى دعوة مبارك الى الرحيل. وقدمت النساء خدمات لوجستية مثل التدقيق في هويات القادمين الى الساحة، وجمع النقود لأجل تأمين المستلزمات لمن سيرابط ليلا نهارا في ميدان التحرير. وتشاركن مع الرجال في عنف رجال الأمن والبلطجية الذي أفضى أحياناً الى الموت.
برز في تلك الفترة أكثر من فتاة عرفن باسم "فتيات الفيسبوك" ينتمين الى مجموعة الشباب التي قادت التغيير الأخير في مصر وأدى الى سقوط النظام في فبراير الماضي. فقد كتبت أسماء محفوظ على صفحتها في الفيسبوك: "أنا ذاهبة الى ميدان التحرير" واستفزت رجولة الشباب ان يفعلوا مثلها ان امتلكوا الجرأة على ذلك. كذلك برزت إسراء عبد الفتاح، التي كانت عرفت اعلامياً قبل ثلاث سنوات عندما دعت هي وزملاؤها الى إضراب عام يوم 6 أبريل عام 2008 تضامناً مع عمال المحلة ضد الغلاء والفساد. وبلغ حجم الدخول فترتها الى الصفحة التي حملت الدعوة في الفيسبوك نحو 77000 مشتركاً. الا أنها لم تكن بمنأى عن الأمن المصري الذي قادها الى الاعتقال مع ستة آخرين لمدة عشرين يوما، حتى أفرج عنهم بعد تدخل من جهات عدة. وتلاحظ الدكتورة عزة كامل الناشطة في مجال حقوق المرأة مساهمة النساء في ذلك الحراك السياسي بأنه "لأول مرة منذ عقود طويلة، تعامل النساء على أنهن كاملات الأهلية لا فرق بينهن وبين الرجال، لا فرق بين محجبة، ومنتقبة، وغير محجبة، مسلمة، ومسيحية".
هذا المشهد الحيوي لم ينعكس بالتوازي مع القرارات الرسمية فترة ما بعد الثورة وتولي حكومتين الوزارة. فاللجنة التي شكلت لاعادة النظر في التعديلات الدستورية تألفت من تسعة رجال قانونيين ليس بينهم امرأة واحدة، على رغم وجود بعض النساء المختصات في القانون الدستوري. وكان رد النساء عملياً كما حصل يوم 8 مارس الماضي، عندما تجمعت النساء مع الرجال أمام نقابة الصحفيين حاملات اللافتات والشعارات بالمطالب المتفق عليها، وتوجهن جميعا إلى ميدان التحرير ليلتحمن بمسيرات أخرى من مناطق مختلفة، وكانت المفاجأة أن هناك المئات من البلطجية وكذلك بعض السلفيين في انتظارهن، أخذوا بالتحرش بالمتظاهرات وقاموا بأعمال استفزازية وصلت إلى توجيه الكلمات البذيئة وتحول الميدان إلى بؤرة للصراع والجدل غير الحضارى.
ويمكن القول إن النساء من ضحايا ما يسمى بـ"الثورة المضادة" في مصر الآن، وهو أمر استدعى تنظيم النساء لأنفسهن ضمن (تحالف المنظمات النسوية المصرية) الذي وجه في مارس الماضي رسالة لرئيس الوزراء الجديد عصام شرف في مطالبة لأن تضم الوزارة الجديدة كفاءات نسائية، وأن يتم تمثيل النساء فى جميع اللجان بما لا يقل عن 30 في المائة من عضويتها. وشددن بشكل خاص على الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد لمصر التي سيتم اختيارها من قبل البرلمان الجديد. الا أن الوزارة الجديدة ضمت امرأة واحدة فقط اوكلت لها حقيبة التخطيط.
الناشطة الشابة إسراء عبدالفتاح التي تعمل حالياَ مديرة مشاريع في المعهد المصري الديمقراطي، تعترف بتجاهل صناع القرار لدور المرأة "وهذا ما يقلقنى على مستقبل المرأة وحقوقها فى مصر". وترى ان قيام الثورة لا يعني بالضرورة الايمان بدور المرأة في بناء المرحلة اللاحقة. وأن تغيير الصورة الذهنية عن المرأة فى المجتمع المصري أمر غير سهل ويحتاج لمجهود وحملات كثيرة. هل هي وزميلاتها قلقات على المكاسب التي حققتها المرأة عبر السنوات الماضية، مثل قانون الأحوال الشخصية، منصب أول قاضية في مصر، نائبة رئيس محكمة الاستئناف، الخ؟ "نعم" تقول اسراء "وهذا مرتبط بحال ان القوى السياسية المدنية لم تتمكن من تنظيم نفسها لتنافس التيار الاسلامي بجدّية".
تحالف المنظمات النسوية الذي يضم 15 منظمة نسوية مصرية يحاول أن يفرض حضوراً في مواجهة الاستخفاف الذي تقابل به المرأة وتنظيماتها، فقد أعلنت المتحدثات باسمه في مؤتمر صحفي عقد في ابريل الماضي عن خططه لدولة مدنية ديمقراطية. الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض، العضو بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، كرر خلال المؤتمر هذه المسلمة التي بات على النساء معرفتها والتحرك على أساسها، وهي أن قضية النساء مرتبطة بثقافة المجتمع، وليس بالتغيير الذي طرأ على المجتمع بعد الثورة.
ترددت أسماء ثلاث نساء مصريات في سياق الترشح للرئاسة في الخريف المقبل. اثنتان منهما لم تبادرا الى اعلان رغبتهما ولكن الفكرة اقترحت عليهما من مجموعة من النساء المتحمسات، وتم انشاء صفحة من المؤيدين نساء ورجالاً على الفيس بوك للمستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا. وكان رد المستشارة رفض الترشح مع تأكيدها على أهلية المرأة المصرية وحقها الدستورى فى تولي الرئاسة، "منصب الرئاسة ليس إمامة أو خلافة، وهو مجرد وظيفة فى إطار الدستور والقانون".
أما المستشارة نهى الزيني، نائبة رئيس هيئة النيابة الإدارية في مصر، قصرّحت لـ"العربية.نت" إنها تؤيد بشكل قاطع ترشح المرأة لهذا المنصب لأنه يعتبر وظيفة في الدولة وليس ولاية عامة. ولكنها من ناحية أخرى نفت نيتها ترشيح نفسها في الانتخابات القادمة للرئاسة، بسبب الثقافة السائدة في الشارع المصري المضادة للفكرة.
تبقى الإعلامية "بثينة كامل" هي المرأة الوحيدة التي قررت الترشح عمليا لمنصب رئيس الجمهورية في مصر. وقد صرحت أخيرا بأنها سوف تروّج لحملتها الإنتخابية في المحافظات المصرية من خلال قناة (ريالتى تي في) reality tv التليفزيونية التي سيتم إطلاقها في القريب من خلال برنامج يحمل اسم "يوميات مرشحة الرئاسة".
شراكة في اليمن
المتابع للمشهد اليمني يرى الجموع الغفيرة من الشباب تحديدا، وبينهم نساء محجبات ومنقبات، يقفون في الساحات في المدن اليمنية الأساسية، ويطالبون برحيل الرئيس علي عبدالله صالح. بل إن العارفين بظروف اليمن الاجتماعية وشدة قبضة التقاليد القبلية فيها، يستطيع ان يحكم على مدى قوة النساء في مواجهة كل تلك الظروف والصمود بين الجموع، تحت وطأة ردة الفعل الحادة للنظام اليمني، كما في إدانته في احدى خطاباته الأخيرة بالمشاركة النسائية في التظاهرات، ومهاجمته للاختلاط بين الرجال والنساء، كونه محرما دينياً، مع ملاحظة أن النساء اليمنيات خرجن للشارع، قسم مع التغيير وقسم ضد التغيير.
توكل كرمان الاعلامية والناشطة واحدة من أبرز الوجوه في ساحة التغيير في صنعاء العاصمة اليمنية، اختيرت واحدة من سبع نساء أحدثن تغييراً في العالم وفق تقرير لمنظمة «مراسلون بلا حدود» عام 2009. فهذه الشابة تحدت السلطة منذ عام 2004 منطلقة من الهمّ المهني عندما أسّست (منظمة صحافيات بلا حدود) وكانت أول منظمة يمنية تُعنى بحماية حرية التعبير في مختلف الوسائل السمعية والبصرية. وقادت العديد من الاعتصامات العامين الاخيرين للمطالبة بإيقاف المحكمة الاستثنائية المتخصصة بالصحافيين، وبكف السلطة عن سياسة إيقاف الصحف. وكان لها مع السلطة مواجهات سابقة أدت بها الى الاعتقال أكثر من مرة. لكن المرء سيفاجأ من حقيقتين تخصان توكل، أولهما أن هذه الشابة المتمردة التي خلعت النقاب واكتفت بالحجاب، محسوبة على حزب (التجمع اليمني للإصلاح)، الحزب الديني الوحيد في اليمن، بل وتدرجت فيه إلى عضوية مجلس الشورى فيه. وهي على ما يبدو تراهن على التيار الشبابي الاصلاحي في الحزب، وليس على الخط المتشدد الذي يقوده عبدالكريم الزنداني رئيس الحزب.
تلخص وداد البدوي الصحفية ورئيسة مركز الإعلام الثقافي CMC، حقيقة الحضور الكبير للنساء في هذا الحراك اليمني بقولها: "ربما أن وضعهن الحالي المتردي هو ما دفع بهن للخروج السريع والمطالبة بدولة مدنية حديثة تكفل لهن العدالة الإجتماعية". ومن المطالب التي تخص المرأة إلغاء الاعتبارات القبلية في الدولة، كون هذه الاعتبارات تقصي المرأة من حقوقها لتركز على الرجال. "المرأة نفسها في ساحات الحرية والتغيير تريد التخلص من العنف الممارس ضدها بسبب القوانين التمييزية، تقول وداد وتكمل: "لدينا أكثر من 27 مادة تمييزية نناضل من أجل تغييرها لسنوات، من دون جدوى". وهي لا تعتقد بأن المرأة ستكون من المنسيين بعد نجاح الثورة، كونها مشاركة في المجالس التنسيقية للثورة في المحافظات المختلفة مثل صنعاء وتعز وعدن وبعضها تترأسها المرأة. "يمكنني القول إن المرأة وجدت المساواة الحقيقة وعدم التمييز في الساحة، أكثر مما وجدتها في حياتها العامة".
الأديبة والصحفية والناشطة بشرى المقطري ابنة مدينة تعز، لم تكن اقل جرأة من زميلتها، حتى أن بيتها تعرض لاطلاق رصاص استدعى اصدار بيانات الادانة من بعض التنظيمات الحزبية والحقوقية بينها اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين. وتؤكد بشرى ان المرأة دخلت الثورة كشريك حقيقي، هن واعيات لمطالبهن وللتحديات التي تحاصرهن كنساء من القوى التقليدية الكثيرة. وتقول في حوار هاتفي سريع بعد ان صعب عليها الدخول الى رسائلها الألكترونية للرد على أسئلة "المجلة"، بسبب حجب خدمة الانترنت من قبل الحكومة: "لدينا مطالب كثيرة وواضحة، وهي مدعومة من قبل قوى الشباب الحية ومن بعض الأحزاب". من بين المطالب التي رفعتها هي وزميلاتها نظام الكوتا وضرورة تمثيل المرأة سياسياً واجتماعياً، ومنع زواج القاصرات. وترى المقطري أن الصراع ساهم في فرز الصراع بين العقليات القديمة والجديدة، بين مشروع تقدمي وآخر تقليدي، والمرأة جزء من هذا الصراع. "يوم أمس كان دامياً تمّ فيه حجز مجموعة من الناشطات والصحفيات في مركز للشرطة مع الاعتداء عليهن لفظياً بأبشع الألفاظ".
تقول غادة صالح مديرة إدارية في شركة خاصة ان المرأة اليمنية "يجب أن تكون شريكاً فعلياً وعملياً للرجل وليس بمجرد كلام".. أما رجاء علي مقبل وهي ربة بيت فتقول: "لا يجب أن نعتمد على الأحزاب فقط أياً كان توجهها، فالأحزاب تستغل المرأة كورقة لا أكثر، والمطلوب ارادة خاصة بالمرأة نفسها"، الا أنها ترى في وصول الجماعات الإسلامية "الأخوان المسلمين" الى الحكم اثرا سلبيا على المرأة وقضاياها "ولديهم سوابق في اليمن". أما الصيدلانية يمنى الأسودي فترى في الفترة القادمة دلائل على تمكن المرأة من المراكز والمواقع القيادية في الدولة الجديدة "بعد أن قادت النساء الثورة الشبابية في الساحات".
الحركة النسوية
هل يبدو المستقبل معتما بالنسبة للمرأة العربية في هذه الثورت التي جاءت تطالب بتغيير النظام القديم بكل تداعياته، عندما كانت تصيح في الساحات والتظاهرات: "الشعب يريد اسقاط النظام"؟
تقول الصحفية البريطانية جين مارتنسون مسؤولة قسم المرأة في صحيفة (ذي غارديان) "ان الثورات العربية قامت لأن النساء أصرّين أن يكن جزءا من حراكها باتجاه الديمقراطية". هذا صحيح، فلا أحد ينكر كيف ظهرت صور النساء في التغطيات الاعلامية العربية تبحث عنهن الصحف والقنوات الفضائية وتركز على سيرهن الذاتية. ولكن بعد أن انتهت مرحلة اسقاط النظامين في مصر وتونس، لم يبد ان هناك اهتماماً جدياً بالتمثيل النسائي في ادارة شؤون البلاد، فقد عاد المجتمعان الى القوالب المسبقة على الثورة، ان بخصوص الاقليات او بخصوص الجندر، وبقي مفهوم "المواطن من الدرجة الثانية" فاعلا على أرض الواقع. في تونس مثلا حيث الحراك النقابي والمجتمع المدني أكثر حضورا من العديد من المجتمعات العربية الأخرى، نلاحظ أن الأحزاب والجمعيات والاتحاد العامّ التونسي للشغل رشحت نوّابا رجالا يمثّلونها في (الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي)، وبلغت نسبة النساء حوالي 20 في المائة من الترشيحات بينما كانت في البرلمان الأخير أي قبل سقوط بن علي 27 في المائة، على الرغم من ان هذا الحضور النسائي البرلماني مثله مثل الحضور الرجالي لم يكن فاعلا فترة بن علي، ولكن للارقام لغتها أيضا.
وتذكرنا الدكتورة آمال قرامي أننا أمام عقلية مسؤولين سياسيين راعت رغبات الرجال ولم تعبّر عن تطلعات النساء، وهو أمر يتكرر مع كل ثورة. و"كأن الرجال عندما يستفيقون من وقع الثورة، يريدون أن يحققوا مجدا ذكورياً خالصا من دون تسليط الأضواء على مساهمة النساء في بناء هذا المجد". تقول قرامي المختصة بشؤون الجندر.. إلا أن بعض الاشارات القليلة هنا وهناك تدفعنا الى التفاؤل قليلا، مثل انتخاب (حركة عدالة وحرية السياسة الشعبية) بمدينة الإسكندرية للشابة أماني السيد منسقة عامة للحركة قبل أسابيع قليلة، والخطوة هي الأولى من نوعها بين الحركات الشبابية في مصر، لكن البادرة تبقى محدودة التاثير قياساً بالهيمنة الذكورية على المشهد السياسي بشبابه ومخضرميه.
في الوقت الحالي تنادي نساء مصر وتونس بمجتمع مدني ودولة مدنية لا دولة دينية، تضمن المساواة بين الرجل والمرأة وبين مختلف أطياف المجتمع في الحقوق الدستورية. وعلى هذا الأساس تناضل الناشطات الآن يساندهن في ذلك الرجال المؤمنين بهذه الفكرة. وتستعد نساء اليمن بعد اجتياز فترة القلق مع نظام علي عبدالله صالح الى الالفتات لحقوقهن، وقد أثبتن وهن في ساحات الاعتصام قدرة على الجدل والتفاوض لا تقل شأنا عن زملائهن من الرجال.
إن المعركة ليست سهلة وينتظر النساء بمن فيهن الشابات الناشطات، شوط آخر من المطالبات ستأخذ في حينها طبيعة أخرى واسماً آخر ربما اندرج تحت مسمى (الحركة النسوية) الذي سيعاد له الاعتبار بعد أن خفت قليلا في السنوات الماضية.
*غالية قباني