- الأحد مايو 29, 2011 11:23 pm
#37495
يريد كل من الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قيادة حركة عالمية مناهضة للولايات المتحدة، على الرغم من أن مسافة تصل إلى نصف العالم تفصل بينهما. يجب أن لا يكون ذلك مفاجئا لأن الاثنين قائدان شعوبيان، يشيران إلى أحدهما الآخر بـ"الأخ"، ويمتلكان سلطات هائلة داخل بلديهما ومناطقهما باستخدام الأساليب ذاتها. ولكن تكمن المشكلة في توجه هذه الحركة.
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، زار الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز إيران، وهي زيارته الثامنة في 12 عاما، بعد أيام قليلة من الإعلان عن صفقة مع روسيا لتطوير برنامج طاقة نووية. ويطلق شافيز على الجمهورية الإسلامية "وطنه الثاني". ويقول نظيره محمود أحمدي نجاد إنهما ينتميان إلى جبهة ثورية تمتد من أميركا اللاتينية إلى شرق آسيا. وإذا شعرا في إحدى المراحل أنهما بمفردهما في صراعهما ضد الولايات المتحدة، يقول أحمدي نجاد: "يوجد صف طويل" من المؤيدين الآن.
في الظاهر، تبدو هذه الصلة منافية للمنطق، حيث يصفان بعضهما الآخر بـ"الأخ". ولكن ما الذي يشترك فيه مسلم شيعي فارسي محافظ مع مسيحي اشتراكي من الكاريبي؟ لقد عقد الاثنان تحالفا وثيقا يعتمد على الشعوبية والنضال ضد الولايات المتحدة، حيث يسعيان إلى التوسع فيه عن طريق ثروتيهما النفطية.
جدير بالمعرفة أن شافيز وأحمدي نجاد سياسيان مستبدان وشعوبيان تدفعهما غريزة البقاء، وليس آيديولوجية. الشعوبيون نفعيون يحافظون على استقرار الأنظمة من خلال نقل الملكية الاقتصادية للجماهير على حساب الاقتصاد الأكبر، ومن خلال إلقاء اللوم على الأعداء في كل شيء، ومن خلال تعزيز المصالح الاقتصادية لطبقة حاكمة جديدة، والسيطرة تدريجيا على مؤسسات الدولة.
توصل شافيز وأحمدي نجاد إلى إمكانية تعزيز أجنداتهما الداخلية والدولية عن طريق العمل معا. وسعيا معا إلى عولمة نظرتهما لوقف ما يعتبرانه تهديدا أميركيا. في الواقع يعتمد بقاؤهما على المصالح التبادلية.
صناعة الزعماء
استمر الرئيس شافيز في تعزيز السلطات من حوله على مدار عشرة أعوام تقريبا وحتى الآن، ولكنه بدأ ثورته مجددا من الصفر، في حين كان على أحمدي نجاد أن يعمل في إطار هياكل السلطة الإيرانية ليجمع السلطات في يده تدريجيا.
قاد شافيز انقلابا فاشلا في عام 1992 عندما كان يحمل رتبة كولونيل في الجيش، ليفوز بعد ذلك بالرئاسة عن طريق فوز ساحق في الانتخابات التي أجريت عام 1998. ودفع بإصلاح دستوري من أجل توسيع نطاق حكمه وإضفاء الشرعية على عمليات التطهير الشاملة للمعارضين، بدءا بالقوات المسلحة ووصولا إلى شركة "بتروليوس دي فنزويلا"، التي تشكل عماد الاقتصاد في الدولة. وأعيد انتخابه عام 2000 في فترته الرئاسية الأولى التي استمرت ست سنوات وانتخب من جديد عام 2006.
أطاح انقلاب وقع في عام 2002 بشافيز لفترة قصيرة، ولكنه عاد إلى السلطة وألقى باللوم على الولايات المتحدة وإسبانيا. وأدى إضراب العمال لمدة شهرين في شركة "بتروليوس دي فنزويلا" من أجل إجباره على التنحي إلى زيادة تمكينه من السلطة. وأحكم شافيز قبضته على الحكم، وفي عام 2006 أمم حقول النفط التي تديرها شركات أجنبية، رافعا حصة الحكومة إلى نسبة 60 في المائة بعد أن كانت 40 في المائة.
هرب آلاف من خبراء النفط في فنزويلا أثناء عمليات التطهير التي قام بها، وما زالت صناعة النفظ لم تتعاف حتى الآن. وانخفض الإنتاج من 3.3 مليون برميل في اليوم قبل الإضراب، إلى حوالي 2.4 مليون برميل. ويلتهم سوء الإدارة ما كانت تعرف بأكبر شركات النفط في العالم. ويبدو أن اكتشافات "ويكيليكس" الأخيرة تؤكد على أن أميركا لديها النظرة ذاتها أيضا، على الرغم من أن الاستثمارات الصينية في فنزويلا قد تغير من هذا الاتجاه.
ومثل الفنزويليين، عانى الإيرانيون طوال عقود من الفساد سهلت التغيير السلس للسلطة. وجمع أحمدي نجاد بين التشدد الديني والسياسات الاقتصادية الشعوبية التي تروق للفقراء الإيرانيين والطبقات الريفية مما مكنه من الفوز بالرئاسة في عام 2005. وكما فعل شافيز، عزز أحمدي نجاد من قبضته على السلطة بمنح القوات الأمنية نفوذا كبيرا في البلاد. وأعيد انتخابه عام 2009 بغالبية أصوات الإيرانيين، على الرغم من أن الانتخابات شابتها مزاعم بالتزوير. وعلى الرغم من أن صناعة الطاقة الإيرانية لا تعاني ما تعانيه صناعة الطاقة في فنزويلا، فإنها مقيدة. تتبدد ثروة الغاز الهائلة في البلاد، وهي ثاني أكبر ثروة غاز في العالم، على الدعم الذي يحول دون أن تصبح إيران مصدرة للغاز. وفشل إنتاجها من النفط في أن يصل إلى المستويات المرتفعة التي كان يحققها في فترة ما قبل الثورة، على الرغم من الاكتشافات العديدة التي ضاعفت حجم المخزون ثلاث مرات منذ ذلك الحين.
رابطة أخوية
تحتفظ كل من إيران وفنزويلا بروابط صداقة منذ العقد الماضي. كان شافيز على علاقة وثيقة بالرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي - الذي زار فنزويلا ثلاث مرات - بناء على مصلحة مشتركة في رفع أسعار النفط. وتحولت الأهداف المشتركة إلى تأييد سياسي وقد دافع شافيز بقوة عن حق إيران في تطوير برنامج نووي سلمي.
في عام 2004، قابل شافيز أحمدي نجاد، الذي كان وقتها عمدة شابا لطهران والنجم القادم في الحياة السياسية الإيرانية. صعد أحمدي نجاد إلى السلطة سريعا وكان عضوا في هيكل السلطة الإيرانية، أولا كحاكم إقليم ثم عمدة طهران عام 2003.
عندما أصبح أحمدي نجاد رئيسا، فتح شافيز أبواب فنزويلا أمام إيران. وبصورة نسبية، زاد حجم التبادل التجاري، على الرغم من أنه ما زال ضئيلا وفقا للمعايير الدولية ويبلغ أقل من 100 مليون دولار. وتستثمر شركات إيرانية ما يزيد على ملياري دولار في فنزويلا، وتأمل في زيادة استثماراتها إلى 20 مليار دولار. وتم توقيع حوالي 160 صفقة ثنائية في جميع القطاعات الاقتصادية، من الإسكان والطاقة إلى صناعة السيارات وتكنولوجيا النانو.
بالإضافة إلى ذلك، اتهمت سلسلة من الأخبار غير المؤكدة شافيز بمساعدته لإيران على شراء تكنولوجيا متقدمة مزدوجة الاستخدام، والتنقيب عن اليورانيوم، وتدريب مقاتلي حزب الله على أراضي تشيلي. صنفت وزارة الخزانة الأميركية في عام 2008 مواطنين فنزويليين - أحدهما دبلوماسي - ووكالتي سياحة على أنهم من مؤيدي حزب الله. سيستمر شافيز، دون شك، في دعم الحركات المناهضة للولايات المتحدة، مذكرا الولايات المتحدة أنه قادر على تسهيل التهديدات الأمنية ضد مصالحها، حتى لو لم يكن يستطيع أن ينفذها. هذه هي وسيلته الرادعة: أن يبعث برسالة إلى واشنطن بأنه إذا زادت الضغوط عليه، وإذا شعر بأن الولايات المتحدة تصر على تغيير النظام، سيفتح أبوابه على مصراعيها للإرهابيين الراغبين في الهجوم على الولايات المتحدة.
السيطرة على المعارضة
يعرف الزعيم الشعوبي أن بقاءه الشخصي، وليس فكره، هو الغرض النهائي. ويصبح الهدف هو الاحتفاظ بالسلطة، إن لم يكن لذاته فلحركته التي تدفعها أنانيته. ودائما ما يساعد على هذه المحاولات جيش قوي يستغل الشعور الوطني من أجل التشبث بالسلطة.
لذلك السبب دائما ما يغذي المستبد الشعوبي فكرة تأليه الشخص. يستمر شافيز في التحدي قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى عام 2012 بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) وشهدت حضورا كبيرا للمعارضة. ويملك شافيز سببا وجيها لما يفعله، حيث تظل المعارضة منقسمة وتم استغلال النظام منذ فترة للسماح لشافيز بالاحتفاظ بالسلطة بصورة قانونية.
في الحقيقة، بنهاية عام 2010، مرر الكونغرس الذي يسيطر عليه شافيز مجموعة من القرارات التي تمنح الحاكم سلطات واسعة ليحكم من خلال المراسيم، تحت ستار تدفق المساعدات إلى المناطق المتضررة من الفيضانات التي حدثت في وقت سابق. واستغرق شافيز أقل من شهر قبل أن يشير إلى رغبته في التخلي عن تلك السلطات الإضافية، لتهدئة المعارضين الذين اتهموه بأنه لجأ إلى إجراءات دكتاتورية.
تستحق فكرة ما إذا كان شافيز راغبا في اللجوء إلى مثل تلك الأساليب لقمع المعارضين النقاش. لقد ضمن بالفعل النفوذ الضروري ليضمن إحكام سلطته بعد عام 2012، سواء كانت بسبل شرعية أو غير ذلك.
ولكن الأكثر أهمية هو أن القمع العنيف لن يظل خيارا صالحا لشافيز، وهو الدرس الذي تعلمه من أحمدي نجاد بعد انتخابات عام 2009 في إيران. وأمام خضوع المحاكم والنظام الانتخابي والقوات المسلحة للسيطرة الصارمة، من الممكن أن يكون العنف مقبولا لغالبية السكان الراغبين في التضحية بالحرية في معركة ضد ما يعتبرونه عدوا أجنبيا.
مشاعر الاضطهاد
تفيد المشاعر المناهضة لأميركا في تقديم كبش فداء، ولكن في حالة شافيز وأحمدي نجاد أصبحت تلك المشاعر راسخة في شعور مبرر بالاضطهاد. أيا كانت النيات الأميركية، في الحقيقة، إيران هي المحاطة عسكريا بالقوات الأميركية، ومن الممكن أن يكون شافيز كذلك في وقت قريب، وكلاهما هدف لسياسات تغيير نظام صارخة. ويترجم ذلك إلى دفاع مستميت عن ثورتيهما.
تخضع إيران للحصار منذ عقود، ولكن تقلصت مساحتها في التنفس بعد حربي العراق وأفغانستان وبرنامجها النووي الناشئ. أما بالنسبة لفنزويلا، فإن الموقف جديد نسبيا. حتى الآن، تحرص السياسة الأميركية على اعتبار شافيز مهرجا مبهجا، ولكن يثير تعزيزه العسكري – على الرغم من صغره مقارنة بالترسانة الأميركية – القلق، وكذلك علاقاته الخطرة.
كانت هناك صفقة رفضتها المحاكم الكولومبية في العام الماضي ستمنح الجيش الأميركي مجالا أكبر في أميركا اللاتينية. وذكرت قوات الدفاع الأميركية، في اقتراح مسودة الميزانية المقدم للكونغرس أن الصفقة تقدم "فرصة فريدة للقيام بعمليات متنوعة في أميركا اللاتينية" لمواجهة "الدول المناهضة للولايات المتحدة". وعلى الرغم من أن هذه العبارة حذفت من النسخة النهائية، فإن شافيز سريعا ما انتهز هذا الادعاء كدليل على أن الولايات المتحدة تستهدفه.
يعلم شافيز أنه لا يستطيع مواجهة الولايات المتحدة عسكريا، وهو سبب تدخل أحمدي نجاد. ربما تكون إيران قد طورت خبرات هائلة في الحرب غير المتماثلة وكانت في حالة مستمرة من الاستعداد للحرب في مواجهة التفوق العسكري الأميركي.
ومن جانبه، يسلح شافيز ميليشيات مدنية ويدربها لتكون خط الدفاع الأول لديه، في انعكاس للأساليب التي واجهتها القوات الأميركية في العراق على يد الميليشيات التي تلقت تدريبها وحصلت على السلاح من إيران. ويحتفظ شافيز أيضا بعلاقات جيدة مع العصابات الكولومبية التي يمكنها أن تقوم بدور الوكيل في إحباط أي هجوم أميركي أو كولومبي. ويُعتقد أن شافيز يأوي عملاء استخبارات من حزب الله وإيران. ولا يوجد شك في أنه سيستعرض وسائل الردع التي يملكها لتذكير الولايات المتحدة بأنه قادر على تسهيل التهديدات الأمنية التي تستهدف المصالح الأميركية.
وإذا فشل هذا الأسلوب، سيكون آخر سلاح يستخدمة شافيز، والذي لن يلجأ إليه إلا إذا توقف عليه بقاؤه، هو أن يلعب بورقة الطاقة، حتى لو كانت ستضره. وكما قد تحاول إيران غلق مضيق هرمز، يمكن أن توقف فنزويلا صادراتها، بل وأيضا أن تستهدف أسواق الطاقة العالمية.
وعلى الرغم من انخفاض واردات أميركا من النفط ومشتقاته القادمة من فنزويلا بما يتماشى مع الطلب، فإنها ما زالت تمثل حوالي 10 في المائة من الواردات، أو حوالي 1.1 مليون برميل يوميا. وتملك فنزويلا أيضا "سيتغو" ثالث أكبر شركة تكرير في الولايات المتحدة. وتساهم كولومبيا، التي سيستهدفها على الفور وكلاء فنزويلا في حالة اشتعال صراع، بحوالي 3 في المائة أخرى، ولكن من المتوقع أن يرتفع حجم شحناتها إلى الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، أي صراع مع فنزويلا قد يُعقد على الأقل من عمليات التوصيل من البرازيل والإكوادور، وهما معا تشكلان حوالي 5 في المائة من الواردات الأميركية.
الطاقة هي أفضل سلاح في يد شافيز، وكذلك إيران. إنها ترفع تكلفة تغيير النظام، وهي حيلة قوية في هذه المرحلة التي يعاني فيها تعافي الاقتصاد العالمي من الضعف، في الوقت الذي تنغمس فيه الولايات المتحدة بالفعل في حربي أفغانستان والعراق.
ومن غير المرجح أن يذهب شافيز إلى المخاطرة بفرض عقوبات أميركية عليه. في الواقع، حتى برنامجه للطاقة النووية غير مقنع. ستستغرق فنزويلا على الأقل 15 عاما للتطوير وسيكون التخصيب مستحيلا. ولكن التهديد بالطاقة النووية، كما تعلمت كركاس من طهران، ذو تأثير كبير مثل السلاح ذاته.
أفضل خيار الآن هو تدمير محور إيران وفنزويلا لعرقلة خيارات طهران. ويبدو أن الرئيس باراك أوباما يفعل ذلك تحديدا. وقال في أكتوبر (تشرين الأول): "ليست لدينا حوافز أو مصالح في زيادة الشقاق بين فنزويلا والولايات المتحدة"، ولكن من الممكن أن يغير مجلس النواب الذي يسوده الجمهوريون من ذلك.
يعلم كل من أحمدي نجاد وشافيز هذا جيدا، ولذلك مواجهة شافيز ستأتي بنتائج عكسية للولايات المتحدة. إنها مجرد ذخيرة له. ومن أجل إيقاف إيران، يجب على الولايات المتحدة استمالة شافيز، وليس مواجهته.
*أندريس كالا - صحافي حر مقيم في مدريد. ويساهم بمقالاته بانتظام في العديد من الإصدارات ومنها مجلة "التايم" و"نيويورك تايمز" و"ذا كريستيان ساينس مونيتور".
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، زار الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز إيران، وهي زيارته الثامنة في 12 عاما، بعد أيام قليلة من الإعلان عن صفقة مع روسيا لتطوير برنامج طاقة نووية. ويطلق شافيز على الجمهورية الإسلامية "وطنه الثاني". ويقول نظيره محمود أحمدي نجاد إنهما ينتميان إلى جبهة ثورية تمتد من أميركا اللاتينية إلى شرق آسيا. وإذا شعرا في إحدى المراحل أنهما بمفردهما في صراعهما ضد الولايات المتحدة، يقول أحمدي نجاد: "يوجد صف طويل" من المؤيدين الآن.
في الظاهر، تبدو هذه الصلة منافية للمنطق، حيث يصفان بعضهما الآخر بـ"الأخ". ولكن ما الذي يشترك فيه مسلم شيعي فارسي محافظ مع مسيحي اشتراكي من الكاريبي؟ لقد عقد الاثنان تحالفا وثيقا يعتمد على الشعوبية والنضال ضد الولايات المتحدة، حيث يسعيان إلى التوسع فيه عن طريق ثروتيهما النفطية.
جدير بالمعرفة أن شافيز وأحمدي نجاد سياسيان مستبدان وشعوبيان تدفعهما غريزة البقاء، وليس آيديولوجية. الشعوبيون نفعيون يحافظون على استقرار الأنظمة من خلال نقل الملكية الاقتصادية للجماهير على حساب الاقتصاد الأكبر، ومن خلال إلقاء اللوم على الأعداء في كل شيء، ومن خلال تعزيز المصالح الاقتصادية لطبقة حاكمة جديدة، والسيطرة تدريجيا على مؤسسات الدولة.
توصل شافيز وأحمدي نجاد إلى إمكانية تعزيز أجنداتهما الداخلية والدولية عن طريق العمل معا. وسعيا معا إلى عولمة نظرتهما لوقف ما يعتبرانه تهديدا أميركيا. في الواقع يعتمد بقاؤهما على المصالح التبادلية.
صناعة الزعماء
استمر الرئيس شافيز في تعزيز السلطات من حوله على مدار عشرة أعوام تقريبا وحتى الآن، ولكنه بدأ ثورته مجددا من الصفر، في حين كان على أحمدي نجاد أن يعمل في إطار هياكل السلطة الإيرانية ليجمع السلطات في يده تدريجيا.
قاد شافيز انقلابا فاشلا في عام 1992 عندما كان يحمل رتبة كولونيل في الجيش، ليفوز بعد ذلك بالرئاسة عن طريق فوز ساحق في الانتخابات التي أجريت عام 1998. ودفع بإصلاح دستوري من أجل توسيع نطاق حكمه وإضفاء الشرعية على عمليات التطهير الشاملة للمعارضين، بدءا بالقوات المسلحة ووصولا إلى شركة "بتروليوس دي فنزويلا"، التي تشكل عماد الاقتصاد في الدولة. وأعيد انتخابه عام 2000 في فترته الرئاسية الأولى التي استمرت ست سنوات وانتخب من جديد عام 2006.
أطاح انقلاب وقع في عام 2002 بشافيز لفترة قصيرة، ولكنه عاد إلى السلطة وألقى باللوم على الولايات المتحدة وإسبانيا. وأدى إضراب العمال لمدة شهرين في شركة "بتروليوس دي فنزويلا" من أجل إجباره على التنحي إلى زيادة تمكينه من السلطة. وأحكم شافيز قبضته على الحكم، وفي عام 2006 أمم حقول النفط التي تديرها شركات أجنبية، رافعا حصة الحكومة إلى نسبة 60 في المائة بعد أن كانت 40 في المائة.
هرب آلاف من خبراء النفط في فنزويلا أثناء عمليات التطهير التي قام بها، وما زالت صناعة النفظ لم تتعاف حتى الآن. وانخفض الإنتاج من 3.3 مليون برميل في اليوم قبل الإضراب، إلى حوالي 2.4 مليون برميل. ويلتهم سوء الإدارة ما كانت تعرف بأكبر شركات النفط في العالم. ويبدو أن اكتشافات "ويكيليكس" الأخيرة تؤكد على أن أميركا لديها النظرة ذاتها أيضا، على الرغم من أن الاستثمارات الصينية في فنزويلا قد تغير من هذا الاتجاه.
ومثل الفنزويليين، عانى الإيرانيون طوال عقود من الفساد سهلت التغيير السلس للسلطة. وجمع أحمدي نجاد بين التشدد الديني والسياسات الاقتصادية الشعوبية التي تروق للفقراء الإيرانيين والطبقات الريفية مما مكنه من الفوز بالرئاسة في عام 2005. وكما فعل شافيز، عزز أحمدي نجاد من قبضته على السلطة بمنح القوات الأمنية نفوذا كبيرا في البلاد. وأعيد انتخابه عام 2009 بغالبية أصوات الإيرانيين، على الرغم من أن الانتخابات شابتها مزاعم بالتزوير. وعلى الرغم من أن صناعة الطاقة الإيرانية لا تعاني ما تعانيه صناعة الطاقة في فنزويلا، فإنها مقيدة. تتبدد ثروة الغاز الهائلة في البلاد، وهي ثاني أكبر ثروة غاز في العالم، على الدعم الذي يحول دون أن تصبح إيران مصدرة للغاز. وفشل إنتاجها من النفط في أن يصل إلى المستويات المرتفعة التي كان يحققها في فترة ما قبل الثورة، على الرغم من الاكتشافات العديدة التي ضاعفت حجم المخزون ثلاث مرات منذ ذلك الحين.
رابطة أخوية
تحتفظ كل من إيران وفنزويلا بروابط صداقة منذ العقد الماضي. كان شافيز على علاقة وثيقة بالرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي - الذي زار فنزويلا ثلاث مرات - بناء على مصلحة مشتركة في رفع أسعار النفط. وتحولت الأهداف المشتركة إلى تأييد سياسي وقد دافع شافيز بقوة عن حق إيران في تطوير برنامج نووي سلمي.
في عام 2004، قابل شافيز أحمدي نجاد، الذي كان وقتها عمدة شابا لطهران والنجم القادم في الحياة السياسية الإيرانية. صعد أحمدي نجاد إلى السلطة سريعا وكان عضوا في هيكل السلطة الإيرانية، أولا كحاكم إقليم ثم عمدة طهران عام 2003.
عندما أصبح أحمدي نجاد رئيسا، فتح شافيز أبواب فنزويلا أمام إيران. وبصورة نسبية، زاد حجم التبادل التجاري، على الرغم من أنه ما زال ضئيلا وفقا للمعايير الدولية ويبلغ أقل من 100 مليون دولار. وتستثمر شركات إيرانية ما يزيد على ملياري دولار في فنزويلا، وتأمل في زيادة استثماراتها إلى 20 مليار دولار. وتم توقيع حوالي 160 صفقة ثنائية في جميع القطاعات الاقتصادية، من الإسكان والطاقة إلى صناعة السيارات وتكنولوجيا النانو.
بالإضافة إلى ذلك، اتهمت سلسلة من الأخبار غير المؤكدة شافيز بمساعدته لإيران على شراء تكنولوجيا متقدمة مزدوجة الاستخدام، والتنقيب عن اليورانيوم، وتدريب مقاتلي حزب الله على أراضي تشيلي. صنفت وزارة الخزانة الأميركية في عام 2008 مواطنين فنزويليين - أحدهما دبلوماسي - ووكالتي سياحة على أنهم من مؤيدي حزب الله. سيستمر شافيز، دون شك، في دعم الحركات المناهضة للولايات المتحدة، مذكرا الولايات المتحدة أنه قادر على تسهيل التهديدات الأمنية ضد مصالحها، حتى لو لم يكن يستطيع أن ينفذها. هذه هي وسيلته الرادعة: أن يبعث برسالة إلى واشنطن بأنه إذا زادت الضغوط عليه، وإذا شعر بأن الولايات المتحدة تصر على تغيير النظام، سيفتح أبوابه على مصراعيها للإرهابيين الراغبين في الهجوم على الولايات المتحدة.
السيطرة على المعارضة
يعرف الزعيم الشعوبي أن بقاءه الشخصي، وليس فكره، هو الغرض النهائي. ويصبح الهدف هو الاحتفاظ بالسلطة، إن لم يكن لذاته فلحركته التي تدفعها أنانيته. ودائما ما يساعد على هذه المحاولات جيش قوي يستغل الشعور الوطني من أجل التشبث بالسلطة.
لذلك السبب دائما ما يغذي المستبد الشعوبي فكرة تأليه الشخص. يستمر شافيز في التحدي قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى عام 2012 بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) وشهدت حضورا كبيرا للمعارضة. ويملك شافيز سببا وجيها لما يفعله، حيث تظل المعارضة منقسمة وتم استغلال النظام منذ فترة للسماح لشافيز بالاحتفاظ بالسلطة بصورة قانونية.
في الحقيقة، بنهاية عام 2010، مرر الكونغرس الذي يسيطر عليه شافيز مجموعة من القرارات التي تمنح الحاكم سلطات واسعة ليحكم من خلال المراسيم، تحت ستار تدفق المساعدات إلى المناطق المتضررة من الفيضانات التي حدثت في وقت سابق. واستغرق شافيز أقل من شهر قبل أن يشير إلى رغبته في التخلي عن تلك السلطات الإضافية، لتهدئة المعارضين الذين اتهموه بأنه لجأ إلى إجراءات دكتاتورية.
تستحق فكرة ما إذا كان شافيز راغبا في اللجوء إلى مثل تلك الأساليب لقمع المعارضين النقاش. لقد ضمن بالفعل النفوذ الضروري ليضمن إحكام سلطته بعد عام 2012، سواء كانت بسبل شرعية أو غير ذلك.
ولكن الأكثر أهمية هو أن القمع العنيف لن يظل خيارا صالحا لشافيز، وهو الدرس الذي تعلمه من أحمدي نجاد بعد انتخابات عام 2009 في إيران. وأمام خضوع المحاكم والنظام الانتخابي والقوات المسلحة للسيطرة الصارمة، من الممكن أن يكون العنف مقبولا لغالبية السكان الراغبين في التضحية بالحرية في معركة ضد ما يعتبرونه عدوا أجنبيا.
مشاعر الاضطهاد
تفيد المشاعر المناهضة لأميركا في تقديم كبش فداء، ولكن في حالة شافيز وأحمدي نجاد أصبحت تلك المشاعر راسخة في شعور مبرر بالاضطهاد. أيا كانت النيات الأميركية، في الحقيقة، إيران هي المحاطة عسكريا بالقوات الأميركية، ومن الممكن أن يكون شافيز كذلك في وقت قريب، وكلاهما هدف لسياسات تغيير نظام صارخة. ويترجم ذلك إلى دفاع مستميت عن ثورتيهما.
تخضع إيران للحصار منذ عقود، ولكن تقلصت مساحتها في التنفس بعد حربي العراق وأفغانستان وبرنامجها النووي الناشئ. أما بالنسبة لفنزويلا، فإن الموقف جديد نسبيا. حتى الآن، تحرص السياسة الأميركية على اعتبار شافيز مهرجا مبهجا، ولكن يثير تعزيزه العسكري – على الرغم من صغره مقارنة بالترسانة الأميركية – القلق، وكذلك علاقاته الخطرة.
كانت هناك صفقة رفضتها المحاكم الكولومبية في العام الماضي ستمنح الجيش الأميركي مجالا أكبر في أميركا اللاتينية. وذكرت قوات الدفاع الأميركية، في اقتراح مسودة الميزانية المقدم للكونغرس أن الصفقة تقدم "فرصة فريدة للقيام بعمليات متنوعة في أميركا اللاتينية" لمواجهة "الدول المناهضة للولايات المتحدة". وعلى الرغم من أن هذه العبارة حذفت من النسخة النهائية، فإن شافيز سريعا ما انتهز هذا الادعاء كدليل على أن الولايات المتحدة تستهدفه.
يعلم شافيز أنه لا يستطيع مواجهة الولايات المتحدة عسكريا، وهو سبب تدخل أحمدي نجاد. ربما تكون إيران قد طورت خبرات هائلة في الحرب غير المتماثلة وكانت في حالة مستمرة من الاستعداد للحرب في مواجهة التفوق العسكري الأميركي.
ومن جانبه، يسلح شافيز ميليشيات مدنية ويدربها لتكون خط الدفاع الأول لديه، في انعكاس للأساليب التي واجهتها القوات الأميركية في العراق على يد الميليشيات التي تلقت تدريبها وحصلت على السلاح من إيران. ويحتفظ شافيز أيضا بعلاقات جيدة مع العصابات الكولومبية التي يمكنها أن تقوم بدور الوكيل في إحباط أي هجوم أميركي أو كولومبي. ويُعتقد أن شافيز يأوي عملاء استخبارات من حزب الله وإيران. ولا يوجد شك في أنه سيستعرض وسائل الردع التي يملكها لتذكير الولايات المتحدة بأنه قادر على تسهيل التهديدات الأمنية التي تستهدف المصالح الأميركية.
وإذا فشل هذا الأسلوب، سيكون آخر سلاح يستخدمة شافيز، والذي لن يلجأ إليه إلا إذا توقف عليه بقاؤه، هو أن يلعب بورقة الطاقة، حتى لو كانت ستضره. وكما قد تحاول إيران غلق مضيق هرمز، يمكن أن توقف فنزويلا صادراتها، بل وأيضا أن تستهدف أسواق الطاقة العالمية.
وعلى الرغم من انخفاض واردات أميركا من النفط ومشتقاته القادمة من فنزويلا بما يتماشى مع الطلب، فإنها ما زالت تمثل حوالي 10 في المائة من الواردات، أو حوالي 1.1 مليون برميل يوميا. وتملك فنزويلا أيضا "سيتغو" ثالث أكبر شركة تكرير في الولايات المتحدة. وتساهم كولومبيا، التي سيستهدفها على الفور وكلاء فنزويلا في حالة اشتعال صراع، بحوالي 3 في المائة أخرى، ولكن من المتوقع أن يرتفع حجم شحناتها إلى الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، أي صراع مع فنزويلا قد يُعقد على الأقل من عمليات التوصيل من البرازيل والإكوادور، وهما معا تشكلان حوالي 5 في المائة من الواردات الأميركية.
الطاقة هي أفضل سلاح في يد شافيز، وكذلك إيران. إنها ترفع تكلفة تغيير النظام، وهي حيلة قوية في هذه المرحلة التي يعاني فيها تعافي الاقتصاد العالمي من الضعف، في الوقت الذي تنغمس فيه الولايات المتحدة بالفعل في حربي أفغانستان والعراق.
ومن غير المرجح أن يذهب شافيز إلى المخاطرة بفرض عقوبات أميركية عليه. في الواقع، حتى برنامجه للطاقة النووية غير مقنع. ستستغرق فنزويلا على الأقل 15 عاما للتطوير وسيكون التخصيب مستحيلا. ولكن التهديد بالطاقة النووية، كما تعلمت كركاس من طهران، ذو تأثير كبير مثل السلاح ذاته.
أفضل خيار الآن هو تدمير محور إيران وفنزويلا لعرقلة خيارات طهران. ويبدو أن الرئيس باراك أوباما يفعل ذلك تحديدا. وقال في أكتوبر (تشرين الأول): "ليست لدينا حوافز أو مصالح في زيادة الشقاق بين فنزويلا والولايات المتحدة"، ولكن من الممكن أن يغير مجلس النواب الذي يسوده الجمهوريون من ذلك.
يعلم كل من أحمدي نجاد وشافيز هذا جيدا، ولذلك مواجهة شافيز ستأتي بنتائج عكسية للولايات المتحدة. إنها مجرد ذخيرة له. ومن أجل إيقاف إيران، يجب على الولايات المتحدة استمالة شافيز، وليس مواجهته.
*أندريس كالا - صحافي حر مقيم في مدريد. ويساهم بمقالاته بانتظام في العديد من الإصدارات ومنها مجلة "التايم" و"نيويورك تايمز" و"ذا كريستيان ساينس مونيتور".