مطلوب رئيس للجمهوريه
مرسل: الأحد مايو 29, 2011 11:40 pm
لاول مرة، منذ ان قرر مرشد النظام الإيراني آية الله علي خامنئي اعتماد خيار وصول محمود احمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية على حساب شخصيات اكثر تأثيرا وشعبية ودورا في تاريخ الثورة، تخرج ازمة الثقة بين المرشد والرئيس إلى العلن. وعلى الرغم من الاثمان الباهظة التي اضطر مرشد النظام لتقديمها دفاعا عن اختياره لاحمدي نجاد، فان الاخير راوده شعور بان وصوله إلى سدة الرئاسة غير مدين فيه لاي طرف حتى لمرشد النظام والمؤسسة العسكرية والامنية التي دعمت هذا الخيار.
التباين بين رؤية المرشد في اختيار احمدي نجاد لرئاسة الجمهورية وبين رؤية الاخير لدوره وموقعه واهمتيه لدى مؤسسة القيادة وولاية الفقيه بدأ مبكرا. وصلت حدة المواجهة بين مرشد النظام مع زملاء في الثورة والدولة ورفاق السلاح دفاعا عن خياره، حدا انه فضل التضحية بكل هؤلاء من اجل تقديم برهان على صحة رؤيته في ما يتعلق بمستقبل إيران السياسي بعد مرحلة عرفت بمرحلة الاصلاحات واستمرت لثماني سنوات مع الرئيس السابق محمد خاتمي.
ولم تقف الاثمان التي قدمها خامنئي عند حد اخراج خاتمي ومعه مهدي كروبي ومير حسين موسوي من دائرة الاوفياء للثورة وولاية الفقيه، بل اضطر إلى التخلي عن الرفيق الاقرب في كل مراحل النضال الثوري أي الشيخ علي اكبر هاشمي رفسنجاني، وقد سمح لاحمدي نجاد بالنيل منه ومحاصرته وتجريده من كل ما يملك من تاريخ في بناء الدولة والثورة في احلك المراحل.
وقد سمح خامنئي بالحاق الهزيمة السياسية باشخاص يتمتعون بمصداقية سياسية وثورية اكبر من احمدي نجاد منذ الجولة الانتخابية الاولى عام 2005، عندما سخر ووظف كل طاقات المؤسستين العسكرية والامنية لتحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية لاحمدي نجاد على حساب رفسنجاني وعلي لاريجاني (الذي حصل على جائزة ترضية بان تولى منصب سكرتير المجلس الاعلى للامن القومي، الا ان احمدي نجاد لم يستطع التعايش مع شخص لا يدين بالولاء له مباشرة ويتجاوزه في العلاقة مع مرشد النظام) وكذلك على حساب محمد باقر قاليباف (الذي حصل ايضا على جائزة ترضية بتعيينه رئيسا لبلدية طهران بعد ان كان يشغل منصب القائد العام لقوات الامنين العام والداخلي وقبلها كان قائدا لقوات سلاح الجو في حرس الثورة الاسلامية)، وايضا على حساب القائد الاسبق لحرس الثورة محسن رضائي .
وقد اضطر خامنئي لمواجهة اعتراضات الشارع الإيراني عام 2009 عندما اصر على اعادة انتخاب احمدي نجاد لدورة رئاسية ثانية على حساب مرشح الاصلاح مير حسين موسوي وما رافقها من ازمات واضطرابات كادت تودي بالنظام ومؤسساته.
ومع تفاقم الاخطاء التي ارتكبها ويرتكبها احمدي نجاد في ادارة الدولة ومؤسساتها، حاول المرشد الترميم قدر الامكان، الا ان اتساع الفتق على الراتق لم يترك لخامنئي مناصا من التدخل مباشرة لاصلاح بعض الامور والحد من الاثار السلبية لبعض القرارات.
التسريبات الاخيرة التي تحدثت عن قيام احمدي نجاد بتقديم استقالته إلى مرشد النظام اعتراضا على قرار الاخير رفض استقالة وزير الاستخبارات واعادته إلى منصبه قد تكون مجافية للصحة بشكل كامل، الا انها تكشف عن وجود ازمة غير بسيطة داخل المؤسسة الحاكمة في إيران.
وتكشف المعلومات في هذه النقطة ان احمدي نجاد وفي اللقاء الاخير الذي جرى بينه وبين مرشد النظام قبل ايام، اعرب عن استيائه من قرار خامنئي المتعلق بوزير الاستخبارات، واكد رفضه لعودة مصلحي إلى منصبه.
وتضيف المعلومات ان احمدي نجاد وضع شرطا لاستمراره في موقعه كرئيس للجمهورية، وهو ان يضمن مرشد النظام مشروع تولي اسفنديار رحيم مشائي منصب الرئاسة بعد احمدي نجاد، والا فانه –أي احمدي نجاد – سيتقدم باستقالته.
واضافت هذه المعلومات ان احمدي نجاد وفي خطوة تصعيدية بهدف الضغط على مرشد النظام قرر الاعتكاف في منزله وعدم المشاركة في جلسات الحكومة وحتى الغاء الزيارة المقررة للحكومة إلى محافظة "قم" في اطار الجولات الدورية التي يقوم بها على المحافظات.
ورجحت هذه المعلومات ان يكون مرشد النظام امام واحد من خيارين، اما ان يوعز إلى وزير الاستخبارات بالاعتذار عن قبول قرار مرشد النظام اعادته إلى منصبه واصراره على الاستقالة بدل الاقالة. وهو خيار صعب، ويعني خضوع مرشد النظام لتهديد وضغوط احمدي نجاد.
واما ان تذهب الامور إلى اعتماد خيار طالما حاول المرشد قطع الطريق عليه، وان يفتح الطريق امام طرح قديم تقدم به عدد من النواب في البرلمان الإيراني لمناقشة اهلية الرئيس في ادارة البلاد، ما يعني نزع الثقة عنه وعزله من منصبه والاعلان عن انتخابات مبكرة.
الخيار الآخر ان يقوم احمدي نجاد نفسه بخطوة تقديم استقالته وعدم اجبار النظام على اتخاذ خطوة قد تكون صعبة عليه، لكنها ستكون سلبية على مستقبل احمدي نجاد السياسي.
من هنا تضيف المعلومات ان دوائر القرار في مكتب مرشد النظام ومؤسسة حرس الثورة الاسلامية بدأت بالتفتيش عن بدائل لاحمدي نجاد في حال وصلت الامور إلى عزله او استقالته. ومع امكانية ان يقوم وزير الخارجية المقال منوشهر متكي بترشيح نفسه في أي انتخابات مبكرة او عادية كتعويض عن الاهانة التي لحقت به جراء تحريض مشائي ضده. فان حديثا يجري عن امكانية ان يكون رئيس البلدية محمد باقر قاليباف الشخصية البديلة عن احمدي نجاد، خصوصا وان رئيس البرلمان علي لاريجاني يتولى حملة الترويج والتسويق له، اضافة إلى تجربته الناجحة والرضا العام عن ادائه في رئاسة بلدية طهران على العكس من احمدي نجاد عندما كان يتولى هذا المنصب.
وتعتقد بعض الاوساط ان حظوظ قاليباف قد تكون الاوفر، خصوصا وان مرشد النظام ولايام معدودة قبيل انتخابات عام 2005 كان من الداعمين للحملة الانتخابية لقاليباف، إلى حد ان نجله "مجتبى خامنئي" كان من اكثر المتحمسين لقاليباف وقد ساهم إلى حد كبير في ادارة حملته الانتخابية وشوهد اكثر من مرة حاضرا في مركز قاليباف الانتخابي حتى قبل ثلاثة ايام من موعد اجراء عمليات الاقتراع التي اصبح بنتيجتها احمدي نجاد رئيسا على حساب الاخرين.
الخطر الداهم
لكن، ماذا تعني الازمة بين مرشد النظام الإيراني آية الله علي خامنئي ورئيس الجمهورية محمود احمدي نجاد ؟ وهل يمكن القول انها وليدة اللحظة او انها جاءت فقط على خلفية قرار احمدي نجاد اقالة وزير الاستخبارات في حكومته حيدر مصلحي؟
العارفون بخبايا وكواليس القرار الإيراني يعتقدون حد الجزم ان المسألة او الازمة لا تقف عند حدود اعتكاف احمدي نجاد عن مزاولة مهماته في الحكومة ورئاسة الجمهورية كردة فعل على قرار المرشد، الذي يصطلح عليه بـ"حكم حكومتي" الذي يقع في نطاق صلاحيات ولي الفقيه، بتعطيل قرار الرئيس باقالة الوزير واعادته إلى منصبه، بل يعيدون الازمة إلى خلاف نشب بين الرئيس ووزيره على خلفية جلسة عقدت في وزارة الاستخبارات بدعوة ومشاركة الوزير كل اركان الوزارة لبحث التهديدات الداخلية والخارجية التي تتعرض لها إيران وجمهوريتها الاسلامية.
وقد كان من الممكن ان تمر هذه الجلسة التي عقدت قبل نحو خمسة اشهر مرور الكرام على غرار جلسات دورية تعقدها الوزارة، الا ان موضوع البحث والخلاصات التي خرجت بها الجلسة كانت من الخطورة بمكان على الرئيس احمدي نجاد وفريق عمله ما اجبره على اتخاذ اجراءات وردة فعل فورية ضد بعض المشاركين فيها.
فبعد نصف ساعة على انتهاء تلك الجلسة، تفاجأ الوزير حيدر مصلحي بقرار من رئاسة الجمهورية ومن دون مقدمات يطلب فيه اقالة نائبه في الوزارة تحت طائلة المسؤولية، فما كان من الوزير الا ان استجاب لطلب رئيسه، ناقلا مجريات هذا التطور إلى مكتب المرشد الذي طلب منه تنفيذ القرار الرئاسي والانتظار.
ويقول العارفون بالامر، ان الجلسة التي عقدت في مقر وزارة الاستخبارات بمشاركة اركان الوزارة ورؤساء الوحدات الامنية بدعوة من الوزير، شهدت مداخلة من نائبه تحدث فيها عن التهديدات الداخلية والخارجية التي تواجه إيران والنظام الاسلامي.
واعتبر نائب الوزير في مداخلته ان إيران تواجه خطرا كبيرا لم يسبق ان كانت في مواجهة مثله على المستويين الداخلي والخارجي سوى في عهد الرئيس الاسبق للجمهورية ابو الحسن بني صدر، وبات لزاما على الاجهزة المعنية التحرك لوضع حد لتدهور الامور والتصدي للخطر الجديد الكامن للجمهورية داخل مؤسساتها.
ومن المعروف ان القيادة السياسية والامنية والاستخباراتية للجمهورية في ذلك الوقت وجدت في شخص بني صدر خطرا على استمرار وبقاء النظام، فهو من ناحية على علاقة جيدة بالقوى الاستعمارية المعادية لايران في الخارج ويعمل على اضعاف موقف إيران الدولي في مرحلة كانت تخوض فيها حربا ضد النظام العراقي . اما في الداخل فقد كان طرفا في صراع مكشوف مع المؤسسة الدينية وعلى علاقة مع قوى المعارضة التي تعمل على قلب النظام في الداخل خصوصا جماعة "مجاهدي خلق" بقيادة مسعود رجوي.
وقد وصلت القيادة الامنية في تلك المرحلة إلى قرار بضرورة ازاحة بني صدر عن رئاسة الجمهورية وملاحقته بتهمة الخيانة العظمى. فصدرت الاوامر إلى مجلس النواب لطرح الثقة بالرئيس ودراسة اهليته للاستمرار في موقع الرئاسة وانتهت المداولات البرلمانية إلى قرار نزع الثقة عنه والطلب بملاحقته بجريمة الخيانة والعمالة.
خرج بني صدر من إيران متخفيا برفقة مسعود رجوي "بثياب امرأة" وذهب إلى العاصمة الفرنسية باريس ليقود معارضة ضد النظام لم تكن ذا اثر كبير.
اما الخطر الجديد الذي تواجهه الجمهورية الاسلامية من داخل مؤسساتها فتمثل بشخص مدير مكتب رئيس الجمهورية ومبعوثه الخاص لشؤون الشرق الاوسط "اسفنديار رحيم مشائي"، وان على الاجهزة المعنية التحرك بسرعة لقطع الطريق على تفاقم الامور والحد من الاثار السلبية لوجود هذا الشخص في اهم مفاصل الدولة والنظام.
اما الاسباب الموجبة لمثل هذه الرؤية الامنية السياسية فتتمثل بعدد من النقاط التي تؤخذ على مشائي، لعل اهمها هو:
1– مواقفه المعلنة تجاه اسرائيل، خصوصا تلك التي تحدث فيها عن الصداقة بين الشعب الإيراني والشعب الاسرائيلي، وهو موقف يتعارض مع الموقف الاستراتيجي للنظام الإيراني الذي لا يعترف بوجود اسرائيل ويدعو إلى تحرير فلسطين او تطبيق الرؤية التي تقدم بها مرشد النظام الداعية إلى اجراء استفتاء عام داخل فلسطين بمشاركة السكان الاصليين من مسلمين ومسيحيين ويهود حول شكل النظام والدولة التي يريدون. فان كانت نتيجة الاستفتاء لصالح اليهود فان الجميع سوف يعترف بهذه النتيجة ويقبل بها.
2– حديثه عن المذهب الإيراني في الاسلام، واعتبر فيه ان الايرانيين ليسوا شيعة او سنة، بل انتجوا مفهومهم الخاص من الاسلام، لذلك لا يمكن الحديث عن مذهب شيعي او مذهب سني للدولة الايرانية، بل مذهب ايراني انتجه الايرانيون في الاسلام. الامر الذي اثار المؤسسة الدينية التي طالبت مشائي العودة عن هذا الكلام او الاعتذار عنه لانه يمس بالهوية الدينية والوطنية للنظام الاسلامي وجمهوريته. ولم تقف موجة الاحتجاج عند المؤسسة الدينية او الحوزة الدينية في قم، بل تعدتها لتصل إلى المؤسسات السياسية كالبرلمان، ومؤسسة حرس الثورة الاسلامية التي اعتبرت على لسان ممثل ولي الفقيه في الحرس علي سعيدي ان حديث مشائي يمثل انحرافا خطيرا في المفاهيم الدينية ويجب التصدي له.
3– تصدره لاتجاه داخل مؤسسة الرئاسة يتبنى سياسة تقديم تنازلات للولايات المتحدة الاميركية وعقد صفقة اقليمية معها تضمن لايران موقعا متقدما في منطقة الشرق الاوسط، وقد قام بفتح قنوات اتصال مباشرة مع الادارة الاميركية والرئاسة الفرنسية من دون عمل او وضع مرشد النظام بتفاصيل هذه الاتصالات، واصراره مع احمدي نجاد على الاحتفاظ بتفاصيل المباحثات ومحاولة استثمارها في مخطط وصوله إلى رئاسة الجمهورية.
4– يعتبر الشخص الاول المؤثر على قرار رئيس الجمهورية، إلى درجة دفعت باحمدي نجاد إلى اقالة وزير خارجيته منوشهر متكي من منصبه خلال مهمة رسمية إلى دولة السنغال، الامر الذي اجبر مرشد النظام على تهدئة متكي ومنعه القيام باي خطوة غير مدروسة لرد الاعتبار او الرد مباشرة على تصرف رئيس الجمهورية. وقد اتت خطوة اقالة متكي في اطار تعزيز صلاحيات مشائي كمبعوث خاص لرئيس الجمهورية لشؤون الشرق الاوسط، اضافة إلى وضع حد لنفوذ التيار المحافظ التقليدي داخل ادارته.
5- تهم الفساد التي تحيط بمشائي والعاملين معه، خصوصا العلاقة غير الواضحة التي تربط بينه وبين النائب الاول لرئيس الجمهورية محمد رضا رحيمي المثقل باتهامات الفساد المالي وتزوير درجته العملية الاكاديمية، وكذلك مع حميد بقائي الذي تدور حوله الكثير من شبهات الفساد المالي والاخلاقي، والذي اختاره مشائي ليكون بداية بديلا عنه في منصب نائب الرئيس ورئيس مؤسسة التراث والسياحة ولاحقا حول له منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية استعدادا لبدء التحضيرات لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة وخلافة احمدي نجاد.
6– التأثير الكبير الذي يمكله مشائي على رئيس الجمهورية وتوجيه كل القرارات والسياسات التي يقوم بها داخل مؤسسات الحكومة والدولة.
وقد خلص نائب وزير الاستخبارات إلى نتيجة ان مثل هذا الشخص وما يملكه من تأثيرات على مؤسسة الرئاسة يمثل خطرا داخليا على استمرار النظام الاسلامي . وان هذا الخطر يلتقي مع خطر خارجي تواجهه إيران ويتمثل بالضغوط الدولية التي تمارس عليها إلى جانب قرارات مجلس الامن، وعليه فان على قيادة النظام اتخاذ خطوة تنفيذية لابعاد مشائي عن موقع القرار ومحاكمته.
لم تلبث اخبار الجلسة ان وصلت إلى مكتب رئيس الجمهورية، حتى عمد مباشرة وخلال نصف ساعة على اصدار قرار رئاسي يطلب من وزير الاستخبارات اقالة نائبه في الوزارة ومعاقبة كل من وافقه الرأي على الرؤية التي قدمها حول دور وموقع مشائي في السلطة والنظام.
وقد شكلت هذه الحادثة بداية الافتراق بين رئيس الجمهورية ووزير الاستخبارات في حكومته، وهي تدلل على حدة الجدل الذي بدأ يدور داخل مؤسسات النظام الإيراني حول اهلية وقدرة احمدي نجاد على الاستمرار في موقع رئاسة الجمهورية وضرورة اللجوء إلى خطوة دراماتيكية تبعد خطر او شبح انتكاسة قاسية قد يواجهها النظام جراء استمرار السياسات والتصرفات التي يقوم بها احمدي نجاد وفريقه.
*بقلم حسن فحص
التباين بين رؤية المرشد في اختيار احمدي نجاد لرئاسة الجمهورية وبين رؤية الاخير لدوره وموقعه واهمتيه لدى مؤسسة القيادة وولاية الفقيه بدأ مبكرا. وصلت حدة المواجهة بين مرشد النظام مع زملاء في الثورة والدولة ورفاق السلاح دفاعا عن خياره، حدا انه فضل التضحية بكل هؤلاء من اجل تقديم برهان على صحة رؤيته في ما يتعلق بمستقبل إيران السياسي بعد مرحلة عرفت بمرحلة الاصلاحات واستمرت لثماني سنوات مع الرئيس السابق محمد خاتمي.
ولم تقف الاثمان التي قدمها خامنئي عند حد اخراج خاتمي ومعه مهدي كروبي ومير حسين موسوي من دائرة الاوفياء للثورة وولاية الفقيه، بل اضطر إلى التخلي عن الرفيق الاقرب في كل مراحل النضال الثوري أي الشيخ علي اكبر هاشمي رفسنجاني، وقد سمح لاحمدي نجاد بالنيل منه ومحاصرته وتجريده من كل ما يملك من تاريخ في بناء الدولة والثورة في احلك المراحل.
وقد سمح خامنئي بالحاق الهزيمة السياسية باشخاص يتمتعون بمصداقية سياسية وثورية اكبر من احمدي نجاد منذ الجولة الانتخابية الاولى عام 2005، عندما سخر ووظف كل طاقات المؤسستين العسكرية والامنية لتحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية لاحمدي نجاد على حساب رفسنجاني وعلي لاريجاني (الذي حصل على جائزة ترضية بان تولى منصب سكرتير المجلس الاعلى للامن القومي، الا ان احمدي نجاد لم يستطع التعايش مع شخص لا يدين بالولاء له مباشرة ويتجاوزه في العلاقة مع مرشد النظام) وكذلك على حساب محمد باقر قاليباف (الذي حصل ايضا على جائزة ترضية بتعيينه رئيسا لبلدية طهران بعد ان كان يشغل منصب القائد العام لقوات الامنين العام والداخلي وقبلها كان قائدا لقوات سلاح الجو في حرس الثورة الاسلامية)، وايضا على حساب القائد الاسبق لحرس الثورة محسن رضائي .
وقد اضطر خامنئي لمواجهة اعتراضات الشارع الإيراني عام 2009 عندما اصر على اعادة انتخاب احمدي نجاد لدورة رئاسية ثانية على حساب مرشح الاصلاح مير حسين موسوي وما رافقها من ازمات واضطرابات كادت تودي بالنظام ومؤسساته.
ومع تفاقم الاخطاء التي ارتكبها ويرتكبها احمدي نجاد في ادارة الدولة ومؤسساتها، حاول المرشد الترميم قدر الامكان، الا ان اتساع الفتق على الراتق لم يترك لخامنئي مناصا من التدخل مباشرة لاصلاح بعض الامور والحد من الاثار السلبية لبعض القرارات.
التسريبات الاخيرة التي تحدثت عن قيام احمدي نجاد بتقديم استقالته إلى مرشد النظام اعتراضا على قرار الاخير رفض استقالة وزير الاستخبارات واعادته إلى منصبه قد تكون مجافية للصحة بشكل كامل، الا انها تكشف عن وجود ازمة غير بسيطة داخل المؤسسة الحاكمة في إيران.
وتكشف المعلومات في هذه النقطة ان احمدي نجاد وفي اللقاء الاخير الذي جرى بينه وبين مرشد النظام قبل ايام، اعرب عن استيائه من قرار خامنئي المتعلق بوزير الاستخبارات، واكد رفضه لعودة مصلحي إلى منصبه.
وتضيف المعلومات ان احمدي نجاد وضع شرطا لاستمراره في موقعه كرئيس للجمهورية، وهو ان يضمن مرشد النظام مشروع تولي اسفنديار رحيم مشائي منصب الرئاسة بعد احمدي نجاد، والا فانه –أي احمدي نجاد – سيتقدم باستقالته.
واضافت هذه المعلومات ان احمدي نجاد وفي خطوة تصعيدية بهدف الضغط على مرشد النظام قرر الاعتكاف في منزله وعدم المشاركة في جلسات الحكومة وحتى الغاء الزيارة المقررة للحكومة إلى محافظة "قم" في اطار الجولات الدورية التي يقوم بها على المحافظات.
ورجحت هذه المعلومات ان يكون مرشد النظام امام واحد من خيارين، اما ان يوعز إلى وزير الاستخبارات بالاعتذار عن قبول قرار مرشد النظام اعادته إلى منصبه واصراره على الاستقالة بدل الاقالة. وهو خيار صعب، ويعني خضوع مرشد النظام لتهديد وضغوط احمدي نجاد.
واما ان تذهب الامور إلى اعتماد خيار طالما حاول المرشد قطع الطريق عليه، وان يفتح الطريق امام طرح قديم تقدم به عدد من النواب في البرلمان الإيراني لمناقشة اهلية الرئيس في ادارة البلاد، ما يعني نزع الثقة عنه وعزله من منصبه والاعلان عن انتخابات مبكرة.
الخيار الآخر ان يقوم احمدي نجاد نفسه بخطوة تقديم استقالته وعدم اجبار النظام على اتخاذ خطوة قد تكون صعبة عليه، لكنها ستكون سلبية على مستقبل احمدي نجاد السياسي.
من هنا تضيف المعلومات ان دوائر القرار في مكتب مرشد النظام ومؤسسة حرس الثورة الاسلامية بدأت بالتفتيش عن بدائل لاحمدي نجاد في حال وصلت الامور إلى عزله او استقالته. ومع امكانية ان يقوم وزير الخارجية المقال منوشهر متكي بترشيح نفسه في أي انتخابات مبكرة او عادية كتعويض عن الاهانة التي لحقت به جراء تحريض مشائي ضده. فان حديثا يجري عن امكانية ان يكون رئيس البلدية محمد باقر قاليباف الشخصية البديلة عن احمدي نجاد، خصوصا وان رئيس البرلمان علي لاريجاني يتولى حملة الترويج والتسويق له، اضافة إلى تجربته الناجحة والرضا العام عن ادائه في رئاسة بلدية طهران على العكس من احمدي نجاد عندما كان يتولى هذا المنصب.
وتعتقد بعض الاوساط ان حظوظ قاليباف قد تكون الاوفر، خصوصا وان مرشد النظام ولايام معدودة قبيل انتخابات عام 2005 كان من الداعمين للحملة الانتخابية لقاليباف، إلى حد ان نجله "مجتبى خامنئي" كان من اكثر المتحمسين لقاليباف وقد ساهم إلى حد كبير في ادارة حملته الانتخابية وشوهد اكثر من مرة حاضرا في مركز قاليباف الانتخابي حتى قبل ثلاثة ايام من موعد اجراء عمليات الاقتراع التي اصبح بنتيجتها احمدي نجاد رئيسا على حساب الاخرين.
الخطر الداهم
لكن، ماذا تعني الازمة بين مرشد النظام الإيراني آية الله علي خامنئي ورئيس الجمهورية محمود احمدي نجاد ؟ وهل يمكن القول انها وليدة اللحظة او انها جاءت فقط على خلفية قرار احمدي نجاد اقالة وزير الاستخبارات في حكومته حيدر مصلحي؟
العارفون بخبايا وكواليس القرار الإيراني يعتقدون حد الجزم ان المسألة او الازمة لا تقف عند حدود اعتكاف احمدي نجاد عن مزاولة مهماته في الحكومة ورئاسة الجمهورية كردة فعل على قرار المرشد، الذي يصطلح عليه بـ"حكم حكومتي" الذي يقع في نطاق صلاحيات ولي الفقيه، بتعطيل قرار الرئيس باقالة الوزير واعادته إلى منصبه، بل يعيدون الازمة إلى خلاف نشب بين الرئيس ووزيره على خلفية جلسة عقدت في وزارة الاستخبارات بدعوة ومشاركة الوزير كل اركان الوزارة لبحث التهديدات الداخلية والخارجية التي تتعرض لها إيران وجمهوريتها الاسلامية.
وقد كان من الممكن ان تمر هذه الجلسة التي عقدت قبل نحو خمسة اشهر مرور الكرام على غرار جلسات دورية تعقدها الوزارة، الا ان موضوع البحث والخلاصات التي خرجت بها الجلسة كانت من الخطورة بمكان على الرئيس احمدي نجاد وفريق عمله ما اجبره على اتخاذ اجراءات وردة فعل فورية ضد بعض المشاركين فيها.
فبعد نصف ساعة على انتهاء تلك الجلسة، تفاجأ الوزير حيدر مصلحي بقرار من رئاسة الجمهورية ومن دون مقدمات يطلب فيه اقالة نائبه في الوزارة تحت طائلة المسؤولية، فما كان من الوزير الا ان استجاب لطلب رئيسه، ناقلا مجريات هذا التطور إلى مكتب المرشد الذي طلب منه تنفيذ القرار الرئاسي والانتظار.
ويقول العارفون بالامر، ان الجلسة التي عقدت في مقر وزارة الاستخبارات بمشاركة اركان الوزارة ورؤساء الوحدات الامنية بدعوة من الوزير، شهدت مداخلة من نائبه تحدث فيها عن التهديدات الداخلية والخارجية التي تواجه إيران والنظام الاسلامي.
واعتبر نائب الوزير في مداخلته ان إيران تواجه خطرا كبيرا لم يسبق ان كانت في مواجهة مثله على المستويين الداخلي والخارجي سوى في عهد الرئيس الاسبق للجمهورية ابو الحسن بني صدر، وبات لزاما على الاجهزة المعنية التحرك لوضع حد لتدهور الامور والتصدي للخطر الجديد الكامن للجمهورية داخل مؤسساتها.
ومن المعروف ان القيادة السياسية والامنية والاستخباراتية للجمهورية في ذلك الوقت وجدت في شخص بني صدر خطرا على استمرار وبقاء النظام، فهو من ناحية على علاقة جيدة بالقوى الاستعمارية المعادية لايران في الخارج ويعمل على اضعاف موقف إيران الدولي في مرحلة كانت تخوض فيها حربا ضد النظام العراقي . اما في الداخل فقد كان طرفا في صراع مكشوف مع المؤسسة الدينية وعلى علاقة مع قوى المعارضة التي تعمل على قلب النظام في الداخل خصوصا جماعة "مجاهدي خلق" بقيادة مسعود رجوي.
وقد وصلت القيادة الامنية في تلك المرحلة إلى قرار بضرورة ازاحة بني صدر عن رئاسة الجمهورية وملاحقته بتهمة الخيانة العظمى. فصدرت الاوامر إلى مجلس النواب لطرح الثقة بالرئيس ودراسة اهليته للاستمرار في موقع الرئاسة وانتهت المداولات البرلمانية إلى قرار نزع الثقة عنه والطلب بملاحقته بجريمة الخيانة والعمالة.
خرج بني صدر من إيران متخفيا برفقة مسعود رجوي "بثياب امرأة" وذهب إلى العاصمة الفرنسية باريس ليقود معارضة ضد النظام لم تكن ذا اثر كبير.
اما الخطر الجديد الذي تواجهه الجمهورية الاسلامية من داخل مؤسساتها فتمثل بشخص مدير مكتب رئيس الجمهورية ومبعوثه الخاص لشؤون الشرق الاوسط "اسفنديار رحيم مشائي"، وان على الاجهزة المعنية التحرك بسرعة لقطع الطريق على تفاقم الامور والحد من الاثار السلبية لوجود هذا الشخص في اهم مفاصل الدولة والنظام.
اما الاسباب الموجبة لمثل هذه الرؤية الامنية السياسية فتتمثل بعدد من النقاط التي تؤخذ على مشائي، لعل اهمها هو:
1– مواقفه المعلنة تجاه اسرائيل، خصوصا تلك التي تحدث فيها عن الصداقة بين الشعب الإيراني والشعب الاسرائيلي، وهو موقف يتعارض مع الموقف الاستراتيجي للنظام الإيراني الذي لا يعترف بوجود اسرائيل ويدعو إلى تحرير فلسطين او تطبيق الرؤية التي تقدم بها مرشد النظام الداعية إلى اجراء استفتاء عام داخل فلسطين بمشاركة السكان الاصليين من مسلمين ومسيحيين ويهود حول شكل النظام والدولة التي يريدون. فان كانت نتيجة الاستفتاء لصالح اليهود فان الجميع سوف يعترف بهذه النتيجة ويقبل بها.
2– حديثه عن المذهب الإيراني في الاسلام، واعتبر فيه ان الايرانيين ليسوا شيعة او سنة، بل انتجوا مفهومهم الخاص من الاسلام، لذلك لا يمكن الحديث عن مذهب شيعي او مذهب سني للدولة الايرانية، بل مذهب ايراني انتجه الايرانيون في الاسلام. الامر الذي اثار المؤسسة الدينية التي طالبت مشائي العودة عن هذا الكلام او الاعتذار عنه لانه يمس بالهوية الدينية والوطنية للنظام الاسلامي وجمهوريته. ولم تقف موجة الاحتجاج عند المؤسسة الدينية او الحوزة الدينية في قم، بل تعدتها لتصل إلى المؤسسات السياسية كالبرلمان، ومؤسسة حرس الثورة الاسلامية التي اعتبرت على لسان ممثل ولي الفقيه في الحرس علي سعيدي ان حديث مشائي يمثل انحرافا خطيرا في المفاهيم الدينية ويجب التصدي له.
3– تصدره لاتجاه داخل مؤسسة الرئاسة يتبنى سياسة تقديم تنازلات للولايات المتحدة الاميركية وعقد صفقة اقليمية معها تضمن لايران موقعا متقدما في منطقة الشرق الاوسط، وقد قام بفتح قنوات اتصال مباشرة مع الادارة الاميركية والرئاسة الفرنسية من دون عمل او وضع مرشد النظام بتفاصيل هذه الاتصالات، واصراره مع احمدي نجاد على الاحتفاظ بتفاصيل المباحثات ومحاولة استثمارها في مخطط وصوله إلى رئاسة الجمهورية.
4– يعتبر الشخص الاول المؤثر على قرار رئيس الجمهورية، إلى درجة دفعت باحمدي نجاد إلى اقالة وزير خارجيته منوشهر متكي من منصبه خلال مهمة رسمية إلى دولة السنغال، الامر الذي اجبر مرشد النظام على تهدئة متكي ومنعه القيام باي خطوة غير مدروسة لرد الاعتبار او الرد مباشرة على تصرف رئيس الجمهورية. وقد اتت خطوة اقالة متكي في اطار تعزيز صلاحيات مشائي كمبعوث خاص لرئيس الجمهورية لشؤون الشرق الاوسط، اضافة إلى وضع حد لنفوذ التيار المحافظ التقليدي داخل ادارته.
5- تهم الفساد التي تحيط بمشائي والعاملين معه، خصوصا العلاقة غير الواضحة التي تربط بينه وبين النائب الاول لرئيس الجمهورية محمد رضا رحيمي المثقل باتهامات الفساد المالي وتزوير درجته العملية الاكاديمية، وكذلك مع حميد بقائي الذي تدور حوله الكثير من شبهات الفساد المالي والاخلاقي، والذي اختاره مشائي ليكون بداية بديلا عنه في منصب نائب الرئيس ورئيس مؤسسة التراث والسياحة ولاحقا حول له منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية استعدادا لبدء التحضيرات لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة وخلافة احمدي نجاد.
6– التأثير الكبير الذي يمكله مشائي على رئيس الجمهورية وتوجيه كل القرارات والسياسات التي يقوم بها داخل مؤسسات الحكومة والدولة.
وقد خلص نائب وزير الاستخبارات إلى نتيجة ان مثل هذا الشخص وما يملكه من تأثيرات على مؤسسة الرئاسة يمثل خطرا داخليا على استمرار النظام الاسلامي . وان هذا الخطر يلتقي مع خطر خارجي تواجهه إيران ويتمثل بالضغوط الدولية التي تمارس عليها إلى جانب قرارات مجلس الامن، وعليه فان على قيادة النظام اتخاذ خطوة تنفيذية لابعاد مشائي عن موقع القرار ومحاكمته.
لم تلبث اخبار الجلسة ان وصلت إلى مكتب رئيس الجمهورية، حتى عمد مباشرة وخلال نصف ساعة على اصدار قرار رئاسي يطلب من وزير الاستخبارات اقالة نائبه في الوزارة ومعاقبة كل من وافقه الرأي على الرؤية التي قدمها حول دور وموقع مشائي في السلطة والنظام.
وقد شكلت هذه الحادثة بداية الافتراق بين رئيس الجمهورية ووزير الاستخبارات في حكومته، وهي تدلل على حدة الجدل الذي بدأ يدور داخل مؤسسات النظام الإيراني حول اهلية وقدرة احمدي نجاد على الاستمرار في موقع رئاسة الجمهورية وضرورة اللجوء إلى خطوة دراماتيكية تبعد خطر او شبح انتكاسة قاسية قد يواجهها النظام جراء استمرار السياسات والتصرفات التي يقوم بها احمدي نجاد وفريقه.
*بقلم حسن فحص