- الأحد مايو 29, 2011 11:43 pm
#37505
لعب دور ليبيا المحوري كمنطقة عازلة بين أفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا دورا رئيسيا في التأييد الغربي لمعمر القذافي. والآن، ووسط الاضطرابات المستمرة، تواجه أوروبا والشرق الأوسط أزمة متنامية في ما يتعلق باللاجئين.
في السياسة ووسائل الإعلام، يميز عدد قليل من المعلقين بين المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين. وتتسم الصورة والخطاب المتعلقان بتلك القضية في غالب الأحوال بالسلبية، ويحتل أمن الحدود الأولوية في حماية الأمن العام ضد موجات المهاجرين أو حتى غزو الجموع. وعادة ما تقابل الالتماسات الإنسانية بالتشكك والعداء بدلا من التعاطف، وهناك ميل لتصوير اللاجئين ليس باعتبارهم ضحايا ولكن باعتبارهم انتهازيين.
وبعبارة أوضح، فإن المهاجر غير الشرعي هو أي شخص يهاجر من دولة ما ويحاول أن يستقر في الأخرى من دون تصريحات قانونية. وعلى النقيض، فإن اللاجئ هو أي شخص يهاجر من دولة ما بسبب خوف «ذي أساس» من الإعدام أو الموت.
ولكن هؤلاء النازحين من تونس أو مصر أو ليبيا هم مزيج غير واضح من الاثنين. وفي معظم الحالات، فإن التمييز بين الاثنين يعد ضربا من المحال. فقد أعلنت الأمم المتحدة أخيرا أن أزمة «اللاجئين» الحالية تضم ما يزيد عن 200 ألف نسمة، نسبة كبيرة منهم، في حالة ليبيا، من العمال غير الشرعيين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء الذين تحولوا إلى هدف سهل خلال الفوضى. بعضهم ما زال عالقا بالداخل، فيما غادر البعض الآخر ويحاولون بيأس الاستقرار في تونس، أو مصر، أو الجزائر، وما زال هناك البعض الآخر الذي يحاول قطع الرحلة الصعبة عبر البحر المتوسط على أمل أن يستقر في النهاية في أوروبا.
أدت الأزمة الاقتصادية في أوروبا إلى ارتفاع ملحوظ في ظاهرة ارهاب الأجانب. وقد تلقت جزيرة لمبيدوزا، وهي جزيرة ايطالية صغيرة تقع على بعد 70 ميلا من ساحل شمال أفريقيا، بالفعل، آلاف اللاجئين، غالبيتهم من تونس. وقد اشتكى عمدتها من عودة الشجارات بين المهاجرين وقوات الشرطة. وقال أخيرا: «من الصعب التعرف عليهم، فربما يكون بعضهم من المجرمين أو حتى من الإرهابيين». كما أعرب أيضا فرانكو فراتيني، وزير الخارجية الإيطالي، عن مخاوفه قائلا: «ندرك ما يمكن أن نتوقعه عندما يسقط النظام الليبي الوطني، موجات مهاجرين تتراوح أعدادهم بين 200 ألف و300 ألف مهاجر، وما زالت تلك تقديرات مبدئية، حيث يمكن أن تصبح هجرات جماعية. فهي مشكلة لا يجب على الإيطاليين الاستهانة بها».
لقد كانت العلاقة التاريخية بين الاتحاد الأوروبي والقذافي تتسم دائما بالتقلب، إلا أنها اتسمت في الفترة الأخيرة التي سبقت الانتفاضة الشعبية بالقوة نظرا لسببين أساسيين: البترول واللاجئين، حيث إن ليبيا هي ثالث أكبر موردي البترول للاتحاد الأوروبي بعد النرويج وروسيا. كما أنها مخرج استراتيجي للمهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا جنوب الصحراء الذين يحاولون الوصول إلى القارة الأوروبية.
وفي الحقيقة، كانت المخاوف بشأن اللاجئين هي السبب الرئيس الذي جعل الاتحاد الأوروبي يرفع الحظر عن تصدير السلاح لليبيا في 2004. وحديثا، في عامي 2007، و2008، وقعت كل من إيطاليا وليبيا اتفاقية للتعاون الأمني والرقابة على البحر المتوسط، وفي مقابل التعاون، تم منح القذافي 5 مليارات دولار كمساعدات.
وقد اتسمت استجابات السياسيين الأوروبيين حتى الآن لموجة الثورات في شمال أفريقيا بازدواجية المعايير. فعندما أصبح تغيير النظام وشيكا في تونس ومصر، فجأة، أصبحت الاستجابة الجماعية تبدو كما لو أن أوروبا كانت تنادي دائما بخلع بن علي ومبارك، ولكن الحقيقة هي أن القادة الأوروبيين كانوا يساندون هذين الزعيمين بفعالية منذ سنوات. ونفس الشيء حدث مع القذافي، مما دفع عددا من الدول العربية للتشكك في مدى الثقة التي يمكنهم عقدها على حلفائهم.
وكانت استجابة الاتحاد الأوروبي حتى الآن حذرة وتدريجية. في البداية جاء القرار بمنع القذافي وأفراد أسرته من السفر وتجميد الأصول المملوكة لهم. ثم حدث التحول الكبير بموافقة مجلس الأمن التابع للاتحاد الأوروبي على القيام بعمل عسكري مشترك وفرض الحظر الجوي. وقد تزامن ذلك مع إعلان نظام القذافي وقف إطلاق النار. والسؤال الأساسي الآن هو: ما الذي يمكن أن يحدث لاحقا؟
ما زالت أسواق البترول في حالة اضطراب، وما زال خطر النزوح الجماعي للاجئين قائما. وقد عقد الاتحاد الأوروبي أخيرا قمة استمرت فعالياتها يومين حول ليبيا. وعلى نحو متوقع، كان «خطر اللاجئين» هو الموضوع الرئيس للقمة. وقد أوصى بعض السياسيين الألمان بمشاركة المسؤولية من خلال توزيع اللاجئين على الدول الأعضاء كافة، ولكن سرعان ما رفض وزير الخارجية الألماني تلك المبادرة الإنسانية، وهو ما كشف، مرة أخرى عن ضعف الاتحاد الأوروبي من حيث عدم امتلاكه لسياسة واضحة في ما يتعلق باللاجئين. وفي النهاية، تم التوصل للقرارات التي تعمل على تعزيز أمن الحدود من خلال وكالة «فرونتكس» وإنشاء مكتب لقوات الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي، وبالتالي كانت الرسالة واضحة: الديمقراطية أمر طيب طالما ظل اللاجئون في الداخل.
ولكن في ظل تحرك الغرب بقوة صوب الإطاحة بالقذافي، يجب أن لا يستهان برغبته القوية في البقاء.
فعلى الرغم من أنه كان يوصف دائما بأنه قذيفة على وشك الانفجار، فإنه مقامر بارع لديه ثلاث أوراق أساسية في يديه: ليبيا دولة إسلامية، لديها بترول، وهي ضرورية من أجل وقف الهجرة إلى أوروبا، وفي أعقاب تجارب الغرب في العراق وأفغانستان، فإنه لا يستطيع تحمل كلفة التحرك السريع والقوي. حيث إن احتمالات رد الفعل السلبي قوية، كما أن الفراغ السياسي المحتمل إذا ما سقط القذافي سوف يجعل أسواق البترول تستمر في حالة الفوضى وتؤدي إلى حالات نزوح جماعية كما توقع فراتيني.
مما لا شك فيه أن من مصلحة الاتحاد الأوروبي تحقيق دولة مستقرة وآمنة في منطقة شمال أفريقيا. إلا أن المعايير المزدوجة خلقت في الماضي متاهة من دون مخرج سهل وواضح: فإلى أي مدى يمكن أن تذهب أوروبا في مساندة الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط إذا لم يكن تغيير النظام بالضرورة في مصلحتها الإقليمية؟ ولكي نجيب على ذلك السؤال المعقد، هناك مساران محتملان: المسار السياسي والمسار الأخلاقي. ولكن هناك إجابة واحدة صحيحة. فلتعزيز الإرث التاريخي لأوروبا باعتبارها مهد الديمقراطية وحقوق الإنسان، يجب على زعمائها احترام القيم العالمية أولا من خلال مساعدة شعوب شمال أفريقيا على تحقيق إرادتهم الديمقراطية وثانيا من خلال المساعدة على التعايش مع لاجئيها.
*جيسون زدياس - صحافي سياسي ومحرر دائم بالصحف والمجلات الدولية المرموقة. وهو مرشح حاليا للحصول على الدكتوراه بدراسات الهجرة الأوروبية بكلية لندن الملكية، وتركز أبحاث زدياس على سياسة إقصاء المهاجرين في ما بعد الحرب العالمية الثانية، بناء على العرق والدين في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا.
في السياسة ووسائل الإعلام، يميز عدد قليل من المعلقين بين المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين. وتتسم الصورة والخطاب المتعلقان بتلك القضية في غالب الأحوال بالسلبية، ويحتل أمن الحدود الأولوية في حماية الأمن العام ضد موجات المهاجرين أو حتى غزو الجموع. وعادة ما تقابل الالتماسات الإنسانية بالتشكك والعداء بدلا من التعاطف، وهناك ميل لتصوير اللاجئين ليس باعتبارهم ضحايا ولكن باعتبارهم انتهازيين.
وبعبارة أوضح، فإن المهاجر غير الشرعي هو أي شخص يهاجر من دولة ما ويحاول أن يستقر في الأخرى من دون تصريحات قانونية. وعلى النقيض، فإن اللاجئ هو أي شخص يهاجر من دولة ما بسبب خوف «ذي أساس» من الإعدام أو الموت.
ولكن هؤلاء النازحين من تونس أو مصر أو ليبيا هم مزيج غير واضح من الاثنين. وفي معظم الحالات، فإن التمييز بين الاثنين يعد ضربا من المحال. فقد أعلنت الأمم المتحدة أخيرا أن أزمة «اللاجئين» الحالية تضم ما يزيد عن 200 ألف نسمة، نسبة كبيرة منهم، في حالة ليبيا، من العمال غير الشرعيين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء الذين تحولوا إلى هدف سهل خلال الفوضى. بعضهم ما زال عالقا بالداخل، فيما غادر البعض الآخر ويحاولون بيأس الاستقرار في تونس، أو مصر، أو الجزائر، وما زال هناك البعض الآخر الذي يحاول قطع الرحلة الصعبة عبر البحر المتوسط على أمل أن يستقر في النهاية في أوروبا.
أدت الأزمة الاقتصادية في أوروبا إلى ارتفاع ملحوظ في ظاهرة ارهاب الأجانب. وقد تلقت جزيرة لمبيدوزا، وهي جزيرة ايطالية صغيرة تقع على بعد 70 ميلا من ساحل شمال أفريقيا، بالفعل، آلاف اللاجئين، غالبيتهم من تونس. وقد اشتكى عمدتها من عودة الشجارات بين المهاجرين وقوات الشرطة. وقال أخيرا: «من الصعب التعرف عليهم، فربما يكون بعضهم من المجرمين أو حتى من الإرهابيين». كما أعرب أيضا فرانكو فراتيني، وزير الخارجية الإيطالي، عن مخاوفه قائلا: «ندرك ما يمكن أن نتوقعه عندما يسقط النظام الليبي الوطني، موجات مهاجرين تتراوح أعدادهم بين 200 ألف و300 ألف مهاجر، وما زالت تلك تقديرات مبدئية، حيث يمكن أن تصبح هجرات جماعية. فهي مشكلة لا يجب على الإيطاليين الاستهانة بها».
لقد كانت العلاقة التاريخية بين الاتحاد الأوروبي والقذافي تتسم دائما بالتقلب، إلا أنها اتسمت في الفترة الأخيرة التي سبقت الانتفاضة الشعبية بالقوة نظرا لسببين أساسيين: البترول واللاجئين، حيث إن ليبيا هي ثالث أكبر موردي البترول للاتحاد الأوروبي بعد النرويج وروسيا. كما أنها مخرج استراتيجي للمهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا جنوب الصحراء الذين يحاولون الوصول إلى القارة الأوروبية.
وفي الحقيقة، كانت المخاوف بشأن اللاجئين هي السبب الرئيس الذي جعل الاتحاد الأوروبي يرفع الحظر عن تصدير السلاح لليبيا في 2004. وحديثا، في عامي 2007، و2008، وقعت كل من إيطاليا وليبيا اتفاقية للتعاون الأمني والرقابة على البحر المتوسط، وفي مقابل التعاون، تم منح القذافي 5 مليارات دولار كمساعدات.
وقد اتسمت استجابات السياسيين الأوروبيين حتى الآن لموجة الثورات في شمال أفريقيا بازدواجية المعايير. فعندما أصبح تغيير النظام وشيكا في تونس ومصر، فجأة، أصبحت الاستجابة الجماعية تبدو كما لو أن أوروبا كانت تنادي دائما بخلع بن علي ومبارك، ولكن الحقيقة هي أن القادة الأوروبيين كانوا يساندون هذين الزعيمين بفعالية منذ سنوات. ونفس الشيء حدث مع القذافي، مما دفع عددا من الدول العربية للتشكك في مدى الثقة التي يمكنهم عقدها على حلفائهم.
وكانت استجابة الاتحاد الأوروبي حتى الآن حذرة وتدريجية. في البداية جاء القرار بمنع القذافي وأفراد أسرته من السفر وتجميد الأصول المملوكة لهم. ثم حدث التحول الكبير بموافقة مجلس الأمن التابع للاتحاد الأوروبي على القيام بعمل عسكري مشترك وفرض الحظر الجوي. وقد تزامن ذلك مع إعلان نظام القذافي وقف إطلاق النار. والسؤال الأساسي الآن هو: ما الذي يمكن أن يحدث لاحقا؟
ما زالت أسواق البترول في حالة اضطراب، وما زال خطر النزوح الجماعي للاجئين قائما. وقد عقد الاتحاد الأوروبي أخيرا قمة استمرت فعالياتها يومين حول ليبيا. وعلى نحو متوقع، كان «خطر اللاجئين» هو الموضوع الرئيس للقمة. وقد أوصى بعض السياسيين الألمان بمشاركة المسؤولية من خلال توزيع اللاجئين على الدول الأعضاء كافة، ولكن سرعان ما رفض وزير الخارجية الألماني تلك المبادرة الإنسانية، وهو ما كشف، مرة أخرى عن ضعف الاتحاد الأوروبي من حيث عدم امتلاكه لسياسة واضحة في ما يتعلق باللاجئين. وفي النهاية، تم التوصل للقرارات التي تعمل على تعزيز أمن الحدود من خلال وكالة «فرونتكس» وإنشاء مكتب لقوات الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي، وبالتالي كانت الرسالة واضحة: الديمقراطية أمر طيب طالما ظل اللاجئون في الداخل.
ولكن في ظل تحرك الغرب بقوة صوب الإطاحة بالقذافي، يجب أن لا يستهان برغبته القوية في البقاء.
فعلى الرغم من أنه كان يوصف دائما بأنه قذيفة على وشك الانفجار، فإنه مقامر بارع لديه ثلاث أوراق أساسية في يديه: ليبيا دولة إسلامية، لديها بترول، وهي ضرورية من أجل وقف الهجرة إلى أوروبا، وفي أعقاب تجارب الغرب في العراق وأفغانستان، فإنه لا يستطيع تحمل كلفة التحرك السريع والقوي. حيث إن احتمالات رد الفعل السلبي قوية، كما أن الفراغ السياسي المحتمل إذا ما سقط القذافي سوف يجعل أسواق البترول تستمر في حالة الفوضى وتؤدي إلى حالات نزوح جماعية كما توقع فراتيني.
مما لا شك فيه أن من مصلحة الاتحاد الأوروبي تحقيق دولة مستقرة وآمنة في منطقة شمال أفريقيا. إلا أن المعايير المزدوجة خلقت في الماضي متاهة من دون مخرج سهل وواضح: فإلى أي مدى يمكن أن تذهب أوروبا في مساندة الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط إذا لم يكن تغيير النظام بالضرورة في مصلحتها الإقليمية؟ ولكي نجيب على ذلك السؤال المعقد، هناك مساران محتملان: المسار السياسي والمسار الأخلاقي. ولكن هناك إجابة واحدة صحيحة. فلتعزيز الإرث التاريخي لأوروبا باعتبارها مهد الديمقراطية وحقوق الإنسان، يجب على زعمائها احترام القيم العالمية أولا من خلال مساعدة شعوب شمال أفريقيا على تحقيق إرادتهم الديمقراطية وثانيا من خلال المساعدة على التعايش مع لاجئيها.
*جيسون زدياس - صحافي سياسي ومحرر دائم بالصحف والمجلات الدولية المرموقة. وهو مرشح حاليا للحصول على الدكتوراه بدراسات الهجرة الأوروبية بكلية لندن الملكية، وتركز أبحاث زدياس على سياسة إقصاء المهاجرين في ما بعد الحرب العالمية الثانية، بناء على العرق والدين في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا.