صفحة 1 من 1

حول التصعيد الأخير بين دول الخليج وإيران -مقال (5)

مرسل: الاثنين مايو 30, 2011 12:19 am
بواسطة سند الشيباني (9)
حول التصعيد الأخير بين دول الخليج وإيران -مقال (5) ق. ياسر الزعترة





كثيرة هي محطات التصعيد في تاريخ العلاقة بين دول الخليج وإيران منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وقليلة هي لحظات الود والصفاء بين الطرفين، لاسيما أن مصلحة الولايات المتحدة ما زالت تكمن في استمرار لغة التصعيد والشكوك المتبادلة بين الطرفين.



وقد منحتنا وثائق ويكيليكس أدلة على ما كنا نعرفه بالتحليل ممثلا في أن اللقاءات الودية بين مسؤولي الطرفين لم تكن سوى مجاملات عابرة، وأن معظم دول الخليج كانت تحرّض واشنطن على ضرب إيران عسكريا.
مثل هذا التصعيد المتبادل يدرّ على الولايات المتحدة صفقات سلاح بعشرات المليارات سنويا، كما يدرّ عليها علاقة متميزة مع دول الخليج لها قيمتها من الناحية السياسية والاقتصادية، وهي علاقة تفيدها في حصار إيران لحساب الدولة العبرية التي لم تغير موقفها إلى الآن من الملف النووي الإيراني الذي تراه تهديدا وجوديا لها، فضلا عن دعم طهران لقوى المقاومة.
كل ذلك كان عاديا منذ سنوات طويلة، فما الذي استجد خلال الأسابيع الأخيرة لكي يبلغ التصعيد حد اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون في الرياض خصيصا لمناقشة التدخلات الإيرانية في شؤون دول الخليج والمنطقة عموما، بينما تردّ طهران بلغة لا تقل استفزازا بطلبها من السعودية سحب قواتها من مملكة البحرين، مع تدخل واضح في حراكها الشعبي.
تزداد معالم التصعيد وضوحا حين نرى الكويت التي رفضت المشاركة في قوات درع الجزيرة التي دخلت البحرين لحماية النظام تنضم إلى الركب بإعلان اعتقال خلية تجسس تعمل لحساب إيران وتحكم على أعضائها الثلاثة (بينهم إيرانيان) بالإعدام، ولا تبدي قطر ولا عُمان أية ممانعة تذكر للخطاب السعودي الذي يتصدر المنظومة الخليجية في المواجهة.
من الصعب قراءة التصعيد الراهن بين دول الخليج وإيران بعيدا عن رياح التغيير التي تهبّ على المنطقة، والتي تنذر بتهديد عدد من الأنظمة العربية، ومن ضمنها بعض الخليجية، وليس النظام البحريني وحده.
صحيح أن لهذا الأخير خصوصيته بسبب غالبية سكان البحرين الشيعة، إلا أن لبعض الدول الأخرى إشكالاتها الداخلية أيضا، فهذه عُمان تدخل على خط الدول التي يتحرك الناس فيها مطالبين بالتغيير، وأقله الإصلاح، وهذه الكويت ترتفع فيها أصوات الشيعة مطالبين بتحسين وضعهم، مع حراك شعبي عام يطالب بالإصلاح (لا خلاف يذكر حتى الآن على الأسرة الحاكمة)، الأمر الذي ينطبق على السعودية التي لا يبدو من الصعب التكهن فيها بحراك شعبي لا نجزم بتوقيته ومداه.


من أجل ذلك تشعر بعض دول الخليج بأن تصعيد الموقف مع إيران سيوحِّد الداخل الشعبي خلف أنظمتها القائمة، لاسيما أن الحساسيات الشعبية الخليجية ضد إيران والشيعة تبدو عالية إلى حد كبير (رفع وتيرتها ليس بعيدا عن أصابع السياسة)، في ذات الوقت الذي سيُلجم التصعيد أصوات الشيعة المطالبين بتحسين أوضاعهم، وقد لوحظ أن ما جرى إلى الآن قد أثر بشكل واضح على الحراك البحريني الذي انخفض سقفه خلال الأسابيع الأخيرة، مع أن أيّ منصف لا يمكنه إنكار وجود مطالب مشروعة للمحتجين، حتى لو قيل إن ثمة بعدا طائفيا للحراك في وضع تتركز فيه المظالم في حق فئة تشعر بأنها لا تأخذ حقها في السلطة والثروة، من دون أن ننسى القول إن مطالب التغيير الشامل ليست واقعية في ظل الظروف الموضوعية داخليا وخارجيا، الأمر الذي ربما تدركه قيادة الاحتجاج (جمعية الوفاق) لولا المزايدة عليها من قبل فئات راديكالية داخل الطائفة.
لا يعني ذلك أن إيران بريئة من ذنب التصعيد، كلا بالطبع، فهي كانت ولا تزال تقدم الأسلحة لخصومها بمناسبة وبدون مناسبة، وتثير مخاوف دول الخليج والكثير من الدول الأخرى، بل تثير حساسيات كبيرة لدى الشارع العربي (السنّي) أيضا رغم ميله الفطري إلى التعاطف مع من تستهدفهم أميركا والكيان الصهيوني (بعض السنّة ينكرون ذلك الاستهداف بسبب الحساسيات القائمة رغم وضوحه، بخاصة في الملف النووي)، ونشير هنا إلى قضية التبشير المذهبي التي تكسب من خلالها إيران بضع مئات هنا وهناك، أو حتى آلاف لا يغيرون شيئا في واقع التوزيع المذهبي في الأمة، وهي قضية كانت وستبقى من أهم أسباب الإثارة بالنسبة للسنّة، وقد تؤدي إلى ردود بذات الروحية أيضا (أعني التبشير الواسع النطاق عبر الطعن في معتقدات الشيعة)، تماما كما وقع فيما خصّ فضائيات التحريض الشيعية التي لا همّ لها سوى الطعن في رموز السنّة، والتي رد عليها آخرون من السنّة (السلفيون تحديدا) بفضائيات تتخصص في هجاء الشيعة وتكفيرهم واتهامهم بالولاء لمشروع "صفوي" يستهدف الأمة.
وفي حين لا يختلف الناس حول دعم إيران للمقاومة الفلسطينية (يراه البعض بسبب تصاعد الحساسيات المذهبية دعاية سياسية أيضا)، فإنهم يصنفون دعم حزب الله ضمن إطار المشروع الطائفي رغم إنجازاته الرائعة على صعيد المواجهة مع عدو الأمة الصهيوني.
أما سلوك إيران في العراق فكان مخيفا من حيث مضمونه الطائفي، وها هو في البحرين يفعل ذات الشيء، حتى وصل الأمر بالشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق البحريني (ممثلة الكتلة الشيعية) إلى حد مطالبة طهران (فعل ذلك مع السعودية أيضا) بعدم التدخل في الشأن البحريني تبعا لتداعياته السلبية على حراك الشيعة الداخلي، مع العلم بأن موقف إيران من الحراك الشعبي في سوريا كان حاسما في انحيازه للنظام وربط الاحتجاج بأجندة خارجية، مع أنه ليس كذلك بحال، وهو موقف يصنف شعبيا على نحو طائفي، مع أنه لا أحد في سوريا يريد للاحتجاج أن يأخذ شكلا طائفيا بأي حال، لاسيما أنه ليس كذلك بالفعل، ولا ننسى موقف إيران المتردد حيال الثورة التونسية تبعا لعلاقاتها المتميزة مع نظام بن علي، وكذلك حيال الثورة في ليبيا، ودائما لحسابات سياسية وليست مبدئية.
هكذا نرى بأم أعيننا تعقيدات المشهد القائم، وهي تعقيدات قد تنذر بمخاطر جمة على الوضع في المنطقة، ولا تستفيد من تداعياتها سوى الولايات المتحدة والدولة العبرية، فضلا عن أن إطلاق معركة مذهبية بين المسلمين سيكون أمرا كارثيا عليهم جميعا.


هنا تحضر المواقف المصرية الجديدة وحديث قيادة ما بعد الثورة عن أن إيران ليست عدوا، ومن ثم إمكانية بناء علاقة إيجابية معها، إلى جانب العلاقة الودية مع تركيا كحلقة توازن في المنطقة. مثل هذا التطور يمكن أن يشكل بداية لدور مصري فاعل يخلق معادلة جديدة مع إيران على قاعدة الحوار بين وضع عربي متماسك نسبيا تقوده مصر، وبين إيران عنوانه الندية بوجود تركيا في الميدان، وهو ما سيؤدي إلى تخلص العرب من مخاوفهم حيال التمدد الإيراني، وهي مخاوف ستتصاعد أكثر بعد في حال اكتمل الانسحاب الأميركي من العراق نهاية العام، لكن تماسك الوضع العربي بقيادة مصر سيشعر إيران بضرورة تحجيم أحلامها وضبط غرورها إذا أرادت الحفاظ على مصالحها وعلاقتها الإيجابية مع العرب وجماهير المسلمين السنّة من ورائهم، مع بحث الطرفين عن قواسم مشتركة لخدمة مصالحهما ومصالح الأمة عموما بعيدا عن الخوف من السطوة الأميركية الخاضعة بدورها للهواجس الإسرائيلية.
نعم، ثمة فرصة لعلاقة إيجابية بين العرب وإيران، وبعد ذلك بين المسلمين السنّة وإخوانهم الشيعة، وهي علاقة ستكون في صالح الدول من جهة، وفي صالح الناس الذين ينبغي إخراجهم من دائرة التصنيف المذهبي حين يتعلق الأمر بالحقوق المدنية والإنسانية، سواءً كانوا في إيران أم في أي من الدول العربية.
القضية شائكة ومعقدة، وإذا لم يجر التعامل معها بالعقل لا بالغرائز، فستكون النتيجة هي وضع الحب في طاحونة الأعداء، فهل هذا ما يريده هواة التصنيف والتكفير؟ّ