- الاثنين مايو 30, 2011 1:02 am
#37544
استطاعت الصين في السنوات الأخيرة أن تستفيد من عثرات الإدارات الأمريكية، بدءا برد الفعل البطيء حيال الأزمة المالية الآسيوية في عهد الرئيس كلينتون، وصولا إلى قصر نظر إدارة الرئيس بوش في مواجهة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
وانعكس ذلك في اتباع الصين لسياسة القوة الناعمة، واستخدامها الإقناع بدلا من الإكراه، وتعظيم قدرتها على جذب الآخرين عبر وسائل عديدة، ثقافية ودبلوماسية واقتصادية، فضلا عن المشاركة في المنظمات المتعدية الجنسيات.
وعندما أطلق الكاتب الأمريكي "جوزيف ناي" مفهوم القوة الناعمة، فقد استخدم مفهوما أكثر تحديدا، مستبعدا الدبلوماسية الرسمية والاستثمار، وسائر أشكال التأثير التقليدية مثل القوة العسكرية، إلا أن الصين وجيرانها أوجدوا فكرة أوسع للقوة الناعمة في الإطار الآسيوي يشمل جميع المجالات -باستثناء المسائل الأمنية- بما فيها الاستثمار والمساعدات.
فالقوة الناعمة "العليا" تشتمل مفهوما يخص النخب، بينما المفهوم "الأدنى" أو القوة الناعمة "المنخفضة" تتناول القاعدة الجماهيرية الأوسع، وهو ما عملت بكين على تعزيزه من أجل تعظيم تأثرها بمنطقة جنوب شرق آسيا.
ورغم أن هذه القوة أوجدت إيجابيات كبيرة في العلاقات الصينية الآسيوية وخاصة جيرانها الأقرب، إلا أن القيم والنماذج التي وضعتها الصين لجنوب شرق آسيا أو للدول النامية الأخرى يمكن أن تكون كارثية على الديمقراطية والحكم الرشيد والمجتمعات المدنية الضعيفة، والأكثر من ذلك، تبدو الصين وكأنها تستخدم قوتها الناعمة لكي تدفع اليابان وتايوان وحتى الولايات المتحدة بعيدا عن التأثير الإقليمي.
القوة الناعمة طريق الصين للنفوذ الإقليمي
مارست الصين حتى وقت قريب قوة ناعمة محدودة، حيث كانت تتبع سياسة خارجية دفاعية، ويفتقر الرأي العام إلى الثقة في إمكانية أن ترسم الصين سياستها كقوة عظمى، إذ رأى ثلث المستطلع آرائهم في استطلاع أجرته مجموعة "هورزون" البحثية عام 1995 أن الولايات المتحدة هي أكبر قوة عالمية، بينما رأى 13% أن الصين هي القوة الأكثر نفوذا، لكن هذه النسبة ارتفعت إلى 40% في استطلاع أجرته نفس المجموعة بعد عام، ثم جاء عام 1997 ليكون علامة بارزة لظهور القوة الناعمة الصينية حينما رفضت تقليل قيمة عملتها على خلفية الأزمة المالية في أسواق آسيا.
ومنذ ذلك التاريخ (1997) بدأت الصين تستخدم بعض تطبيقات القوة الناعمة، حيث دشنت ما عرف باسم (إستراتيجية "توزيع المكاسب "win –win strategy") في سياستها الخارجية، وأعلنت أنها ترغب عبر ذلك إلى الاستماع للدول الأخرى بمنطقة جنوب شرقي آسيا، واتخذت مبادرات حقيقية بالتوقيع على اتفاقية "صداقة" مع دول شرق آسيا، كما ألزمت نفسها بالعمل على إيجاد طريقة للتعامل المرن في منطقة بحر الصين الجنوبي.
وبينما رأت واشنطن أن تلك الإستراتيجية لا تحترم السيادة وتتخذ منحى عقابيا تجاه منطقة جنوب شرق آسيا، إلا أنه من الناحية الواقعية لم توقع الولايات المتحدة اتفاقية للصداقة ولم تلغِ العديد من العقوبات على منطقة جنوب شرق آسيا.
وتشمل عناصر الإستراتيجية الصينية بعض المكونات الأخرى أبرزها التركيز على الدول ذات العلاقة المضطربة مع الولايات المتحدة مثل الفلبين وكمبوديا، فقد عززت لصين علاقاتها مع رئيس الوزراء الكمبودي "هون شين" بالتزامن مع تدهور علاقاته مع واشنطن، وتتبع الصين أمرا مشابها خارج آسيا مثل علاقتها بالسودان وفنزويلا وأوزبكستان.
لقد عملت الصين ولا تزال على الدفع بقوتها المرنة في جنوب شرقي آسيا، إذ يفوق الدعم الذي تقدمه بكين إلى الفلبين أربع أضعاف حجم المساعدة الأمريكية لها في 2003، وتفوق نظيرتها الأمريكية في "لاوس" بثلاثة أضعاف في عام 2002، وتساوت المساعدة الصينية مع الأمريكية لدولة إندونيسيا، لكنها تفوقت عليها في تنوعها وتشعب اتجاهاتها.
ويمكن القول إنه منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي كان لبكين مساعدات أفضل تبتعد عن الأهداف السياسية، وتشمل تشجيع الشركات الصينية للاستثمار في الخارج، ودعم الفاعلين السياسيين، وتقليل المخاوف من نمو الاقتصاد الصيني، فقد استخدمت المساعدات الصينية المقدمة إلى تايلاند لجذب السياسيين التايلانديين للدراسة في الصين، كما اشترت الصين منتجات لإرضاء المزارعين التايلانديين الذين أعربوا عن قلقهم من تأثير التجارة مع الصين، وهو ما بدا أنموذجا واضحا في توظيف القوة الناعمة "المنخفضة".
ويعمل الصينيون على التسويق للسياسة الصينية كجزء من دبلوماسية عامة مركبة، وهو ما يعد نوعا آخر من القوة الناعمة "المنخفضة"، فالمسئولون الصينيون قاموا في عام 2004 و2005 بضعف عدد زيارات نظيرهم الأمريكيين بالمنطقة، وبينما خفضت الولايات المتحدة ميزانية دبلوماسيتها العامة منذ انتهاء الحرب الباردة، فإن الصين قد برعت في تطبيق إستراتيجية تعزز مفهوم "التنمية السلمية" من خلال تنظيم المعارض الفنية بالعديد من دول العالم، كما أسست معاهد كونفشيوسية لتعليم اللغة الصينية داخل الجامعات الكبرى في شرق آسيا، وساهمت النشرات الدولية التي تقدمها الإذاعة الصينية في توسيع انتشار اللغة الصينية بالمنطقة.
ومن الأمثلة الأخرى أن الصين شجعت طلاب مدارس اللغات بكمبوديا، ذوي الأصول الصينية، على تلقي منح دراسية، واتبعت سياسة التجارة الحرة لتكون مصدرا للاستثمار الخارجي المباشر، فالصين اليوم تنتقل من مرحلة اتفاقيات التجارة الحرة مع دول جنوب شرق آسيا، إلى مرحلة التفاوض من أجل بناء شراكة اقتصادية، ويتوقع مع نهاية عام 2006 أن يتجاوز حجم التبادل بين الصين ودول المنطقة نظيريه الأمريكي والياباني.
ورغم أن الصين حتى الآن لا تعد مستثمرا أجنبيا مهما إلا أن استثماراتها المباشرة في الخارج تنمو أسرع مما يتوقع الخبراء، حيث أصبحت الصين أكبر مصدر لهذه الاستثمارات في كبموديا خلال 2004، كما غير استقبال الصين للهجرات الخارجية الوضع الديموجرافي في بورما وفيتنام الشمالية .
استطاعت الصين في السنوات الأخيرة أن تستفيد من عثرات الإدارات الأمريكية، بدءا برد الفعل البطيء حيال الأزمة المالية الآسيوية في عهد الرئيس كلينتون، وصولا إلى قصر نظر إدارة الرئيس بوش في مواجهة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
وانعكس ذلك في اتباع الصين لسياسة القوة الناعمة، واستخدامها الإقناع بدلا من الإكراه، وتعظيم قدرتها على جذب الآخرين عبر وسائل عديدة، ثقافية ودبلوماسية واقتصادية، فضلا عن المشاركة في المنظمات المتعدية الجنسيات.
وعندما أطلق الكاتب الأمريكي "جوزيف ناي" مفهوم القوة الناعمة، فقد استخدم مفهوما أكثر تحديدا، مستبعدا الدبلوماسية الرسمية والاستثمار، وسائر أشكال التأثير التقليدية مثل القوة العسكرية، إلا أن الصين وجيرانها أوجدوا فكرة أوسع للقوة الناعمة في الإطار الآسيوي يشمل جميع المجالات -باستثناء المسائل الأمنية- بما فيها الاستثمار والمساعدات.
فالقوة الناعمة "العليا" تشتمل مفهوما يخص النخب، بينما المفهوم "الأدنى" أو القوة الناعمة "المنخفضة" تتناول القاعدة الجماهيرية الأوسع، وهو ما عملت بكين على تعزيزه من أجل تعظيم تأثرها بمنطقة جنوب شرق آسيا.
ورغم أن هذه القوة أوجدت إيجابيات كبيرة في العلاقات الصينية الآسيوية وخاصة جيرانها الأقرب، إلا أن القيم والنماذج التي وضعتها الصين لجنوب شرق آسيا أو للدول النامية الأخرى يمكن أن تكون كارثية على الديمقراطية والحكم الرشيد والمجتمعات المدنية الضعيفة، والأكثر من ذلك، تبدو الصين وكأنها تستخدم قوتها الناعمة لكي تدفع اليابان وتايوان وحتى الولايات المتحدة بعيدا عن التأثير الإقليمي.
القوة الناعمة طريق الصين للنفوذ الإقليمي
مارست الصين حتى وقت قريب قوة ناعمة محدودة، حيث كانت تتبع سياسة خارجية دفاعية، ويفتقر الرأي العام إلى الثقة في إمكانية أن ترسم الصين سياستها كقوة عظمى، إذ رأى ثلث المستطلع آرائهم في استطلاع أجرته مجموعة "هورزون" البحثية عام 1995 أن الولايات المتحدة هي أكبر قوة عالمية، بينما رأى 13% أن الصين هي القوة الأكثر نفوذا، لكن هذه النسبة ارتفعت إلى 40% في استطلاع أجرته نفس المجموعة بعد عام، ثم جاء عام 1997 ليكون علامة بارزة لظهور القوة الناعمة الصينية حينما رفضت تقليل قيمة عملتها على خلفية الأزمة المالية في أسواق آسيا.
ومنذ ذلك التاريخ (1997) بدأت الصين تستخدم بعض تطبيقات القوة الناعمة، حيث دشنت ما عرف باسم (إستراتيجية "توزيع المكاسب "win –win strategy") في سياستها الخارجية، وأعلنت أنها ترغب عبر ذلك إلى الاستماع للدول الأخرى بمنطقة جنوب شرقي آسيا، واتخذت مبادرات حقيقية بالتوقيع على اتفاقية "صداقة" مع دول شرق آسيا، كما ألزمت نفسها بالعمل على إيجاد طريقة للتعامل المرن في منطقة بحر الصين الجنوبي.
وبينما رأت واشنطن أن تلك الإستراتيجية لا تحترم السيادة وتتخذ منحى عقابيا تجاه منطقة جنوب شرق آسيا، إلا أنه من الناحية الواقعية لم توقع الولايات المتحدة اتفاقية للصداقة ولم تلغِ العديد من العقوبات على منطقة جنوب شرق آسيا.
وتشمل عناصر الإستراتيجية الصينية بعض المكونات الأخرى أبرزها التركيز على الدول ذات العلاقة المضطربة مع الولايات المتحدة مثل الفلبين وكمبوديا، فقد عززت لصين علاقاتها مع رئيس الوزراء الكمبودي "هون شين" بالتزامن مع تدهور علاقاته مع واشنطن، وتتبع الصين أمرا مشابها خارج آسيا مثل علاقتها بالسودان وفنزويلا وأوزبكستان.
لقد عملت الصين ولا تزال على الدفع بقوتها المرنة في جنوب شرقي آسيا، إذ يفوق الدعم الذي تقدمه بكين إلى الفلبين أربع أضعاف حجم المساعدة الأمريكية لها في 2003، وتفوق نظيرتها الأمريكية في "لاوس" بثلاثة أضعاف في عام 2002، وتساوت المساعدة الصينية مع الأمريكية لدولة إندونيسيا، لكنها تفوقت عليها في تنوعها وتشعب اتجاهاتها.
ويمكن القول إنه منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي كان لبكين مساعدات أفضل تبتعد عن الأهداف السياسية، وتشمل تشجيع الشركات الصينية للاستثمار في الخارج، ودعم الفاعلين السياسيين، وتقليل المخاوف من نمو الاقتصاد الصيني، فقد استخدمت المساعدات الصينية المقدمة إلى تايلاند لجذب السياسيين التايلانديين للدراسة في الصين، كما اشترت الصين منتجات لإرضاء المزارعين التايلانديين الذين أعربوا عن قلقهم من تأثير التجارة مع الصين، وهو ما بدا أنموذجا واضحا في توظيف القوة الناعمة "المنخفضة".
ويعمل الصينيون على التسويق للسياسة الصينية كجزء من دبلوماسية عامة مركبة، وهو ما يعد نوعا آخر من القوة الناعمة "المنخفضة"، فالمسئولون الصينيون قاموا في عام 2004 و2005 بضعف عدد زيارات نظيرهم الأمريكيين بالمنطقة، وبينما خفضت الولايات المتحدة ميزانية دبلوماسيتها العامة منذ انتهاء الحرب الباردة، فإن الصين قد برعت في تطبيق إستراتيجية تعزز مفهوم "التنمية السلمية" من خلال تنظيم المعارض الفنية بالعديد من دول العالم، كما أسست معاهد كونفشيوسية لتعليم اللغة الصينية داخل الجامعات الكبرى في شرق آسيا، وساهمت النشرات الدولية التي تقدمها الإذاعة الصينية في توسيع انتشار اللغة الصينية بالمنطقة.
ومن الأمثلة الأخرى أن الصين شجعت طلاب مدارس اللغات بكمبوديا، ذوي الأصول الصينية، على تلقي منح دراسية، واتبعت سياسة التجارة الحرة لتكون مصدرا للاستثمار الخارجي المباشر، فالصين اليوم تنتقل من مرحلة اتفاقيات التجارة الحرة مع دول جنوب شرق آسيا، إلى مرحلة التفاوض من أجل بناء شراكة اقتصادية، ويتوقع مع نهاية عام 2006 أن يتجاوز حجم التبادل بين الصين ودول المنطقة نظيريه الأمريكي والياباني.
ورغم أن الصين حتى الآن لا تعد مستثمرا أجنبيا مهما إلا أن استثماراتها المباشرة في الخارج تنمو أسرع مما يتوقع الخبراء، حيث أصبحت الصين أكبر مصدر لهذه الاستثمارات في كبموديا خلال 2004، كما غير استقبال الصين للهجرات الخارجية الوضع الديموجرافي في بورما وفيتنام الشمالية .