تقويض برنامج إيران النووي "1"
مرسل: الاثنين مايو 30, 2011 1:07 am
تساؤلات عديدة طرحتها عمليات الاغتيال والاختفاء التي استهدفت بعض العلماء والفنيين الإيرانيين ممن لهم صلة مباشرة أو غير مباشرة بالبرنامج النووي للجمهورية الإسلامية، كان من أبرز تلك التساؤلات ما يتصل بإمكانية لجوء واشنطن وتل أبيب خلال المرحلة المقبلة إلى تبني إستراتيجية موازية للملاحقات القانونية والضغوط السياسية الرامية إلى إجهاض طموحات إيران النووية.
ويبدو أن تعقد حسابات كل من واشنطن وتل أبيب بشأن الخيار العسكري في التعاطي مع الطموحات النووية الإيرانية، على خلفية عوامل عديدة يتصدرها غياب الإجماع الدولي في ظل التمنع الصيني والمراوغة الروسية فضلا عن فداحة الكلفة الاقتصادية والإستراتيجية لأي عمل عسكري محتمل إزاء المنشآت النووية الإيرانية، قد ألجأ دوائر سياسية وأمنية أميركية وإسرائيلية إلى ابتكار وسائل جديدة وآليات بديلة من أجل تقويض التهديدات النووية المحتملة المنبعثة من البرنامج الإيراني من دون حاجة لاستفزاز نظام الجمهورية الإسلامية وإزعاج جيرانها بأي عمل عسكري غير مضمون العواقب.
الخيار الصعب
فعلى الرغم من كونها تصنف على أنها دولة عتبة نووية، بمعنى أنها تمتلك قدرات علمية وتقنية ومواد نووية أولية تؤهلها للمضي قدما على طريق إنتاج السلاح النووي في المدى المنظور، ما لم تعترض هذا الطريق أية معوقات جوهرية، تتخوف تل أبيب وبدرجة ما واشنطن من إمكانية نجاح طهران في بلوغ منتهى هذا الطريق والقيام بأول تفجيراتها النووية معلنة امتلاكها السلاح النووي، خصوصا في ظل أجواء الغموض والتعتيم التي تلف برنامجها إلى الحد الذي جعل المعلن أو المعروف عنه أقل من الخفي.
"
من شأن أي تطور إستراتيجي للبرنامج النووي الإيراني أن يعيد هيكلة موازين القوى في المنطقة على نحو يمضي في غير مصلحة تل أبيب ويفرض مزيدا من التحديات أمام مشاريع واشنطن الإستراتيجية في المنطقة
"
ومن شأن تطور إستراتيجي خطير كهذا أن يعيد هيكلة موازين القوى في المنطقة على نحو يمضي في غير مصلحة تل أبيب ويفرض مزيدا من التحديات أمام مشاريع واشنطن الإستراتيجية في المنطقة.
غير أن الصعوبات التي تلجم رغبة تل أبيب وواشنطن في الإقدام على الخيار العسكري حيال المنشآت النووية الإيرانية أجبرت الأميركيين والإسرائيليين على البحث عن إستراتيجيات بديلة،لاسيما بعد أن أضحى استبعاد الخيار العسكري في التعاطي مع برنامج إيران النووي من حسابات الأميركيين يحظى بتأييد متزايد داخل الولايات المتحدة مع تفاقم المأزق العسكري العملياتي الأميركي في العراق وأفغانستان وباكستان.
فلقد نقلت صحيفة "يو أس أرمي تايمز" التي يصدرها الجيش الأميركي عن وزير الدفاع روبرت غيتس قوله في خطاب ألقاه أمام طلبة بالبحرية الأميركية في شهر أبريل/نيسان الماضي إنه "بينما قد يعرقل أي هجوم عسكري على منشآت إيران النووية برنامج هذا البلد النووي لفترة قد تصل إلى ثلاث سنوات، فإنه سيرسخ من جانب لآخر إصرار الإيرانيين على مواصلة هذا البرنامج وعسكرته بغرض امتلاك السلاح النووي مثلما سيزرع بينهم كراهية لا تنتهي لمن هاجمهم ورغبة لا تلين في الانتقام منه بأي طريقة وعلى أي صعيد خصوصا بعد أن تعهدت إيران بالرد على أي هجوم على منشآتها النووية بشن هجمات مضادة بصواريخ بعيدة المدى على إسرائيل والقواعد العسكرية الأميركية في الخليج.
إسرائيليا، وبالتزامن مع ذلك، وإبان محادثاته مع جورج ميتشل، مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، فاجأ الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الجميع بإطلاقه تصريحا حازما قال فيه: "إن الخيار العسكري ضد إيران غير واقعي"، ووصفه بأنه "فكرة سخيفة"، وأكد أنه لا يوجد سوى الخيار السياسي الدبلوماسي لتسوية مسألة برنامجها النووي.
ورغم أن تصريحات بيريز هذه لا يمكن الاستناد إليها بشكل جاد في تحليل الموقف الإسرائيلي الحقيقي حيال برنامج إيران النووي لكونها لا تعكس وجهة النظر الإسرائيلية الرسمية النهائية التي تتخذ بناء عليها أية قرارات حاسمة في هذا الخصوص، لاسيما أنه حينما كان زعيما للمعارضة الإسرائيلية في عام 1981، فشل في أن يثني رئيس الوزراء وقتذاك مناحيم بيغن عن قصف المفاعل النووي العراقي، إلا أن تصريحاته تنم عن غياب الإجماع الإستراتيجي وتباين وجهات النظر داخل النخبة السياسية والدوائر الأمنية في إسرائيل بشأن جدوى الخيار العسكري ضد منشآت إيران النووية.
حرب دعائية
كان من شأن الصعوبات المتنامية التي تكتنف إمكانية التعاطي مع التهديد النووي الإيراني المحتمل عسكريا أن دفعت بواشنطن وتل أبيب إلى تبني إستراتيجية مغايرة متعددة الأبعاد، كان بعدها الأول دعائيا، إذ تجلى في شن حملة دعائية مناهضة لبرنامج إيران النووي بغية تأليب الشعب الإيراني ودول الجوار الإيراني والمجتمع الدولي برمته ضد هذا البرنامج ونظام طهران عبر التشكيك في إمكانية نجاح هذا البرنامج واتهامه باعتصار قدرات إيران الاقتصادية والعلمية في الوقت الذي لن يعود على شعبها إلا بالمزيد من المعاناة بجريرة الحصار والعقوبات والعزل من قبل المجتمع الدولي.
"
تشن أميركا حملة دعائية مناهضة لبرنامج إيران النووي بغية تأليب الشعب الإيراني ودول الجوار الإيراني والمجتمع الدولي برمته على هذا البرنامج ونظام طهران عبر التشكيك في إمكانية نجاح هذا البرنامج
"
فضلا عن اتهام النظام الإيراني بتوظيف ذلك البرنامج وما يستتبعه من استعداء العالم لصرف أنظار مواطنيه عن إخفاقاته على الصعيدين الداخلي والخارجي وإحكام الهيمنة على مقاليد السلطة على حساب حرية الشعب الإيراني وانتعاشه الاقتصادي.
هذا علاوة على تفزيع المجتمع الدولي ودول الجوار الإيراني من المخاطر والتهديدات المحتملة لطموحات إيران النووية سواء في حالة عدم تخطي ذلك البرنامج حدود النشاط السلمي، حيث احتمالات التسرب الإشعاعي في ظل تواضع إجراءات الأمان النووي، أو عند انزلاقه إلى الاستخدامات العسكرية مع تنامي تطلعات إيران الجامحة لتعظيم نفوذها الإقليمي ومكانتها الدولية غير متورعة عن استخدام كل ما بحوزتها من ركائز قوة وأوراق ضغط ما بين عسكرية وعقائدية وغيرهما.
استهداف الكوادر البشرية
أما في بعدها الثاني، فقد عمدت الإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية إلى استنزاف البرنامج النووي الإيراني تدريجيا من الداخل عبر تفريغه من الكوادر البشرية الإيرانية المتخصصة في التكنولوجيا النووية من علماء وفنيين، سواء من خلال التصفية الجسدية أو عبر الاختطاف والتهجير إلى خارج إيران.
ولقد سبق أن أعلنت تل أبيب وواشنطن أنهما ستعملان سويا وبدأب من أجل إجهاض ذلك البرنامج بغير تدخل عسكري مباشر. فمن جانبها، كشفت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية النقاب قبل نحو عام عن إطلاق إسرائيل ما سمّته بـ"الحرب الخفية" ضد إيران لعرقلة برنامجها النووي، عبر اغتيال كبار العلماء والفنيين العاملين فيه.
وفي ذات السياق، صرحت مصادر إيرانية رسمية لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا) بأن جهات أجنبية منها الولايات المتحدة قد بدأت محاولاتها لتصفية أو خطف العلماء النوويين الإيرانيين.
كذلك، ذكرت مصادر إعلامية غربية أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي أي" تدير برنامجا سريا يهدف إلى تجفيف المنابع التقنية والروافد العلمية للبرنامج النووي الإيراني عبر تشجيع العلماء والفنيين النوويين الإيرانيين على الفرار إلى الغرب من خلال إغراءات مادية ومعنوية.
ويبدو أن تعقد حسابات كل من واشنطن وتل أبيب بشأن الخيار العسكري في التعاطي مع الطموحات النووية الإيرانية، على خلفية عوامل عديدة يتصدرها غياب الإجماع الدولي في ظل التمنع الصيني والمراوغة الروسية فضلا عن فداحة الكلفة الاقتصادية والإستراتيجية لأي عمل عسكري محتمل إزاء المنشآت النووية الإيرانية، قد ألجأ دوائر سياسية وأمنية أميركية وإسرائيلية إلى ابتكار وسائل جديدة وآليات بديلة من أجل تقويض التهديدات النووية المحتملة المنبعثة من البرنامج الإيراني من دون حاجة لاستفزاز نظام الجمهورية الإسلامية وإزعاج جيرانها بأي عمل عسكري غير مضمون العواقب.
الخيار الصعب
فعلى الرغم من كونها تصنف على أنها دولة عتبة نووية، بمعنى أنها تمتلك قدرات علمية وتقنية ومواد نووية أولية تؤهلها للمضي قدما على طريق إنتاج السلاح النووي في المدى المنظور، ما لم تعترض هذا الطريق أية معوقات جوهرية، تتخوف تل أبيب وبدرجة ما واشنطن من إمكانية نجاح طهران في بلوغ منتهى هذا الطريق والقيام بأول تفجيراتها النووية معلنة امتلاكها السلاح النووي، خصوصا في ظل أجواء الغموض والتعتيم التي تلف برنامجها إلى الحد الذي جعل المعلن أو المعروف عنه أقل من الخفي.
"
من شأن أي تطور إستراتيجي للبرنامج النووي الإيراني أن يعيد هيكلة موازين القوى في المنطقة على نحو يمضي في غير مصلحة تل أبيب ويفرض مزيدا من التحديات أمام مشاريع واشنطن الإستراتيجية في المنطقة
"
ومن شأن تطور إستراتيجي خطير كهذا أن يعيد هيكلة موازين القوى في المنطقة على نحو يمضي في غير مصلحة تل أبيب ويفرض مزيدا من التحديات أمام مشاريع واشنطن الإستراتيجية في المنطقة.
غير أن الصعوبات التي تلجم رغبة تل أبيب وواشنطن في الإقدام على الخيار العسكري حيال المنشآت النووية الإيرانية أجبرت الأميركيين والإسرائيليين على البحث عن إستراتيجيات بديلة،لاسيما بعد أن أضحى استبعاد الخيار العسكري في التعاطي مع برنامج إيران النووي من حسابات الأميركيين يحظى بتأييد متزايد داخل الولايات المتحدة مع تفاقم المأزق العسكري العملياتي الأميركي في العراق وأفغانستان وباكستان.
فلقد نقلت صحيفة "يو أس أرمي تايمز" التي يصدرها الجيش الأميركي عن وزير الدفاع روبرت غيتس قوله في خطاب ألقاه أمام طلبة بالبحرية الأميركية في شهر أبريل/نيسان الماضي إنه "بينما قد يعرقل أي هجوم عسكري على منشآت إيران النووية برنامج هذا البلد النووي لفترة قد تصل إلى ثلاث سنوات، فإنه سيرسخ من جانب لآخر إصرار الإيرانيين على مواصلة هذا البرنامج وعسكرته بغرض امتلاك السلاح النووي مثلما سيزرع بينهم كراهية لا تنتهي لمن هاجمهم ورغبة لا تلين في الانتقام منه بأي طريقة وعلى أي صعيد خصوصا بعد أن تعهدت إيران بالرد على أي هجوم على منشآتها النووية بشن هجمات مضادة بصواريخ بعيدة المدى على إسرائيل والقواعد العسكرية الأميركية في الخليج.
إسرائيليا، وبالتزامن مع ذلك، وإبان محادثاته مع جورج ميتشل، مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، فاجأ الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الجميع بإطلاقه تصريحا حازما قال فيه: "إن الخيار العسكري ضد إيران غير واقعي"، ووصفه بأنه "فكرة سخيفة"، وأكد أنه لا يوجد سوى الخيار السياسي الدبلوماسي لتسوية مسألة برنامجها النووي.
ورغم أن تصريحات بيريز هذه لا يمكن الاستناد إليها بشكل جاد في تحليل الموقف الإسرائيلي الحقيقي حيال برنامج إيران النووي لكونها لا تعكس وجهة النظر الإسرائيلية الرسمية النهائية التي تتخذ بناء عليها أية قرارات حاسمة في هذا الخصوص، لاسيما أنه حينما كان زعيما للمعارضة الإسرائيلية في عام 1981، فشل في أن يثني رئيس الوزراء وقتذاك مناحيم بيغن عن قصف المفاعل النووي العراقي، إلا أن تصريحاته تنم عن غياب الإجماع الإستراتيجي وتباين وجهات النظر داخل النخبة السياسية والدوائر الأمنية في إسرائيل بشأن جدوى الخيار العسكري ضد منشآت إيران النووية.
حرب دعائية
كان من شأن الصعوبات المتنامية التي تكتنف إمكانية التعاطي مع التهديد النووي الإيراني المحتمل عسكريا أن دفعت بواشنطن وتل أبيب إلى تبني إستراتيجية مغايرة متعددة الأبعاد، كان بعدها الأول دعائيا، إذ تجلى في شن حملة دعائية مناهضة لبرنامج إيران النووي بغية تأليب الشعب الإيراني ودول الجوار الإيراني والمجتمع الدولي برمته ضد هذا البرنامج ونظام طهران عبر التشكيك في إمكانية نجاح هذا البرنامج واتهامه باعتصار قدرات إيران الاقتصادية والعلمية في الوقت الذي لن يعود على شعبها إلا بالمزيد من المعاناة بجريرة الحصار والعقوبات والعزل من قبل المجتمع الدولي.
"
تشن أميركا حملة دعائية مناهضة لبرنامج إيران النووي بغية تأليب الشعب الإيراني ودول الجوار الإيراني والمجتمع الدولي برمته على هذا البرنامج ونظام طهران عبر التشكيك في إمكانية نجاح هذا البرنامج
"
فضلا عن اتهام النظام الإيراني بتوظيف ذلك البرنامج وما يستتبعه من استعداء العالم لصرف أنظار مواطنيه عن إخفاقاته على الصعيدين الداخلي والخارجي وإحكام الهيمنة على مقاليد السلطة على حساب حرية الشعب الإيراني وانتعاشه الاقتصادي.
هذا علاوة على تفزيع المجتمع الدولي ودول الجوار الإيراني من المخاطر والتهديدات المحتملة لطموحات إيران النووية سواء في حالة عدم تخطي ذلك البرنامج حدود النشاط السلمي، حيث احتمالات التسرب الإشعاعي في ظل تواضع إجراءات الأمان النووي، أو عند انزلاقه إلى الاستخدامات العسكرية مع تنامي تطلعات إيران الجامحة لتعظيم نفوذها الإقليمي ومكانتها الدولية غير متورعة عن استخدام كل ما بحوزتها من ركائز قوة وأوراق ضغط ما بين عسكرية وعقائدية وغيرهما.
استهداف الكوادر البشرية
أما في بعدها الثاني، فقد عمدت الإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية إلى استنزاف البرنامج النووي الإيراني تدريجيا من الداخل عبر تفريغه من الكوادر البشرية الإيرانية المتخصصة في التكنولوجيا النووية من علماء وفنيين، سواء من خلال التصفية الجسدية أو عبر الاختطاف والتهجير إلى خارج إيران.
ولقد سبق أن أعلنت تل أبيب وواشنطن أنهما ستعملان سويا وبدأب من أجل إجهاض ذلك البرنامج بغير تدخل عسكري مباشر. فمن جانبها، كشفت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية النقاب قبل نحو عام عن إطلاق إسرائيل ما سمّته بـ"الحرب الخفية" ضد إيران لعرقلة برنامجها النووي، عبر اغتيال كبار العلماء والفنيين العاملين فيه.
وفي ذات السياق، صرحت مصادر إيرانية رسمية لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا) بأن جهات أجنبية منها الولايات المتحدة قد بدأت محاولاتها لتصفية أو خطف العلماء النوويين الإيرانيين.
كذلك، ذكرت مصادر إعلامية غربية أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي أي" تدير برنامجا سريا يهدف إلى تجفيف المنابع التقنية والروافد العلمية للبرنامج النووي الإيراني عبر تشجيع العلماء والفنيين النوويين الإيرانيين على الفرار إلى الغرب من خلال إغراءات مادية ومعنوية.