أسباب الثورات في تونس و مصر و احتمالات انتقالها الى اليمن
مرسل: الاثنين مايو 30, 2011 1:47 am
تأخرت ثورات الحرية والديمقراطية والمساواة في العالم العربي لسنوات عديدة عن نظيراتها في العالم حتى ظن البعض ان العرب يشكلون أمة من الإماء والعبيد الذين يخرجون بالملايين ليهتفوا لجلاديهم بالعمر المديد. لكن تلك الثورات التي تأخرت طويلا وصلت أخيرا الى بلاد العرب وبقوة جارفة لم يتوقعها احد. في يناير 2011 سقط ’’باي’’ تونس، وفي فبراير سقط ’’فرعون’’ مصر ، ويمكن ان يكون الدور في المرة القادمة على اي نظام عربي آخر. فلا عاصم للاستبداد والديكتاتورية من غضب الشعوب. هكذا تبدو الصورة براقة مع مطلع العام الأول من العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. فما هي يا ترى عوامل قيام ثورات الحرية والديمقراطية في تونس ومصر؟ وما هي احتمالات انتقالها الى اليمن؟ هذا هو ما تركز عليه هذه الورقة..
أولا- عوامل قيام الثورات
يسعى السياسيون اما بقصد أو بدون قصد لخلق ظروف قيام الثورات، لكن الثورات ذاتها لا تصنع وانما تحدث فجأة. وهناك مجموعة من العوامل التي تحدد قيام الثورات وتمثل قاسما مشتركا فيما بينها. وأهم تلك العوامل في حالتي تونس ومصر والعالم العربي بشكل عام هي التالي:
1. العوامل السياسية
تتفق تونس ومصر مع كل الأنظمة العربية الأخرى تقريبا ملكية كانت أو جمهورية في مجموعة من الخصائص السياسية التي تشكل في مجموعها البيئة الملائمة لقيام الثورة. ولعل اهم تلك العوامل السياسية هو غياب المشاركة السياسية الفاعلة، فساد الطبقة الحاكمة، الضياع المتكرر لفرص الإصلاح، انتهاكات الحقوق، انعدام الأمل في التغيير، وتراجع الدعم الخارجي للاستبداد.
أ. غياب المشاركة الفاعلة
تمثل المشاركة السياسية الفاعلة أهم مصادر الشرعية للأنظمة السياسية. والمقصود بالشرعية هنا قبول المواطنين بالنظام القائم اشخاصا ومؤسسات، وبالتالي عدم الثورة عليه. والمقصود بالمشاركة السياسية الفاعلة هو تلك المشاركة التي تجعل المواطن قادرا على التأثير في عملية اختيار القادة السياسيين الذين يمارسون السلطة فعليا؛ تولي المواقع العامة؛ التأثير في صنع السياسات العامة؛ ومساءلة الحكام. ولعل ما يتفق فيه النظامان المنقرضان في تونس ومصر هو انهما عانيا من تناقض واضح بين الطابع الجمهوري للنظام مع ما يعنيه ذلك من شراكة حقيقية في السلطة بين قوى المجتمع من جهة؛ وبين الاستبعاد السياسي الممارس على صعيد الواقع من جهة أخرى. وهذا التناقض الفاضح تعاني منه مع اختلاف في الدرجة معظم ان لم يكن كل الأنظمة العربية الجمهورية والبالغ عددها 14 نظاما.
وربما ان ما يميز تونس ومصر من بين كل الأنظمة الجمهورية القائمة في العالم العربي هو المبالغة في اقصاء الشركاء وقمع الخصوم وتفريغ الآلية الانتخابية من مضامين المشاركة وتحويل المؤسسات النيابية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي الى مجرد مسامير في عربة الحاكم الفرد. وقد أدت عملية اغلاق المؤسسات الرسمية والدستورية للمشاركة في وجه الطلب المتزايد الى الدفع بالناس الى الشوارع التي تثبت الأنظمة الاستبدادية دائما عجزها عن السيطرة عليها. كما ادت الى سد قنوات الاتصال بين النظام ومواطنيه وافقدته القدرة على الاستجابة لأي مطالب.
ب. فساد الأوليجاركيات الحاكمة
تطورت النظم الجمهورية الاستبدادية في العالم العربي الى ما يسمى بالأوليجاركية وهي القلة التي تحكم لصالح نفسها وليس لصالح الشعوب. ضف الى ذلك أن تلك القلة ورغم الطبيعة الجمهورية للأنظمة قد قامت بشكل اساسي على علاقات القرابة والنسب. وأدى ظهور الأوليجاركية كجماعة من اللصوص لا هم لها الا الاستيلاء على الموارد العامة واحيانا الخاصة من جهة الى تضييق قاعدة الأنظمة وخصوصا بعد ان اصبحت تلك الأوليجاركيات تشمل بشكل اساسي الحاكم الفرد واسرته واقاربه، والى احتدم الصراع بين مكونات تلك الأوليجاركيات من جهة أخرى. وقد أدى ذلك، مع ظهور التوريث كحل لأزمة انتقال السلطة في الجمهوريات العربية، الى جعل تلك الأوليجاركيات هدفا سهلا للثورات الشعبية.
ج. انتهاكات الحقوق
تتفق الأنظمة الاستبدادية الحاكمة في الوطن العربي، وان اختلفت من حيث الدرجة، بانها لا تطيق المعارضة ايا كان نوعها، ولا التعبير السلمي عن الراي مهما كان مهذبا، ولا منظمات المجتمع المدني وتلجأ السلطات الى قمع النشطاء والكتاب والصحف والأحزاب والمنظمات المدنية، وتتفنن في اتباع الأساليب لتحقيق ذلك. ويمتاز النظامان البائدان في تونس ومصر، والأول ربما بدرجة أكبر، بانهما اتبعا درجة عالية من القمع للأفراد والجماعات بشكل ادى الى حدوث كبت سياسي واجتماعي واقتصادي جعل الثورة بما تمتاز به من مفاجأة هي الأسلوب الوحيد للتغيير.
د. غياب الإصلاحات
تتحدث الأنظمة العربية جمهورية كانت أو ملكية عن الإصلاح السياسي وتوسيع قاعدة المشاركة وحماية حرية الرأي والتعبير لكن تلك الإصلاحات في احسن الأحوال تشبه النباتات الصحراوية التي تظهر بسرعة ثم تختفي ليحل محلها رمض الصحراء وسرابها. فقد شهدت دول مثل الجزائر والأردن واليمن ومصر البدء في تنفيذ اصلاحات سياسية طموحة مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين أو حتى قبل ذلك التاريخ لكنها سرعان ما تراجعت كلية عن تلك الإصلاحات مع نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. وقد تطورت الأمور في دول مثل مصر وتونس بحيث ان اي اصلاح يتم الحديث عنه اصبح يعني المزيد من التضييق لدائرة السلطة والنفوذ.
ه. انعدام الأمل في التغيير
اتفقت الكثير من الأنظمة الجمهورية في العالم العربي ومن ضمنها الأنظمة في تونس ومصر في انها وصلت الى مرحلة انسداد الأفق بالنسبة لعملية التغيير وبحيث تحولت تشوهات الأنظمة القائمة الى ثوابت وطنية يعاقب من يتجرأ على التفكير بالخروج عليها. ومع أن بني البشر يميلون الى التغيير التدريجي لشئون حياتهم وليس الى الثورات الإ أن الأنظمة الاستبدادية التي تسد آفاق التغيير أمام الناس عن طريق الإقصاء والقمع والانتهاك المتكرر للحقوق لا تدع امام الناس من طريق آخر للتغيير سوى طريق الثورة.
و. تراجع الدعم الخارجي للاستبداد
اعتمدت الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي في بقائها في السلطة على دعم الغرب لها ووصلت الى مرحلة ظنت معها ان تخويف الغرب بخطر صعود ’’الإسلاميين’’ قد ضمن لها ذلك الدعم بشكل دائم في مواجهة شعوبها. وتجاهلت تلك الأنظمة كثافة التفاعلات بين الشرق والغرب وما يمكن أن يترتب على تلك التفاعلات من فهم جديد لدى الغرب لأوضاع وظروف وأهداف وتطلعات الحركات الإسلامية. ولم تلتفت الأنظمة الاستبدادية الجامدة الى الأثر الذي يمكن ان يتركه صعود الإسلاميين الى السلطة في تركيا على نظرة الغرب للإسلام.
وفشلت الأنظمة المستبدة العربية وفي مقدمتها النظامين المنقرضين في مصر وتونس في قراءة التحولات في أوضاع وسياسات الغرب وخصوصا تلك المتعلقة بتراجع قوة الغرب من جهة وبالتحول الديمقراطي المستمر في تلك المجتمعات من جهة ثانية. فقد انتقلت السلطة في الولايات المتحدة والمانيا مثلا من نخب مسكونة بشكل اساسي بمصالح الرأسمالية العالمية ومهتمة بالاستقرار وتدفقات النفط وأمن اسرائيل الى نخب جديدة تهتم أكثر بقيم العدالة والحرية والديمقراطية ولا تتردد في التخلي عن المستبدين عندما تتحرك الشعوب ضدهم.
2. العوامل الاقتصادية
تمثل العوامل الاقتصادية وان اختلفت طبيعتها من حالة الى أخرى محركات هامة لقيام اي ثورة. ففي الحالتين التونسية والمصرية، فان الأوضاع المعيشية الصعبة وتنامي اسعار الغذاء على نحو خاص تمثل بالتأكيد جزءا من القوى المحركة للثورة وان كان من الخطأ، كما يذهب الكثير من المفكرين، اختزال عوامل قيام الثورة في الجانب الاقتصادي أو اختزال الجانب الاقتصادي في التضخم في اسعار السلع الأساسية. وفي حين يعتبر نجاح الحكومات في اشباع الحاجات الأساسية مصدرا ثانيا من مصادر الشرعية للأنظمة، فإن الفشل في اشباع تلك الحاجات يساهم في تآكل شرعية تلك الأنظمة.
وفي الوقت الذي يؤدي فيه تحرير الاقتصاد، والحد من الاحتكار وتشجيع المنافسة وخلق بيئة استثمارية مواتية الى زيادة الاستثمار، خلق فرص العمل، وتحقيق النمو الاقتصادي وبالتالي زيادة الرضا عن النظام الحاكم، فان دخول السياسيين ميدان التجارة ومنافستهم للتجار الحقيقين بطرق غير شريفة وعن طريق توظيف نفوذهم في الدولة والموارد العامة يؤدي الى تزايد النقمة ضد النظام القائم. وقد لوحظ التأثير الكبير لهذا الجانب في كل من تونس ومصر حيث انخرطت القلة الحاكمة في النشاط الاقتصادي واحتكرت مجالات الاستثمار وشاركت الناس في ارباحهم بدون وجه حق وهو ما اثر سلبا على معدلات الاستثمار، والنمو الاقتصادي، وعلى خلق فرص العمل.
3. العوامل الإجتماعية
تتعدد العوامل الاجتماعية التي يمكن ان تؤدي الى الثورة. وفي الحالتين التونسية والمصرية يمكن الإشارة الى العوامل الاجتماعية التالية كمحركات للثورة:
أ. الانقسام الاجتماعي الحاد الى أقلية غنية مسيطرة تستأثر بالسلطة والثروة واغلبية فقيرة مستلبة الحقوق وتتعرض للقمع والاضطهاد من قبل الأقلية المسيطرة.
ب. المعدلات المرتفعة نسبيا للبطالة وخصوصا بين خريجي الجامعات وانتشار الفقر.
ج. غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة واعباء الإصلاحات الاقتصادية.
أولا- عوامل قيام الثورات
يسعى السياسيون اما بقصد أو بدون قصد لخلق ظروف قيام الثورات، لكن الثورات ذاتها لا تصنع وانما تحدث فجأة. وهناك مجموعة من العوامل التي تحدد قيام الثورات وتمثل قاسما مشتركا فيما بينها. وأهم تلك العوامل في حالتي تونس ومصر والعالم العربي بشكل عام هي التالي:
1. العوامل السياسية
تتفق تونس ومصر مع كل الأنظمة العربية الأخرى تقريبا ملكية كانت أو جمهورية في مجموعة من الخصائص السياسية التي تشكل في مجموعها البيئة الملائمة لقيام الثورة. ولعل اهم تلك العوامل السياسية هو غياب المشاركة السياسية الفاعلة، فساد الطبقة الحاكمة، الضياع المتكرر لفرص الإصلاح، انتهاكات الحقوق، انعدام الأمل في التغيير، وتراجع الدعم الخارجي للاستبداد.
أ. غياب المشاركة الفاعلة
تمثل المشاركة السياسية الفاعلة أهم مصادر الشرعية للأنظمة السياسية. والمقصود بالشرعية هنا قبول المواطنين بالنظام القائم اشخاصا ومؤسسات، وبالتالي عدم الثورة عليه. والمقصود بالمشاركة السياسية الفاعلة هو تلك المشاركة التي تجعل المواطن قادرا على التأثير في عملية اختيار القادة السياسيين الذين يمارسون السلطة فعليا؛ تولي المواقع العامة؛ التأثير في صنع السياسات العامة؛ ومساءلة الحكام. ولعل ما يتفق فيه النظامان المنقرضان في تونس ومصر هو انهما عانيا من تناقض واضح بين الطابع الجمهوري للنظام مع ما يعنيه ذلك من شراكة حقيقية في السلطة بين قوى المجتمع من جهة؛ وبين الاستبعاد السياسي الممارس على صعيد الواقع من جهة أخرى. وهذا التناقض الفاضح تعاني منه مع اختلاف في الدرجة معظم ان لم يكن كل الأنظمة العربية الجمهورية والبالغ عددها 14 نظاما.
وربما ان ما يميز تونس ومصر من بين كل الأنظمة الجمهورية القائمة في العالم العربي هو المبالغة في اقصاء الشركاء وقمع الخصوم وتفريغ الآلية الانتخابية من مضامين المشاركة وتحويل المؤسسات النيابية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي الى مجرد مسامير في عربة الحاكم الفرد. وقد أدت عملية اغلاق المؤسسات الرسمية والدستورية للمشاركة في وجه الطلب المتزايد الى الدفع بالناس الى الشوارع التي تثبت الأنظمة الاستبدادية دائما عجزها عن السيطرة عليها. كما ادت الى سد قنوات الاتصال بين النظام ومواطنيه وافقدته القدرة على الاستجابة لأي مطالب.
ب. فساد الأوليجاركيات الحاكمة
تطورت النظم الجمهورية الاستبدادية في العالم العربي الى ما يسمى بالأوليجاركية وهي القلة التي تحكم لصالح نفسها وليس لصالح الشعوب. ضف الى ذلك أن تلك القلة ورغم الطبيعة الجمهورية للأنظمة قد قامت بشكل اساسي على علاقات القرابة والنسب. وأدى ظهور الأوليجاركية كجماعة من اللصوص لا هم لها الا الاستيلاء على الموارد العامة واحيانا الخاصة من جهة الى تضييق قاعدة الأنظمة وخصوصا بعد ان اصبحت تلك الأوليجاركيات تشمل بشكل اساسي الحاكم الفرد واسرته واقاربه، والى احتدم الصراع بين مكونات تلك الأوليجاركيات من جهة أخرى. وقد أدى ذلك، مع ظهور التوريث كحل لأزمة انتقال السلطة في الجمهوريات العربية، الى جعل تلك الأوليجاركيات هدفا سهلا للثورات الشعبية.
ج. انتهاكات الحقوق
تتفق الأنظمة الاستبدادية الحاكمة في الوطن العربي، وان اختلفت من حيث الدرجة، بانها لا تطيق المعارضة ايا كان نوعها، ولا التعبير السلمي عن الراي مهما كان مهذبا، ولا منظمات المجتمع المدني وتلجأ السلطات الى قمع النشطاء والكتاب والصحف والأحزاب والمنظمات المدنية، وتتفنن في اتباع الأساليب لتحقيق ذلك. ويمتاز النظامان البائدان في تونس ومصر، والأول ربما بدرجة أكبر، بانهما اتبعا درجة عالية من القمع للأفراد والجماعات بشكل ادى الى حدوث كبت سياسي واجتماعي واقتصادي جعل الثورة بما تمتاز به من مفاجأة هي الأسلوب الوحيد للتغيير.
د. غياب الإصلاحات
تتحدث الأنظمة العربية جمهورية كانت أو ملكية عن الإصلاح السياسي وتوسيع قاعدة المشاركة وحماية حرية الرأي والتعبير لكن تلك الإصلاحات في احسن الأحوال تشبه النباتات الصحراوية التي تظهر بسرعة ثم تختفي ليحل محلها رمض الصحراء وسرابها. فقد شهدت دول مثل الجزائر والأردن واليمن ومصر البدء في تنفيذ اصلاحات سياسية طموحة مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين أو حتى قبل ذلك التاريخ لكنها سرعان ما تراجعت كلية عن تلك الإصلاحات مع نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. وقد تطورت الأمور في دول مثل مصر وتونس بحيث ان اي اصلاح يتم الحديث عنه اصبح يعني المزيد من التضييق لدائرة السلطة والنفوذ.
ه. انعدام الأمل في التغيير
اتفقت الكثير من الأنظمة الجمهورية في العالم العربي ومن ضمنها الأنظمة في تونس ومصر في انها وصلت الى مرحلة انسداد الأفق بالنسبة لعملية التغيير وبحيث تحولت تشوهات الأنظمة القائمة الى ثوابت وطنية يعاقب من يتجرأ على التفكير بالخروج عليها. ومع أن بني البشر يميلون الى التغيير التدريجي لشئون حياتهم وليس الى الثورات الإ أن الأنظمة الاستبدادية التي تسد آفاق التغيير أمام الناس عن طريق الإقصاء والقمع والانتهاك المتكرر للحقوق لا تدع امام الناس من طريق آخر للتغيير سوى طريق الثورة.
و. تراجع الدعم الخارجي للاستبداد
اعتمدت الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي في بقائها في السلطة على دعم الغرب لها ووصلت الى مرحلة ظنت معها ان تخويف الغرب بخطر صعود ’’الإسلاميين’’ قد ضمن لها ذلك الدعم بشكل دائم في مواجهة شعوبها. وتجاهلت تلك الأنظمة كثافة التفاعلات بين الشرق والغرب وما يمكن أن يترتب على تلك التفاعلات من فهم جديد لدى الغرب لأوضاع وظروف وأهداف وتطلعات الحركات الإسلامية. ولم تلتفت الأنظمة الاستبدادية الجامدة الى الأثر الذي يمكن ان يتركه صعود الإسلاميين الى السلطة في تركيا على نظرة الغرب للإسلام.
وفشلت الأنظمة المستبدة العربية وفي مقدمتها النظامين المنقرضين في مصر وتونس في قراءة التحولات في أوضاع وسياسات الغرب وخصوصا تلك المتعلقة بتراجع قوة الغرب من جهة وبالتحول الديمقراطي المستمر في تلك المجتمعات من جهة ثانية. فقد انتقلت السلطة في الولايات المتحدة والمانيا مثلا من نخب مسكونة بشكل اساسي بمصالح الرأسمالية العالمية ومهتمة بالاستقرار وتدفقات النفط وأمن اسرائيل الى نخب جديدة تهتم أكثر بقيم العدالة والحرية والديمقراطية ولا تتردد في التخلي عن المستبدين عندما تتحرك الشعوب ضدهم.
2. العوامل الاقتصادية
تمثل العوامل الاقتصادية وان اختلفت طبيعتها من حالة الى أخرى محركات هامة لقيام اي ثورة. ففي الحالتين التونسية والمصرية، فان الأوضاع المعيشية الصعبة وتنامي اسعار الغذاء على نحو خاص تمثل بالتأكيد جزءا من القوى المحركة للثورة وان كان من الخطأ، كما يذهب الكثير من المفكرين، اختزال عوامل قيام الثورة في الجانب الاقتصادي أو اختزال الجانب الاقتصادي في التضخم في اسعار السلع الأساسية. وفي حين يعتبر نجاح الحكومات في اشباع الحاجات الأساسية مصدرا ثانيا من مصادر الشرعية للأنظمة، فإن الفشل في اشباع تلك الحاجات يساهم في تآكل شرعية تلك الأنظمة.
وفي الوقت الذي يؤدي فيه تحرير الاقتصاد، والحد من الاحتكار وتشجيع المنافسة وخلق بيئة استثمارية مواتية الى زيادة الاستثمار، خلق فرص العمل، وتحقيق النمو الاقتصادي وبالتالي زيادة الرضا عن النظام الحاكم، فان دخول السياسيين ميدان التجارة ومنافستهم للتجار الحقيقين بطرق غير شريفة وعن طريق توظيف نفوذهم في الدولة والموارد العامة يؤدي الى تزايد النقمة ضد النظام القائم. وقد لوحظ التأثير الكبير لهذا الجانب في كل من تونس ومصر حيث انخرطت القلة الحاكمة في النشاط الاقتصادي واحتكرت مجالات الاستثمار وشاركت الناس في ارباحهم بدون وجه حق وهو ما اثر سلبا على معدلات الاستثمار، والنمو الاقتصادي، وعلى خلق فرص العمل.
3. العوامل الإجتماعية
تتعدد العوامل الاجتماعية التي يمكن ان تؤدي الى الثورة. وفي الحالتين التونسية والمصرية يمكن الإشارة الى العوامل الاجتماعية التالية كمحركات للثورة:
أ. الانقسام الاجتماعي الحاد الى أقلية غنية مسيطرة تستأثر بالسلطة والثروة واغلبية فقيرة مستلبة الحقوق وتتعرض للقمع والاضطهاد من قبل الأقلية المسيطرة.
ب. المعدلات المرتفعة نسبيا للبطالة وخصوصا بين خريجي الجامعات وانتشار الفقر.
ج. غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة واعباء الإصلاحات الاقتصادية.