صفحة 1 من 1

دارفور ..والضمير الفرنسي الغائب

مرسل: الاثنين مايو 30, 2011 2:28 am
بواسطة عبدالله القحطاني8

دارفور ..والضمير الفرنسي الغائب
الاربعاء 25 ذو القعدة 1428 الموافق 05 ديسمبر 2007


د. محمد مورو

أيًا كان مصير قضية خطف الأطفال من تشاد، وسواء نجحت الحكومة الفرنسية في الضغط على حكومة تشاد أو إغرائها بطريقة أو أخرى للوصول إلى نوع من التسوية ومن ثم طي صفحة هذه القضية المتهم فيها عدد من الفرنسيين والأوربيين فإن الحقيقة العارية التي لن ينجح أحدًا في وضع ورقة توت على عورتها، هي أن فرنسا بل أوروبا عانت ولا تزال تعاني من انحطاط حضاري خطير، وأن الحضارة الغربية حضارة غير أخلاقية شكلاً ومضمونًا.
القضية تتلخص في أن منظمة فرنسية تسمى "منظمة لاروس دو ذوية" - وهي منظمة تدعي أنها منظمة إنسانية تقوم على مبادئ الحضارة الأوروبية، وأنها تساعد الفقراء .... إلخ من تلك السفارات التي ثبت كذبها - قامت بخطف أكثر من مائة طفل من لاجئي دارفور في تشاد، وزعمت أنهم أطفال يتامى من تشاد ذاتها وأنهم بلا مأوى أي أنها تقدم عملاً خيريًا وثبت فيما بعد أنهم من دارفور، وأنهم ليسوا يتامى، وأنه تم استدراجهم وخطفهم!! ... أي أن هناك جريمة خطف تحت شعار إنسانية، وهناك جريمة كذب لتبرير هذا الخطف، وهذا يكشف مباشرة زيف القيم الأخلاقية الفرنسية والأوروبية عمومًا.
عملية الخطف تمت طبعًا بعيدًا عن عيون السلطات في تشاد أو دارفور أو السودان، وهذا بديهي لأنها جريمة تعتمد على السرية والقول الذي يروج حاليًا أن تلك المنظمة كانت تنوي ترحيل هؤلاء الأطفال إلى فرنسا في طائرة تهبط في مطار فرنسي... أي أن هناك تواطؤًا من السلطات الفرنسية مع الجريمة، ومعنى هذه أن الانحطاط الأخلاقي هو سمة الحكومة الفرنسية بل المجتمع الفرنسي!!، وأن هؤلاء الأطفال سيتم بيعهم لأسر فرنسية وأوروبية تريد تبني أطفال.
وكانت قد أثيرت مشاكل قانونية حول حصول منظمة لاروس دو ذوية على أموال من مشترين فرنسيين دون أن تورد إليهم الأطفال المخطوفين، الأمر الذي يؤكد ضلوع جهات سياسية وحكومية وقضائية فرنسية في تلك الجريمة وهو يؤكد الانحطاط الأخلاقي للمؤسسة وليست الحكومة الأوروبية، بل الانحطاط الأخلاقي في المجتمعات الأوروبية، إذا لو كان الأمر فيه أخلاق، لتدخلت المفوضية الأوروبية مثلاً، وقامت بالتحقيق ومعاقبة السلطات الفرنسية المتورطة، لأنه كيف يعقل هبوط طائرة تحمل أطفالاً مخطوفين على أرض فرنسية بدون علم السلطات الفرنسية، وكذا لو كان هناك أخلاق فرنسية لقامت المؤسسات المدنية الفرنسية بالتظاهر وإسقاط الحكومة الفرنسية مثلاً!!.
الأخطر من هذا كله أن تلك المنظمة تحديدًا تحصل على دعم فرنسي وتحصل على دعم إتحادي أوروبي!!
على أننا نتصور أن الجزء الغاطس في جبل الجليد أكبر من الجزء الطافي فالجزء الطافي هو خطف أطفال أفريقيين بهدف بيعهم لأسر فرنسية وأوروبية تتبناهم وتربيهم، وهذه جريمة طبعًا، ولكن الأخطر أن هؤلاء الأطفال كانوا سيتم تسليمهم إلى جهات فرنسية تحت هوة الذريعة تقوم ببيعهم كقطع غيار بشرية في أوروبا وليس لأسر تقوم بتربيتهم، فما هكذا يحصل التبني عادة.
أيًا كان الأمر، فإن الحضارة الأوروبية التي مارست الإبادة ضد الهنود الحمر في أمريكا واستراليا والتي قامت بجريمة استرقاق السود على نطاق واسع، والتي نظمت المذابح والنهب في البلاد المستعمرة إبان فترة الاستعمار والتي أنشأت دولة إسرائيل وتسببت في تشريد وشقاء وقتل الفلسطينيين حتى اليوم، ومن ثم فهي حضارة منحطة، لم تتوقف حتى الآن عن ممارسة جرائمها البشعة. ففي السنوات الأخيرة ظهرت جرائم سجن أبي غريب، وجرائم قتل أسرى قلعة جانجي في أفغانستان، وجرائم جوانتنامو، وجرائم إسرائيل المستمرة بلا حصر تحت سمع ودعم أمريكا وأوروبا وجرائم إبادة شعب العراق وأفغانستان وغيرها، وآخرها جريمة خطف أطفال دارفور، كلها تثبت أن الانحطاط الأخلاقي سمة جوهرية في الحضارة الغربية لا يمكنها التخلص أو الشفاء منها.