صفحة 1 من 1

السياسة النقدية ودورها في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصاديين

مرسل: الاثنين مايو 30, 2011 7:37 pm
بواسطة عبدالرحمن ي الدخيل1
تثبت الأدبيات الاقتصادية أن السياسة النقدية تحتل مكان الصدارة في هيكل السياسات الاقتصادية الكلية منذ أمد بعيد، فقد عدّها الاقتصاديون الكلاسيك المحور الرئيس في السياسة الاقتصادية الكلية، وبذلك كانت الأداة الرئيسة التي تمكـن الدولة من إدارة النشاط الاقتصادي، ونتيجة لذلك نجد أن السياسة النقدية لعبت دوراً بارزاً في تحقيق النهضة الاقتصادية في كثير من الدول المتقدمة، وهذا ما جعلها تتصدر السياسات الاقتصادية الكلية لعدة عقود، حتى ظهور النظرية الكينـزية في الاقتصاد عقب انفجار الأزمة الاقتصادية الكبرى في الثلاثينيات من القرن الماضي، والتي هيأت الظروف لإزاحة فكر المدرسة الكلاسيكية عن صدارة الفكر الاقتصادي في المستويين الأكاديمي والتطبيقي لتحتل مكان الصدارة النظرية الاقتصادية الكينـزية، والتي تؤمن أن السياسة المالية تُعد أكثر فاعلية لإدارة الاقتصاد من السياسة النقدية، وبذلك تراجع الاهتمام بالسياسة النقدية في عقدي الثلاثينيات والأربعينيات وحتى مطلع الخمسينيات، حين برز تفاقم العديد من المشاكل والصعوبات الناجمة عن تزايد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، في ظل تعاظم دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية والتطور العلمي في أساليب الإنتاج، إلى جانب إهمال دور السياسة النقدية في تنظيم وإدارة الاقتصاد، فأسهم كل ذلك في تهيئـة الظروف لتوجيه النقد للسياسات الاقتصادية المنبثقـة من النظرية الاقتصادية الكينـزية، والدعوة للتحول إلى فكر المدرسة النقدية الحديثة، والتي تزعمها الاقتصادي الأمريكي (ميلتون فريدمان )، وبذلك أخذت السياسة النقدية ومنذ منتصف السبعينيات - مرة أخرى - مكان الصدارة بين السياسات الاقتصادية الكلية، ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا ما تزال السياسة النقدية تمثل محور السياسة الاقتصادية الكلية، مع ظهور وجهة النظر المطالبة بضرورة المزج بين السياستين النقدية والمالية، حتى يتسنى الحد من الآثار الاقتصادية السالبة الناجمة عن المبالغة في تطبيق السياسة النقدية، وتحقيق قدر أكبر من الفاعلية في التأثير على وضع واتجاه النشاط الاقتصادي، بل أن استناد البنك والصندوق الدوليين بدرجة أكبر على السياسة النقدية عند تصميمهما برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقـدي (برامج التثبيت والتكيف الهيكلي) في معظم الدول النامية قد جعل منها محور السياسة الاقتصادية الكلية، وبالأخص في معالجة مشكلتي عدم الاستقرار الاقتصادي والتضخم.

وفي ضوء ما سبق نلاحظ أن السياسة النقدية احتلت مكان الصدارة بين السياسات الاقتصادية الكلية في نظام الاقتصاد الحر، وهو ما تسعى إليه مختلف دول العالم وبالأخص دول الكتلة الشرقية سابقاً والدول النامية.

وكون العديد من الدول النامية ما تزال حديثة العهد بعملية إدارة الاقتصاد بالاعتماد - بدرجة كبيرة - على السياسة النقدية فإن الحاجة تستدعي إيلاء موضوع دراسة السياسة النقدية وفهمها أهمية كبيرة، وإخضاع تنفيذها للتقويم والتمحيص المستمر، حتى يتسنى للمختصين تطويعها وتكييفها مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة فيها.

وتُعدُّ الجمهورية اليمنية من الدول الأقل نمواً، التي قطعت شوطاً لا بأس به في تنفيذ سياسات الإصلاح بما في ذلك الإسراع في تنفيذ سياسة تحرير الاقتصاد والاعتماد بدرجة كبيرة على السياسات المالية والنقدية في إدارة وتوجيه الاقتصاد، غير أن خبرة وتجربة اليمن في رسم وتنفيذ ومتابعة وتقويم السياسة النقدية ما تزال محدودة سواءً كان ذلك في المستويين الأكاديمي والتطبيقي أم كان ذلك في المستويين الرسمي وغير الرسمي.

وهذا ما يُلزم الجميع إعطاء موضوع السياسة النقدية مزيداً من الدراسة والتحليل والتقويم، سواءً كان ذلك في المستوى الأكاديمي أم التطبيقي، وبالأخص في ظل تزايد الاعتماد على تلك السياسة في توجيه الاقتصاد.

ولذلك فضلت أن يكون موضوع الرسالة منبثقاً من جملة مواضيع هي بحاجة للدراسة والتحليل من قبل المختصين وذوي العلاقة في الشأن الاقتصادي.

طبيعة المشكلة وأهميتها:-

تكمن المشكلة في محدودية دور الجهاز المصرفي في النشاط الاقتصادي وتعدد أدوات السياسة النقدية وحداثة فترة التعامل بها في توجيه الاقتصاد، وارتفاع درجة حساسيتها للمتغيرات الخارجية، جراء انتهاج الحكومة سياسة تحرير الاقتصاد، وارتفاع نسبة انكشاف الاقتصاد اليمني على الخارج، وهذا ما سيجعل من عملية انتقاء السياسة النقدية المناسبة لتوجيه وتنظيم النشاط الاقتصادي لتحقيق عملية الاستقرار والنمو في ظل محدودية عملية التجريب والاختبار لتلك السياسات.

كما أن هناك محدودية في استخدام السياسة النقدية في عملية توجيه الاقتصاد في الفترة الماضية، مما يجعل الدراسات المرتبطة بتقويم السياسة النقدية قاصرة وغير مكتملة لتحديد درجة كفاءتها في عملية تنظيم وتوجيه الاقتصاد اليمني.

ومع النتائج الموجبة التي حققتها السياسة النقدية الانكماشية في السنوات الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي والتي تمثلت في " تخفيض التوسع في العرض النقدي من (34%) عام 1994م إلى (11%) عام 1996م "([1])، وخلق قدر معقول من الاستقرار الاقتصادي وتحقيق معدلات نمو موجبة, "ومع أن البرنـامج قـد استهدف دوراً فعالاً للسياسة النقدية بتفعيل دور الوسـاطة الماليـة، وخلق بيئة مناسبة للسوق التنافسية، وتشجيع تنمية المؤسسات المالية وتقوية القدرات المؤسسية للبنك المركزي خاصة في مجال الرقابة النقدية غـير المباشرة والرقـابـة الاحترازية"([2])، ومع النتائج الجيدة التي حققها برنامج الإصلاح في مجال الاستقرار الاقتصادي في مرحلته الأولى (مرحلة التثبيت الاقتصادي) إلاّ أن ذلك الاستقرار بدأ بالتراجع في السنوات الأخيرة ابتداءً من عام 1999م، مما يعني أن الموضوع يحتاج إلى الكثير من الدراسة والتحليل في المستويين الأكاديمي والعملي، ومن هنا تبرز أهمية دراسة السياسة النقدية في ظل توقع اعتماد الحكومة عليها بدرجة كبيرة، والتزامها بتحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي وسياسي يكفل تحقيق تنمية حقيقية وعادلة ومستدامة تعالج مختلف الاختلالات والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية الهامة.

صياغة المشكلة البحثية وأهميتها:-

تأتي أهمية الدراسة من واقع معرفة أن موضوع السياسة النقدية من المواضيع التي لم تلق أهمية من قبل الباحثين، مع ما تشكله تلك السياسة من دور فاعل في كثير من البلدان في سبيل تحقيق الاستقرار الاقتصادي وزيادة معدل النمو إذ تُعدّ الجمهورية اليمنية من الدول الحديثة العهد بالنظام المصرفي عامة، وانتهاج السياسات الاقتصادية الكلية وبالأخص النقدية منها، لاسيما أن إنشاء بنك مركزي لم يتم إلا في بداية السبعينيات من القرن الماضي، كما أن السياسات الاقتصادية الكلية ذات الطابع النقدي لم يتم الأخذ بها فعلياً إلا من منتصف التسعينيات، جراء التزام الحكومة بتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري، بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وقبل الوحدة اليمنية المباركة (22 مايو 1990م) أخذت الجمهورية العربية اليمنية، بأسلوب التخطيط التأشيري الذي أعطى دوراً بارزاً للدولة في النشاط الاقتصادي في حين كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تتبع أسلوب التخطيط المركزي منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي.

ونتيجة لذلك تتضح محدودية نشاط القطاع المالي في النشاط الاقتصادي، إذ لم تتجاوز نسبة مساهمة قطاع التمويل والتأمين في توليد الناتج المحلي الإجمالي عام (2002م) الـ(3.0%) وانخفاض درجة الوعي المصرفي في المستويين الرسمي والمجتمعي، وهذا ما يؤكد أن فاعلية السياسة النقدية في توجيه النشاط الاقتصادي محدودة جداً، وقد التزمت الحكومة بالأخذ بآليات السوق في سياساتها الاقتصادية، إلى جانب إدارة التنمية وفق منهجية التخطيط التأشيري، مما يعني أن السياسة النقدية ستفرض نفسها أداة رئيسة ليس على الحكومة فقط، بل وعلى مختلف مؤسسات الجهاز المالي والمصرفي خاصة، والفاعلين الاقتصاديين عامة.