قلم جاف في مرحلة ما قبل الاختبارات
مرسل: الاثنين مايو 30, 2011 11:55 pm
د. أحمد العيسى
تستعد البيوت السعودية في الأيام القليلة القادمة لمرحلة الاختبارات النهائية التي تمثل في نظامنا التعليمي المفصل الأخير والحاسم في مسيرة عام حافل، حين يتم تحديد من ينجح ويرتفع إلى مستوى لاحق، أو من يرسب فيبحث عن فرصة ثانية للنجاح في اختبارات الإعادة.
وعلى الرغم من أن نسبة الطلبة الراسبين في السنوات الأخيرة تبقى قليلة مقارنة بنسبة الطلبة الناجحين، إلا أن الاختبارات ونتائجها يبقى لها تأثير كبير في مسألة المعدلات وبخاصة في المرحلة الثانوية التي سيبحث خريجوها عن مكان ما في مؤسسات التعليم العالي. كما أن مسألة المعدلات لها أيضاً حضورها القوي في سجل المنافسة بين الطلبة للحصول على معدلات أعلى، وهذا ما نلمسه لدى البنات بشكل أكبر بكثير من البنين.
وعلى الرغم من المحاولات التي أدخلتها وزارة التربية والتعليم في السنوات الماضية للتخفيف من صرامة الاختبارات النهائية وسطوتها في نفوس التلاميذ، إلا أن الثقافة العامة في المجتمع لا تزال تمنح فترة ما قبل الاختبارات أهمية خاصة، فالبيوت السعودية تستعد قبل أسبوع أو أسبوعين لهذه الفترة بكافة وسائل الترغيب والترهيب لحث الأبناء على المذاكرة والمراجعة حتى لا يفوتهم شيء مما دوّن في صفحات الكتب الدراسية، أو مما يمكن أن يكون قد دون في دفاتر الطلاب وكراساتهم.
في هذه الفترة بالذات يكون الاستعداد على أشده، حين تلغى الزيارات العائلية، وتخفض ساعات مشاهدة التلفاز، ويعاد جدولة ساعات النوم، وساعات الطعام، وساعات الترفيه. وفي هذه الفترة تنشط الدروس الخصوصية فتنتشر الإعلانات عن معلمين في الرياضيات، أو في العلوم، أو في اللغة الإنجليزية، أو حتى في اللغة العربية، وتبدأ الاتصالات بين الأمهات للبحث عن معلم متميز من هنا أو هناك، فشجع بذلك قيام سوق سوداء أو حمراء أو بنفسجية، لا يهم الألوان، وما يهم هو الحصول على المعلم الجيد الذي يحشو رأس الأبناء بمعلومات قد تفيدهم في اختبار الغد أو بعد غد. أما ما يهم هؤلاء المعلمين فهو الخروج بمصاريف الإجازة الصيفية، وربما تذاكر السفر وهدايا الأهل والجيران.
وفي هذه الفترة تكثر التحذيرات من مضار السهر، ومن الوقوع في حبائل مروجي حبوب المنشطات، ومن احتراف وسائل الغش والتزوير من خلال نقل المعلومات في "براشيم" من كافة الأنواع حتى وصلت إلى استخدام وسائل تكنولوجية متقدمة لم تخطر على بال المراقبين والمشرفين والمسؤولين عن هذه الاختبارات.
وعلى الرغم من كل هذه العيوب العظيمة التي تبرز في فترة ما قبل الاختبارات، إلا أن هناك من ينتقد السياسات التي خففت من "بعبع" الاختبارات، ويعتبر أن هذه السياسات قد أفسدت النظام التعليمي وقللت من هيبته في نفوس الطلاب، وأضعفت من الثقة في نتائج الاختبارات. وهم بذلك لا يزالون يتحسرون على طقوس بائدة كانت بالنسبة لهم في غاية الأهمية، فاللجان المركزية للاختبارات كانت تعني لهم الشيء الكثير، والأسئلة التي تزود بها المدارس وتبقى سرية ومحفوظة في مظروف خاص ومختوم بالشمع الأحمر لها مكانة خاصة في نفوسهم، وأرقام الجلوس - وما أدراك ما أرقام الجلوس - تضيف لصبيحة الاختبار طقساً بديعاً تنتظم من خلاله إجراءات المراقبة والتفتيش. وأخيراً كان للجان التصحيح موقع مهم في النظام التعليمي، وأي تسريب يقع منها متعمداً أو غير متعمد كان بمثابة الكارثة التي تشكل من أجلها لجان التحقيق.
إن نظاماً تعليمياً يختصر فترة المراجعة والمذاكرة في أسبوع أو أسبوعين، ويحصر النجاح أو الرسوب في ما يقدمه الطالب خلال ساعة أو ساعتين، ولم يستطع أن يدفع الطلاب لأنْ يبذلوا يومياً من الجهد والوقت للدراسة والبحث والتنقيب في بيوتهم ما يوازي ما يبذلونه من جهد ووقت وهم على مقاعد الدراسة، فهو نظام لن يقدم لنا عقولاً تفكر في فضاء عصر جديد، وتنجح في فك طلاسم العلم والمعرفة، وتقدم حلولاً لحياة مليئة بالتحديات والتعقيدات والمواجهات.
ومن هنا لن نستغرب أن يوجد مجتمع يهتم بالشكليات، ويقدس المظهريات، ويتنافس للحصول على الشهادات، حتى لو كانت مزورة أو مضروبة في مصداقيتها، وفي مصداقية الجهات التي أنتجتها..
والله من وراء القصد..
تستعد البيوت السعودية في الأيام القليلة القادمة لمرحلة الاختبارات النهائية التي تمثل في نظامنا التعليمي المفصل الأخير والحاسم في مسيرة عام حافل، حين يتم تحديد من ينجح ويرتفع إلى مستوى لاحق، أو من يرسب فيبحث عن فرصة ثانية للنجاح في اختبارات الإعادة.
وعلى الرغم من أن نسبة الطلبة الراسبين في السنوات الأخيرة تبقى قليلة مقارنة بنسبة الطلبة الناجحين، إلا أن الاختبارات ونتائجها يبقى لها تأثير كبير في مسألة المعدلات وبخاصة في المرحلة الثانوية التي سيبحث خريجوها عن مكان ما في مؤسسات التعليم العالي. كما أن مسألة المعدلات لها أيضاً حضورها القوي في سجل المنافسة بين الطلبة للحصول على معدلات أعلى، وهذا ما نلمسه لدى البنات بشكل أكبر بكثير من البنين.
وعلى الرغم من المحاولات التي أدخلتها وزارة التربية والتعليم في السنوات الماضية للتخفيف من صرامة الاختبارات النهائية وسطوتها في نفوس التلاميذ، إلا أن الثقافة العامة في المجتمع لا تزال تمنح فترة ما قبل الاختبارات أهمية خاصة، فالبيوت السعودية تستعد قبل أسبوع أو أسبوعين لهذه الفترة بكافة وسائل الترغيب والترهيب لحث الأبناء على المذاكرة والمراجعة حتى لا يفوتهم شيء مما دوّن في صفحات الكتب الدراسية، أو مما يمكن أن يكون قد دون في دفاتر الطلاب وكراساتهم.
في هذه الفترة بالذات يكون الاستعداد على أشده، حين تلغى الزيارات العائلية، وتخفض ساعات مشاهدة التلفاز، ويعاد جدولة ساعات النوم، وساعات الطعام، وساعات الترفيه. وفي هذه الفترة تنشط الدروس الخصوصية فتنتشر الإعلانات عن معلمين في الرياضيات، أو في العلوم، أو في اللغة الإنجليزية، أو حتى في اللغة العربية، وتبدأ الاتصالات بين الأمهات للبحث عن معلم متميز من هنا أو هناك، فشجع بذلك قيام سوق سوداء أو حمراء أو بنفسجية، لا يهم الألوان، وما يهم هو الحصول على المعلم الجيد الذي يحشو رأس الأبناء بمعلومات قد تفيدهم في اختبار الغد أو بعد غد. أما ما يهم هؤلاء المعلمين فهو الخروج بمصاريف الإجازة الصيفية، وربما تذاكر السفر وهدايا الأهل والجيران.
وفي هذه الفترة تكثر التحذيرات من مضار السهر، ومن الوقوع في حبائل مروجي حبوب المنشطات، ومن احتراف وسائل الغش والتزوير من خلال نقل المعلومات في "براشيم" من كافة الأنواع حتى وصلت إلى استخدام وسائل تكنولوجية متقدمة لم تخطر على بال المراقبين والمشرفين والمسؤولين عن هذه الاختبارات.
وعلى الرغم من كل هذه العيوب العظيمة التي تبرز في فترة ما قبل الاختبارات، إلا أن هناك من ينتقد السياسات التي خففت من "بعبع" الاختبارات، ويعتبر أن هذه السياسات قد أفسدت النظام التعليمي وقللت من هيبته في نفوس الطلاب، وأضعفت من الثقة في نتائج الاختبارات. وهم بذلك لا يزالون يتحسرون على طقوس بائدة كانت بالنسبة لهم في غاية الأهمية، فاللجان المركزية للاختبارات كانت تعني لهم الشيء الكثير، والأسئلة التي تزود بها المدارس وتبقى سرية ومحفوظة في مظروف خاص ومختوم بالشمع الأحمر لها مكانة خاصة في نفوسهم، وأرقام الجلوس - وما أدراك ما أرقام الجلوس - تضيف لصبيحة الاختبار طقساً بديعاً تنتظم من خلاله إجراءات المراقبة والتفتيش. وأخيراً كان للجان التصحيح موقع مهم في النظام التعليمي، وأي تسريب يقع منها متعمداً أو غير متعمد كان بمثابة الكارثة التي تشكل من أجلها لجان التحقيق.
إن نظاماً تعليمياً يختصر فترة المراجعة والمذاكرة في أسبوع أو أسبوعين، ويحصر النجاح أو الرسوب في ما يقدمه الطالب خلال ساعة أو ساعتين، ولم يستطع أن يدفع الطلاب لأنْ يبذلوا يومياً من الجهد والوقت للدراسة والبحث والتنقيب في بيوتهم ما يوازي ما يبذلونه من جهد ووقت وهم على مقاعد الدراسة، فهو نظام لن يقدم لنا عقولاً تفكر في فضاء عصر جديد، وتنجح في فك طلاسم العلم والمعرفة، وتقدم حلولاً لحياة مليئة بالتحديات والتعقيدات والمواجهات.
ومن هنا لن نستغرب أن يوجد مجتمع يهتم بالشكليات، ويقدس المظهريات، ويتنافس للحصول على الشهادات، حتى لو كانت مزورة أو مضروبة في مصداقيتها، وفي مصداقية الجهات التي أنتجتها..
والله من وراء القصد..