المشهد العربي... وشهادة أفول عصر الأيديولوجيات
مرسل: الثلاثاء مايو 31, 2011 12:01 am
المشهد العربي... وشهادة أفول عصر الأيديولوجيات!!
د. عبدالله القفاري
وجدت الأحزاب السياسية القديمة نفسها وحيدة وحائرة وتائهة في معادلة من الصعب أن يكون لها فيها دور مؤثر، خاصة وانها ظلت تعمل كجزء من نظام لم يترك لها بعد رحيله فرصة استعادة حضورها في شارع يكاد يتوجس منها، وينسحب هذا على شعارات لم تعد تنطلي على شارع تعنيه القدوة ولا تسرقه الشعارات
كثر الحديث في السنوات الاخيرة عن سقوط او أفول الأيديولوجيات في المنطقة العربية بعد أن انحسرت في مناطق كثيرة من العالم، وثمة من كان يشكك بهذا الطرح باعتبار أن التجربة السياسية للأحزاب الايديولوجية إذا فشلت.. إلا أنه ليس هناك من يقوى على تجاوز أن المفاهيم الكبرى لبعض الايديولوجيات تركت فراغاً لم تتقدم إجابات او بدائل تشغله، وأن البديل الذي روّج له معسكر الرأسمالية الغربية يعاني الاخفاق، ويتعرض لكثير من التحديات بعد مرور أكثر من عقدين على تهاوي القلعة الكبرى للأيديولوجية.
عربياً ومنذ مطلع هذا العام، وعندما اشتعلت الحركات والانتفاضات العربية، كان الاختبار الكبير لمدى حضور الايديولوجيا في مشهد التغيير، وكان ثمة من يحاول ان يبحث عن تأثير الايديولوجيا في حراك شارع عربي فاجأ الجميع. كشف المشهد عن أن الايديولوجيا تكاد تغيب في حشود الجماهير، وإن بقيت بعض النخب تصارع فرادى في حركة تغيير كبرى لا تملك من زمامها شيئا.
الجماهير الشابة التي خرجت للشارع وهي تلحّ على التغيير، تبدو وكأنها قطعت مع أي شعار أيديولوجي، ولم تظهر يافطة واحدة يمكن المراهنة على انها تعبير عن توجه يشير الى محاولة استعادة شعارات او مفاهيم ايديولوجية. كتلة اجتماعية ضخمة تحاشت - بلا قصد- كل ما يشير الى رؤية او نسق فكري مصدره وعي أيديولوجي لتنهمك في لحظة تاريخية تلح على الخطوة الآنية الكبرى لتترك فراغ الاسئلة لدوي التغيير القادم.
ظلت هذه الجماهير تعيد رسم ملامح مطالبها في شعارات بسيطة وعميقة في آن، إنها الحرية والكرامة والخبز... ثلاثية المفقود الضاغط على وعيها. وهي تدرك ان الخيار الوحيد الممكن امامها ان تُمكّن من اختيار من يحكمها، والطريقة التي تحكم بها، وتبقي تفاصيل كثيرة ليست معنية بها في مرحلة تحول، إلا أنها تدرك انها ماضية في طريقها اذا ما تحققت اهدافها الاولى والتي تركزت في إسقاط نظام غير مستجيب، والعودة لمحاولة بناء يحقق تلك الاهداف دون ان تحمل رؤية ذات مفاهيم نهائية او اجابات ايديولوجية.
وجدت الاحزاب السياسية القديمة نفسها وحيدة وحائرة وتائهة في معادلة من الصعب ان يكون لها فيها دور مؤثر، خاصة وانها ظلت تعمل كجزء من نظام لم يترك لها بعد رحيله فرصة استعادة حضورها في شارع يكاد يتوجس منها، وينسحب هذا على شعارات لم تعد تنطلي على شارع تعنيه القدوة ولا تسرقه الشعارات.
لقد خيّب الشعب العربي المنتفض أحلام ما تبقى من حمَلة أردية الايديولوجيا، فكانت أيديولوجيته الوحيدة - إن جاز التعبير - توْقه للحرية والكرامة ودولة قانونٍ، ومواطنة، والاعتراف بدوره في التأثير والتغيير. لم تترك تلك المشاهد ملامح لسمات تدخل في دائرة ايديولوجيا او مفاهيم محسوبة على ايديولوجيا مغلقة ونهائية.
تاريخياً، نشأت الايديولوجيات السياسية العربية بعيد الصدمة الاستعمارية وضمن محاولات بناء الدولة العربية المستقلة، وهي تبحث عن مصادر جديدة للهوية قادرة على بناء كيانات كبرى بين جماعات قبلية ودينية متعددة الهوية الداخلية.
صعدت الليبرالية العربية عشية الاستقلال او قبيل الاستقلال، إلا ان هذا الصعود جاء بتحالف طبقة كبار الملاك والسياسيين الذين يشكلون جزءا من هذه الطبقة، إلا أن فشلها تأكد بتهاوي قدرتها على التصدي للهيمنة الاجنبية وقوى الاستعمار الاوروبي، وكانت المرحلة اللاحقة لنهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى وجه الخصوص بعد نكبة عام 1948 في فلسطين مضاعفات كبيرة على مشروعية تلك النخبة التي لم تكن بمستوى التحدي الذي فرضه المشروع الصهيوني في المنطقة. وعلى اثر ذلك نشأت جماعات سياسية جديدة لها نظرات جديدة ومصالح جديدة، وقيم جديدة وباختصار أيديولوجيات جديدة.
غير أن الممارسة الفعلية، لم تكن بمستوى شعارات مرحلة أو كما يقول "بول سالم" (إن العالم اختُزل في فكرة والفكرة اختزلت في كلمة, والكلمات اختزلت في نسق بواسطة مجموعات من الايديولوجيين والخطباء الموهوبين الذين رسموا صورا جذابة وإن كانت غير واقعية ليوتوبيا عربية يسودها العدل وترفرف على جوانبها أعلام الحرية!).
الوعي القومي حمل مشروع الوحدة العربية لواجهة الخطاب السياسي في مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وإن كان خطابا جذابا، إلا انه كان مثاليا متعاليا ومتجاهلا للواقع العربي. إلا ان أخطر ما واجهه هذا المشروع ذلك الصراع العنيف بين اطراف تتوسل الوحدة العربية وتتغنى بالقومية العربية وهي تتآمر وتصفي بعضها بعضاً.
الصورة الحالمة التي عبر عنها هذا المشروع بأدبياته لم تكن في الواقع بمستوى الثقة بقدرته على انجاز مشروعه، فالصراع بين هذه القوى من اجل السلطة، وانهيار مشروع الوحدة المصرية - السورية عام1961، والهزيمة القاسية في يونيو1967، ناهيك عن ان واقع الممارسة اعتمد تغييب الحريات وعدم الايمان بالتعددية، ومحاولة اختزال الحياة السياسية بحزب يحتكر الحقيقة والسياسة.. وكلها عوامل أجهضت الثقة بهذا المشروع وأدت لانحساره. ولم تكن تجربة حزب البعث بشقيه العراقي والسوري بأحسن حال من المشروعات القومية الاخرى. امتطاء صهوة البعث العربي للوصول للسلطة والصراع الدامي حولها كلف أثماناً باهظة، وهو حزب يكاد يلفظ انفاسه إذا لم يكن لفظها من زمن بعيد، ولكن أُبقي عليها كالمومياء لتصديق شهادة مشروعية لمن لا مشروعية له.
ولم تكن الاشتراكية التي ميزت تجربة البعث او الناصرية سوى ومضة في مشروع العدالة الاجتماعية، ليتم الانقلاب عليها والتخلص من استحقاقاتها، وبالتدريج تم إعادة إنتاج التحالف القديم بين السلطة والمال لترقيع نظام سياسي أصبح على حافة الافلاس.
أما الماركسية فهي محاولة نخبوية لنقل وترجمة الأدبيات الماركسية لم تحظ بتحليل متعمق للواقع العربي في جوانبه الاقتصادية والسياسية والثقافية وخصوصا فيما يتعلق بالدور المحوري الذي يلعبه الدين في المجتمع.
ظل الاسلام السياسي في دائرة المعارضة، ووجد مساحة واسعة من التعاطف بالاتكاء على الدين كمرجعية ثقافية لمعظم العرب. إلا انه لا توجد دلائل على انه قادر على الخروج بمشروع يحظى بالثقة خاصة بعد نزوع جماعات محسوبة على هذا التيار للتطرف والعنف والاقصاء واستهداف بناء دولة دينية او ماضوية وفق مقاييس لا علاقة لها بالواقع. تواجه فكرة الدولة الدينية اليوم معارضة شديدة في بيئة عربية لم تعد تقوى على التفاعل، ناهيك عن الثقة بمشروع كهذا مصادم لمبدأ دولة مدنية لكل مواطنيها مهما تعددت طوائفهم وأديانهم ومذاهبهم.
أما ما يحدث اليوم من صراعات حول هوية النظام القادم، فهو لا يوحي او يُحمل على بُعد أيديولوجي كنسق مغلق ونهائي، ولكنه تعبير طبيعي عن توجهات سياسية وتكوينات ثقافية واجتماعية، وهو يكاد يعبر عن تيارين بالتحديد. تيار اسلامي أقصي طويلا، وهو يحاول الاستفادة من مرحلة تحوّل لتقديم مشروعه المستند على هوية ثقافية ومن الصعب فصله عن المرجعية الاسلامية، وداخل هذا التيار ثمة تباينات ورؤى واجتهادات لم تتعرض للاختبار، وينتاب الكثيرين الشكوكُ حول إيمان هذا التيار بالدولة المدنية وحقوق الاقليات، وتيار يخشى برمته من قتل الحلم بدولة علمانية تعددية بدستور لا يقبل الانتهاك او استعادة وجه الاستبداد من أي كان، وتؤيده الاقليات التي تخشى الانتقاص من حقوقها ومواطنيتها.
د. عبدالله القفاري
وجدت الأحزاب السياسية القديمة نفسها وحيدة وحائرة وتائهة في معادلة من الصعب أن يكون لها فيها دور مؤثر، خاصة وانها ظلت تعمل كجزء من نظام لم يترك لها بعد رحيله فرصة استعادة حضورها في شارع يكاد يتوجس منها، وينسحب هذا على شعارات لم تعد تنطلي على شارع تعنيه القدوة ولا تسرقه الشعارات
كثر الحديث في السنوات الاخيرة عن سقوط او أفول الأيديولوجيات في المنطقة العربية بعد أن انحسرت في مناطق كثيرة من العالم، وثمة من كان يشكك بهذا الطرح باعتبار أن التجربة السياسية للأحزاب الايديولوجية إذا فشلت.. إلا أنه ليس هناك من يقوى على تجاوز أن المفاهيم الكبرى لبعض الايديولوجيات تركت فراغاً لم تتقدم إجابات او بدائل تشغله، وأن البديل الذي روّج له معسكر الرأسمالية الغربية يعاني الاخفاق، ويتعرض لكثير من التحديات بعد مرور أكثر من عقدين على تهاوي القلعة الكبرى للأيديولوجية.
عربياً ومنذ مطلع هذا العام، وعندما اشتعلت الحركات والانتفاضات العربية، كان الاختبار الكبير لمدى حضور الايديولوجيا في مشهد التغيير، وكان ثمة من يحاول ان يبحث عن تأثير الايديولوجيا في حراك شارع عربي فاجأ الجميع. كشف المشهد عن أن الايديولوجيا تكاد تغيب في حشود الجماهير، وإن بقيت بعض النخب تصارع فرادى في حركة تغيير كبرى لا تملك من زمامها شيئا.
الجماهير الشابة التي خرجت للشارع وهي تلحّ على التغيير، تبدو وكأنها قطعت مع أي شعار أيديولوجي، ولم تظهر يافطة واحدة يمكن المراهنة على انها تعبير عن توجه يشير الى محاولة استعادة شعارات او مفاهيم ايديولوجية. كتلة اجتماعية ضخمة تحاشت - بلا قصد- كل ما يشير الى رؤية او نسق فكري مصدره وعي أيديولوجي لتنهمك في لحظة تاريخية تلح على الخطوة الآنية الكبرى لتترك فراغ الاسئلة لدوي التغيير القادم.
ظلت هذه الجماهير تعيد رسم ملامح مطالبها في شعارات بسيطة وعميقة في آن، إنها الحرية والكرامة والخبز... ثلاثية المفقود الضاغط على وعيها. وهي تدرك ان الخيار الوحيد الممكن امامها ان تُمكّن من اختيار من يحكمها، والطريقة التي تحكم بها، وتبقي تفاصيل كثيرة ليست معنية بها في مرحلة تحول، إلا أنها تدرك انها ماضية في طريقها اذا ما تحققت اهدافها الاولى والتي تركزت في إسقاط نظام غير مستجيب، والعودة لمحاولة بناء يحقق تلك الاهداف دون ان تحمل رؤية ذات مفاهيم نهائية او اجابات ايديولوجية.
وجدت الاحزاب السياسية القديمة نفسها وحيدة وحائرة وتائهة في معادلة من الصعب ان يكون لها فيها دور مؤثر، خاصة وانها ظلت تعمل كجزء من نظام لم يترك لها بعد رحيله فرصة استعادة حضورها في شارع يكاد يتوجس منها، وينسحب هذا على شعارات لم تعد تنطلي على شارع تعنيه القدوة ولا تسرقه الشعارات.
لقد خيّب الشعب العربي المنتفض أحلام ما تبقى من حمَلة أردية الايديولوجيا، فكانت أيديولوجيته الوحيدة - إن جاز التعبير - توْقه للحرية والكرامة ودولة قانونٍ، ومواطنة، والاعتراف بدوره في التأثير والتغيير. لم تترك تلك المشاهد ملامح لسمات تدخل في دائرة ايديولوجيا او مفاهيم محسوبة على ايديولوجيا مغلقة ونهائية.
تاريخياً، نشأت الايديولوجيات السياسية العربية بعيد الصدمة الاستعمارية وضمن محاولات بناء الدولة العربية المستقلة، وهي تبحث عن مصادر جديدة للهوية قادرة على بناء كيانات كبرى بين جماعات قبلية ودينية متعددة الهوية الداخلية.
صعدت الليبرالية العربية عشية الاستقلال او قبيل الاستقلال، إلا ان هذا الصعود جاء بتحالف طبقة كبار الملاك والسياسيين الذين يشكلون جزءا من هذه الطبقة، إلا أن فشلها تأكد بتهاوي قدرتها على التصدي للهيمنة الاجنبية وقوى الاستعمار الاوروبي، وكانت المرحلة اللاحقة لنهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى وجه الخصوص بعد نكبة عام 1948 في فلسطين مضاعفات كبيرة على مشروعية تلك النخبة التي لم تكن بمستوى التحدي الذي فرضه المشروع الصهيوني في المنطقة. وعلى اثر ذلك نشأت جماعات سياسية جديدة لها نظرات جديدة ومصالح جديدة، وقيم جديدة وباختصار أيديولوجيات جديدة.
غير أن الممارسة الفعلية، لم تكن بمستوى شعارات مرحلة أو كما يقول "بول سالم" (إن العالم اختُزل في فكرة والفكرة اختزلت في كلمة, والكلمات اختزلت في نسق بواسطة مجموعات من الايديولوجيين والخطباء الموهوبين الذين رسموا صورا جذابة وإن كانت غير واقعية ليوتوبيا عربية يسودها العدل وترفرف على جوانبها أعلام الحرية!).
الوعي القومي حمل مشروع الوحدة العربية لواجهة الخطاب السياسي في مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وإن كان خطابا جذابا، إلا انه كان مثاليا متعاليا ومتجاهلا للواقع العربي. إلا ان أخطر ما واجهه هذا المشروع ذلك الصراع العنيف بين اطراف تتوسل الوحدة العربية وتتغنى بالقومية العربية وهي تتآمر وتصفي بعضها بعضاً.
الصورة الحالمة التي عبر عنها هذا المشروع بأدبياته لم تكن في الواقع بمستوى الثقة بقدرته على انجاز مشروعه، فالصراع بين هذه القوى من اجل السلطة، وانهيار مشروع الوحدة المصرية - السورية عام1961، والهزيمة القاسية في يونيو1967، ناهيك عن ان واقع الممارسة اعتمد تغييب الحريات وعدم الايمان بالتعددية، ومحاولة اختزال الحياة السياسية بحزب يحتكر الحقيقة والسياسة.. وكلها عوامل أجهضت الثقة بهذا المشروع وأدت لانحساره. ولم تكن تجربة حزب البعث بشقيه العراقي والسوري بأحسن حال من المشروعات القومية الاخرى. امتطاء صهوة البعث العربي للوصول للسلطة والصراع الدامي حولها كلف أثماناً باهظة، وهو حزب يكاد يلفظ انفاسه إذا لم يكن لفظها من زمن بعيد، ولكن أُبقي عليها كالمومياء لتصديق شهادة مشروعية لمن لا مشروعية له.
ولم تكن الاشتراكية التي ميزت تجربة البعث او الناصرية سوى ومضة في مشروع العدالة الاجتماعية، ليتم الانقلاب عليها والتخلص من استحقاقاتها، وبالتدريج تم إعادة إنتاج التحالف القديم بين السلطة والمال لترقيع نظام سياسي أصبح على حافة الافلاس.
أما الماركسية فهي محاولة نخبوية لنقل وترجمة الأدبيات الماركسية لم تحظ بتحليل متعمق للواقع العربي في جوانبه الاقتصادية والسياسية والثقافية وخصوصا فيما يتعلق بالدور المحوري الذي يلعبه الدين في المجتمع.
ظل الاسلام السياسي في دائرة المعارضة، ووجد مساحة واسعة من التعاطف بالاتكاء على الدين كمرجعية ثقافية لمعظم العرب. إلا انه لا توجد دلائل على انه قادر على الخروج بمشروع يحظى بالثقة خاصة بعد نزوع جماعات محسوبة على هذا التيار للتطرف والعنف والاقصاء واستهداف بناء دولة دينية او ماضوية وفق مقاييس لا علاقة لها بالواقع. تواجه فكرة الدولة الدينية اليوم معارضة شديدة في بيئة عربية لم تعد تقوى على التفاعل، ناهيك عن الثقة بمشروع كهذا مصادم لمبدأ دولة مدنية لكل مواطنيها مهما تعددت طوائفهم وأديانهم ومذاهبهم.
أما ما يحدث اليوم من صراعات حول هوية النظام القادم، فهو لا يوحي او يُحمل على بُعد أيديولوجي كنسق مغلق ونهائي، ولكنه تعبير طبيعي عن توجهات سياسية وتكوينات ثقافية واجتماعية، وهو يكاد يعبر عن تيارين بالتحديد. تيار اسلامي أقصي طويلا، وهو يحاول الاستفادة من مرحلة تحوّل لتقديم مشروعه المستند على هوية ثقافية ومن الصعب فصله عن المرجعية الاسلامية، وداخل هذا التيار ثمة تباينات ورؤى واجتهادات لم تتعرض للاختبار، وينتاب الكثيرين الشكوكُ حول إيمان هذا التيار بالدولة المدنية وحقوق الاقليات، وتيار يخشى برمته من قتل الحلم بدولة علمانية تعددية بدستور لا يقبل الانتهاك او استعادة وجه الاستبداد من أي كان، وتؤيده الاقليات التي تخشى الانتقاص من حقوقها ومواطنيتها.