منتديات الحوار الجامعية السياسية

قسم مختص بالطلاب و اسهاماتهم الدراسية

المشرف: صفيه باوزير

By طالب قانوني
#37882
 
تولية المرأة الولاية العامة

تعريف الولاية لغة:
الوِلاية:  الإمارة، والسلطان،  وتولي الأمر، والولي هو القائم على الولاية.
تعريف الولاية العامة اصطلاحًا [1]:
هي سلطة شرعية عامة مستمدة من اختيار عام، أو بيعة عامة، أو تعيين خاص من ولي الأمر [2] ، أو من يقوم مقامه، تُخول صاحبَها تنفيذ إرادته على الأمة جبرًا في شأن من مصالحها العامة في ضوء اختصاصه.
أنواع الولاية العامة:
قال الماوردي في كتابة المشهور (الأحكام السلطانية) مبينًا أنواع الولاية العامة في نظام الحكم الإسلامي: «فإذا استقر عقدها (يعني الإمامة) للإمام، انقسم ما صدر عنه من ولايات خلفائه أربعة أقسام:
فالقسم الأول: من تكون ولايته عامة في الأعمال العامة، وهم الوزراء، لأنهم يُستَنابون في جميع الأمور من غير تخصيص.
والقسم الثاني: من تكون ولايته عامة في أعمال خاصة، وهم: أمراء الأقاليم والبلدان؛ لأن النظر فيما خصوا به من الأعمال، عام في جميع الأمور.
والقسم الثالث: من تكون ولايته خاصة في الأعمال العامة، وهم كقاضي القضاة، ونقيب الجيوش، وحامي الثغور، ومستوفي الخراج، وجابي الصدقات؛ لأن كل  واحد منهم مقصور على نظر خاص في جميع الأعمال.
والقسم الرابع: من تكون ولايته خاصة في الأعمال الخاصة، وهم: كقاضي بلد، أو إقليم، أو مستوفي خراجه، أو جابي صدقاته، أو حامي ثغره، أو نقيب جند؛ لأن كل واحد منهم خاص النظر، مخصوص العمل» [3].
فتلك الأقسام كلها داخلة تحت الولاية العامة؛ وهي  خلاف الولاية الخاصة والتي يصح للمرأة أن تتولاها كنظارة الوقف، والوصاية على اليتامي.
دخول العمل النيابي في الولايات العامة:
يرى بعض المعاصرين أن عمل النائب لا يدخل تحت الولاية العامة، وهذا غير صحيح؛ فدساتير الدول تعطي النواب صلاحيات عظيمة، منها: حق إصدار القوانين، وحق الرقابة على السلطة التنفيذية ومساءلتها، وبعض الدساتير تمنحهم حق عزل الوزراء وغير ذلك.
فلا شك أن من يملك مثل هذه الصلاحيات هو داخل تحت الولاية العامة.
ومن أهم الولايات العامة التي ثار الجدل بشأنها في هذا العصر: رئاسة الدولة، والقضاء، والمجالس النيابية.
وفي هذا المبحث نعرض باختصار مذهب الفقهاء في حكم تولي المرأة رئاسة الدولة، مع بيان ما استدلوا به، وبيان موقف المعارضين من المعاصرين وما استدلوا به،  ومناقشة الأدلة، ثم تقرير الراجح في ذلك، والله الموفق.
أولًا: مذهب الفقهاء المانعين حكم تولي المرأة رئاسة الدولة:
اتفق فقهاء الأمة على عدم جواز تولي المرأة الإمامة العظمى، قال ابن حزم رحمه الله في معرض حديثه عن الخلافة: «وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة امرأة» [4] ، وقال الخطيب الشربيني مبينًا شروط الإمام الأعظم: «رابعها: كونه «ذكرًا» ليتفرغ ويتمكن من مخالطة الرجال، فلا تصح ولاية امرأة لما في الصحيح «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»» [5].
أما الآن فقد تفتت دولة الإسلام إلى دويلات بعد أن سقطت الخلافة العثمانية، وأصبح لكل منها سلطان أو رئيس منوط به مهام الإمامة العظمى على وجه الاستقلال، وذلك في الإقليم أو القطر الذي يحكمه.
وقد استدل الفقهاء على عدم جواز تولي المرأة رئاسة الدولة بما يلي:
1- الكتاب:
- قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34].
والقوامة هي: القيام على الأمر، والقوَّام: صيغة مبالغة، أي الحَسَنُ القيام بالأمر؛ أي: الرجل  قيّمٌ على المرأة؛ فالرجال يقومون على شئون النساء بالحفظ والرعاية والنفقة والتأديب وغير ذلك مما تقتضيه مصلحتهن.
قال القرطبي:
«قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} ابتداء وخبر؛ أي: يقومون بالنفقة عليهن، والذب عنهن» [6] ، وقال البغوي: «أي: مسلطون على تأديبهن، والقوام والقيم بمعنى واحد، والقوام أبلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب» [7].
وبدهي أنه لا يصح أن يقوم الرجل على أمر زوجته في بيته، ثم يتاح للمرأة أن تقوم على أمره، فيما هو أعم شأنًا وأوسع دائرة في باب الرعاية والتدبير.
وقد جعل الله تعالى للرجال ولاية عقد النكاح دون النساء، وجعل على المرأة طاعة زوجها، وحرم عليها النشوز عليه وهو العلو والارتفاع ورد أمره، وأعطى الرجل حق التقويم والتأديب، ومع أن هذه الولاية (ولاية أمر الأسرة) من أصغر الولايات، فإن الله تعالى لم يجعل للمرأة حقًا فيها، ولا أوجبها عليها؛ بل الرجل هو الولي على المرأة زوجًا كان أو أبًا، أو أخًا، أو ابنًا.. فإن لكل هؤلاء الولاية على النساء.
وإذ منع الله المرأة من تولي هذه الولاية، فمن باب أولى منعها من تولي ما هو أكبر منها من الولايات.
- قوله تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهَ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب:33].
قال القرطبي في تفسيره (14/179): «معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة» اهـ.
فإن اعتُرض بالقول: هذا الأمر خاص بنساء بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: فهل أذن الله لسائر المسلمات أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأن يكلمن الرجال، ويخضعن لهم بالقول، فيطمع الذي في قلبه مرض؟!، وهل يرضى الله تعالى أن يكون بيت كل مسلم غير بيت النبي صلى الله عليه وسلم مدنسًا بالرجس؟!.
إن من ينظر إلى شئون الولاية العامة يجد أمرها قائمًا على البروز مع الرجال في المجالس والمحافل والسفر، والظهور عبر القنوات الفضائية الداخلية والعالمية، والبروز في الصحف والمجلات وعبر مواقع الإنترنت ونحوها؛ فإقحام المرأة في الولاية العامة، يخالف ما دعت إليه الآية من لزوم المرأة بيتها والقرار فيه، وما أدى إلى مخالفة الشرع فهو غير جائز.
2- السنة:
عموم ما رواه البخاري بسنده عن أبي بكرة قال: «لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»» [8] ؛ فإن كلًا من كلمة (قوم) وكلمة (امرأة) نكرة، وقعت في سياق النفي فتعم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو معروف في الأصول.
كما أن نفي الفلاح لا يكون إلا في ترك واجب، ففيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولاية العامة، ولا يحل لقوم توليتها؛ لأنه يجب عليهم اجتناب ما يوقعهم في عدم الفلاح.
ويؤكد هذا المعنى العام أن راوي الحديث أبا بكرة صدر روايته الحديث بقوله: «لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعدما كدتُ ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم.... ».
3- الإجماع:
فإن اتفاق فقهاء الأمة على عدم جواز تولي المرأة الإمامة العظمى هو إجماع لا تجوز مخالفته؛ ولهذا فقد أجمعت الأمة في عصر الخلفاء الراشدين، وأئمة القرون الثلاثة المشهود لها بالخير، إجماعًا عمليًا على عدم إسناد الإمارة والقضاء إلى امرأة، وقد كان منهن المثقفات في علوم الدين اللائي يرجع إليهن في علوم القرآن والحديث والأحكام؛ بل لم تتطلع النساء في تلك القرون إلى تولي الإمارة وما يتصل بها من المناصب والزعامات العامة، مع أن الدواعي لاشتراك النساء مع الرجال في الشئون العامة كانت متوافرة، ولو كان لذلك مسوغ من كتاب أو سنة؛ لما أهملت مراعاته من جانب الرجال والنساء باطراد، ولكان أولى بذلك أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عليهن.
4- المعقول:
‌أ ـ القياس: فقد قاسوا الولاية العامة على الولاية في النكاح؛ فإن المرأة لا تستطيع أن تزوج نفسها، فكيف تكون ولي من لا ولي له؟!.
‌ب ـ المصلحة: فإن الشريعة الإسلامية جاءت لتحصيل المنافع وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، والشأن في النساء قوة عاطفتهن، فتطغى على تفكيرهن، ومما يؤيد ذلك عدم انفرادها بالشهادة في الأموال وغير ذلك؛ وقد بين سبحانه وتعالى سبب هذا بقوله: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} ؛ كما أن لها طبيعتها الخاصة بها، والتي تختلف تماما عن طبيعة الرجل؛ حيث يعتريها القصور في فترات معينة وأزمان متعاقبة، تكون فيها غير كاملة المزاج ومختلة التوازن؛ كالحيض والحمل والنفاس، ومن المعروف أن المرأة ضعيفة الجسم والبنية، لا تتحمل ما يتحمله الرجال ؛ ومما يؤيد ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:247]، فقد بين سبحانه وتعالى في هذه  الآية أبرز صفات استحقاق الولاية العامة، وهي: وفرة العلم مع قوة البدن.
ولذا فإن المرأة لا يجب عليها الجهاد، فكيف تتولى أموره وشئونه؟!.
ولهذا فقد أرسل الله الرسل رجالًا ولم  يرسل نساء, قال تعالى: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم}.
كما أن المرأة تكون تحت ولاية رجل سواء كان زوجًا أو أبًا، فإذا منعها من الخروج، تعطلت عن حضور الاجتماعات وغير ذلك؛ فتتعطل بهذا مصالح عامة.
كما أنه لا يتناسب مع دورها في رعاية بيت الزوجية وأولادها [9] وتنشئتهم التنشئة السليمة الصالحة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه عنه ابن عمر رضي الله عنه: «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها» [10].
فتولي هذه الولاية وذلك المنصب القيادي لا يتناسب مع طبيعتها ودورها، وهو منصب يحتاج إلى العقل الناضج الذي لا  يتأثر بالعواطف بأي حال من  الأحوال والأزمان، كما أنه يحتاج إلى قوة التحمل، وسرعة اتخاذ القرار الصائب؛ ولهذا لا تسند إليها الولاية العامة.
‌ج ـ سد الذرائع: فإن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية، ويتولى شئونها العامة اللازمة لإصلاحها، فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة وجماعاتها، وإلى قيادة الجيش أحيانًا في الجهاد، وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات، وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمة وجماعاتها، رجالًا ونساء، في السلم والحرب، وإمامة المصلين في الصلاة، وهى وظيفة لا يقوم بها  وفقًا لإجماع الفقهاء سوى رجل، ونحو ذلك مما لا يتناسب مع أحوال المرأة، وما يتعلق بها من أحكام شرعت لحماية عرضها، والحفاظ عليها من التبذل الممقوت؛ كمنعها من السفر بدون محرم، والخلوة بالأجنبي، ومنعها من الاختلاط بالرجال؛ الذي يرفع الكلفة وبزيد الألفة، أو المفضي إلى التماس بالأبدان؛ ولذا فقد روى أبو داود بسنده عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه «أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: «استأخرن؛ فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق»، فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به» [11].
موقف بعض المعاصرين:
يرى بعض المعاصرين كالشيخ الدكتور يوسف القرضاوي [12] ، ومفتي مصر الدكتور علي جمعة [13] ؛ جواز تولي المرأة رئاسة الدولة في العصر الحالي؛ إذ إنها ليست إمامة عظمى لجميع المسلمين في الأرض [14].
واستدلوا بالمعقول:
1- البراءة الأصلية: فإنه لا يوجد  نص صريح  في القرءان أو السنة يحرم تولى المرأة رئاسة الدولة.
2- القياس: قاسوا على ولاية الحسبة: فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه ولى الشفاء (امرأة من قومه) السوق.
وروى الطبراني في الكبير (785) بسنده عن يحيى بن أبي سليم قال: رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وسلم عليها درع غليظ وخمار، بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر [15].
3- المرأة كائن كامل الأهلية يتمتع بالمواصفات العقلية والشخصية التي تجعله كفئًا للمنصب.
4- أن السيدة عائشة خرجت في معركة الجمل وقادت الرجال وكان لها موقف.
5- أن بلقيس ملكة سبأ تولت رئاسة الدولة وكانت نموذجًا تاريخيًا في حكمتها، كما أن مصر حكمها نساء في أوقات كانت من أصعب الفترات في تاريخها حيث الأزمات والحروب, وكانت تحتاج فيها إلى قوة الرجال، وهي فترة حكم  الملكة حتشبسوت، وكليوباترا، وشجرة الدر، و اللائي استطعن أن يحققن الكثير من الإنجازات في عصرهن, واستطعن أن يثبتن كفاءة في تولى رئاسة الدولة.
6- الدولة المعاصرة دولة مؤسسات، ولم  تعد المرأة وحدها  مسئولة عن تسيير شئون الدولة، فهناك سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية.
7- الرئاسة الإقليمية في الدول القطرية الحالية لا تدخل في الخلافة، وإنما هي أشبه بولاية الأقاليم قديمًا.
مناقشة الأدلة:
أولًا: مناقشة أدلة المانعين:
اعترض المجيزون فقالوا:
1ـ قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}  فهذه الآية كلها تتحدث عن الأسرة وإدارتها والانفاق عليها وتأديب الزوجة ونحو ذلك مما يؤكد الحاجة إلي أن يكون للبيت مدير وقائد، ولا يمكن أن يقصد بالآية العموم المطلق، فليس لكل رجل ولاية على كل امرأة، فهذا غير مقصود من الآية؛ إذ ليس للرجل الأجنبي ولاية على امرأة أجنبية، وإنما المقصود أن إدارة البيت بيد الزوج لما له من قدرات تهيئه لذلك.
  فالآية لا تتحدث عن أية ولاية سوى ولاية الرجل على زوجته في إدارة البيت وهذا هو المقصود بالقوامة؛ فالاستدلال بالآية ليس في محل النزاع.
وأجاب المانعون عن هذا الاعتراض فقالوا:
إن القول بأن الآية فيها ما يشير إلى الولاية الخاصة، وهي ولاية الأسرة، فإن مثل هذا لا يكون مخصصًا؛ لأنه من باب تخصيص فرد من أفراد العام بالذكر، أو بعبارة أخرى: النص على بعض ما تضمنه هذا العام، والحكم عليه بما حكم على العام، وهذا لا يكون تخصيصًا عند جمهور العلماء، والدليل على ذلك: أن الحكم على الواحد لا ينافي الحكم على الكل؛ لأنه لا منافاة بين بعض الشيء وكله؛ بل الكل محتاج إلى بعضه، وإذا لم توجد المنافاة، لم يوجد التخصيص؛ لأن المخصص لا بد أن يكون منافيًا للعام.
ثم إذا نظرنا في علة المنع من ولاية الأسرة والقوامة عليها فقلنا: إنها مجرد القدرة؛ فلا نسلم أنها علة المنع من الولاية العامة؛ لأنه يشترط في العلة التي هي مناط الحكم، أن تكون وصفًا، ظاهرًا، منضبطًا، والقدرة ليست كذلك؛ لأنها وصف مضطرب، ليس له مقاييس أو موازين مضبوطة، وإذا نظرنا في الحديث الشريف: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»؛ فإنا نرى أن العلة التي جُعلت مناطًا لعدم الفلاح هي الأنوثة؛ لأنها مظِنة الإخلال أو عدم الكمال في القيام بالأعباء العامة؛ وعلى هذا فإن وُجدت الأنوثة، فقد وُجد المانع من تولي الولايات العامة، ولولا أن الإجماع قد قام على جواز تولية المرأة الولايات الخاصة، لقلنا بعدم جواز أن تسند الولايات الخاصة إلى المرأة.
وإذا سلمنا جدلًا بعدم العموم في قوله تعالى: «الرجال قوامون على النساء»؛ فإن استدلالنا إنما هو بقياس الأولى؛ وهو أنه إذا منعت المرأة من تولي الولاية الخاصة الصغرى؛ فمن باب أولى منعها من تولي الولاية العامة العظمى، وهذا أبلغ في الدلالة.
2ـ قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ....}  يجاب عنه بما يأتي:
ـ إن المخاطبات بالآية الكريمة هنّ نساء النبي صلى الله عليه وسلم حيث تبدأ الآية الكريمة {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} .
 فالآية نص في خطاب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهنّ لسن كباقي النساء، فإن لهنّ خصوصية ومقامًا عظيمًا؛ بسبب كونهنّ أزواجًا للرسول القائد صلى الله عليه وسلم، فكيف يعمم الإلزام بأحكامهن على باقي النساء؟.
ـ إن المقصود بـ (وَقَرْنَ) ليس عدم الخروج مطلقًا، ويدل على ذلك خروج بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحج والعمرة والجهاد، وأداء صلة الرحم.
وقد أجاب المانعون عن ذلك فقالوا:
إن الزعم بأن هذا الأمر خاص بنساء بيت النبي صلى الله عليه وسلم هو زعم غير مقبول، لأنا نقول: فهل أذن الله لسائر المسلمات أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأن يكلمن الرجال ، ويخضعن لهم بالقول، فيطمع الذي في قلبه مرض؟!،  وهل يرضى الله تعالى أن يكون بيت كل مسلم غير بيت النبي صلى الله عليه وسلم مدنسًا بالرجس.
إن من ينظر إلى شئون الولاية العامة يجد أمرها قائمًا على البروز مع الرجال في المجالس والمحافل والسفر، والظهور عبر القنوات الفضائية الداخلية والعالمية، والبروز في الصحف والمجلات وعبر مواقع الإنترنت ونحوها؛ وإقحام المرأة في الولاية العامة لا حاجة إليه، ويخالف ما دعت إليه الآية من لزوم المرأة بيتها والقرار فيه، وما أدى إلى مخالفة الشرع فهو غير جائز.
3ـ إن أقوى أدلتهم هو الحديث المعروف:  «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، ولا دلالة فيه على المنع من تولي المرأة رئاسة الدولة؛ إذ إنه خاص بهذه الواقعة التي قيل فيها، وهي تولي بنت كسرى الامبراطورية؛ حيث صدق قوله صلى الله عليه وسلم فلم يفلح القوم؛ بل انهزموا وسقطت الامبراطورية.
ورد المانعون هذا الاعتراض فقالوا:
إن التخصيص بسبب النزول، لا يسلم إلا على رأي ضعيف، وأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
4ـ إن دعوى الإجماع لا تسلم؛ لأنها ليست في محل النزاع؛ إذ إنها تخص الإمامة العظمى لجميع المسلمين، ومحل النزاع هو تولي المرأة رئاسة إحدى دول المسلمين.
واعترض المانعون على ذلك بأن رئاسة الدولة داخلة في محل النزاع؛ إذ لا فرق بين الإمامة العظمى وبين رئاسة الدولة من حيث المهام؛ فإن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، وما يوجد بينهما من فرق فهو غير مؤثر في الحكم ولا علة له.
5ـ إن القياس على الولاية في التزويج لا يستقيم لأن ولاية المرأة على تزويج نفسها، محل خلاف؛ حيث أجازها الحنفية، وبالتالي فالأصل المقيس عليه ليس محل اتفاق حتى يكون ملزمًا. 
ويجاب عن ذلك بأن ما ذهب إليه الحنفية شذوذ لأنه مصادم للنص الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها؛ فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل» [16] ، فإذًا خلاف الحنفية لا يؤثر في صحة هذا القياس.
6ـ قالوا: أما مسألة المصالح والمفاسد وسد الذرائع، فيمكن علاجها من خلال الضوابط الشرعية والقيود التي تمنع ذلك، إضافة إلى أن كون قاعدة سد الذرائع دليلًا معتبرًا ليس محل اتفاق بين الفقهاء.
ويجاب عن ذلك بأن الضبط غير ممكن، والواقع يشهد بهذا، وإذا أمكن فإنه سيعوق كثيرًا من المهام المنوطة برئيس الدولة.
ثانيًا: مناقشة أدلة المجيزين:
اعترض المانعون على ما استدل به المجيزون فقالوا:
1ـ إن استدلال المجيزين بالبراءة الأصلية لا يسلم مع ما ورد من نصوص الكتاب والحديث الصحيح في ذلك.
2ـ  القياس على ولاية الحسبة لا يصح؛ لما يلي:
ـ الأثر المروي عن الشفاء، رضي الله عنها، ذكره ابن الجوزي في تاريخ عمر، وابن عبد البر في الاستيعاب، وتبعه ابن حجر في الإصابة؛ كلهم بدون إسناد ولا عزو لأحد، كما أنه ورد بصيغة التمريض (رُوي)؛ فالقصة ضعيفة السند، وقال ابن العربي في التعليق على هذه القصة: «وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق، ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه، فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث».
ـ قال ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (22/216): «وكانت الشفاء بنت عبد الله أم سليمان بن أبي حثمة من المبايعات ولها دار بالمدينة بالحكاكين ويقال: إن عمر بن الخطاب استعملها على السوق وولدها ينكرون ذلك ويغضبون منه»، وقال (22/215): «كان سليمان بن أبي حثمة من صالحي المسلمين واستعمله عمر بن الخطاب على سوق المدينة»؛ فلعله التبس أمر سليمان بأمر أمه الشفاء؛ ولذا أنكر أولادها استعمالها على السوق.
ـ أنه يستبعد صدور مثل هذا الفعل عن عمر؛ إذ إن فكرة الحجاب صدرت أساسًا عن عمر، حيث أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب، فنزلت آية الحجاب وصارت تشريعًا، فهل يعقل أن ينقض عمر هذه الفكرة بتعيين امرأة تمكث طوال يومها تخالط الرجال في الأسواق، وعنده من الرجال مَن يقوم بحمل هذا العبء وزيادة؟!.
ـ أما الأثر المروي عن سمراء بنت نهيك فإنها كانت امرأة عجوز وقت أن رآها الراوي وهو يحيى بن سليم، وفعلت ذلك متطوعة وعليها درع غليظ وخمار، ولم يولها أحد الحسبة؛ فلا دلالة في فعلها على ما يراد إثباته في محل النزاع.
3ـ  لا يسلم الاستدلال بالحوادث التاريخية التي ذكروها لإثبات جواز تولي المرأة رئاسة الدولة؛ وذلك لما يلي:
أ ـ أما ما يخص الكلام عن ملكة بلقيس وكونها نموذجًا تاريخيًا يقاس عليه حق المرأة تولى رئاسة الدولة, فهو مرفوض ولا مجال للقياس عليه؛ لأن الهدهد قد استنكر من شأن هؤلاء القوم أمرين عظيمين: كون امرأة تملكهم، وكونهم يعبدون الشمس من دون الله؛ ولذلك عمل سليمان عليه السلام على إزالة هذين المنكرين جميعًا، ولذا أرسل إليهم بأمرين: أن يسلموا، وأن يأتوا إليه، وهددهم بقوله: {ألا تعلوا علي} ، ولو كان متولي أمرهم رجلا لأمرهم بالإسلام فقط وأقرهم على ملكهم إن أسلموا.
وسليمان عليه السلام لم يكن ليقر امرأة لو أسلمت ملكة على قومها؛ لأن هذا مخالف لأمر الله وحكمه؛ ولذلك دعاها وقومها للإسلام، وأن تأتي بنفسها إليه هي وقومها خارجة من ملكها قبل أن يرسل إليها من يخرجها وقومها.
ولما تيقن سليمان عليه السلام أن المرأة قد جاءته مسلمة مذعنة لم يكتف بهذا؛ بل نقل عرشها كله إليه ليسل عرشها، وينهي وجود هذا المنكر في كون امرأة تتولى هذا الشأن العام، وهذه الولاية الكبرى في قومها، ولو كان تملك المرأة جائزًا في شرع سليمان لأقرها في حكمها بعد أن أعلنت إسلامها، ولما استحل أن يأخذ عرشها من خلف ظهرها غنيمة له؛ وهي محرمة في شريعة موسى ولم تحل إلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد علمه باستجابة قومها له وإسلامهم؛ وذلك في قوله:{أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمي}.
ب ـ وأما الاستدلال بحتشبسوت وكليوباترا فهو من أقبح الأدلة؛ إذ إنهم كفار والعبرة بما ورد في شرعنا، كما أن الاستدلال بشجرة الدر أو غيرها لا يصح؛ فإن الحجة الشرعية في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، وليس في الأعمال الخاطئة في القرون المتأخرة.
ج ـ أما تولي عائشة رضي الله عنها قيادة الجيش في معركة الجمل.
 فالجواب أنها لم تخرج أميرة ولا حاكمة، ولا كان الجيش الذي هي فيه يرى إمامًا لهم غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد كان بالجيش طلحة والزبير؛ وهما اللذان كانا على رءوس الناس، وإنما خرجوا للإصلاح وظنوا أن وجود أم المؤمنين معهم أنفع في جمع الكلمة، وتجنيب المسلمين الحرب، ثم كان ما كان مما لم يقع في الحسبان.
هذا وقد ندمت أم المؤمنين رضي الله عنها على اجتهادها في هذا الخروج، ولامها كبار الصحابة، وقالت: «وددت أني كنت جلست كما جلس أصحابي» [17]، فكيف يكون هذا دليلاً على تولي المرأة الولاية العامة؟!.
4ـ أما الاستدلال بأن الرئاسة الإقليمية في الدول القطرية الحالية لا تدخل في الخلافة، وإنما هي أشبه بولاية الأقاليم قديمًا؛ فلا يصح؛ إذ إن والي الإقليم قديمًا إنما يولى ويعزل من قِبل الخليفة، أما رئيس الدولة أو سلطانها فإنما يحوز ولايته بالتغلب أو الوراثة أو انتخاب الشعب له.
بل إن رئاسة الدولة يتفرع عنها ولايات أشبه بولايات الأقاليم، فكان إلحاق رئاسة الدولة بالخلافة أولى.
كما أن علة المنع من تولي الولاية العظمى حاصلة في رئاسة الدولة، التي هي ولاية عظمى أيضًا بالنسبة لأهل كل دولة؛ فلا توجد ولاية أعظم منها لديهم.
5 ـ الاستدلال بأن الدولة المعاصرة دولة مؤسسات، فلا يستقل رئيس الدولة بتسيير شئونها؛ لا ينتهض لإجازة تولي المرأة تلك الرئاسة؛ لأن علة المنع ليست الاستقلال.
بيان الراجح في المسألة:
الراجح هو قول من منع المرأة تولي الولاية العامة؛ وذلك للأدلة التي ذكروها؛ ولأن أدلة المخالفين مبنية على المعقول، وهو هنا لا يقوى على مواجهة النصوص من الكتاب والسنة التي استدل بها المانعون؛ ولا توجد ضرورة تدعو إلى ترك هذه الأدلة والخروج عليها.
كما أن المانعين قد أجابوا عن جميع ما استدل به المخالفون، وأثبتوا سلامة ما أوردوه، من أدلة نقلية وعقلية، من الاعتراضات.
وهذا ما عليه جماهير أهل العلم قديمًا وحديثًا، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.