- الخميس يونيو 02, 2011 3:25 pm
#38030
فيصل جلول
لو أرادات ميشال اليو ماري وزيرة الداخلية الفرنسية السابقة أن تكشف عن خلفية موقفها من الانتفاضة التونسية، لأكدت أنها كانت تنفذ تعليمات رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي بدقة، وأنها ما كانت لتقف إلى جانب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لو أن ساركوزي كان مؤيداً للانتفاضة التونسية. فالنظام الفرنسي رئاسي متشدد والوزير في حكومة هذا النظام ينفذ حرفياً سياسة الرئيس، وبالتالي عليه أن “يقفل فهمه في الوزارة أو يرحل” حسب جان بيار شوفنمان وزير الداخلية الأسبق في عهد الزعيم الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران.
لقد صار معروفاً أن الرئيس الفرنسي فوجئ بالانتفاضة التونسية وبنظيرتها المصرية وأصيب كغيره من الزعماء الغربيين بارتباك عكسته تصريحات تحكي محاسن الأنظمة المخلوعة من دون تحفظ. بيد أن السلطة الفرنسية ومعظم السلطات الغربية اصطفت من بعد إلى جانب المنتفضين في بلدان عربية أخرى، لا بل وصل الاصطفاف إلى حد استدراج حملة أطلسية عسكرية مناهضة للعقيد معمر القذافي وإطلاق مواقف قوية ضد أنظمة ودول تواجه انتفاضات ثورية مستمرة، وأخيراً استضافة “الربيع العربي” في قمة الثماني عبر استقبال رئيسي الوزراء المصري والتونسي.
ولعل الدعم الفرنسي والغربي الاستعراضي ل”الربيع العربي” أوحى بأن الثورتين المصرية والتونسية قد صارتا في جيب الغربيين الذين يواصلون عبرها سياستهم السابقة تجاه العالم العربي، وأن التغيير الذي وقع في تونس والقاهرة قد اقتصر على زين العابدين بن علي وحسني مبارك من دون سياستيهما الداخلية والخارجية، بيد أن الوقائع التونسية والمصرية لا تذهب في هذا الاتجاه رغم الحذر البادي في سياسات البلدين والذي يرتبط على الأرجح بالمرحلة الانتقالية .
ورغم أننا لا نملك بعد ما يكفي من المؤشرات للحديث عن قطيعة مطلقة مع السياسات السابقة فإن البوادر الأولى في المواقف المصرية والتونسية تفصح عن لهجة جديدة في السياسة الخارجية من بين علاماتها الموقف القوي الذي عبّرت عنه الحكومة التونسية أواسط فبراير/ شباط الماضي من انتشار قوات إيطالية على الشاطئ التونسي للحؤول دون تدفق المهاجرين إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، إذ رفضت تونس العرض بعبارات قوية تشدد على السيادة الوطنية وتحذر من انتهاكها . وفي أواسط إبريل/ نيسان الماضي رفضت تونس منطق المساعدات الأجنبية وتحدثت عن ترحييبها بشراكة تنموية من أجل المستقبل . ويلاحظ في هذا الصدد يقظة شعبية تونسية غير مسبوقة فقد رد ناشطون عبر صفحة (الفيسبوك) على إعلان قمة الثماني عن قروض لمصر وتونس تقول حرفياً، الشعب التونسي لا يقبل قروضاً من دول أجنبية أو غربية.
معلوم أن القمة المذكورة قررت مساعدات (قروضاً) بقيمة 40 مليار دولا لتونس ومصر لمواجهة أكلاف الثورتين الاقتصادية، على أن يتولى صرفها صندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي الذي مول “ربيع” الدول الشيوعية السابقة في أوروبا فضلاً عن مؤسسات مالية أخرى.
وكما في تونس فقد بادرت الحكومة المصرية الانتقالية إلى فتح معبر رفح بشكل دائم، وحررت معظم فلسطينيي غزة من التأشيرة المسبقة، وذلك على الرغم من الضغوط الأميركية والغربية و”الإسرائيلية” التي مورست على القاهرة في هذا الصدد، ناهيك عن التحذيرات القوية التي صدرت عن الحكومات نفسها إزاء الدور المصري في رعاية وتشجيع المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، هذا إذا أردنا إهمال الموقف المصري القاضي بالسماح للسفن العسكرية الإيرانية بعبور قناة السويس رغم التحذيرات الغربية المتكررة.
تبقى الإشارة إلى أن الحكومتين الانتقاليتين في مصر وتونس قد أطلقتا حرية الأحزاب وتشكيلها وحرية التعبير لتقطعا بذلك الاستبداد الذي كان يميز عصر مبارك وابن علي، ما يعني أن الدلائل الأولى في السياسات المصرية والتونسية تفصح عن توجهات جديدة قد لا تكون مناهضة للغرب لكنها ليست مطواعة وصاغرة كما كان الحال في السابق.
يسمح ما سبق بالقول إن الاستعراض الغربي في تأييد الثورتين التونسية والمصرية واستضافة ممثلين عن البلدين في قمة الثماني ربما يكون أقرب إلى العناق بالخناق، وبالتالي حمل البلدين على ضبط “الربيع العربي” تحت السقف السابق، وهو أمر قد يستدرج حكومتي البلدين إلى نزاع مع الشارع الذي يمارس الرقابة على السلطة الانتقالية في كل من تونس ومصر، ويحرص على ضبط إيقاعها في مناخ الثورة، كما حصل في مصر عندما رفض الشارع ترشيح الدكتور مصطفى الفقي لمنصب الأمانة العامة لجامعة الدول العربية واستبداله بالدبلوماسي المخضرم نبيل العربي .
ما من شك في أن “الربيع العربي” في مصر وتونس يحتاج إلى رقابة شعبية مستمرة، حتى لا تجرؤ البيروقراطية والديبلوماسية المحترفة على تجويف الثورة وتحويلها إلى أثر فني قاصر على التداول في معارض الصور والخطابات الرسمية المملة.
لو أرادات ميشال اليو ماري وزيرة الداخلية الفرنسية السابقة أن تكشف عن خلفية موقفها من الانتفاضة التونسية، لأكدت أنها كانت تنفذ تعليمات رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي بدقة، وأنها ما كانت لتقف إلى جانب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لو أن ساركوزي كان مؤيداً للانتفاضة التونسية. فالنظام الفرنسي رئاسي متشدد والوزير في حكومة هذا النظام ينفذ حرفياً سياسة الرئيس، وبالتالي عليه أن “يقفل فهمه في الوزارة أو يرحل” حسب جان بيار شوفنمان وزير الداخلية الأسبق في عهد الزعيم الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران.
لقد صار معروفاً أن الرئيس الفرنسي فوجئ بالانتفاضة التونسية وبنظيرتها المصرية وأصيب كغيره من الزعماء الغربيين بارتباك عكسته تصريحات تحكي محاسن الأنظمة المخلوعة من دون تحفظ. بيد أن السلطة الفرنسية ومعظم السلطات الغربية اصطفت من بعد إلى جانب المنتفضين في بلدان عربية أخرى، لا بل وصل الاصطفاف إلى حد استدراج حملة أطلسية عسكرية مناهضة للعقيد معمر القذافي وإطلاق مواقف قوية ضد أنظمة ودول تواجه انتفاضات ثورية مستمرة، وأخيراً استضافة “الربيع العربي” في قمة الثماني عبر استقبال رئيسي الوزراء المصري والتونسي.
ولعل الدعم الفرنسي والغربي الاستعراضي ل”الربيع العربي” أوحى بأن الثورتين المصرية والتونسية قد صارتا في جيب الغربيين الذين يواصلون عبرها سياستهم السابقة تجاه العالم العربي، وأن التغيير الذي وقع في تونس والقاهرة قد اقتصر على زين العابدين بن علي وحسني مبارك من دون سياستيهما الداخلية والخارجية، بيد أن الوقائع التونسية والمصرية لا تذهب في هذا الاتجاه رغم الحذر البادي في سياسات البلدين والذي يرتبط على الأرجح بالمرحلة الانتقالية .
ورغم أننا لا نملك بعد ما يكفي من المؤشرات للحديث عن قطيعة مطلقة مع السياسات السابقة فإن البوادر الأولى في المواقف المصرية والتونسية تفصح عن لهجة جديدة في السياسة الخارجية من بين علاماتها الموقف القوي الذي عبّرت عنه الحكومة التونسية أواسط فبراير/ شباط الماضي من انتشار قوات إيطالية على الشاطئ التونسي للحؤول دون تدفق المهاجرين إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، إذ رفضت تونس العرض بعبارات قوية تشدد على السيادة الوطنية وتحذر من انتهاكها . وفي أواسط إبريل/ نيسان الماضي رفضت تونس منطق المساعدات الأجنبية وتحدثت عن ترحييبها بشراكة تنموية من أجل المستقبل . ويلاحظ في هذا الصدد يقظة شعبية تونسية غير مسبوقة فقد رد ناشطون عبر صفحة (الفيسبوك) على إعلان قمة الثماني عن قروض لمصر وتونس تقول حرفياً، الشعب التونسي لا يقبل قروضاً من دول أجنبية أو غربية.
معلوم أن القمة المذكورة قررت مساعدات (قروضاً) بقيمة 40 مليار دولا لتونس ومصر لمواجهة أكلاف الثورتين الاقتصادية، على أن يتولى صرفها صندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي الذي مول “ربيع” الدول الشيوعية السابقة في أوروبا فضلاً عن مؤسسات مالية أخرى.
وكما في تونس فقد بادرت الحكومة المصرية الانتقالية إلى فتح معبر رفح بشكل دائم، وحررت معظم فلسطينيي غزة من التأشيرة المسبقة، وذلك على الرغم من الضغوط الأميركية والغربية و”الإسرائيلية” التي مورست على القاهرة في هذا الصدد، ناهيك عن التحذيرات القوية التي صدرت عن الحكومات نفسها إزاء الدور المصري في رعاية وتشجيع المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، هذا إذا أردنا إهمال الموقف المصري القاضي بالسماح للسفن العسكرية الإيرانية بعبور قناة السويس رغم التحذيرات الغربية المتكررة.
تبقى الإشارة إلى أن الحكومتين الانتقاليتين في مصر وتونس قد أطلقتا حرية الأحزاب وتشكيلها وحرية التعبير لتقطعا بذلك الاستبداد الذي كان يميز عصر مبارك وابن علي، ما يعني أن الدلائل الأولى في السياسات المصرية والتونسية تفصح عن توجهات جديدة قد لا تكون مناهضة للغرب لكنها ليست مطواعة وصاغرة كما كان الحال في السابق.
يسمح ما سبق بالقول إن الاستعراض الغربي في تأييد الثورتين التونسية والمصرية واستضافة ممثلين عن البلدين في قمة الثماني ربما يكون أقرب إلى العناق بالخناق، وبالتالي حمل البلدين على ضبط “الربيع العربي” تحت السقف السابق، وهو أمر قد يستدرج حكومتي البلدين إلى نزاع مع الشارع الذي يمارس الرقابة على السلطة الانتقالية في كل من تونس ومصر، ويحرص على ضبط إيقاعها في مناخ الثورة، كما حصل في مصر عندما رفض الشارع ترشيح الدكتور مصطفى الفقي لمنصب الأمانة العامة لجامعة الدول العربية واستبداله بالدبلوماسي المخضرم نبيل العربي .
ما من شك في أن “الربيع العربي” في مصر وتونس يحتاج إلى رقابة شعبية مستمرة، حتى لا تجرؤ البيروقراطية والديبلوماسية المحترفة على تجويف الثورة وتحويلها إلى أثر فني قاصر على التداول في معارض الصور والخطابات الرسمية المملة.