الكساد الكبير
مرسل: الخميس يونيو 02, 2011 9:55 pm
الكساد الكبير أو الانهيار الكبير (بالإنجليزية Great Depression) هي أزمة اقتصادية في عام 1929م ومروراً بالثلاثينيات وبداية الأربعينيات، وتعتبر أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين ويضرب بها المثل لما قد يحدث في القرن الواحد والعشرين وما مدى سوء الأزمة التي قد تحدث وقد بدأت الأزمة بأمريكا ويقول المؤرخون أنها بدأت مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 أكتوبر 1929 والمسمى بالخميس الأسود. وكان تأثير الأزمة مدمراً على كل الدول تقريباً الفقيرة منها والغنية، وانخفضت التجارة العالمية ما بين النصف والثلثين، كما أنخفض متوسط الدخل الفردي وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح. أكثر المتأثرين بالأزمة هي المدن وخاصة المعتمدة على الصناعات الثقيلة كما توقفت أعمال البناء تقريباً في معظم الدول، كما تأثر المزارعون بهبوط أسعار المحاصيل بحوالي 60% من قيمتها.
وكانت المناطق المعتمدة على قطاع الصناعات الأساسية كالزراعة والتعدين وقطع الأشجار هي الأكثر تضرراً وذلك لنقص الطلب علي المواد الأساسية بالإضافة إلى عدم وجود فرص عمل بديلة. كما أدت إلى توقف المصانع عن الإنتاج, ونتج عنها أن أصبحت عائلات بكاملها تنام في أكواخ من الكرتون وتبحث عن قوتها في مخازن الأوساخ والقمامة. وقد سجلت دائرة الصحة في نيويورك أن أكثر من خُمس عدد الأطفال يعاني من سوء التغذية. وكانت أمريكا قد بدأت بازدهار اقتصادي في العشرينات ثم ركود ثم الانهيار الكبير عام 1929م، ومن ثم عودة عام 1932م. و بعد انهيار مصفق وول ستريت كان مايزال التفاؤل سائداً وقال رجل الصناعة الشهير "جون روكفيلير" :"خلال هذه الأيام يوجد الكثير من المتشائمين ولكن خلال حياتي التي امتدت لثلاثة وتسعين عاماً كانت الأزمات تأتي وتذهب ولكن يجب أن يأتي الازدهار بعدها دائماً". بدأت الأزمة في الزوال في كل الدول في أوقات مختلفة وقد أعدّت الدول برامج مختلفة للنهوض من الأزمة وكانت قد تسببت الأزمة في اضطرابات سياسية دفعتها لتكون إما من دول اليمين أو اليسار ودفعت أيضاً المواطنين اليائسين إلى الديماجوجية - ومن أشهرهم أدولف هتلر - وكانت هذه من أسباب اندلاع الحرب العالمية الثانية
كانت الأزمة بدأت مع انهيار مفاجئ وكامل للمصفق ومع أن الأسهم في ابريل 1930 بدأت في التعافي والرجوع لمستويات بدايات 1929 إلا أنها ظلت بعيدة عن مستويات سبتمبر 1929 بحوالي 30% ومع أن الإنفاق الحكومي زاد خلال النصف الأول لعام 1930 إلا أن إنفاق المستهلكين قل بنسبة 10% وذلك بسبب الخسائر الفادحة بسوق الأسهم بالإضافة إلى موسم جفاف شديد عصف بالأراضي الزراعية الأمريكية في بداية صيف 1930 عرف بقصعة الغبار.
وفي بدايات عام 1930 كان الأئتمان وفيراً وبمعدل فائدة قليل إلا أن الناس كانت محجمة عن إضافة ديون أخرى بالاستدانة، وفي مايو 1930 كانت مبيعات السيارات قد انخفضت لمستويات منتصف 1928 وبدأت الأسعار في التراجع إلا أن الرواتب ظلت ثابتة ولكنها لم تصمد طويلاً وانخفضت بمنتصف عام 1931، أما المناطق الزراعية فكانت الأكثر تضرراً بهبوط أسعار السلع عامة ومن ناحية أخرى كانت الأزمة في مناطق التعدين ومناطق قطع الأخشاب بسبب البطالة وعدم وجود فرص عمل بديلة. كان انكماش الاقتصاد الأمريكي هو العامل في انكماش اقتصاديات الدول الأخرى وفي محاولات محمومة طبقت بعض الدول سياسات وقائية فقد قامت الحكومة الأمريكية عام 1930 بفرض تعرفات جمركية على أكثر من 20,000 صنف مستورد وعرفت باسم تعريفة سموت هاولي وردت بعض الدول بفرض تعرفات انتقامية مما زاد من تفاقم انهيار التجارة العالمية وبنهاية عام 1930 واصل الانهيار بمعدل ثابت إلى أن وصل إلى القاع في آذار/مارس 1933.
الأسباب
يعود حدوث الأزمات الاقتصادية في الدول الرأسمالية إلى أن النظام الحر يرفض أن تتدخل الدولة للحد من نشاط الأفراد في الميدان الاقتصادي فأصحاب رؤوس الأموال أحرار في كيفية استثمار أموالهم وأصحاب الأعمال أحرار فيما ينتجون كماً ونوعاً. وهذا ما يمكن أن نسميه فقدان المراقبة والتوجيه. وتستتبع الحرية الاقتصادية حرية المنافسة بين منتجي النوع الواحد من السلع. كما أن إدخال الآلة في العملية الاقتصادية من شأنه أن يضاعف الإنتاج ويقلل من الحاجة إلى الأيدي العاملة. وبالتالي فإن فائض الإنتاج يحتاج إلى أسواق للتصريف. وعندما تختل العلاقة بين العرض والطلب في ظل انعدام الرقابة تحدث فوضى اقتصادية تكون نتيجتها الحتمية أزمة داخل الدولة الرأسمالية.
ومن أسباب الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية عدم استقرار الوضع الاقتصادي وسياسة كثافة الإنتاج لتغطية حاجات الأسواق العالمية خلال الحرب العالمية الأولى بسبب توقف المصانع في بعض الدول الأوروبية بعد تحولها إلى الإنتاج الحربي وعودة الكثير من الدول إلى الإنتاج بعد انتهاء الحرب والاستغناء عن البضائع الأمريكية. لهذه الأسباب تكدست البضائع في الولايات المتحدة وتراكمت الديون وأفلس الكثير من المعامل والمصانع وتم تسريح العمال وانتشرت البطالة وضعفت القوة الشرائية وتفاقمت المشاكل الاجتماعية والأخلاقية.
إضافة إلى ذلك أثار تلكؤ الدول الأوروبية في تسديد الديون المتوجبة عليها للولايات المتحدة الأمريكية كثيراً من التكهنات عند المواطن الأمريكي، ففقد المستثمرون الأمريكيون والأجانب الثقة في الخزينة الأمريكية. وانعكس ذلك على مصفق وول ستريت إذ أقدم المساهمون في الشركات الكبرى على طرح أسهمها للبيع بكثافة. وأدى ذلك إلى هبوط أسعار الأسهم بشكل حاد وجر مزيداً من الإفلاس والتسريح والبطالة.
المعالجة
لم يبدأ الانتعاش في الولايات المتحدة إلا عام 1933 مع سياسة "العهد الجديد" التي وضعها الرئيس فرانكلين روزفلت، حيث نصت سياسة العهد على وضع حلول للأزمة المصرفية عام 1933 وإعادة فتح البنوك السليمة، وإصدار قوانين عامي 1933 و1935 التي تمنع البنوك من التعامل بالأسهم والسندات. وكذلك إنشاء مؤسسات لرعاية ضحايا الأزمة من العاطلين، بالإضافة إلى إصدار قوانين تحقق الاستقرار في قطاع الزراعة وإصدار قانون الإصلاح الصناعي عام 1933، وتصحيح استخدام الأوراق المالية من خلال إنشاء لجنة تبادل الأوراق المالية عام 1934.
اقتضى البدء بمعالجة الأزمة توافر السيولة المالية لتحريك السوق ولتأمين السيولة لذلك وجب سحب الودائع الأمريكية من المصارف العالمية وخصوصا الأوروبية. هذا الإجراء أسهم في انفراج الأوضاع الاقتصادية الأمريكية إلى حد ما ولكنه أسهم في تدويل الأزمة فانتقلت إلى سائر الدول الرأسمالية في العالم وخصوصاً بريطانيا وفرنسا وألمانيا وتبنى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت سياسة اقتصادية جديدة تقوم على الدخول في مشاريع كبرى بهدف تشغيل أكبر عدد ممكن من العمال لحل مشكلة البطالة وتم لأجل ذلك إنشاء مكاتب التوظيف والتوسع في المشاريع الإنمائية والاجتماعية
ركزت حملة الانتخــابات الرئاسيـة لسنة 1932 على الأسباب والحلـول الممكنة للخروج من الكساد الكبير. هربرت هوفر، الرئيس الأمريكي الجمهوري في ذلك الوقت، كان سيء الحظ حيث حدثت كارثة الكساد الكبير بعد دخوله البيت الأبيض بحوالي ثمانيه أشهر فقط، فرانكلين روزفلت المرشح الديموقراطي للبيت الأبيض هاجم الجمهوريين بشدة، وذكر ان هذه الكارثة حدثت بسبب سياسات الجمهوريين خلال العشرينات. وبعد أن اسفرت الانتخابات الرئاسية عن فوز ساحق لروزفلت الديموقراطي على هربرت هوفر الجمهورى، وبذلك استعدت الولايات المتحدة للدخول في مرحلة جديدة من التغيير السياسي والاقتصادي.
وفي عام 1933 أعلن الرئيس الجديد روزفلت، عن برنامجه الاقتصادي المعروف باسم The New Deal، ما أثار دهشة المحللين والمراقبين هو السرعة التي نفذت فيها خطة الـ New Deal، والتي عادة تستغرق اجيالاً لتطبيقها. وعندما استلم السلطة كان النظام المصرفى والائتماني في حالة شلل تام، وكانت البنوك مغلقة، فأمر روزفلت بفتح المصارف التي لم تتعرض للافلاس بشكل تدريجي، واعتمدت الحكومة سياسة معتدلة تجاه تضخم العملة، وتوفير الاغاثه لبعض المدينين، في حين وفرت الحكومة تسهيلات ائتمانية سخية إلى الصناع والمزارعين، وسنت أنظمة مشددة على بيع الاوراق المالية في البورصات.
أول خطوات الإصلاح الاقتصادي توجهت نحو العاطلين عن العمل من خلال تشريع سَنَهٌ الكونجرس تضمن ايصال المساعدة للشباب العاطلين عن العمل الذين تقع اعمارهم بين 18 و 25 سنة، سمى هذا المشروع بـ Works Progress Administration أو الـ WPA ويهدف المشروع إلى توجيه تلك القوى العاطلة تجاه العمل في المشروعات الحكومية الخاصة بالبنية التحتية وتشييد المبانى والطرق, وقد اشترك حوالى 2 مليون شاب بهذا البرنامج الذي تم العمل به في نوفمبر 1933 وتم ايقافه في 1934م.
النتائج
تركت الأزمة الاقتصادية الكبرى تأثيراً كبيراً في الأنظمة الرأسمالية فقد تحول النظام الاقتصادي الرأسمالي الحر إلى اقتصاد موجه وخضعت بعض القطاعات الحيوية كشركة إنتاج الفحم الإنجليزية وشركة المترو الفرنسية لنظام التأميم. كما تدخلت الدولة لتوجيه الصناعيين والمزارعين والمستثمرين وتوعيتهم.
وأسهمت الأزمة في وصول الأنظمة الدكتاتورية إلى السلطة في بعض البلدان كالنازية في ألمانيا. وأغلقت أسواق كثيرة في وجه التجارة العالمية وتوقف التبادل التجاري واتبعت دول كثيرة سياسة الاكتفاء الذاتي مثل النظامين الفاشي في إيطاليا والنازي في ألمانيا.
كما أن انهماك الكثير من الدول في معالجة أزماتها الاقتصادية جعلها تغفل عن خطورة ما يجري على الصعيد العالمي من انتهاك لقرارات المنظمة الدولية وعودة إلى مبدأ التسلح وخرق المعاهدات الدولية ولقد قوت الأزمة بطريقة غير مباشرة النظام الشيوعي الذي لم يتأثر بها بغض النظر عن أزماته الداخلية.
هكذا كانت الأزمة الاقتصادية الكبرى نتيجة من نتائج الحرب العالمية الأولى وسبباً من أسباب قيام الحرب العالمية الثانية.