منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمعاهدات والمواثيق الدولية
#38316

كانت رحلة انضمام المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية كعضو كامل العضوية، رحلة مضنية بكل معنى الكلمة، لكنها كانت غنية بالدروس والعبر والخبرات والفوائد والثمار.

لقد انضمت المملكة لمنظمة التجارة العالمية بعد أكثر من اثنتي عشرة سنة من العمل المضني والمفاوضات الشاقة والجادة والمستمرة مع عدد كبير من أعضاء المنظمة، بدأتها المملكة حين تقدمت بطلب عضوية اتفاقية الجات (الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة) التي سبقت منظمة التجارة العالمية في 13 من الشهر نفسه، وحين أنشئت منظمة التجارة العالمية في 1-1-1995م تم تحويل الطلب لهذه المنظمة في 21 ديسمبر 1995م. رحلة طويلة شهدت 214 جولة من المفاوضات الثنائية في 57 دولة ليتم التوقيع بعدها على 38 اتفاقية ثنائية تم توحيدها جميعاً في جداول موحدة للسلع والخدمات.

وقد بلغ عدد أعضاء فريق العمل المعني بانضمام المملكة 54 عضواً، عقدوا حتى اعتماد وثائق الانضمام 14 اجتماعاً، كان آخرها في 28 أكتوبر 2005م الذي تم فيه اعتماد وثائق انضمام المملكة للمنظمة والتصديق عليها والمكونة من ثلاث وثائق هي: وثيقة الجداول الموحدة لجميع السلع الزراعية وغير الزراعية والدعم المحلي الزراعي، ووثيقة الجداول الموحدة للخدمات، ووثيقة الانضمام (تقرير فريق العمل)، المكون من 319 فقرة من بينها 57 فقرة التزام على المملكة و59 فقرة استثناء، كما احتوى تقرير فريق العمل على جميع استفسارات الدول الأعضاء وإجابات المملكة عليها، والكثير من المعلومات حول النظام الاقتصادي والتجاري والاستثماري في المملكة وكذلك الإجراءات والأنظمة واللوائح. وفي نهاية التقرير جاء قرار المجلس العمومي بانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية وفقاً لبروتوكول الانضمام.
مكانة المملكة الاقتصادية

المملكة أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وثلثا إنتاجها المحلي هو في التجارة الخارجية مع العالم، وحجم الاقتصاد السعودي اليوم يأتي في المرتبة 28 بين دول العالم.. وتحتل المملكة المكانة الثالثة عشرة من كبار مصدري السلع في العالم والمكانة 23 من كبار الدول المستوردة، كما أن للمملكة مكانة مرموقة في مجال تجارة الخدمات. وانضمام المملكة حلقة من سلسلة طويلة من الإنجازات الاقتصادية التي ترمي إلى توطيد مكانة المملكة في الاقتصاد العالمي. فقبل ذلك حققت المملكة مكانة مرموقة في عضويتها في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حيث أصبحت سادس دولة من حيث المكانة والحصة. وكانت المملكة رائدة في تأسيس عدد من المؤسسات المالية الدولية والإقليمية مثل البنك الإسلامي للتنمية فضلاً عن دورها المحوري في منظمات مهمة مثل منظمة الأوبك. كما حققت إنجازاً كبيراً بحصولها على تصنيف مرتفع من شركة ستاندارد اند بورز وشركة فيتش مما يعكس متانة الموقع المالي للمملكة.

وانضمام المملكة للمنظمة يعتبر تصويتاً قوياً لمكانة المملكة في الاقتصاد العالمي. بل وأزيد على ذلك بأن الفترة الطويلة التي أخذتها المفاوضات دليل على جدية وتعقيد المفاوضات ومقاومة المفاوض السعودي لإعطاء التنازلات إلا في أضيق الحدود. فالصين أخذت مفاوضاتها أربعة عشر عاماً تليها المملكة باثني عشر عاماً.

إن الاقتصاديات المهمة تحظى بتمحيص ومطالبات كبيرة من ممثلي الدول المفاوضة يقابلها تفنيد وشرح ومقاومة لبعض الطلبات من قبل المفاوض السعودي. وهذا يأخذ وقتاً ليس بالقليل.

ثمار وفوائد انضمام المملكة

- انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية يفترض أن يحقق لها عدة فوائد ومكتسبات أهمها: استثناء المملكة من 59 فقرة من اتفاقيات المنظمة يأتي على رأسها إعطاء فترة سماح لمدة عشر سنوات للدعم الحكومي لقطاع الزراعة والإبقاء على ملكية السعوديين للوكالات التجارية العالمية في المملكة واستثناء المملكة دون غيرها من أي منتجات أو سلع تتعارض مع الشريعة الإسلامية على رأسها تجارة الخمور ولحم الخنزير، كما اعتمدت المنظمة فيما يخص المملكة اعتماد التشريع الإسلامي فيما يخص الزكاة بالنسبة للسعوديين وضريبة الدخل للأجانب، إضافة للموافقة على إبقاء نسبة السعودة في عمالة الشركات الأجنبية عند 75% وعدم انضمام المملكة إلى اتفاقية المشتروات الحكومية ومن ثم فإن من حق أي جهة حكومية سعودية أن تعطي الأفضلية في مناقصاتها ومشترواتها للمنتجات السعودية. كما تم استثناء الوكالات التجارية لصالح المواطنين السعوديون ولن يتضرر الوكلاء السعوديون بالاتفاقية.

- العمل مع الدول النامية لضمان زيادة مساهمتها في جهود التنمية والاستفادة منها لتطوير منظومتها التجارية من خلال الحصول على فرص عادلة للنفاذ لأسواق الدول المتقدمة والتمتع بحقوق متوازنة في مجال التجارة والخدمات بحيث لا تصبح هذه الدول مجرد أسواق لاستهلاك إنتاج الدول المتقدمة. الأمر الذي سوف يدعم مطالب الدول النامية العادلة وتوفير مناخ يسمح بدور أفضل لهذه الدول في صياغة قرارات منظمة التجارة العالمية حتى لا تسير فقط في اتجاه مصالح الدول المتقدمة.

- تعزيز مشاركة العالم العربي في منظمة التجارة العالمية ووضعه على أعتاب مرحلة جديدة بعد أن زادت الدول العربية الأعضاء في المنظمة، الأمر الذي يعزز مطالبها وثقلها وقيادتها لتنسيق تجاري وصناعي بما يمكنها من زيادة مكاسبها وأيضا تقليص الأضرار الناتجة عن الالتزام بمقررات المنظمة، نظراً لقوة الاقتصاد السعودي وتأثيره إقليمياً وعالمياً.

وتعد المملكة الدولة العربية رقم 11 من إجمالي الدول الأعضاء في المنظمة، وأول دولة عربية تنضم للمنظمة منذ شهر نوفمبر من عام 2000م وكانت دول البحرين والمغرب والكويت من أوائل الدول العربية التي انضمت إلى عضوية المنظمة في يناير 1995م تلاها دول تونس وجيبوتي ومصر في نفس العام 1995م، ثم قطر والإمارات العربية المتحدة في عام 1996م وأخيراً عمان والأردن في عام 2000م، ثم بعد مرور نحو 5 سنوات انضمت المملكة العربية السعودية عضواً في هذه المنظمة. وهناك 6 دول عربية أخرى تقوم بعملية المفاوضات حالياً للانضمام إلى المنظمة وهم: الجزائر والسودان والعراق ولبنان واليمن وليبيا.

- تدعيم الاستثمار الأجنبي في المملكة، حيث ازداد نظام الاستثمار الأجنبي فيها جاذبية أكثر بانضمامها للمنظمة. وهو ما يعني نقل التقنية من خلال ضمان المعاملة غير التمييزية، وزيادة مقدار الاستثمارات الأجنبية في المملكة، مما يساعد اقتصادها الذي يعتمد بشكل أساسي حاليا على النفط، في توفير تمويل لخطط التنوع الاقتصادي التي تمهد بدورها لفرص تصدير جديدة في صالح المؤسسات السعودية، خاصة العاملة منها في قطاع صناعة البتروكيماويات.

- تنويع مصادر الدخول وسهولة في نفاذ السلع السعودية إلى الأسواق العالمية وهو ما يمكن من سهولة التنبؤ ويجعل السلع السعودية أكثر أماناً من التعرض للإجراءات التعسفية التي قد تواجهها في الأسواق الأجنبية.

- تعزيز واقع الاقتصاد العالمي إذ تطبق المملكة منذ زمن طويل مع شركائها التجاريين مبدأ الاقتصاد الحر. وتتبنى نظاماً تجارياً مفتوحاً وحراً وتؤمن بآليات السوق كوسيلة للنمو والتنمية.

- قفزت أسعار الأسهم في السوق السعودية أكبر أسواق الأسهم العربية إلى مستويات قياسية بفضل التفاؤل بالنمو الاقتصادي.

- القوانين والأنظمة التي يطلبها الانضمام تساهم في تعزيز الشفافية والوضوح اللذين يعتبران على قدر كبير من الأهمية للمستثمر الداخلي والخارجي، وهذه الزيادة في الاستثمارات ستجعل إمكانية فرص العمل أكبر وأكثر تنوعاً للمواطن السعودي. هذا وقد اتضحت فرص الاستثمار التي ستحصل عليها المملكة جراء هذا الانضمام من خلال حديث الوفود وتركيزهم على مكانة وحجم وأهمية المملكة في الاقتصاد العالمي. ولا شك فإن تسريع وتيرة تطبيق تلك الأنظمة بشفافية عالية، بما في ذلك ما يتعلق بالتقاضي في القضايا التجارية، سوف يعظم مكتسبات المملكة من الانضمام، لا سيما أن فرص الاستثمار أصبحت بالفعل أقل تقييداً وأن قطاعات محدودة هي التي يقتصر دخولها على المواطنين.

- المساهمة بشكل فعال في نفاذ السلع والخدمات وصادرات السعودية المتنامية للأسواق العالمية في 148 دولة هم أعضاء المنظمة، وهو ما يعزز نمو الاقتصاد السعودي. حيث ستحظى بحماية لم تكن موجودة في الماضي، ولن تستطيع أي دولة وضع عراقيل أو ضرائب إضافية عليها دون أن تستطيع المملكة اللجوء إلى محكمة منظمة التجارة العالمية، وهذا رادع مهم يعطي ثقة للمستثمرين في المملكة الذين يعتمدون على التصدير مثل الصناعة البتر وكيماوية والسلع ذات القيمة المضافة.

- يعزز فرص التكامل في العديد من الصناعات المهمة كالبتروكيماويات والصناعات الهندسية كالسيارات والأجهزة والمعدات الكهربائية.

- الانضمام هو في مصلحة القطاع الخاص من خلال تحديث بعض الأنظمة واللوائح وإنشاء هيئات متخصصة في مجالات اقتصادية متعددة، وهو ما يخدم القطاع الخاص ويزيد من فعاليته في الأداء ويجعل البيئة الاقتصادية المحلية أكثر شفافية وتنظيماً.

- دخول السلع والخدمات الأجنبية بمستويات متفاوتة حيث إن المستفيد الأكبر هو المستهلك لأن السلع سوف تصل من كل دول العالم وتكون أمامه قائمة خيارات واسعة وذات نوعيات ومواصفات عالمية وأسعار منافسة ونادرة الغش التجاري، وستمنع سرقة حقوق الملكية وتحفظ العلامات الفارقة إضافة إلى ما يوجد من اتفاقيات حقوق الملكية الفكرية.