منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By يزيد الأحيدب 8
#38361
بسم الله الرحمن الرحيم

- المشاركة السياسية

المشاركة مبدأ أساسي من مبادئ تنمية المجتمع، فالتنمية الحقيقية الناجحة لا تتم بدون مشاركة سياسية: إن المشاركة حق وواجب في آن واحد، فهي حق لكل فرد من أفراد المجتمع وواجب والتزام عليه في نفس الوقت، وإنه لمن حق كل مواطن أن يشارك في مناقشة القضايا العامة التي تهمه، وأن ينتخب من يمثله في البرلمان، و يرشح نفسه إذا ارتأى في نفسه القدرة والكفاءة على قيادة الجماهير والتعبير عن آرائهم وطموحاتهم في المجالس النيابية. كما أن المشاركة واجب على كل مواطن، حيث إنه مطالب بأن يؤدي ما عليه من التزامات ومسؤوليات اجتماعية تجاه قضايا مجتمعه، لإحداث التغيير اللازم نحو التوجه التنموي في المجتمع. المشاركة إذاً هي الوضع السليم للديمقراطية، فلا ديمقراطية بغير مشاركة.
وعادة ما تظهر المشاركة السياسية في أشكال ومستويات متنوعة، يحتل المستوى الأعلى فيها من يمارسون النشاط السياسي من خلال الانضمام إلى عضوية الأحزاب السياسية، ويحرصون على حضور الندوات والمؤتمرات السياسية، والمشاركة في الحملات الانتخابية، ويشمل المستوى الثاني أولئك المهتمين بالنشاط السياسي، ممن يصوتون في الانتخابات ويتابعون ما يحدث بالساحة السياسية بشكل عام، أما المستوى الثالث فهم الهامشيون في العمل السياسي الذين لا يميلون للعمل السياسي، ولا يخصصون أي وقت إليه، وأخيراً المستوى الرابع الذي يتضمن المتطرفون سياسياً وهم أولئك الذين يعملون خارج الأطر الشرعية القائمة، ويلجأون دائما إلى أساليب العنف والمواجهة. وبكل الأحوال يعتبر التصويت هو أكثر أنماط المشاركة السياسية شيوعاً حيث تعرفه الأنظمة الديمقراطية وشبه الديمقراطية.
ولا يخفى علينا أن المشاركة السياسية تتيح فرصاً أيسر للتعلم، حيث يتعلم المواطنون من خلالها حقوقهم وواجباتهم، وهذا يؤدى بدوره إلى معرفة تامة وإدراك كبير لهذه الحقوق والواجبات، والى مزيد من الواقعية والمرونة في مطالبهم أو معارضتهم للحكومة.
لذلك تعرف الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية المشاركة السياسية على أنها ''تلك الأنشطة الإرادية التي يقوم بها أفراد مجتمع معين، بغية اختيار حكامهم، والمساهمة في صنع السياسة العامة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر''.
من جهة أخرى ترتبط المشاركة السياسية بالمسؤولية الاجتماعية التي تقوم على أساس الموازنة بين الحقوق والواجبات. لذلك فهي سمة من سمات النظم الديمقراطية حيث يتوقف نمو وتطور الديمقراطية على مدى اتساع نطاق المشاركة، وجعلها حقوقاً يتمتع بها كل إنسان في المجتمع. وينظر أحيانا إلى المجتمع على انه ديمقراطي أو غير ديمقراطي من خلال النظر إلى مستوى المشاركة السياسية فيه.
يشار إلى أن تعزيز مبدأ المشاركة السياسية من شانه تحقيق العديد من الفوائد والإيجابيات على الوطن والمواطن على حد سواء، منها على سبيل المثال تحقيق مزيد من الاستقرار والنظام في المجتمع والدولة، مما سيؤدي بدوره إلى توسيع وتعميق الإحساس بشرعية النظام القائم، وتزيد من ارتباط الجماهير بالنظام وأهدافه، وترفع من شأن الولاء له والشعور بالانتماء للوطن. كما أنها تزيد من الوعي العام للجماهير وتعوّد المواطنين على الحرص والمحافظة على المال العام، وهى مشكلة تعاني منها غالبية الدول النامية.
حيث يتعرض هذا المال إلى الإهدار وسوء الاستعمال من جانب بعض المواطنين والمسئولين. من دون الأخذ بعين الاعتبار أن سوء استعمال المرافق العامة أو عدم الاهتمام بصيانتها سيؤدى بالضرورة إلى تقصير فترات أعمارها الافتراضية، وبالتالي سيكون عليهم تحمل الأعباء المالية اللازمة لصيانة هذه المرافق وتجديدها وإعادة بنائها، فإذا ما شارك هؤلاء المواطنون في إنشاء هذه المرافق وفي اتخاذ القرارات المتعلقة بها، ستصبح قيمتها في نظرهم مساوية لأموالهم الخاصة تماماً، وسيحرصون بالتالي على حسن استخدامها.
وأخيراً فإن زيادة نسبة المشاركة في الحياة السياسية دليل واضح على صحة المناخ السياسي في الدولة، وعلامة بارزة على إتباع لنظام الديمقراطية فيها وليس نظام تسلطي دكتاتوري.
لكن على الدول إذا ما أرادت أن ترفع نسبة المشاركة لديها أن تضمن توفير المتطلبات والاحتياجات الأساسية للمواطنين أولاً، مثل الغذاء والمسكن الملائم والتعليم والصحة وفرص العمل وحرية التعبير وغيرها من الحقوق والاحتياجات التي تحقق الإشباع المادي والروحي، بحيث ترتكز المشاركة السياسية على قاعدة من المشاركة في اقتسام الخيرات المادية على أساس مبادئ العدالة الاجتماعية، وذلك يضمن للأفراد قدراً من الاستعداد للمشاركة في الحياة العامة، وسن تشريعات تضمن وتؤكد حق المشاركة السياسية للجميع بشكل متساو ومن دون تمييز بالإضافة إلى نشر ثقافة المشاركة من خلال المناهج الدراسية والمعاهد السياسية حتى تتحول هذه الثقافة إلى ممارسة يومية.