الولايات المتحدة تخسر باكستان
مرسل: السبت يونيو 04, 2011 8:30 pm
باتريك سيل : الولايات المتحدة تخسر باكستان
تتجه الولايات المتحدة والحكومة الباكستانية على ما يبدو نحو الإنفصال الكامل وتحميل كل طرف للطرف الآخر مسؤولية باتريك سيل : الولايات المتحدة تخسر باكستان ذلك . ونظراً لوجود أهداف متباينة كبيرة ولانعدام الثقة بينهما ، فان باكستان على ما يبدو بصدد التفكير الآن بالخروج من التبعية الأمريكية بشكل كامل وتبني الصين كخيار بديل .
2- إن القرار الذي اتخذته أميركا ، بدون إبلاغ باكستان أو الاستعانة بها ، بإرسال مجموعة اغتيال إلى عمق الأراضي الباكستانية لقتل بن لادن قد تكون القشة التي قصمت ظهر البعير. فقادة باكستان يشعرون بالغضب . وقد أعلن قائد الجيش الجنرال أشفق كياني أن أي عمل في المستقبل ” ينتهك سيادة باكستان” سيؤدي إلى مراجعة كاملة للتعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة ” . وإضافة إلى ذلك ، أثنى رئيس وزراء باكستان يوسف جيلاني بشكل كبير على الصين خلال زيارته لبكين في شهر أيار الماضي ، وقال أن الصين تشكل مصدر إلهام لشعب باكستان ، في حين قال بدوره رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو أن ” الصين وباكستان ستظلان للأبد جارين يحافظان على حسن الجوار ، وصديقين حميمين ، وشريكين جيدين ، وشقيقين جيدين “.
3- وفضلاً عن التعاون في المجالات العسكرية والنووية السلمية والمصرفية وغيرها من المجالات ، تريد باكستان من الصين بناء قاعدة بحرية والحفاظ على وجود منتظم للبحرية الصينية في ميناء جوادر الواقع على ساحل بحر العرب في إقليم بلوشستان . وأثار هذا الأمر قلق كل من الولايات المتحدة والهند وماليزيا وإندونيسيا . وبسبب مخاوف القلق من احتمال انجراف باكستان بعيداً عن واشنطن ، قامت وزيرة الخارجية كلينتون بزيارة قصيرة إلى باكستان استغرقت عدة ساعات يوم 27 أيار في محاولة لرأب الصدع في العلاقات بين البلدين ، ولكن بدون تحقيق أي نجاح يذكر على ما يبدو . وهذا بسبب أن الخلاف حول مقتل بن لادن لم يكن سوى الفصل الأخير في رواية طويلة من سوء الفهم المتبادل .
4- إن الهجمات الصاروخية من قبل وكالة المخابرات المركزية بالطائرات بدون طيار ضد أهداف ” إرهابية ” مزعومة داخل باكستان دائماً ما تنتهي بقتل المدنيين ، وبإثارة مشاعر غاضبة معادية للولايات المتحدة . وقد ندد برلمان باكستان بهذه الهجمات باعتبارها تشكل انتهاكاً لسيادة باكستان ، وطالب بوقفها بشكل دائم . وحذر بعض أعضاء البرلمان أن باكستان قد تقوم بقطع خطوط الإمداد للقوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان إذا ما استمرت هذه الهجمات . وظهر حجم العداء لأمريكا إلى العلن بعد الحادث الذي وقع يوم 27 كانون الثاني عندما أطلق ريموند ديفيس ، وهو ضابط سري من وكالة المخابرات المركزية ، النار وقتل اثنين من الباكستانيين في شارع مزدحم في مدينة لاهور . وطالب الرأي العام في باكستان بإعدامه لفعلته . إلا أن الولايات المتحدة تمكنت بصعوبة كبيرة من تأمين الإفراج عنه . ولكن الفكرة ترسخت في باكستان بأن الولايات المتحدة تنشر جيشاً سرياً ضد المتشددين الإسلاميين في البلاد . وطالب الجيش الباكستاني بتقليص عدد أفراد الجيش الأميركي في البلاد . ويقال إن العلاقات بين وكالة المخابرات المركزية ومديرية المخابرات الباكستانية المشتركة ، التي يرأسها الجنرال أحمد شجاع باشا ، قد أصبحت متوترة .
5- وتعود أسباب القطيعة بين الولايات المتحدة وباكستان إلى الخلاف العميق حول كل شيء يتعلق بأفغانستان ، وخاصة لجهة كيفية التعامل مع الفصائل المتشددة مثل طالبان . ولم تكتف الولايات المتحدة بالقضاء على بن لادن ، بل تريد تعقب وتدمير أي فلول لتنظيم القاعدة والجماعات المتشددة الأخرى ، سواء في أفغانستان أو في باكستان ، وحتى في أماكن أبعد من ذلك مثل اليمن . وبسبب هاجس الخوف من خطر عنف الإرهاب ، كانت الولايات المتحدة غير راغبة في الاعتراف بأن عداء العرب والمسلمين لها ينبع أساساً من حروبها الكارثية في العراق وأفغانستان وباكستان نفسها ، مع حصيلة ثقيلة من الخسائر في صفوف المدنيين ، ودعم أعمى لإسرائيل .
6- ونظراً للاشتباه بتواطؤ باكستان مع المتطرفين المسلمين ، تصر الولايات المتحدة على أنه ينبغي أن تشارك باكستان في حملاتها الخاصة لمكافحة الإرهاب . وتود من باكستان قطع العلاقات مع الملا عمر، الزعيم الروحي لحركة طالبان الأفغانية ، ومع شبكة جلال الدين حقاني [ الآن يدير الشبكة أبني جلال الدين ، سراج الدين وبدر الدين ] ، ومع جماعة عسكر طيبة المقاتلة التي تعتبر المسؤولة عن هجمات مومباي المدمرة في عام 2008. لكن باكستان ترى هذه المسألة بشكل مختلف جداً. ونظراً لكونها أنشئت كملاذ للمسلمين الهنود بعد تقسيم شبه القارة عام 1947، فإنها تشعر بأنها تحت تهديد دائم وبشكل رئيسي من الهند . والعديد في داخل الحكومة يرون أن المصلحة الوطنية تتطلب أن تقيم باكستان روابط وثيقة مع طالبان وغيرها من الشبكات المتطرفة الأفغانية كحلفاء مفيدين عندما تغادر القوات الأمريكية إلى بلادها كما ستفعل لا محالة عاجلاً أو آجلاً . ومن المقرر بدء انسحاب هذه القوات في تموز المقبل .
7- وباكستان مصممة على ممارسة درجة من السيطرة على أفغانستان وذلك لسببين . الأول ، لمنع تحقيق حلم البشتون المسمى ” باكتينستان الكبرى ” على طرفي خط دوراند لأن هذا يعني فقدان مقاطعة الحدود الشمالية الغربية لباكستان التي يقطنها البشتون . وحقيقة أن أفغانستان لا تزال ترفض الاعتراف بصحة خط دوراند الذي يقسم البشتون يُبقي هذه المخاوف الباكستانية قائمة بشكل دائم . ولا تزال باكستان تعاني من خسارة كشمير في حرب 1947-1948 ، تليها خسارة باكستان الشرقية ـ بنغلاديش الآن ـ في حرب 1971. ولذلك فإنها تخشى اقتطاع المزيد من أراضيها . وبدلاً من الضغط على باكستان لقطع علاقاتها مع الجماعات المتشددة ، فمن الأفضل للولايات المتحدة أن تهدئ من مخاوفها بالضغط على الهند لحل نزاع كشمير . والسبب الثاني هو للحيلولة دون سقوط أفغانستان تحت نفوذ الهند ، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى محاصرة باكستان . فإسلام أباد ترى في أفغانستان ” عمقها الاستراتيجي ” .
8- ويخدم الخلاف القائم بين الولايات المتحدة وباكستان على أفغانستان تعزيز الشكوك الباكستانية العميقة بأن أميركا ليست شريكا مخلصاً وهي تتخلى عن حلفائها عندما يصبحون غير مفيدين . وطيلة فترة الثمانينات قامت الولايات المتحدة ـ بمساعدة من باكستان وبتمويل من السعودية ـ بتجنيد وتدريب عشرات الآلاف من المتطوعين المسلمين لمحاربة السوفييت في أفغانستان . ولكن عندما انسحب السوفييت من هناك في 1989 ، فقدت الولايات المتحدة فجأة الاهتمام بهؤلاء المجاهدين . وتم قطع مصادر التمويل عنهم ، وُتركوا بمفردهم يواجهون مصيرهم . والكثير منهم كانوا غير مرغوب بهم في بلدهم الأم . وقام بن لادن بتجنيدهم في صفوف تنظيم القاعدة .
9- والمفارقة هنا أنه في السنوات الأخيرة تعرضت باكستان لضغوط للقيام بتنفيذ توجيهات أميركا في شن الحرب على الجماعات الإسلامية المتشددة ـ في داخل باكستان نفسها إذا لم يكن في أفغانستان ـ ودفعت ثمناً باهظاً لذلك ليس فقط لكون هذه العمليات العسكرية ضد هذه الجماعات مكلفة للغاية بالنسبة لباكستان في الرجال والمال ، ولكن لكونها أثارت عمليات انتقام مميتة من جماعات مثل طالبان باكستان في شكل تفجيرات انتحارية وهجمات أخرى . والوضع الداخلي الآن في باكستان ينذربكارثة ، ويتعرض اقتصادها لأضرار بشكل خطير ، وهي تعالج بصعوبة ارتفاع العجز في الميزانية ، والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي ، والخطر المتزايد من الفوضى السياسية والاجتماعية .
10- وفي يوم 22-23 أيار الماضي ، داهمت مجموعة من المتشددين في باكستان قاعدة مهران البحرية في قلب مدينة كراتشي ، العاصمة الاقتصادية للبلاد ، وأسفر الهجوم عن مقتل 12 من ضباط الأمن وتدمير طائرتي استطلاع بحرية من صنع شركة لوكهيد ذات مواصفات تكنولوجيا عالية . وقالت المجموعة أن الغارة كانت انتقاماً لقتل بن لادن . وخلص وزير الداخلية رحمن مالك إلى حقيقة أن البلاد هي في ” حالة حرب “.
11- وهكذا تجد باكستان نفسها تحت ضغط الولايات المتحدة لمكافحة المسلحين ، وتحت هجمات المسلحين أنفسهم لشنها حرب أميركا عليهم . والولايات المتحدة تمنح باكستان ، وهي بلد يبلغ عدد سكانه 180 مليون شخص 3 مليار دولار على شكل مساعدات سنوية ، أقل مما تمنحه لإسرائيل التي يبلغ عدد سكانها 7 ملايين نسمة . ولا عجب إذا أن بعض القياديين في باكستان بدؤوا بالتفكير بأن بلادهم ستكون أفضل حالاً من دون هذا الارتهان الباهظ الثمن لهذه العلاقة مع الولايات المتحدة .
تتجه الولايات المتحدة والحكومة الباكستانية على ما يبدو نحو الإنفصال الكامل وتحميل كل طرف للطرف الآخر مسؤولية باتريك سيل : الولايات المتحدة تخسر باكستان ذلك . ونظراً لوجود أهداف متباينة كبيرة ولانعدام الثقة بينهما ، فان باكستان على ما يبدو بصدد التفكير الآن بالخروج من التبعية الأمريكية بشكل كامل وتبني الصين كخيار بديل .
2- إن القرار الذي اتخذته أميركا ، بدون إبلاغ باكستان أو الاستعانة بها ، بإرسال مجموعة اغتيال إلى عمق الأراضي الباكستانية لقتل بن لادن قد تكون القشة التي قصمت ظهر البعير. فقادة باكستان يشعرون بالغضب . وقد أعلن قائد الجيش الجنرال أشفق كياني أن أي عمل في المستقبل ” ينتهك سيادة باكستان” سيؤدي إلى مراجعة كاملة للتعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة ” . وإضافة إلى ذلك ، أثنى رئيس وزراء باكستان يوسف جيلاني بشكل كبير على الصين خلال زيارته لبكين في شهر أيار الماضي ، وقال أن الصين تشكل مصدر إلهام لشعب باكستان ، في حين قال بدوره رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو أن ” الصين وباكستان ستظلان للأبد جارين يحافظان على حسن الجوار ، وصديقين حميمين ، وشريكين جيدين ، وشقيقين جيدين “.
3- وفضلاً عن التعاون في المجالات العسكرية والنووية السلمية والمصرفية وغيرها من المجالات ، تريد باكستان من الصين بناء قاعدة بحرية والحفاظ على وجود منتظم للبحرية الصينية في ميناء جوادر الواقع على ساحل بحر العرب في إقليم بلوشستان . وأثار هذا الأمر قلق كل من الولايات المتحدة والهند وماليزيا وإندونيسيا . وبسبب مخاوف القلق من احتمال انجراف باكستان بعيداً عن واشنطن ، قامت وزيرة الخارجية كلينتون بزيارة قصيرة إلى باكستان استغرقت عدة ساعات يوم 27 أيار في محاولة لرأب الصدع في العلاقات بين البلدين ، ولكن بدون تحقيق أي نجاح يذكر على ما يبدو . وهذا بسبب أن الخلاف حول مقتل بن لادن لم يكن سوى الفصل الأخير في رواية طويلة من سوء الفهم المتبادل .
4- إن الهجمات الصاروخية من قبل وكالة المخابرات المركزية بالطائرات بدون طيار ضد أهداف ” إرهابية ” مزعومة داخل باكستان دائماً ما تنتهي بقتل المدنيين ، وبإثارة مشاعر غاضبة معادية للولايات المتحدة . وقد ندد برلمان باكستان بهذه الهجمات باعتبارها تشكل انتهاكاً لسيادة باكستان ، وطالب بوقفها بشكل دائم . وحذر بعض أعضاء البرلمان أن باكستان قد تقوم بقطع خطوط الإمداد للقوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان إذا ما استمرت هذه الهجمات . وظهر حجم العداء لأمريكا إلى العلن بعد الحادث الذي وقع يوم 27 كانون الثاني عندما أطلق ريموند ديفيس ، وهو ضابط سري من وكالة المخابرات المركزية ، النار وقتل اثنين من الباكستانيين في شارع مزدحم في مدينة لاهور . وطالب الرأي العام في باكستان بإعدامه لفعلته . إلا أن الولايات المتحدة تمكنت بصعوبة كبيرة من تأمين الإفراج عنه . ولكن الفكرة ترسخت في باكستان بأن الولايات المتحدة تنشر جيشاً سرياً ضد المتشددين الإسلاميين في البلاد . وطالب الجيش الباكستاني بتقليص عدد أفراد الجيش الأميركي في البلاد . ويقال إن العلاقات بين وكالة المخابرات المركزية ومديرية المخابرات الباكستانية المشتركة ، التي يرأسها الجنرال أحمد شجاع باشا ، قد أصبحت متوترة .
5- وتعود أسباب القطيعة بين الولايات المتحدة وباكستان إلى الخلاف العميق حول كل شيء يتعلق بأفغانستان ، وخاصة لجهة كيفية التعامل مع الفصائل المتشددة مثل طالبان . ولم تكتف الولايات المتحدة بالقضاء على بن لادن ، بل تريد تعقب وتدمير أي فلول لتنظيم القاعدة والجماعات المتشددة الأخرى ، سواء في أفغانستان أو في باكستان ، وحتى في أماكن أبعد من ذلك مثل اليمن . وبسبب هاجس الخوف من خطر عنف الإرهاب ، كانت الولايات المتحدة غير راغبة في الاعتراف بأن عداء العرب والمسلمين لها ينبع أساساً من حروبها الكارثية في العراق وأفغانستان وباكستان نفسها ، مع حصيلة ثقيلة من الخسائر في صفوف المدنيين ، ودعم أعمى لإسرائيل .
6- ونظراً للاشتباه بتواطؤ باكستان مع المتطرفين المسلمين ، تصر الولايات المتحدة على أنه ينبغي أن تشارك باكستان في حملاتها الخاصة لمكافحة الإرهاب . وتود من باكستان قطع العلاقات مع الملا عمر، الزعيم الروحي لحركة طالبان الأفغانية ، ومع شبكة جلال الدين حقاني [ الآن يدير الشبكة أبني جلال الدين ، سراج الدين وبدر الدين ] ، ومع جماعة عسكر طيبة المقاتلة التي تعتبر المسؤولة عن هجمات مومباي المدمرة في عام 2008. لكن باكستان ترى هذه المسألة بشكل مختلف جداً. ونظراً لكونها أنشئت كملاذ للمسلمين الهنود بعد تقسيم شبه القارة عام 1947، فإنها تشعر بأنها تحت تهديد دائم وبشكل رئيسي من الهند . والعديد في داخل الحكومة يرون أن المصلحة الوطنية تتطلب أن تقيم باكستان روابط وثيقة مع طالبان وغيرها من الشبكات المتطرفة الأفغانية كحلفاء مفيدين عندما تغادر القوات الأمريكية إلى بلادها كما ستفعل لا محالة عاجلاً أو آجلاً . ومن المقرر بدء انسحاب هذه القوات في تموز المقبل .
7- وباكستان مصممة على ممارسة درجة من السيطرة على أفغانستان وذلك لسببين . الأول ، لمنع تحقيق حلم البشتون المسمى ” باكتينستان الكبرى ” على طرفي خط دوراند لأن هذا يعني فقدان مقاطعة الحدود الشمالية الغربية لباكستان التي يقطنها البشتون . وحقيقة أن أفغانستان لا تزال ترفض الاعتراف بصحة خط دوراند الذي يقسم البشتون يُبقي هذه المخاوف الباكستانية قائمة بشكل دائم . ولا تزال باكستان تعاني من خسارة كشمير في حرب 1947-1948 ، تليها خسارة باكستان الشرقية ـ بنغلاديش الآن ـ في حرب 1971. ولذلك فإنها تخشى اقتطاع المزيد من أراضيها . وبدلاً من الضغط على باكستان لقطع علاقاتها مع الجماعات المتشددة ، فمن الأفضل للولايات المتحدة أن تهدئ من مخاوفها بالضغط على الهند لحل نزاع كشمير . والسبب الثاني هو للحيلولة دون سقوط أفغانستان تحت نفوذ الهند ، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى محاصرة باكستان . فإسلام أباد ترى في أفغانستان ” عمقها الاستراتيجي ” .
8- ويخدم الخلاف القائم بين الولايات المتحدة وباكستان على أفغانستان تعزيز الشكوك الباكستانية العميقة بأن أميركا ليست شريكا مخلصاً وهي تتخلى عن حلفائها عندما يصبحون غير مفيدين . وطيلة فترة الثمانينات قامت الولايات المتحدة ـ بمساعدة من باكستان وبتمويل من السعودية ـ بتجنيد وتدريب عشرات الآلاف من المتطوعين المسلمين لمحاربة السوفييت في أفغانستان . ولكن عندما انسحب السوفييت من هناك في 1989 ، فقدت الولايات المتحدة فجأة الاهتمام بهؤلاء المجاهدين . وتم قطع مصادر التمويل عنهم ، وُتركوا بمفردهم يواجهون مصيرهم . والكثير منهم كانوا غير مرغوب بهم في بلدهم الأم . وقام بن لادن بتجنيدهم في صفوف تنظيم القاعدة .
9- والمفارقة هنا أنه في السنوات الأخيرة تعرضت باكستان لضغوط للقيام بتنفيذ توجيهات أميركا في شن الحرب على الجماعات الإسلامية المتشددة ـ في داخل باكستان نفسها إذا لم يكن في أفغانستان ـ ودفعت ثمناً باهظاً لذلك ليس فقط لكون هذه العمليات العسكرية ضد هذه الجماعات مكلفة للغاية بالنسبة لباكستان في الرجال والمال ، ولكن لكونها أثارت عمليات انتقام مميتة من جماعات مثل طالبان باكستان في شكل تفجيرات انتحارية وهجمات أخرى . والوضع الداخلي الآن في باكستان ينذربكارثة ، ويتعرض اقتصادها لأضرار بشكل خطير ، وهي تعالج بصعوبة ارتفاع العجز في الميزانية ، والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي ، والخطر المتزايد من الفوضى السياسية والاجتماعية .
10- وفي يوم 22-23 أيار الماضي ، داهمت مجموعة من المتشددين في باكستان قاعدة مهران البحرية في قلب مدينة كراتشي ، العاصمة الاقتصادية للبلاد ، وأسفر الهجوم عن مقتل 12 من ضباط الأمن وتدمير طائرتي استطلاع بحرية من صنع شركة لوكهيد ذات مواصفات تكنولوجيا عالية . وقالت المجموعة أن الغارة كانت انتقاماً لقتل بن لادن . وخلص وزير الداخلية رحمن مالك إلى حقيقة أن البلاد هي في ” حالة حرب “.
11- وهكذا تجد باكستان نفسها تحت ضغط الولايات المتحدة لمكافحة المسلحين ، وتحت هجمات المسلحين أنفسهم لشنها حرب أميركا عليهم . والولايات المتحدة تمنح باكستان ، وهي بلد يبلغ عدد سكانه 180 مليون شخص 3 مليار دولار على شكل مساعدات سنوية ، أقل مما تمنحه لإسرائيل التي يبلغ عدد سكانها 7 ملايين نسمة . ولا عجب إذا أن بعض القياديين في باكستان بدؤوا بالتفكير بأن بلادهم ستكون أفضل حالاً من دون هذا الارتهان الباهظ الثمن لهذه العلاقة مع الولايات المتحدة .