تدخل امريكا في شؤون الدول
مرسل: الأحد يونيو 05, 2011 12:38 am
يهدف كتاب &artshow-95-149563.htm#171;أمريكا والتدخل في شئون الدول.. مرحلة ما بعد الحرب الباردة» للباحثة صفاء خليفة- باحثة بإدارة المستشارين- بمكتبة الإسكندرية- والذي صدر في القاهرة حديثًا، إلى المعالجة العملية لحالات تمثِّل مواقف دولية اعتبرت اختبارًا للسياسة الخارجية الأمريكية بصَدَد موقفها من المبدأ محلِّ الدراسة خلال عقد التسعينيات ثم الوقوف على مدى تأثير أحداث 11 سبتمبر 2001 على موقف الولايات المتحدة من مبدأ عدم التدخُّل في الشئون الداخلية للدول، وأخيرًا الوصول إلى حكم موضوعي ورؤية تقويمية لسياسات التدخُّل الأمريكي منذ عام 1989م وحتى عام 2004م.
يرى الدكتور عمرو الشوبكى الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والذي قام بتقديم الكتاب أن الولايات المتحدة بدأت في أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر تنظُر إلَى مشكلات المنطقة العربية السياسية والاقتصادية باعتبارها السببَ الرئيس وراء تفريخ الإرهاب ومنظمات العنف الديني التي اعتبرتها نتاج البيئة الداخلية العربية من سُوْء تعليم وغياب للديمقراطية وفساد مالي وإداري.
ومنذ ذلك الوقت والإدارة الأمريكية الراحلة تَضَعُ نصب أعينها معادلةً بسيطةً وأحادية تتمثّل في أن مقاومة ما سَمَّتْه العنف الإسلامي والعمليات الإرهابية يبدأ بتغيير البيئة المحلية التي أنتجته، وبالعمل على تصنيع نخبة جديدة تقود المنطقة العربية وتكون أكثر تواءمًا مع المنظومة العالمية الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة.
وقد نظرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة العربية في أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر، باعتبارها منطقةً مُصدِّرةً للإرهاب تستلزم التقويم والإصلاح، فأعلنت الحرب الدولية على الإرهاب وأسقطت نظام طالبان في أفغانستان، ونظام صدام حسين في العراق، وبدت الحملات العسكرية بمثابةِ طريقِ الولايات المتحدة لتخويف دول المنطقة، والمبادرات السياسية بمثابة طريق آخر لتعديل أوضاعها السياسية والاقتصادية.
حالات من التدخل الأمريكي
تقول صفاء خليفة مؤلِّفة الكتاب في مقدمة الكتاب: إنه جاء ليُلْقِي الضوءَ على الولايات المتحدة وسلوكها التدخلي، وتحديدًا عقب انهيار حائط برلين، في التاسع من نوفمبر 1989، والذي كان يمثِّل رمزًا لانقسام العالم إلى شطريْن متصادمين أيديولوجيًا، وجسّد الصراع الطويل بين القطبين الأمريكي والسوفيتي، وكان زواله يعنِي بدايةً لحقبةٍ جديدةٍ قوامها هَيْمَنة الولايات المتحدة فعليًا على تقرير مصير النسق.وأضافت أنّه مع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي أصبحت قضية التدخُّل الإنساني أو التدخل باسم الإنسانية من أبرز القضايا المطروحة على قائمة الاهتمامات العالمية حيث شجّعت لحظة الأحادية القطبية وانفراد الولايات المتحدة بالنسق الدولي على أن تكون أكثر رغبةً في التدخل عمليًا في أي مكان وزمان تختارهما وكان شعارها هو التدخل لاعتبارات إنسانية أو لاستعادة الديمقراطية.
وأشارت الباحثة إلى أن الولايات المتحدة اعتبرت أن أية اضطرابات داخلية تشكِّل انتهاكًا لحقوق الإنسان أو للديمقراطية من شأنِها أن تهدِّد السِّلْم والأمن الدولييْن، وبالتالِي ربطت بين مسائل تُعَدّ من صميم الاختصاص الداخلي للدول، وتدخلت في سياق هذا الربط بموجب أحكام الفصل السابع من الميثاق كنوعٍ من إضفاء الشرعية على قراراتها بالتدخل.
وتعرَّضت خليفة في كتابِهَا لخمس حالات من التدخُّل الأمريكي ابتداءً من بنما ومرورًا بالعراق، والصومال، والبوسنة، وهايتي، وانتهاءً بكوسوفا، واعتبرت أنَّ أحداث 11 سبتمبر 2001 تمثِّل لحظةً تاريخيةً فارقة تَفْصِل بين مرحلتيْن، وأحدثت نقلةً نوعيةً في مُجْمَل هذا السلوك التَّدخُّلي للولايات المتحدة، وقالت: "إن فترة ما بعد عام 2001 تزامنت مع وجود إدارة بوش الابن في الحكم، والتي كان لها عظيم الأثر على حدوث تَحَوُّلات جوهرية في مُجْمَل توجهات السياسة الخارجية الأمريكية وأدواتها، خاصة في ظلّ هيمنة المحافظين الجُدُد على مواقع صنع القرار في الولايات المتحدة، وأصبح هدف "مكافحة الإرهاب ومعاقبة الدول التي ترعاه" هو المحور الرئيس للسياسة الأمريكية، وبالتالِي فقد اعتبرت إدارة بوش الابن نفسها في مهمة إنقاذيةٍ بعد أن أصبح الإرهاب هو عَدُوّها اللَّدُود خلال تلك المرحلة، جاء ذلك على إثر ظهور مصطلحات جديدة في قاموس السياسة الخارجية واستراتيجية الأمن القومي الأمريكي خاصة مفهوم الحرب الاستباقية". وأشارت الدراسة إلى أنَّه في هذا السِّياق وجدت الولايات المتحدة ضالَّتَها المنشودة في تنظيم القاعدة الذي أعلن مسئوليته عن هجمات سبتمبر وشنّت حربها على أفغانستان- في السابع من أكتوبر 2001- بعد أقلَّ من شهر من وقوع تلك الأحداث، ثُمَّ أصرت على غزو العراق في أبريل 2003 رغم الرفض العالمي للغزو.
وأوْضَحت أنَّ أحداث سبتمبر أثَّرت على قضية التحول الديمقراطي بشكل عام حيث ربطت الحكومة الأمريكية بين القضاء على ظاهرة الإرهاب الدولي، وضرورة القيام بنوع من الإصلاح السياسي، وذلك في العديد من دول الشرق الأوسط عامة والدول العربية على وجه الخصوص. وطرحت ما أُطْلِق عليه مشروعات الإصلاح السياسي، كما قدَّمت العديد من مبادرات الإصلاح، ورَوَّجت الولايات المتحدة لتلك الفكرة قبيل وبعد غزوها للعراق وزعمت أنَّها تسعى لإقامة نظام ديمقراطي في العراق على أنقاض النظام السابق بقيادة صدام حسين يمكن أن يمثِّل نموذجًا لباقي دول المنطقة.
مبادرات الإصلاح في الشرق الأوسط
وقد رَبَطت الولايات المتحدة حُرُوبَها العسكرية بمجموعةٍ من الأهداف السياسية كان أبرزها العمل على زرع الديمقراطية في الشرق الأوسط والعالم العربي، وأطلقت في سبيل ذلك ما سَمَّتْه الكبير، ومنذُ إطلاق هذه المبادرة، والشرق الأوسط يعانِي من سَيْل المبادرات العالمية المُنْهَمِرة من كل جانب، وأصبحنا منذ ذلك الوقت أمامَ رُؤى خارجية للإصلاح أثارت جدلاً كبيرًا داخل مصر والمنطقة العربية.
ورغم تعدُّد المبادرات الخارجية لإصلاح العالم العربي، إلا أنَّ من المهمِّ التمييز بين مبادرتيْن رئيستيْن عكستَا طريقتين مختلفتين ولو نسبيًّا في تعامل الولايات المتحدة مع المنطقة، وهُمَا أولاً مبادرة الشرق الأوسط الكبير وثانيًا مبادرة الشراكة من أجل المستقبل مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وما تَوَاكَب معها من مبادرات لقمة الناتو.
وتبدو المفارقة في أن المبادرة الأولى وصفت الأزمات العربية باعتبارها حِكْرًا على العالم العربي، ولكنها قدَّمت لها حلولاً من خارجها، ولم تبحث عن شركاء لها في المنطقة العربية سواء من النُّخَب الرسمية أو من نُخَب المجتمع المدني لكي تُواجِه هذه المشكلات المتراكمة.
أما المبادرة الثانية التي تَبَنَّتها الدول الثماني الكبرى في شهر يونيو 2004، فاختلفت من حيث الشكل عن مبادرة الشرق الأوسط الكبير من كونها حرصت على التأكيد على أهمية الشراكة مع دول المنطقة بل نصَّت في عنوانها على ما يفيد هذا المعنى، وحددت شركائها في الحكومات ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال، ولكنَّها في المضمون أو في الواقع العملي لم تقدِّم أيَّ جديد ولم تتقبلها الحكومات ولا معظم منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية في الداخل.
وعلى عكس ما يردِّده البعض في العالم العربي بأنَّ هذه المبادرات لم تَقُم بها الولايات المتحدة من قبل، إلا أنَّه من المؤكد كانت هناك مبادرات ومشاريع أمريكية أثناء الحرب الباردة تستهدف تقويض النُّظُم الشيوعية القائمة في ذلك الوقت وأنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات من أجل إسقاط هذه النُّظُم، أما صور التدخل الأمريكي الحالية (الناعِمة) المُوجَّهَة إلى العالم العربي والإسلامي، فهي على خلاف الحالة الأولى لم تستهدف نظمًا معادية أيديولوجيًا لأمريكا، بل نظم حليفة للولايات المتحدة، وربما هذا هو الجديد في الاستراتيجية الأمريكية التي انتقلت من تبنِّي مشاريع للتغيير ذات طابع سياسي وثقافي واستراتيجي شامل لا تعتمد فقط على معيار التحالف السياسي أو الخصومة الأيديولوجية، إنَّما هي تستهدف تغيير بيئة محلية كاملة اعتبرتها هي المسئولة عن تفريخ الإرهاب.
وبقِيَ أن تعامل أمريكا مع بيئة محلية في العالم العربي تضمّ حلفاء- معظم الأنظمة العربية- وخصومًا سياسيين (تيار إسلامي وقومي متشدّد) وجانبًا من الليبراليين- وواقعًا اجتماعيًا وثقافيًا معقدًا، أدَّى في النهاية إلى أن تصبح المبادرات الأمريكية تجاه دول المنطقة مختلفة بصورة كبيرة عن تلك التي استهدفت الطبقة السياسية في الاتحاد السوفيتي وبلدان أوروبا الشرقية أثناء الحرب الباردة، وقد سهَّل وجود أنظمة حليفة للولايات المتحدة في المنطقة العربية، من قدرتها على النفاذ إلى الداخل العربي عبر وسائل متعددة تعليمية وبحثية وسياسية وأيضًا عبر العمل الأهلي والمنظمات غير الحكومية وأخيرًا الإعلام.
ويمكن القول إنّ الصور السياسية للتدخُّل الأمريكي في شئون الدول استهدف تغيير الواقع السياسي في المنطقة العربية، وإقامة نظم أكثر كفاءةً وتوافقًا مع الاستراتيجية الأمريكية الكونية، وتضمنت بُعْديْن رئيسين: الأول تأثّر بدرجة كبيرة بالبعد الأمني أي أن دوافع مبادرات الإصلاح وفق الرؤية الأمريكية كانت بالأساس دوافع أمنية لمواجهة تداعيات 11 سبتمبر، والثانِي هو العمل على تصنيع نُخْبة جديدة للتعامل مع هذه الاستراتيجية كما حدث في البداية في العراق، أو تصنيع واقع جديد لتسهيل نفاذ هذه المبادرات وإحداث عملية التغيير.
وقد فشلت كل هذه الصور الناعِمة من التدخل الأمريكي؛ لأن من الصعب قبول فكرة تصنيع نخبة جديدة لقيادة الإصلاح في العالم العربي، فقد تساعد أمريكا وأوروبا البلدان العربية حكومات الديمقراطية عبر نُخُب سابقة التجهيز فهذا هو الفشل بعينه، ويضيف الشوبكى قائلاً: لقد فشلت صور التدخل الأمريكي العسكري والسياسي طوال العقد الماضي والحالي، وربما تكون هناك فرصة حقيقية لتصحيح الأخطاء السابقة في عهد إدارة أوباما الحالية.
يرى الدكتور عمرو الشوبكى الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والذي قام بتقديم الكتاب أن الولايات المتحدة بدأت في أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر تنظُر إلَى مشكلات المنطقة العربية السياسية والاقتصادية باعتبارها السببَ الرئيس وراء تفريخ الإرهاب ومنظمات العنف الديني التي اعتبرتها نتاج البيئة الداخلية العربية من سُوْء تعليم وغياب للديمقراطية وفساد مالي وإداري.
ومنذ ذلك الوقت والإدارة الأمريكية الراحلة تَضَعُ نصب أعينها معادلةً بسيطةً وأحادية تتمثّل في أن مقاومة ما سَمَّتْه العنف الإسلامي والعمليات الإرهابية يبدأ بتغيير البيئة المحلية التي أنتجته، وبالعمل على تصنيع نخبة جديدة تقود المنطقة العربية وتكون أكثر تواءمًا مع المنظومة العالمية الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة.
وقد نظرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة العربية في أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر، باعتبارها منطقةً مُصدِّرةً للإرهاب تستلزم التقويم والإصلاح، فأعلنت الحرب الدولية على الإرهاب وأسقطت نظام طالبان في أفغانستان، ونظام صدام حسين في العراق، وبدت الحملات العسكرية بمثابةِ طريقِ الولايات المتحدة لتخويف دول المنطقة، والمبادرات السياسية بمثابة طريق آخر لتعديل أوضاعها السياسية والاقتصادية.
حالات من التدخل الأمريكي
تقول صفاء خليفة مؤلِّفة الكتاب في مقدمة الكتاب: إنه جاء ليُلْقِي الضوءَ على الولايات المتحدة وسلوكها التدخلي، وتحديدًا عقب انهيار حائط برلين، في التاسع من نوفمبر 1989، والذي كان يمثِّل رمزًا لانقسام العالم إلى شطريْن متصادمين أيديولوجيًا، وجسّد الصراع الطويل بين القطبين الأمريكي والسوفيتي، وكان زواله يعنِي بدايةً لحقبةٍ جديدةٍ قوامها هَيْمَنة الولايات المتحدة فعليًا على تقرير مصير النسق.وأضافت أنّه مع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي أصبحت قضية التدخُّل الإنساني أو التدخل باسم الإنسانية من أبرز القضايا المطروحة على قائمة الاهتمامات العالمية حيث شجّعت لحظة الأحادية القطبية وانفراد الولايات المتحدة بالنسق الدولي على أن تكون أكثر رغبةً في التدخل عمليًا في أي مكان وزمان تختارهما وكان شعارها هو التدخل لاعتبارات إنسانية أو لاستعادة الديمقراطية.
وأشارت الباحثة إلى أن الولايات المتحدة اعتبرت أن أية اضطرابات داخلية تشكِّل انتهاكًا لحقوق الإنسان أو للديمقراطية من شأنِها أن تهدِّد السِّلْم والأمن الدولييْن، وبالتالِي ربطت بين مسائل تُعَدّ من صميم الاختصاص الداخلي للدول، وتدخلت في سياق هذا الربط بموجب أحكام الفصل السابع من الميثاق كنوعٍ من إضفاء الشرعية على قراراتها بالتدخل.
وتعرَّضت خليفة في كتابِهَا لخمس حالات من التدخُّل الأمريكي ابتداءً من بنما ومرورًا بالعراق، والصومال، والبوسنة، وهايتي، وانتهاءً بكوسوفا، واعتبرت أنَّ أحداث 11 سبتمبر 2001 تمثِّل لحظةً تاريخيةً فارقة تَفْصِل بين مرحلتيْن، وأحدثت نقلةً نوعيةً في مُجْمَل هذا السلوك التَّدخُّلي للولايات المتحدة، وقالت: "إن فترة ما بعد عام 2001 تزامنت مع وجود إدارة بوش الابن في الحكم، والتي كان لها عظيم الأثر على حدوث تَحَوُّلات جوهرية في مُجْمَل توجهات السياسة الخارجية الأمريكية وأدواتها، خاصة في ظلّ هيمنة المحافظين الجُدُد على مواقع صنع القرار في الولايات المتحدة، وأصبح هدف "مكافحة الإرهاب ومعاقبة الدول التي ترعاه" هو المحور الرئيس للسياسة الأمريكية، وبالتالِي فقد اعتبرت إدارة بوش الابن نفسها في مهمة إنقاذيةٍ بعد أن أصبح الإرهاب هو عَدُوّها اللَّدُود خلال تلك المرحلة، جاء ذلك على إثر ظهور مصطلحات جديدة في قاموس السياسة الخارجية واستراتيجية الأمن القومي الأمريكي خاصة مفهوم الحرب الاستباقية". وأشارت الدراسة إلى أنَّه في هذا السِّياق وجدت الولايات المتحدة ضالَّتَها المنشودة في تنظيم القاعدة الذي أعلن مسئوليته عن هجمات سبتمبر وشنّت حربها على أفغانستان- في السابع من أكتوبر 2001- بعد أقلَّ من شهر من وقوع تلك الأحداث، ثُمَّ أصرت على غزو العراق في أبريل 2003 رغم الرفض العالمي للغزو.
وأوْضَحت أنَّ أحداث سبتمبر أثَّرت على قضية التحول الديمقراطي بشكل عام حيث ربطت الحكومة الأمريكية بين القضاء على ظاهرة الإرهاب الدولي، وضرورة القيام بنوع من الإصلاح السياسي، وذلك في العديد من دول الشرق الأوسط عامة والدول العربية على وجه الخصوص. وطرحت ما أُطْلِق عليه مشروعات الإصلاح السياسي، كما قدَّمت العديد من مبادرات الإصلاح، ورَوَّجت الولايات المتحدة لتلك الفكرة قبيل وبعد غزوها للعراق وزعمت أنَّها تسعى لإقامة نظام ديمقراطي في العراق على أنقاض النظام السابق بقيادة صدام حسين يمكن أن يمثِّل نموذجًا لباقي دول المنطقة.
مبادرات الإصلاح في الشرق الأوسط
وقد رَبَطت الولايات المتحدة حُرُوبَها العسكرية بمجموعةٍ من الأهداف السياسية كان أبرزها العمل على زرع الديمقراطية في الشرق الأوسط والعالم العربي، وأطلقت في سبيل ذلك ما سَمَّتْه الكبير، ومنذُ إطلاق هذه المبادرة، والشرق الأوسط يعانِي من سَيْل المبادرات العالمية المُنْهَمِرة من كل جانب، وأصبحنا منذ ذلك الوقت أمامَ رُؤى خارجية للإصلاح أثارت جدلاً كبيرًا داخل مصر والمنطقة العربية.
ورغم تعدُّد المبادرات الخارجية لإصلاح العالم العربي، إلا أنَّ من المهمِّ التمييز بين مبادرتيْن رئيستيْن عكستَا طريقتين مختلفتين ولو نسبيًّا في تعامل الولايات المتحدة مع المنطقة، وهُمَا أولاً مبادرة الشرق الأوسط الكبير وثانيًا مبادرة الشراكة من أجل المستقبل مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وما تَوَاكَب معها من مبادرات لقمة الناتو.
وتبدو المفارقة في أن المبادرة الأولى وصفت الأزمات العربية باعتبارها حِكْرًا على العالم العربي، ولكنها قدَّمت لها حلولاً من خارجها، ولم تبحث عن شركاء لها في المنطقة العربية سواء من النُّخَب الرسمية أو من نُخَب المجتمع المدني لكي تُواجِه هذه المشكلات المتراكمة.
أما المبادرة الثانية التي تَبَنَّتها الدول الثماني الكبرى في شهر يونيو 2004، فاختلفت من حيث الشكل عن مبادرة الشرق الأوسط الكبير من كونها حرصت على التأكيد على أهمية الشراكة مع دول المنطقة بل نصَّت في عنوانها على ما يفيد هذا المعنى، وحددت شركائها في الحكومات ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال، ولكنَّها في المضمون أو في الواقع العملي لم تقدِّم أيَّ جديد ولم تتقبلها الحكومات ولا معظم منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية في الداخل.
وعلى عكس ما يردِّده البعض في العالم العربي بأنَّ هذه المبادرات لم تَقُم بها الولايات المتحدة من قبل، إلا أنَّه من المؤكد كانت هناك مبادرات ومشاريع أمريكية أثناء الحرب الباردة تستهدف تقويض النُّظُم الشيوعية القائمة في ذلك الوقت وأنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات من أجل إسقاط هذه النُّظُم، أما صور التدخل الأمريكي الحالية (الناعِمة) المُوجَّهَة إلى العالم العربي والإسلامي، فهي على خلاف الحالة الأولى لم تستهدف نظمًا معادية أيديولوجيًا لأمريكا، بل نظم حليفة للولايات المتحدة، وربما هذا هو الجديد في الاستراتيجية الأمريكية التي انتقلت من تبنِّي مشاريع للتغيير ذات طابع سياسي وثقافي واستراتيجي شامل لا تعتمد فقط على معيار التحالف السياسي أو الخصومة الأيديولوجية، إنَّما هي تستهدف تغيير بيئة محلية كاملة اعتبرتها هي المسئولة عن تفريخ الإرهاب.
وبقِيَ أن تعامل أمريكا مع بيئة محلية في العالم العربي تضمّ حلفاء- معظم الأنظمة العربية- وخصومًا سياسيين (تيار إسلامي وقومي متشدّد) وجانبًا من الليبراليين- وواقعًا اجتماعيًا وثقافيًا معقدًا، أدَّى في النهاية إلى أن تصبح المبادرات الأمريكية تجاه دول المنطقة مختلفة بصورة كبيرة عن تلك التي استهدفت الطبقة السياسية في الاتحاد السوفيتي وبلدان أوروبا الشرقية أثناء الحرب الباردة، وقد سهَّل وجود أنظمة حليفة للولايات المتحدة في المنطقة العربية، من قدرتها على النفاذ إلى الداخل العربي عبر وسائل متعددة تعليمية وبحثية وسياسية وأيضًا عبر العمل الأهلي والمنظمات غير الحكومية وأخيرًا الإعلام.
ويمكن القول إنّ الصور السياسية للتدخُّل الأمريكي في شئون الدول استهدف تغيير الواقع السياسي في المنطقة العربية، وإقامة نظم أكثر كفاءةً وتوافقًا مع الاستراتيجية الأمريكية الكونية، وتضمنت بُعْديْن رئيسين: الأول تأثّر بدرجة كبيرة بالبعد الأمني أي أن دوافع مبادرات الإصلاح وفق الرؤية الأمريكية كانت بالأساس دوافع أمنية لمواجهة تداعيات 11 سبتمبر، والثانِي هو العمل على تصنيع نُخْبة جديدة للتعامل مع هذه الاستراتيجية كما حدث في البداية في العراق، أو تصنيع واقع جديد لتسهيل نفاذ هذه المبادرات وإحداث عملية التغيير.
وقد فشلت كل هذه الصور الناعِمة من التدخل الأمريكي؛ لأن من الصعب قبول فكرة تصنيع نخبة جديدة لقيادة الإصلاح في العالم العربي، فقد تساعد أمريكا وأوروبا البلدان العربية حكومات الديمقراطية عبر نُخُب سابقة التجهيز فهذا هو الفشل بعينه، ويضيف الشوبكى قائلاً: لقد فشلت صور التدخل الأمريكي العسكري والسياسي طوال العقد الماضي والحالي، وربما تكون هناك فرصة حقيقية لتصحيح الأخطاء السابقة في عهد إدارة أوباما الحالية.