صفحة 1 من 1

اولويات امريكا

مرسل: الأحد يونيو 05, 2011 12:48 am
بواسطة مشعل محمد المرزوقي 8
ليس ثمة شك في أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تعد نقطة تحول مهمة في السياسة الأمريكية تجاه العالم، حيث عملت إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن، التي كان يسيطر عليها تيار المحافظين الجدد، على استغلال هذه الأحداث وتوظيفها لتعزيز الهيمنة الأمريكية على العالم، وإعادة صياغة النظام العالمي وفق أسس ومبادئ جديدة في العلاقات الدولية تخدم المصالح الأمريكية بالدرجة الأولى، كان أبرزها إعلان حرب وقائية تشنها الولايات المتحدة في أي مكان في العالم ترى فيه تهديدًا لأمنها، حسب زعمها، واستخدام كل الوسائل بما فيها التدخل العسكري وتغيير الأنظمة السياسية القائمة واستحداث قيم أخلاقية تصنف الدول على أساس الخير والشر، وتكريس قاعدة: "من ليس معنا فهو ضدنا".‏

وفي هذا السياق تأتي أهمية كتاب الدكتور شاهر إسماعيل الشاهر "أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعد أحداث 11 أيلول 2001" الذي صدر حديثًا في دمشق، والذي يناقش أثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر على إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، والتداعيات المترتبة على ذلك إقليميًا ودوليًا. وعليه فقد أصبح النظام الدولي بعد الحادي عشر من سبتمبر في صورة هرم تتربع عليه الولايات المتحدة لتصبح القطب الوحيد في العالم، حيث بدت السياسة الأمريكية وكأنها تستهدف إعادة تشكيل العالم، وبدا الآخرون وكأنهم في حالة استكانة واستسلام، ولكن في الوقت نفسه كانت هناك مقاومة للحد من الطغيان الأمريكي في العالم.‏

التوسع جوهر السياسة الخارجية الأمريكية

ينطلق الدكتور شاهر إسماعيل الشاهر في كتابه من تأكيد حقيقة مهمة مفادها أن جوهر السياسة الخارجية الأمريكية هو تحقيق المصلحة القومية العليا للبلاد، وأن التوسع الأمريكي الإمبراطوري ليس وليد أحداث 11 سبتمبر، وإنما هو مرافق لمسيرة أمريكا تاريخيًا؛ فالقوة مكون أساس من مكونات النموذج الأمريكي، لكن هذا التوجه اكتسب أبعادًا أكثر خطورة منذ وقوع هذه الأحداث، التي مثلت فرصة ذهبية لتطبيق أفكار المحافظين الجدد الداعية إلى استخدام كل عناصر القوة المتاحة لفرض الهيمنة الأمريكية على العالم، وهو الأمر الذي عبر عنه دونالد رامسفيلد بوضوح قائلاً: إن الحادي عشر من سبتمبر أحدث ذلك النوع من الفرص التي وفرتها الحرب العالمية الثانية من أجل إعادة صياغة العالم، كما ساهمت تلك الأحداث في إضفاء نوع من المشروعية على عملية الاستفراد بالسياسة العالمية من قبل الولايات المتحدة، وتكريس نظام القطبية الأحادية الذي ولد فعليًا بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، لكنه بقي -بسبب افتقاره للشرعية- غير قادر على الإفصاح الحر عن نفسه حتى تاريخ الحادي عشر من سبتمبر.

وقد وجد هذا التوجه الأمريكي ترجمته في العديد من المواقف والسياسات التي تبنتها إدارة بوش الابن، ومن ذلك، بحسب الكاتب، إعلان ما عُرف باسم الحرب على الإرهاب، تلك الحرب التي لم تحدد هدفًا واضحًا لها، وقسمت العالم إلى محورين لا ثالث لهما، وفقًا لرؤيتها ويما يتناسب مع تحقيق مصالحها؛ محور خير يتبع الولايات المتحدة ويقف بجوارها في هذه الحرب، ومحور شر يضم الدول التي تتبنى توجهات معارضة للتوجهات الأمريكية، أو ترى واشنطن أنها تشكل تهديدًا لأمنها ومصالحها. وتبني استراتيجية الهجمات الوقائية، التي تضمنتها وثيقة الأمن القومي الصادرة في عام 2002، والتي منحت الولايات المتحدة بموجبها الحق لنفسها في إعلان الحرب ضد أي دولة تعتقد أنها يمكن أن تمثل خطرًا محتملاً عليها في المستقبل. ويرى الكاتب أن تبني هذه الاستراتيجية يجعل الولايات المتحدة ذاتها تظهر للكثير من دول العالم بمنزلة خطر راهن ومعلَن، وأنها تشكل عاملاً من عوامل عدم الاستقرار في العالم؛ لأنها تتجاهل أسلوب حل الأزمات بالوسائل الدبلوماسية والسياسية، وتعتمد فقط على الوسائل العسكرية لتكون الحرب بديلاً للسياسة، كما أن تبنِّي الولايات المتحدة لهذه الاستراتيجية سيدفع دولاً أخرى إلى تبنِّي المنطق نفسه، وهذا ما يهدد الاستقرار الإقليمي والعالمي.

وعلى الرغم من أن الحرب على أفغانستان تمت بتأييد دولي واسع تحت شعار مكافحة الإرهاب الدولي الذي يمثله تنظيم القاعدة الذي كان يأخذ من الأراضي الأفغانية قاعدة انطلاق له، فإن الكاتب يرى أن الغزو الأمريكي لأفغانستان يمثل امتدادًا طبيعيًا للاستراتيجية الأمريكية المعلنة منذ عقدين، والتي تهدف إلى السيطرة على نفط منطقة بحر قزوين واحتواء الاتحاد السوفيتي السابق ووريثته روسيا الاتحادية، وإضعاف الموقع الإقليمي لإيران، لافتًا إلى أن هذه الحرب تعد غير مشروعة؛ لأنها تخطت ميثاق الأمم المتحدة وتعريف العدوان لعام 1974، وذلك عندما صورت الهجمات عليها وكأنها اعتداء من الدولة الأفغانية، في حين أن منفذي اعتداءات 11 سبتمبر انطلقوا من داخل الأراضي الأمريكية، ولم يأتوا من أفغانستان.

وانتقد الكاتب الحجج والمبررات التي ساقتها الإدارة الأمريكية لتبرير حربها غير المشروعة على العراق واحتلاله عام 2003. فالمزاعم الخاصة بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل لم تستند إلى أدلة قوية، ولم تقرها فرق التفتيش الدولية التابعة للأمم المتحدة، بل استندت إلى أكاذيب وتلفيقات متعمدة من جانب رموز هذه الإدارة. أما المبرر الخاص بتغيير نظام الحكم الديكتاتوري في العراق وإقامة نظام ديمقراطي حر، فإنه يعد خروجًا عن القانون الدولي الذي ينص صراحة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مشيرًا إلى أن الاحتلال الأمريكي للعراق لم يكن سوى جزء من رؤية استراتيجية أمريكية لإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط من منظور المصلحة القومية الأمريكية، استنادًا إلى فكرة مؤداها أن احتلال العراق وإقامة نظام حكم ديمقراطي علماني فيه سيكون مقدمة للتغيير الشامل في العالم العربي.

مشروع الشرق الأوسط الجديد

ويرى الكاتب أنه في هذا السياق جاء مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي تبنته إدارة بوش، وتم الإعلان عنه في يونيو 2004 من قِبل مجموعة الدول الثماني الكبرى، والذي هدف إلى إعادة صياغة خريطة جيوسياسية جديدة تعيد ترسيم الحدود والتوازنات في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وفي هذا السياق أيضًا جاء الاهتمام الأمريكي الواسع بضرورة تطبيق الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالمين العربي والإسلامي استنادًا إلى قناعة مؤداها أن تحول النظم العربية والإسلامية إلى نظم ديمقراطية سيقضي على الإرهاب، ويحسن بالتالي وضع الأمن القومي للولايات المتحدة. فقد وصل الهوس الأمريكي بتسويق مفاهيم الحرية والديمقراطية إلى حد أن الرئيس بوش استخدم كلمة ديمقراطية نحو 1012 مرة خلال الفترة من 2001-2005، كما استخدم كلمة الحرية والمجتمع الحر 823 مرة. ولكن هذا الاهتمام الأمريكي بقضية الديمقراطية لم يكن يهدف، بحسب الكاتب، إلا لتوفير مبرر للتدخل في شؤون المنطقة؛ بدليل أن الولايات المتحدة كانت تتعاون في حربها على الإرهاب مع أنظمة عسكرية واستبدادية، كما أنها عارضت التوجهات الديمقراطية التي لا تتفق مع مصالحها، ومن ذلك نتائج الانتخابات الفلسطينية التي فازت بها حركة حماس.

ولفت الكاتب إلى النتائج السلبية للحملة الأمريكية ضد الإرهاب على الديمقراطية وحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن شعار الحرب على الإرهاب تحول إلى مسوغ لانتهاك القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان من قبل العديد من الدول الغربية التي تفخر بدفاعها عن هذه الحقوق والحريات الأساسية، كما وجدت فيه العديد من الدول غير الديمقراطية ملاذًا لاستمرار سياساتها القمعية، بل إن الولايات المتحدة نفسها مارست ضغوطًا على بعض الدول لاتخاذ إجراءات غير ديمقراطية، أمنية وسياسية، ضد قوى وأحزاب معينة، وطالبت بالتدخل لمنع الصحف من توجيه انتقادات للسياسة الأمريكية، هذا فضلاً عن الانتهاكات الواسعة التي قامت هي نفسها بها للقانون الدولي الإنساني خلال الحرب على الإرهاب، وأعمال التعذيب الواسع التي مارستها بحق المعتقلين في سجون أبو غريب وجوانتانامو وغيرها.

كما يذهب الكاتب إلى أن هناك عدة لوبيَّات عززت عدائية أمريكا تجاه العالم الخارجي، ودفعتها، أكثر فأكثر، إلى الهيمنة على العالم، من هذه اللوبيَّات : اللوبي اليميني الذي يضم تحت جناحه مجموعة من التيارات المحافظة والمسيحية المتشددة، وقد وجد هذا التيار في أحداث 11سبتمبر فرصة ذهبية لفرض مفاهيمه ورؤيته المتطرفة، والثأر ليوم العار الذي لحق بأمريكا.

واللوبي النفطي، فكبرى الشركات النفطية موجودة في أمريكا، وأكبر دولة في الصناعات النفطية هي أمريكا.

وهذا يعني أن النفط يحتل مكانة مهمة في السياسات الأمريكية. ويؤكد المؤلف أن اللوبي النفطي كثيرًا ما يمارس ضغطًا مؤثرًا في صياغة السياسة الأمريكية، وذلك عبر تمويل بعض الحملات الانتخابية ومراكز الدراسات الاستراتيجية. والكاتب لا يتوانى عن اتهام هذا اللوبي بالوقوف وراء تصعيد النزعة العدائية الأمريكية ضد الشرق الأوسط، وإعلان أمريكا الحرب على العراق عام 2003م.

أمريكا.. والعالمان العربي والإسلامي

كما تطرق الكاتب إلى تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر على العلاقات بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي، مشيرًا إلى أن حالة الضعف والترهل، التي تعاني منها المنطقة العربية والإسلامية، هي التي شجعت الإدارة الأمريكية على اتخاذها مسرحًا للحرب ضد ما أسموه الإرهاب، ونقطة انطلاق لتطبيق المشروع الإمبراطوري الأمريكي. فقد أصبح العرب والمسلمون مستهدفين جميعًا، ليس فقط داخل بلدانهم التي تعرضت لصور مختلفة من التدخلات الفجة، وصلت إلى حد الإطاحة ببعض النظم السياسية كأفغانستان والعراق، وتهديد دول أخرى باستخدام القوة كإيران وسورية، والوقوف إلى جانب إسرائيل في حربها على لبنان في صيف عام 2006، والانحياز السافر للعدوان الإسرائيلي المتكرر على الأراضي الفلسطينية، ولكن أيضًا داخل الدول الغربية نفسها؛ حيث زادت النزعة العنصرية في الغرب عمومًا ضد كل ما هو عربي وإسلامي تحت تأثير التحريض المنظم الذي مارسته إسرائيل والقوى الصهيونية الموالية لها في الغرب.

ويرى الكاتب أن هناك توجهًا قويًا تبلور في الولايات المتحدة ينظر إلى الإسلام على أنه عدو لا بدَّ من مواجهته بكل الوسائل، وأنه العدو الأكثر خطرًا بعد الحرب الباردة. وبالرغم من محاولات وزارة الخارجية الأمريكية باستيعاب الحركات الإسلامية والتحاور معها ومحاولة تحييدها تجاه أمريكا، إلا أن الطرف الذي انتصر داخل البيت الأبيض هو جناح وزارة الدفاع، الذي ينظر إلى الأصولية على أنها خطر إيديولوجي وجيوسياسي يجب القضاء عليه. ويعود انتصار هذا الجناح إلى أن تفجيرات أحداث سبتمبر تمّت بأيدٍ إسلامية، بحيث أصبح الإسلام مرادفًا للعنف والإرهاب. وهنا أخذت المواجهة بين الطرفين تأخذ أبعادها. ويتحدث الكاتب عن مستقبل أمريكا الذي لا يتعدى أحد الاحتمالات الأربعة التالية: استمرار نظام القطب الواحد، وبروز نظام دولي متعدد الأقطاب، وبروز صراع الحضارات بشكل أقوى. ويؤكد الكاتب ذلك بنظرية هينتجتون التي تؤكد أن الصراع بين الحضارات المختلفة، ولاسيما بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، هو الذي سيحدد مستقبل البشرية خلال القرن الواحد والعشرين. ثم اتساع نطاق الحركات بشكل كبير، ويستند هذا الاحتمال إلى أن استمرار الوضع الراهن والصراعات سيؤدي إلى الروح الإسلامية الداعية إلى مقاتلة القوى المهيمنة وتحدّيها والوقوف بوجه أمريكا عن طريق وسائل عنيفة.

كما يرى الكاتب أن الولايات المتحدة فوتت فرصة ثمينة بعد أحداث 11 سبتمبر لكسب العالم إلى جانبها؛ حيث عرفت الولايات المتحدة بعد هذا اليوم تضامنًا عالميًا لم يسبق لها أن شهدت مثيلاً له، لجهة الاستعداد لتقبل قيادتها في مواجهة الإرهاب في العالم، ولكنها آثرت التحرك بشكل انفرادي لتأكيد تفوقها وهيمنتها بشكل كان له آثاره السلبية الخطيرة على الولايات المتحدة نفسها، والتي أصبح يُنظر إليها في كثير من مناطق العالم، بوصفها دولة إرهابية من الطراز الأول. فقد سعت الإدارة الأمريكية من خلال استغلال هذه الأحداث إلى تكريس مبدأ التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والاعتداء على سيادتها الوطنية، الأمر الذي جعل العالم أقل أمنًا واستقرارًا. وخلص الكتاب إلى القول بأن الحرب الأمريكية على الإرهاب لم تحقق نجاحًا، وقد لا تحققه دون مراجعة السياسة الأمريكية الراهنة التي تعتمد على القوة وحدها، مؤكدًا أن اتّباع استراتيجية الدبلوماسية الوقائية وليس الضربات الوقائية هو الطريق الأكثر نجاعة في التعامل مع مشكلات العالم، وفي مقدمتها مشكلة الإرهاب الدولي.

ومما يذكر أن كتاب "أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعد أحداث 11 أيلول 2001" كان في الأصل أطروحة حاز بها كاتبه درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من كلية الاقتصاد بجامعة حلب السورية والكاتب حاليًا يدرس في كلية العلوم السياسية بجامعة دمشق، وله العديد من الأبحاث المنشورة، أهمها: المسيحية الصهيونية والقرار الأمريكي، البعد الديني في السياسة الخارجية الأمريكية، الشرق الأوسط الكبير والمستقبل العربي