- الأحد يونيو 05, 2011 1:32 am
#38478
صنع القرار في أي دولة من دول العالم، آلياته ليست سهلة بالقدر الذي يخفي فيه التأثير المباشر على الخيار المراد صنعه في أروقة محددة جداً. وتعدد مراكز صنع القرار لا يعني أن القرار سيخرج إلى النور ناضجاً ومتوازناً، فثمة تقاطعات ووجهات نظر، وثمة سيناريوهات قد تؤكد خلاف الأمر الذي يراد صياغته أو يتساوق مع بعض أبعاده، أو ثمة بدائل أو خيارات أخرى قد تصل إلى الهدف دون الإقحام المتعمد للدولة في مسائل هي في محصلتها العامة لا تعكس سوى التأليب وردود الفعل المعاكسة، فضلاً عن تحرك آليات الإجهاض الخارجية كلما تطلب الأمر ذلك، وخاصة حين تكون القرارات حتى مسوداتها، وهي في وضع التكوين، مكشوفة لأن السلوك السياسي الخارجي للدولة، وعلى مدار عقود وحقب يخضع للفحص والتحليل اللذين يعنيان بالفعل ورد الفعل على مدار تلك الفترة من الزمن.. حيث تقاس في ضوء الأحداث الداخلية والإقليمية والدولية، فضلاً عن الاحتقانات التي تصاحب علاقات الدول على المسرح السياسي الدولي.
كما أن تعدد مراكز القرار قد يعكس توزيع الأدوار على هذه المراكز بين " صقور وحمائم "، وهو الأمر الذي لا يعني النمطية في صنع القرار، إنما هو انعكاس لأيديولوجية النخبة أو الطبقة الحاكمة، وقد يعني تفادي الإقرار النهائي، وخاصة حين يخضع الهدف لضرورات التأجيل المتكرر، كما يحصل على طاولة المفاوضات بين طهران والاتحاد الأوربي أو المنظمة الدولية للطاقة الذرية.. إيران تشتري الزمن بالتسويف والمراوغة على الطاولة، فيما هي تعمل على الأرض تهدد الدول العربية الخليجية بالضرب والاجتياح إذا ما تعرضت هي لضربة أمريكية أو إسرائيلية محدودة تنتهي بتأخير برنامجها النووي لعقد أو أكثر من السنين، وهذا ما دعا إليه (جوشوا مورافشيك) أحد أهم منظري المحافظين الجدد، وكذلك (مايكل ليدن)، الخبير الدائم للبيت الأبيض والمختص في الشأن الإيراني، الذي يرى أن معالجة المسألة الإيرانية تأتي في شكل ((ثورة ديمقراطية من داخل إيران، ولا يمانع من توجيه ضربة محدودة، على أساس أن ذلك ضروري للدفاع عن الوجود العسكري الأمريكي المتورط في العراق)).!!
ولكن، وعلى ما تشير إليه تحليلات البعض من الخبراء، أن الولايات الأمريكية تراقب عن كثب المراحل التي قطعتها إيران في ملفها النووي.. وإن مرحلة ما، قد لا تسمح بتجاوزها، لأنها تتعارض كلياً مع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة الذرية، التي تعير لها واشنطن أهمية قصوى.
إن عملية صنع القرار الإيراني مركزية (قومية- فارسية) صارمة بوجهة أيديولوجية يتولاها (ولي الفقيه)، فهو الذي يحدد عناصر القرار المراد اتخاذه، وليس العكس الذي يجري وهو أن مراكز صنع القرار معنية بإعداد الخيارات. ففي الولايات المتحدة تعد مراكز صنع القرار المتشكلة من (وكالة المخابرات المركزية (CIA) ووكالة المخابرات العسكرية (DIA)، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ووزارة الخزانة، وأحد مراكز الأبحاث المعني ب(الإستشارة).ألخ.. مسودة قرار في صياغة خيارات كانت لا تتعدى عشرة خيارات تعرض على الرئيس ليقر إحداها، أما الآن فقد تقلص حيز الديمقراطية كثيراً في عموم أمريكا وبات طغيان الأمن يجتاح المؤسسات الأمريكية جميعها والمواطنين والمقيمين من أجناس مختلفة بالمتابعة والتنصت والتجسس، حيث تقلصت الخيارات إلى ثلاثة أمام الرئيس!!
فرئيس الجمهورية الإيرانية ليس له نصيب في صنع القرارات، وهذا ما صرح به شخصياً حين قال بما معناه (نحن ننفذ السياسة التي تطلبها منا الجهات العليا)، فيما يتولى مجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجلس الخبراء، الإشراف على قرارات الحكومة التي يتخذها الرئيس، الذي يخضع لإملاءات (البازار) ومؤسساته المالية والاقتصادية والتجارية والتسويقية والنقدية، وغالباً ما يمارس البازار سياسة غير متشددة في تعاملاته الخارجية تصطدم مع سياسة متشددة تمارسها الحكومة، الأمر الذي يخلق تناقضاً وتعارضاً ينتهي بتراجع الحكومة عن بعض إجراءاتها.. ومن هذه الزاوية فأن إشكاليات الداخل من هذا النوع، وإشكاليات أخرى عامة تضع مراكز صنع القرار في إطار توزيع الأدوار لتعكس هامشاً يدفع نحو المماطلة والتسويف وخاصة على الصعيد الخارجي، فضلاً عن تصدير بعض هذه الإشكاليات إلى الخارج، مثل الانتخابات الرئاسية وما حصل في الشارع الإيراني. فبروز تيار " مير حسين موسوي "، الذي انتقد قرار إيران في علاقاتها بحماس وحزب الله ودعمها لهما، دفع بإيران إلى سلسلة من التفجيرات في العراق لصرف الانتباه لما يحصل في الداخل الإيراني من جهة، ولترتيب أوضاع الأحزاب الطائفية الموالية لها في العراق وتصفية الحسابات المؤجلة مع القوى الوطنية العراقية باسم القاعدة واجتثاث البعث من جهة ثانية.
ويتضح أن بعض مراكز القوى تعمل على تحجيم أو كبح جماح بعضها الآخر ومنها على وجه التحديد :
أولاً- المؤسسة الدينية، التي تضم عدداً كبيراً من (الآيات) المتشددين بحكم انتمائهم الفارسي، لها انعكاسات مركبة على كل من رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية تأخذ شكل صلاحيات إيقاف أو إلغاء قراراتهما، حتى باتت هتين المؤسستين لا تملكان غير تنفيذ القرارات التي تصلهما من اللجنة العليا (لولي الفقيه).
ثانياً- أما البازار، فله تأثير مباشر وواسع في وضع المحددات التي من شأنها أن تمنع ما يضر بمصالحه وتعاملاته استيراداً وتصديراً..الخ.. وغالباً ما تصدر قرارات تنفيذية تتعارض مع هذه المصالح بالجملة، الأمر الذي يدفع (ولي الفقيه) إلى التدخل لصالح البازار وإيقاف قرارات السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة ورئيسها، فيما يأتي التعارض أحياناً من أغلبية رجال الدين (الآيات) المتشددين حيال تلك السلطة لتعارض مصالح بعضهم، وبسبب دخول هؤلاء في شركات تجارية، حتى تكاد المؤسسة الدينية الإيرانية أن تنغمس في فروع البازار التجارية والاقتصادية والشركات المتخصصة والمتنوعة، مما يجعلها أكبر قوة تأثير في عملية صنع القرار السياسي في الدولة الإيرانية. ولما كان البازار يتأسس على قاعدة واسعة من العلاقات الخارجية فهو بهذا يتشدد حفاظاً على مصالحه مع أي سياسة تنفيذية تعمل على تقويض هذه المصالح أو تؤثر على مستقبل اتصالاته واستثماراته. فالبازار يرفض توجهات ما يسمى (الحرس الثوري) المتطرفة، وكذلك يرفض توجهات (فيلق القدس) و (الباسيج).. ولما كان هاشمي رافسنجاني رئيس مجمع تشخيص النظام يقود بعض فروع البازار المهمة، فقد تقاطع مع محمود احمدي نجاد بضغط من البازار و(ولي الفقيه)، ووضع مجلس الشورى تحت إشرافه المباشر لضبط حركته بما لا يتعارض مع البازار، فيما يتولى المجلس الإستراتيجي الإيراني مسؤولية صياغة السياسة الخارجية الإيرانية، أما وزارة الخارجية فهي جهة منفذه فقط وكذلك رئاسة الجمهورية.
كما يشكل بعض رجال الحوزة تأثيراً مهماً على السلطة التنفيذية ومجلس الشورى من لدن المتشددين الذين يتقاطعون مع توجهات البازار بالرغم من محاولات (ولي الفقيه) علي خامنئي صاحب السلطة المطلقة.. التدخل لتهدئة الأوضاع الناشئة عن الصراعات الداخلية على النفوذ والمصالح.
أعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني – وهو خليط من عسكريين وأمنيين، يتشكل بالأحرى من (الحرس الثوري، وفيلق بدر، والباسيج، فضلاً عن وزيري الدفاع والمخابرات)، وجميعهم متشددون يتولون إدارة الصراع حول الملف النووي الإيراني.. والتشدد هنا يأتي في حلقة مفرغة هدفها عند التفاوض كسب الوقت لصالح إتمام المهمة التي يعلق عليها ولي الفقيه آمالاً تلامس أهدافه البعيدة :
زعامة العالم الإسلامي وتحريف قبلة المسلمين نحو (قم) بدلاً من مكة المكرمة، تحت منهج الابتزاز السياسي والتلويح بالسلاح النووي الذي يفرض الأمر الواقع.
السيطرة على المنطقة العربية سياسياً واقتصادياً وايديولوجياً، وذلك بعد الانتهاء من دفع حلقات التشيع الفارسي في البرلمانات العربية وفي منظمات المجتمع المدني والقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي، وخاصة في الخليج العربي، إلى مستويات عليا ومهمة تتغلف بازدواجية الولاء (ولاء وطني، وولاء فارسي) يحسم لصالح الفرس حين يبدأ الصراع.!!
والملاحظ في هذا الأمر : تشكيل الهياكل، التي يقال أنها معنية بصنع القرار الإيراني، عناصرها الأكثر تشدداً (الحرس الثوري، وفيلق بدر، والباسيج، وعناصر فارسية حوزوية)، تأخذ نصيبها في فرض حلقة قوية ومتشددة تبعاً لمصالحها في صياغة القرار، ولكن مسألة إقراره من عدمه يعود بالمطلق إلى ولي الفقيه، الذي لا يناقشه أحد، ولا يحاوره أحد، ولا يطلب منه أحد سياسة ما، بدون أن تكون السياسة الفارسية جوهرها بغض النظر ما إذا كانت تتساوق مع مصلحة الشعوب الإيرانية أم لا.. إنها مفارقة عجيبة تتلامس مع إعلان الديمقراطية والحمائم والصقور، كما يسميها البعض، ولكنها تتقاطع مع واقع الحال الإيراني حيث البطالة والفوارق الطبقية البشعة، وازدياد معدلات ما بعد خط الفقر، وحيث العجز المالي وافتقار السيولة النقدية لإدامة البنية التحتية لإنتاج النفط الأيل إلى النضوب عام 2015 كما يخمن الخبراء، ودفع كلف بناء ومتطلبات المفاعلات النووية، ومنها على وجه الخصوص مفاعل (بو شهر)، وآخر يراد بناءه على الحدود العراقية الإيرانية، وآخر في جنوب بحر قزوين.. فضلاً عن اهتزاز البنية التشيعية العقائدية، ومركز (ولي الفقيه) وحدوث الشرخ الذي بلغ الشارع الإيراني.
إن مراكز القرار في إيران محكومة بردود الأفعال.. والمركز الذي ينساق وراء رد الفعل الداخلي والخارجي، يعيش التعارض والتناقض.. وصناعة القرار في إيران من مهمات (ولي الفقيه) في ضوء رؤيته العامة المطلقة لمرتسمات الحوزة، التي وضعت في مؤتمرها مخططات "حكماء فارس" في قم، ولخمسين سنة تنفذ على مدى خمسة عقود.!!
5/2/2010
كما أن تعدد مراكز القرار قد يعكس توزيع الأدوار على هذه المراكز بين " صقور وحمائم "، وهو الأمر الذي لا يعني النمطية في صنع القرار، إنما هو انعكاس لأيديولوجية النخبة أو الطبقة الحاكمة، وقد يعني تفادي الإقرار النهائي، وخاصة حين يخضع الهدف لضرورات التأجيل المتكرر، كما يحصل على طاولة المفاوضات بين طهران والاتحاد الأوربي أو المنظمة الدولية للطاقة الذرية.. إيران تشتري الزمن بالتسويف والمراوغة على الطاولة، فيما هي تعمل على الأرض تهدد الدول العربية الخليجية بالضرب والاجتياح إذا ما تعرضت هي لضربة أمريكية أو إسرائيلية محدودة تنتهي بتأخير برنامجها النووي لعقد أو أكثر من السنين، وهذا ما دعا إليه (جوشوا مورافشيك) أحد أهم منظري المحافظين الجدد، وكذلك (مايكل ليدن)، الخبير الدائم للبيت الأبيض والمختص في الشأن الإيراني، الذي يرى أن معالجة المسألة الإيرانية تأتي في شكل ((ثورة ديمقراطية من داخل إيران، ولا يمانع من توجيه ضربة محدودة، على أساس أن ذلك ضروري للدفاع عن الوجود العسكري الأمريكي المتورط في العراق)).!!
ولكن، وعلى ما تشير إليه تحليلات البعض من الخبراء، أن الولايات الأمريكية تراقب عن كثب المراحل التي قطعتها إيران في ملفها النووي.. وإن مرحلة ما، قد لا تسمح بتجاوزها، لأنها تتعارض كلياً مع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة الذرية، التي تعير لها واشنطن أهمية قصوى.
إن عملية صنع القرار الإيراني مركزية (قومية- فارسية) صارمة بوجهة أيديولوجية يتولاها (ولي الفقيه)، فهو الذي يحدد عناصر القرار المراد اتخاذه، وليس العكس الذي يجري وهو أن مراكز صنع القرار معنية بإعداد الخيارات. ففي الولايات المتحدة تعد مراكز صنع القرار المتشكلة من (وكالة المخابرات المركزية (CIA) ووكالة المخابرات العسكرية (DIA)، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ووزارة الخزانة، وأحد مراكز الأبحاث المعني ب(الإستشارة).ألخ.. مسودة قرار في صياغة خيارات كانت لا تتعدى عشرة خيارات تعرض على الرئيس ليقر إحداها، أما الآن فقد تقلص حيز الديمقراطية كثيراً في عموم أمريكا وبات طغيان الأمن يجتاح المؤسسات الأمريكية جميعها والمواطنين والمقيمين من أجناس مختلفة بالمتابعة والتنصت والتجسس، حيث تقلصت الخيارات إلى ثلاثة أمام الرئيس!!
فرئيس الجمهورية الإيرانية ليس له نصيب في صنع القرارات، وهذا ما صرح به شخصياً حين قال بما معناه (نحن ننفذ السياسة التي تطلبها منا الجهات العليا)، فيما يتولى مجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجلس الخبراء، الإشراف على قرارات الحكومة التي يتخذها الرئيس، الذي يخضع لإملاءات (البازار) ومؤسساته المالية والاقتصادية والتجارية والتسويقية والنقدية، وغالباً ما يمارس البازار سياسة غير متشددة في تعاملاته الخارجية تصطدم مع سياسة متشددة تمارسها الحكومة، الأمر الذي يخلق تناقضاً وتعارضاً ينتهي بتراجع الحكومة عن بعض إجراءاتها.. ومن هذه الزاوية فأن إشكاليات الداخل من هذا النوع، وإشكاليات أخرى عامة تضع مراكز صنع القرار في إطار توزيع الأدوار لتعكس هامشاً يدفع نحو المماطلة والتسويف وخاصة على الصعيد الخارجي، فضلاً عن تصدير بعض هذه الإشكاليات إلى الخارج، مثل الانتخابات الرئاسية وما حصل في الشارع الإيراني. فبروز تيار " مير حسين موسوي "، الذي انتقد قرار إيران في علاقاتها بحماس وحزب الله ودعمها لهما، دفع بإيران إلى سلسلة من التفجيرات في العراق لصرف الانتباه لما يحصل في الداخل الإيراني من جهة، ولترتيب أوضاع الأحزاب الطائفية الموالية لها في العراق وتصفية الحسابات المؤجلة مع القوى الوطنية العراقية باسم القاعدة واجتثاث البعث من جهة ثانية.
ويتضح أن بعض مراكز القوى تعمل على تحجيم أو كبح جماح بعضها الآخر ومنها على وجه التحديد :
أولاً- المؤسسة الدينية، التي تضم عدداً كبيراً من (الآيات) المتشددين بحكم انتمائهم الفارسي، لها انعكاسات مركبة على كل من رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية تأخذ شكل صلاحيات إيقاف أو إلغاء قراراتهما، حتى باتت هتين المؤسستين لا تملكان غير تنفيذ القرارات التي تصلهما من اللجنة العليا (لولي الفقيه).
ثانياً- أما البازار، فله تأثير مباشر وواسع في وضع المحددات التي من شأنها أن تمنع ما يضر بمصالحه وتعاملاته استيراداً وتصديراً..الخ.. وغالباً ما تصدر قرارات تنفيذية تتعارض مع هذه المصالح بالجملة، الأمر الذي يدفع (ولي الفقيه) إلى التدخل لصالح البازار وإيقاف قرارات السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة ورئيسها، فيما يأتي التعارض أحياناً من أغلبية رجال الدين (الآيات) المتشددين حيال تلك السلطة لتعارض مصالح بعضهم، وبسبب دخول هؤلاء في شركات تجارية، حتى تكاد المؤسسة الدينية الإيرانية أن تنغمس في فروع البازار التجارية والاقتصادية والشركات المتخصصة والمتنوعة، مما يجعلها أكبر قوة تأثير في عملية صنع القرار السياسي في الدولة الإيرانية. ولما كان البازار يتأسس على قاعدة واسعة من العلاقات الخارجية فهو بهذا يتشدد حفاظاً على مصالحه مع أي سياسة تنفيذية تعمل على تقويض هذه المصالح أو تؤثر على مستقبل اتصالاته واستثماراته. فالبازار يرفض توجهات ما يسمى (الحرس الثوري) المتطرفة، وكذلك يرفض توجهات (فيلق القدس) و (الباسيج).. ولما كان هاشمي رافسنجاني رئيس مجمع تشخيص النظام يقود بعض فروع البازار المهمة، فقد تقاطع مع محمود احمدي نجاد بضغط من البازار و(ولي الفقيه)، ووضع مجلس الشورى تحت إشرافه المباشر لضبط حركته بما لا يتعارض مع البازار، فيما يتولى المجلس الإستراتيجي الإيراني مسؤولية صياغة السياسة الخارجية الإيرانية، أما وزارة الخارجية فهي جهة منفذه فقط وكذلك رئاسة الجمهورية.
كما يشكل بعض رجال الحوزة تأثيراً مهماً على السلطة التنفيذية ومجلس الشورى من لدن المتشددين الذين يتقاطعون مع توجهات البازار بالرغم من محاولات (ولي الفقيه) علي خامنئي صاحب السلطة المطلقة.. التدخل لتهدئة الأوضاع الناشئة عن الصراعات الداخلية على النفوذ والمصالح.
أعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني – وهو خليط من عسكريين وأمنيين، يتشكل بالأحرى من (الحرس الثوري، وفيلق بدر، والباسيج، فضلاً عن وزيري الدفاع والمخابرات)، وجميعهم متشددون يتولون إدارة الصراع حول الملف النووي الإيراني.. والتشدد هنا يأتي في حلقة مفرغة هدفها عند التفاوض كسب الوقت لصالح إتمام المهمة التي يعلق عليها ولي الفقيه آمالاً تلامس أهدافه البعيدة :
زعامة العالم الإسلامي وتحريف قبلة المسلمين نحو (قم) بدلاً من مكة المكرمة، تحت منهج الابتزاز السياسي والتلويح بالسلاح النووي الذي يفرض الأمر الواقع.
السيطرة على المنطقة العربية سياسياً واقتصادياً وايديولوجياً، وذلك بعد الانتهاء من دفع حلقات التشيع الفارسي في البرلمانات العربية وفي منظمات المجتمع المدني والقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي، وخاصة في الخليج العربي، إلى مستويات عليا ومهمة تتغلف بازدواجية الولاء (ولاء وطني، وولاء فارسي) يحسم لصالح الفرس حين يبدأ الصراع.!!
والملاحظ في هذا الأمر : تشكيل الهياكل، التي يقال أنها معنية بصنع القرار الإيراني، عناصرها الأكثر تشدداً (الحرس الثوري، وفيلق بدر، والباسيج، وعناصر فارسية حوزوية)، تأخذ نصيبها في فرض حلقة قوية ومتشددة تبعاً لمصالحها في صياغة القرار، ولكن مسألة إقراره من عدمه يعود بالمطلق إلى ولي الفقيه، الذي لا يناقشه أحد، ولا يحاوره أحد، ولا يطلب منه أحد سياسة ما، بدون أن تكون السياسة الفارسية جوهرها بغض النظر ما إذا كانت تتساوق مع مصلحة الشعوب الإيرانية أم لا.. إنها مفارقة عجيبة تتلامس مع إعلان الديمقراطية والحمائم والصقور، كما يسميها البعض، ولكنها تتقاطع مع واقع الحال الإيراني حيث البطالة والفوارق الطبقية البشعة، وازدياد معدلات ما بعد خط الفقر، وحيث العجز المالي وافتقار السيولة النقدية لإدامة البنية التحتية لإنتاج النفط الأيل إلى النضوب عام 2015 كما يخمن الخبراء، ودفع كلف بناء ومتطلبات المفاعلات النووية، ومنها على وجه الخصوص مفاعل (بو شهر)، وآخر يراد بناءه على الحدود العراقية الإيرانية، وآخر في جنوب بحر قزوين.. فضلاً عن اهتزاز البنية التشيعية العقائدية، ومركز (ولي الفقيه) وحدوث الشرخ الذي بلغ الشارع الإيراني.
إن مراكز القرار في إيران محكومة بردود الأفعال.. والمركز الذي ينساق وراء رد الفعل الداخلي والخارجي، يعيش التعارض والتناقض.. وصناعة القرار في إيران من مهمات (ولي الفقيه) في ضوء رؤيته العامة المطلقة لمرتسمات الحوزة، التي وضعت في مؤتمرها مخططات "حكماء فارس" في قم، ولخمسين سنة تنفذ على مدى خمسة عقود.!!
5/2/2010