منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#38486
مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة إلى البيت الأبيض، وتزايد المشكلات التي تُواجهها واشنطن على كافة المستويات، اهتمت الدوائر الأكاديمية والبحثية الأمريكية بتقديم نصائح للإدارة الأمريكية لمواجهة تلك التحديات الجمة والمتصاعدة، والتي تتسم بالتعقيد والتشابك لتداخل جملة من المؤسسات والوكالات في صناعة القرار الأمريكي لاسيما على الصعيد الخارجي.

وفي إطار هذا الاهتمام الأمريكي بالقيادات التي تتولى مناصب قيادية في إدارة أوباما، لاسيما الوكالات والمؤسسات الأمريكية الفاعلة في صناعة القرار الأمريكي؛ نشرت دورية الشئون الخارجية Foreign Affairs في عددها عن شهري يناير وفبراير 2009 دراسة بعنوان " في ظل المكتب البيضاوي: مستشار الأمن القومي القادم In The Shadow of the Oval Office: The Next National Security Adviser" أعدها كلٌّ من إيفو إتش. دالدر Ivo H. Daalder، وهو زميل كبير بمؤسسة بروكينجز Brookings Institution وآي. إم. ديستلر I. M. Destler أستاذ شاول شتيرن في المشاركة المدنية Saul Stern Professor of Civic Engagement بكلية السياسة العامة School of Public Policy التابعة لجامعة ميرلاند. وتركز الدراسة على عرض خبرة مستشاري الأمن القومي عبر مختلف الإدارات الأمريكية، وتحليل أوجه النجاح أو الإخفاق للاستفادة منها في المرحلة القادمة.


تطور مهام مستشار الأمن القومي

تبدأ الدراسة بالحديث عن مهام مستشار الأمن القومي الذي يعمل بصورة أساسية مع الرئيس الذي يقوم بتعيينه، وتلاحظ الدراسة أن مهام مستشار الأمن القومي قد شهدت تطورًا كبيرًا. ففي الخمسينيات إبان حكم الرئيس الأمريكي إيزنهاور Dwight Eisenhower تم التركيز على التخطيط السياسي. إلا أنه إبان فترة إدارة جون كينيدي John F. Kennedy تم التركيز على السياسة الخارجية، حيث بدأ رحلته مع مستشاره ماك جورج بوندي McGeorge Bundy 1961، والذي عمل أستاذًا وعميدًا لجامعة هارفارد الأمريكية. واستطاع بوندي حشدَ عددٍ من الموظفين أطلق عليهم إدارة بوندي المصغرة Bundy's Little State Department، اهتمت بتقديم المشورة والتحليلات إلى الرئيس، بجانب قيامها بالرقابة على أداء الحكومة الأمريكية. وقد ساعد على ذلك التوافق بين كينيدي ومستشاره خلال فترة عملهم التي استمرت 1000 يوم- فترة رئاسة كينيدي-. فقد عرف بوندي رغبة كينيدي في الحصول على المعلومات الشاملة حتى يواجه المشكلات من كافة زواياها، وهو ما أتى ثماره في أزمة الصواريخ الكوبية.

ورغم ذلك فقد كشفت الأحداث التي أعقبت اغتيال كينيدي عن عدم وجود صياغة واحدة لمحددات الدور الذي يقوم به مستشار الأمن القومي، فذلك يعتمد بصورة كبيرة على توجهات الرئيس. فالرئيس جونسون Lyndon Johnson ركز على قضايا السياسة الداخلية، ورغم أنه يرجع الفضل له في الدفع بعدد كبير من التشريعات في الكونجرس سواء فيما يتعلق بالحقوق المدنية، العدالة الاجتماعية، الرعاية الصحية، والفقر، إلا أنه فيما يخص قضايا السياسة الخارجية فقد وضع ثقته في دين روسك Dean Rusk وزير الخارجية، وروبرت ماكنمارا Robert McNamara علاوة على القادة العسكريين الكبار. ورغم أن والت روستو Walt Rostow، خليفة بوندي الذي رحل عن الإدارة 1966 كان على علاقة حسنة بجونسون إلا أن الواقع كشف عن إخفاقه في إدارة العملية السياسية. ومن ثم لم تكن العلاقات الودية أو الكفاءة وحدها هي المحك لنجاح دور مستشار الأمن القومي الأمريكي.

أشارت الدراسة إلى خبرة ريتشارد نيكسون Richard Nixon ومستشاره هنري كسنجر Henry Kissinger، فكلاهما كان لديه رؤية واقعية للعالم. حيث نفذ كسنجر أغلب السياسات الخارجية الهامة لنيكسون سواء في فيتنام، أو الاتحاد السوفيتي، ضبط التسلح، بالإضافة إلى الزيارة السرية التي قام بها للصين – وهي الأولى من نوعها- عام 1949 الأمر الذي كان إيذانا بعلاقات جديدة مع الحكومة الشيوعية. وعلى الرغم من أن هذه السياسات قد حققت إنجازات ملموسة إلا أنها تركت هاجسًا خطيرًا لدى كافة المسئولين في الإدارة، دفع كسنجر إلى زرع أجهزة تصنت للتأكد من عدم تسريب المعلومات، مما ولد غياب الثقة بين كبار الموظفين وبالتالي السعي للالتفاف حول كسنجر وأحيانًا الرئيس. غير أن خبرة كسنجر قد كشفت عن أهمية أن يكون مستشار الأمن القومي المفاوض الأول في القضايا المعقدة، نظرًا لقدرته على التوصل لاتفاق رغم ما يؤديه من صراعات مع وزير الخارجية.


مستشار الأمن القومي منصبٌ يثير الجدل

انتقلت الدراسة بعد ذلك إلى دراسة الأزمات التي قد يثيرها مستشار الأمن القومي، فتثير إلى الأزمة التي حدثت في ظل إدارة كارتر وبريجنسكي Brzezinski عقب الغزو السوفيتي لأفغانستان 1979. الأمر الذي أدى لاستقالة سايروس فانس Cyrus Vance وزير الخارجية بعد خلافه السياسي مع كارتر بشأن أزمة حجز الرهائن في إيران، والتي أظهرت الولايات المتحدة بموقف الدولة الضعيفة في مواجهة الثورة الإسلامية الإيرانية. وقد فشل بريجنسكي في حماية الرئيس من أخطائه.

وفي هذا المضمار، دعا كثيرون إلى أن يخضع صاحب منصب مستشار الأمن القومي لمجلس النواب، إلى جانب ذلك اقترح البعض إلغاء المنصب بدعوى أنه قد سبب ولادة الصراعات السياسية داخل الإدارة الأمريكية.

وفي عهد رونالد ريجان Ronald Reagan، كان هناك قناعة بأن مستشار الأمن القومي لاعب قوي صاحب سلطة على خلاف ما سبق. وأن سلطة وزير الخارجية والوزراء الآخرين تراجعت لصالح منصب مستشار الأمن القومي.

وقد شغل عدد كبير من الشخصيات منصب مستشار الأمن القومي في ظل إدارة ريجان، غير أنهم لم يحققوا نجاحًا ملموسًا. فقد كان ينقص وليام كلارك William Clark، رغم ارتباطه بريجان، الخبرة والمعرفة. وأيضًا دخل روبرت ماكفارلين Robert McFarlane الذي عرف بعمله الشاق في خلافات مع عدد من الوزراء خاصة جورج شولتز George Shultz وزير الخارجية، ووزير الدفاع كاسبر واينبرجر Caspar Weinberger. إلى جانب جون بويندكستر John Poindexter الذي كان ترجمة للمبدأ القائل: إن تعزيز عدم كفاءة مستشاري الأمن القومي ينتج عنه كارثة وهو ما ظهر جليًّا في الأزمة الإيرانية.

ومع ذلك فقد تحسن الوضع نسبيًّا في العامين الأخيرين لإدارة ريجان، ويرجع ذلك نسبيًّا لوجود تطورين ملحوظين. تمثل أولاهما في الرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف Mikhail Gorbachev الذي أتاح الفرصة لريجان لأن يجد دربًا لإنهاء الحرب الباردة، والثاني في استقالة واينبرجر Weinberger من منصبه في البنتاجون مما شكل بداية لنهاية النزاع مع شولتز Shultz الذي كان سببًا لشل الإدارة. وفي العام الأخير لإدارة ريجان تولى فرانك كارلوسي Frank Carlucci وزارة الدفاع، وكولن باول Colin Powel مجلس الأمن القومي، الأمر الذي أفضى إلى التعاون سواء في علاقات واشنطن وموسكو، أو العلاقات داخل إدارة ريجان.

ولكن الدراسة تشير إلى أن جورج بوش الأب George H. W. Bush استطاع استثمار نجاح إدارة ريجان، خاصة بعد أن أعلن جورباتشوف انسحابه من أوروبا الشرقية. وقد كان جورج بوش الأب بالفعل خير من يدير هذه الفترة فهو أكثر من اهتم بالسياسة الخارجية. وقد عمد بوش إلى التعاون مع وزير الخارجية جيمس بيكر James Baker، وسكوكروفت Scowcroft مستشار الأمن القومي كلاًّ في الاتجاه ذاته.

وقد شهدت إدارة بوش الأب عددًا كبيرًا من الأحداث تمثلت في سقوط حائط برلين، وتحرير شرق أوروبا، وتفكك الاتحاد السوفيتي، الذي أنهى الحرب الباردة دون حرب، ثم جاء التحدي الذي أبرزه صدام حسين عقب غزوه للكويت في أغسطس 1990. وهنا ظهرت حلقات التعاون بين بوش الأب ومستشاره في قضايا الأمن القومي، حيث نجحا في الدفع بتحالف دولي لإجبار العراق على الخروج من أراضي الكويت.


قضايا السياسة الداخلية في مواجهة الخارجية

اهتمت إدارة بيل كلينتون Bill Clinton، بقضايا السياسة الداخلية، وقد شغل أنتوني ليك Anthony Lake منصب مستشار الأمن القومي ورغم عمله كمساعد تنفيذي لكسنجر إلا أنه لم يحتذ به. وسعى ليك للاحتفاظ بعملية الأمن القومي بعيدا عن السياسات باعتبار أن هناك مخاطر في حالة قربه من الرئيس. إلا أنه عقب ما حدث إبان العام الأول، في البوسنة والصومال وهايتي، أدرك ليك فشل طريقته في الإدارة ومن ثم سعى للتغيير وحل المشكلات القديمة والتوقع للمشكلات الجديدة بشكل أفضل. إلى جانب ذلك أصبح أكثر نشاطًا في السياسة الخارجية. وقد أتى ذلك بثماره، حيث تم انتخاب رئيس ديمقراطي جديد لهايتي، كما انتهت حرب البوسنة أكثر حروب أوروبا دموية منذ 1945. إلى جانب إقامة علاقات جديدة مع الصين، وتوطيد العلاقات مع موسكو.

وعلى المنوال ذاته، ركزت إدارة جورج دبليو بوش George W. Bush على مشكلات الداخل الأمريكي، إلا أن الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001 أعادت ترتيب أولوياته. وقد كانت كونداليزا رايس Condoleezza Rice جزءًا رئيسًا في إعادة الترتيبات، إلى جانب نائب الرئيس ديك تشيني Dick Cheney ودونالد رامسفيلد Donald Rumsfeld وزير الدفاع، وحتى كولن باول Colin Powell وزير الخارجية. ولم يسهل كل الأطراف الأمر على رايس، إنما الذي ساعدها هو ثقة الرئيس فيها. وقد كانت مهمة رايس في تلك الفترة القيام بما يريد الرئيس مما مثل فشلاً حقيقيًّا، حيث كان بوش هو صاحب القرار.

وعلى عكس الحال في الفترة الثانية لإدارة بوش، شغل ستيفن هادليStephen Hadley ليخلف رايس التي أصبحت فيما بعد وزيرة للخارجية في 2005. وقد اختلفت الظروف حيث أدرك بوش فشل خطته في العراق عام 2006، وفي هذا المضمار استطاع أن يستمع لستيفن هادلي الذي قدم للرئيس عددًا واضحًا من الخيارات تتيح سياسة جديدة في العراق. بالإضافة إلى أنه عمل مع فريق عمل مختلف عن الذي عملت معه رايس، فالسياسة الأمريكية في العراق دفعت رامسفيلد إلى التنحي عن منصبه، وحل محله روبرت جيتس Robert Gates- ورغم بقاء تشيني نائبًا للرئيس إلا أنه ظل في عزلة دون حلفاء.


المعادلة الصعبة

تنتهي الدراسة إلى أن مستشار الأمن القومي يقضي معظم وقته مع الرئيس أكثر من أي مسئول آخر في الإدارة الأمريكية. ومن يتولى المنصب عليه أن يأخذ في الاعتبار عددًا من التوازنات الصعبة.

ورغم أن الرئيس يدير العملية إلا أنه ليس دائمًا على صواب، وذلك ما أكدته خبرات عديدٍ من الإدارات الأمريكية، ومنها خبرة الرئيس دبليو بوش والأحداث التي أعقبت 11 من سبتمبر لاسيما التقارير التي تتحدث عن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، التي ثبت عدم صحتها فيما بعد. فالرئيس لا يعلم كل شئ وهو بحاجة لمستشارين أكفاء يحمونه من نفسه.

بالإضافة إلى ذلك، فإنه من الضروري أن يقوم مستشار الأمن القومي بإدارة القرارات التي تخص قضايا الأمن الخارجي والداخلي، وأن يُسهم في خلق خيارات حقيقية وواقعية، إلى جانب قيامه بالإشراف على القرارات التي يتخذها الرئيس. وهذا ما تبناه الرئيس أوباما في اختياره الجنرال جيمس جونز James L. Jones، الذي قال عنه أوباما: "سيأتي إلى مهمته بخبرة مزدوجة من الخدمة في الجندية وكدبلوماسي". فجونز هو أول عسكري يتولى هذا المنصب منذ 1987، ولعل الهدف من هذا التعين رغبة أوباما في أن يساعده جونز في كسب ثقة المؤسسة العسكرية وإعادة تحديثها. ناهيك عن خبرة جونز في مجال التعاون الأطلسي العسكري وقبوله لدى الأوروبيين مما قد يساعد أوباما في تعزيز التعاون بين ضفتي الأطلسي مرة أخرى.

هذا عن إلمامه بكثيرٍ من القضايا التي تواجه إدارة أوباما. ففي نوفمبر 2007 اختارته كونداليزا رايس ليكون مبعوثًا أمنيًا خاصًّا للشرق الأوسط بهدف مساعدة الفلسطينيين في تشكيل مفهوم أمني لدولتهم، ومراقبة تنفيذ الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتعهداتهم الأمنية الواردة في خطة "خارطة الطريق" والتي شكلت أساسًا للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية عقب انعقاد مؤتمر أنابوليس للسلام. بالإضافة إلى أن الكونجرس قد كلفه في أوائل 2007 برئاسة لجنة من كبار الخبراء السياسيين والعسكريين لإعداد تقرير بشأن الوضع الميداني في العراق، وقد أصدرت اللجنة تقريرها الذي أوصى بتقليل حجم القوات الأمريكية في العراق محاولةً منها لتغيير صورتها كقوة احتلال. وهو ما يظهر رغبة أوباما في علاقات تعاونية مع مستشاره للأمن القومي لاسيما على الصعيد الخارجي والاستفادة من خبرة جونز لتعويض نقص خبرته في القضايا الدولية.