صفحة 1 من 1

أحمد محرم

مرسل: الأحد يونيو 05, 2011 12:55 pm
بواسطة عبدالعزيز العيسى 1
1877-1945م)


(1)
مقدمة:
عاشت مصر خلال فترة من الزمان ميدان مقاومة وجهاد لا مثيل لهما، ضرب خلالها الشعب المصري أروع الأمثلة في البطولة والذود عن حياض الوطن في معركة متصلة طويلة غير متعادلة القوى مع الاحتلال البريطاني.
لم يكن الجهاد قائماً على بذل الأرواح والأنفس فقط رخيصة في سبيل الله، لمن يبغي تحرير الوطن، فهناك من سلّط لسانه على الأعداء والخونة للدفاع عن وطنه الغالي، فظهر عدد من الشعراء الذين نافحوا بشعرهم عن الوطن، وأذكوا شعلة الوطنية في النفوس، وبعثوا الهمم للمطالبة بالحرية.
ومن هؤلاء الشعراء: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وعبد الحليم المصري، وعلي الغاياتي … وغيرهم.
ومنذ نهاية الأربعينيات ظهر جيل جديد من الشعراء المجاهدين في ميدان الإسلام بالكلمة الرفيعة، ومنهم: هاشم الرفاعي، وصابر عبد الدايم، وعبد الرحمن العشماوي، ومحمد علي الرباوي، ومحمد بنعمارة، وحسن الأمراني … وغيرهم.
وقد جمع معظم هؤلاء الشعراء على بناء القصيدة التقليدي، وحافظوا على الجزالة، ونوّعوا في الأغراض، فكتبوا في المديح والغزل والرثاء، ملتزمين التصوَّر الإسلامي فيما يكتبون، ويعد أحمد محرّم رائد الشعر الإسلامي في العصر الحديث.
نسبه ومولده:
ولد أحمد محرم في يوم السبت الخامس من المحرم سنة 1294هـ(الموافق 20 من يناير 1877م). وهذا التاريخ قد حدده الشاعر نفسه، وقد أثبته فيما كتب من سيرة حياته إلى السيد أحمد عبيد أحد أصحاب المكتبة العربية في دمشق، وقد استكتبه كما استكتب طائفة من كبار الشعراء المصريين عن حياتهم وعن أحدث أعمالهم الشعرية التي لم يسبق نشرها، ليضمن ذلك كتابه "مشاهير شعراء العصر في الأقطار العربية الثلاثة: مصر وسورية والعراق"، فكتب أحمد محرم عن نفسه أنه وُلِد في القاهرة يوم 5 محرم 1294هـ( )، (الموافق 13 من يونيو 1945م)( ).
وقد ولد في حي "باب الوزير" بقسم الدرب الأحمر" في مدينة القاهرة.
إلا أن خير الدين الزركلي في "الأعلام" ذكر أن أحمد محرم ولد في قرية "أبيار الحمراء" من قرى مركز "الدلنجات" في محافظة البحيرة( ).
وكلمة "محرم" في اسم الشاعر ليست اسماً لأبيه، ولا لقباً لأسرته، ولكنها تتمة لاسمه المركّب من كلمتين، وقد يكون السبب في إضافة "كلمة محرم إلى اسم أحمد ولادته في شهر المحرم، كما سُمِّي شقيقه الأكبر "محمود صفر" لولادته في الشهر الثاني من شهور السنة القمرية.
أما أبوه فهو حسن أفندي عبد الله وهو تركي من أبناء المماليك الشراكسة، وأمه كذلك من أصل تركي، ولكن هذا الأصل خُلِط كما يقول محرم بقليل من الدم المصري"( )، فأمه تنسب إلى عائلة "الدرمللي" الشهيرة بالقاهرة( ).
ولم تطل مدة طفولة أحمد محرم في القاهرة عند القائلين بمولده فيها، فقد غادرها في صحبة أبيه إلى إحدى القرى في محافظة البحيرة، حيث كان الوالد يقوم بالإشراف على ضيعة لبعض ذوي اليسار، وهناك "تخيّر لابنه مكتباً يتعلّم فيه القراءة والكتابة، وحفظ شيئاً من القرآن الكريم"( ).
وكان محرم كبير العقل ضئيل الجسم، كثير الصمت، قليل الحديث، وإذا تحدث فهو يستعين ـ مع الكلام ـ بالإشارة، وكان ميّالا للعزلة، كثير التأمل والتفكير، ينتحي في مجلسه ناحية بعيدة عن الصخب، لينفرد بنفسه وأفكاره، وكان يرتاح للجلوس في ظل شجرة معينة في أحد ميادين مدينة دمنهور، أضيفت إليه من طول لزومه ظلها، وما تزال تُعرف بشجرة محرَّم، وقد وقف محرم حياته وبيانه على خدمة أمته الإسلامية إلى أن توفّاه الله بدمنهور سمة 1365هـ(1945م) رحمه الله وطيّب ثراه"( ).
(2)
لم يكن أحمد محرم يريد لنفسه ـ كما يقول ـ إلا منزلة المتنبي، ومقام البحتري، وما كانت نفسه لتسكن إلى أكبر المدارس المصرية التي قُضِي على اللغة العربية فيها على يد الحكم الأجنبي، فاستأذن والده في الانقطاع عن المدرسة بقصيدة أبان فيها عن ذات نفسه، وجهر بمكتوم أمره، فأذن له في الانقطاع عن الدراسة المنتظمة بالمدارس، ووضع مكتبته الكبيرة بين يديه ليختار منها ما تميل نفسه إليه من أمهات الكتب في الأدب التاريخ والفلسفة، وعكف محرم على الدرس الذاتي، فاستظهر ما وقع اختياره عليه من هذه الكتب، وأعانه والده على شراء ما يريد من الكتب، واشترك له في أشهر المجلات وأكبر الصحف، فما أن بلغ الخامسة عشرةَ حتى أقبل على الصحف السياسية والمجلات الأدبية يكتب فيها عن المبادئ المنتزعة من حقائق التاريخ والمذاهب القائمة في صميم الأدب( ).
ولقد اجتمعت في أحمد محرم طبيعتان كان لهما أكبر الأثر في توجيه حياته الفنية وطبع سلوكه في حياته العامة بطابع خاص متميز: هما الشاعرية التي وُهِبها، والاستعداد الفطري للمشاركة في الحياة العامة.
وكانت الشاعرية التي وُهِبها، وبروز معالمها واضحة منذ كان حدثاً صغيراً يستقبل الحياة، ولزمته حتى صار شيخاً كبيراً يستعد لتوديع تلك الحياة، وهي التي دفعته إلى الفرار من التعليم الرسمي بالمدارس الحكومية ليتفرّغ لهذه الشاعرية، ويُنمِّيها بطاقات أدبية يُحصِّلها من قراءاته، ومن اطّلاعه الواسع العميق على آثار الأدباء الكبار، والفحول من الشعراء( ).
كما كان الاستعداد الفطري للمشاركة في الحياة العامة هو الذي جعله يُشارك في الحياة الأدبية والسياسية بقصائده ومقالاته التي كان ينشرها في الصحف ويُذبعها على الناس.
وقد اشترك سنة 1910م في مسابقة شعرية (بمناسبة يوم جلوس الخديو) ظفر فيها بشهادة الامتياز بين شعراء النيل.
كما نال بعد ذلك خمس عشرة جائزة في مسابقات شعرية ونثرية، مما ساعد على ذيوع صيته، كما كان يكتب متطوعاً في صحف الحزب الوطني، لأنه رأى أنه الحزب الذي يُجاهد جهاد المستبسلين لنصرة القضية المصرية، كما أشرف على تحرير الصفحة الأدبية بجريدة "الصدق" بدمنهور، واتخذها مدرسة لتقديم الشعراء الناشئين، يُسدِّد خطاهم، ويقوِّم تجاربهم، ويفتح لهم الطريق لنشر إبداعاتهم والالتقاء بالقراء.
وقد أخرج ديوانه الأول عام 1908م، وقسمه إلى تسعة أبواب:
1-المديح.
2-الوطنيات.
3-الدين والفضيلة.
4-الأخلاق والآداب.
5-بر الوالدين.
6-الحكم والحقائق.
7-التشبيب والغزل.
8-الرثاء.
9-الخواطر والمساجلات( ).
وأصدر ديوانه الثاني عام 1920م ويحتوي على (109) قصيدة، ومعظمها في الوطنية والاجتماع( ).
شهرة أحمد محرم:
يقول الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين:
"لم يجد أحمد محرم من أهل زمانه إقبالاً على شعره، في حين حظي بالعناية مزامنوه من الشعراء، بل ازورّت عنه الأقلام، وتجافت عنه الصحف، فظل محدود المريدين والمعجبين، وصحب ذلك الإهمال ذكره بعد وفاته فترة من الزمن، حتى قيّض الله له بعض المنصفين من الباحثين الذين انتشلوا فكره وذكره من الضياع، ونشروه بين العالمين، ليأخذ مكانه اللائق به في تاريخ أهل الفكر والشعر من أبناء أمتنا العربية، وأوْلى هؤلاء الباحثين بالذكر الدكتور محمد إبراهيم الجيوشي الذي درس حياته وشعره … ثم تتابع الدارسون على ذكر محرم والحديث عنه وعن شعره حتى بات علماً في ميدان الدفاع عن الإسلام في الشعر الحديث"( ).
ويوضح حقيقة إغفال ذكره بقوله:
"وحين قلنا عن أحمد محرم أنه بقي في حياته وفترة بعد مماته مُغفل الذكر لا نعني أنه كان منسيا نسياناً كاملاً، وإنما نعني أنه لم ينل من الذكر ما ناله شوقي وحافظ ومطران وأمثالهم، بل كان نصيبه كنصيب الرافعي ـ رحمه الله ـ ذلك العالم الذي لم ينل حظه من الدراسة إلا بعد وفاته بسنوات طوال"( ).
ولعل عدم شهرة أحمد محرم ترجع إلى ثلاثة أسباب:
الأول: أنه كان يُقيم في دمنهور بعيداً عن أضواء العاصمة، المتمثلة في صحفها ومجلاتها وإذاعتها ومنتدياتها الأدبية.
الثاني: موقف محرم من بعض الزعماء السياسيين الذين حكموا مصر، و"توالوا على تصريف شؤون البلاد في النصف الأول من القرن العشرين، فقد كان محرم يرى فيهم طلاب مطامع، يتقاتلون على المناصب، ويسعوْن إلى المجد الشخصي، من غير إيمان بقضية الوطن، ولا تضحية في سبيلها، وإنما يتخذونها سبيلاً لتحقيق مآربهم، ومعبراً ينفذون منه إلى أغراضهم … وكان لا يفتأ يتهكّم بالأحزاب والزعماء، ويصليهم من نقده المر اللاذع ناراً حامية"( ).
الثالث: ساعدت مكانة شوقي وحافظ الأدبية والاجتماعية وصلاتهما السياسية على ذيوع صيتهما وإغفال ذكر الكثير من المُجايلين لهما من أمثال: أحمد نسيم، وعبد الحليم المصري، وعلى الغاياتي ومحمد الأسمر .. وغيرهم.
ومع ذلك، فقد كان معروفاً لدى جمهرة القراء، وللحياة الأدبية، ومن أصدق الأدلة على ذلك تعيينه نائباً لرئيس جماعة أبوللو ـ مع خليل مطران ـ (حين تأسست هذه الجماعة عام 1932م) حيث كان أمير الشعراء أحمد شوقي الرئيس الأول لها.
شاعرية أحمد محرم:
لقد عني محرم بلغته عناية فائقة فجاءت قصائده خالية من أثر العجمة والعامية، إلى كونها يسيرة سهلة، قريبة التناول مع عدم ابتذال، وعني بأسلوبه في شعره، فلم يُرهقه بحر، ولم تحصره قافية، ولم ينزع إلى مخالفة الأصول الموروثة في نظام الشعر وأسلوبه، وكانت عباراته سلسة مُنقادة، لا تداخل فيها ولا تعقيد والتواء يعوز القارئ إلى طول النظر والتفكير( ).
وتشيع في شعر أحمد محرم الحكمة التي أفادها من تجاربه ومن تأملاته في الأحداث وأفعال الناس وتقلب الزمان، والحكمة تأتي في شعره نتيجة طبعية للتأمل، وليست مفتعلة أو متكلفة كما نلحظها في شعر بعض الشعراء.