صفحة 1 من 1

منطقة الخليج تتكيف بسرعه مع النظام الدولي الجديد

مرسل: الأحد يونيو 05, 2011 3:10 pm
بواسطة عبدالعزيز العيسى 1
عندما تحضر كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط حاملة رسالتها حول صيغة (الشرق الأوسط الجديد)، أو ما يُسمى المبادرة الدبلوماسية الجديدة، سيكون من الواضح لكل مراقب أن أطروحاتها لم تعد تؤخَـذ على محمل الجد. ولئن وافق القادة العرب على الالتقاء بها والاستماع إلى تصريحاتها وآرائها، فلأن ذلك جزء من البروتوكول الدبلوماسي، ولأن التقاليد العربية تقتضي حسن الضيافة ومعاملة الضيف باحترام ولطف.


إن القادة العرب يدركون أن السياسة الأمريكية لا تُصنَـع في أروقة وزارة الخارجية الأمريكية، بل تكمن القوة والسلطة الحقيقيتان في البيت الأبيض، وتحديداً في مكتب نائب الرئيس ومجلس الأمن القومي. وعلى الرغم من محاولات تصوير العالم العربي بأنه لا يزال يعيش في الماضي، فإن حكامه وشعوبه لديهم وعي وإلمام تامان بواقع النظام العالمي الجديد وحقائقه، وهم قادرون على فهم الادعاءات الأمريكية ودحضها.
لقد تخلى الحلفاء العرب المعتدلون عن الولايات المتحدة من الأساس، ليس فقط من النواحي العسكرية أو الاقتصادية، بل حتى في التعامل السياسي، الذي يبقى مجرد واجهة لعلاقة شكلية. فعلى سبيل المثال، لم تصل مصر بعد إلى مرحلة التضحية بمليارات الدولارات من المساعدات المالية السنوية لكي تقول للولايات المتحدة إنها ضيف ثقيل غير مرغوب فيه؛ وإنما تكتفي بمجاملتها عن طريق استقبال موفديها وكبار مسؤوليها، وهي تناشدها من وقت إلى آخر أن تعمل على إحياء عملية السلام. وينطبق هذا الوضع نفسه على دول الخليج العربية التي تعلم أنها تحتاج إلى القوة العسكرية الأمريكية لحمايتها في منطقة طالما اتسمت بعدم الاستقرار. وفي الوقت الراهن، تفضل دول الخليج الاحتفاظ بعلاقاتها مع الولايات المتحدة متحملةً المشكلات التي تسببها سياسات تلك الأخيرة، بدلاً من إتاحة الفرصة لإيران للاستقواء وممارسة ضغوط عليها.
إن كل الآراء التي تفترض أن إدارة الرئيس بوش في فترتها الرئاسية الثانية، وبما تواجهه الولايات المتحدة من مآزق في العراق، قد أضحت أكثر واقعية في تقييمها للوضع في الشرق الأوسط، وأنها أصبحت أكثر جدية في طلب مساعدة حلفائها ومساهماتهم، تُعتبر محض هراء. والحقيقة الأساسية هنا هي أن الولايات المتحدة لم تغير سياساتها بشأن الصراع العربي ـ الإسرائيلي خلال العقود الثلاثة الماضية. وفي ظل ظروف المشهد السياسي الأمريكي الداخلي، فإن الولايات المتحدة لن تُقْـدِم مطلقاً على ممارسة ضغوط كافية على إسرائيل لكي تتوصل إلى اتفاق بشأن الصراع العربي ـ الإسرائيلي، على الرغم من حقيقة أن الخطوط العريضة لهذا الاتفاق معروفة لكل الأطراف، وأنها قد طُرحت منذ وقت ليس بالقصير.
إنها باختصار تتمثل بمبدأ الأرض مقابل السلام، وإذا ما طُرحت على هذا النحو فإن العرب على استعداد لقبولها. وأياً كانت الأسباب والمسببات، فإن جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال العقود الأربعة الماضية ظلت تحابي إسرائيل وتنحاز إليها؛ بمعنى أنها تعتبر العرب هم الأشرار وأن إسرائيل هي التي تبحث عن السلام. ولكن الواقع يقول إن ما تريده إسرائيل حقاً هو الفوز بالغنيمتين معاً، أي الحصول على السلام والاحتفاظ بكل الأراضي التي تحتلها حالياً من دون التضحية بتقديم أي تنازل في المقابل، ولا يحتاج العقل إلى كثير علم أو عميق فكر ليدرك ببساطة أن هذا أمر غير واقعي، وأنه لن يؤدي إلى تحقيق الأمن المنشود.
وليس هناك من شك في أن العالم العربي قد ارتكب أخطاء في الماضي، لكنّ تصنيف الأشياء استناداً إلى هذا المعيار المطلق ذي الحدين إما خطأ وإما صواب، في العلاقات الدولية لم يعد يصلح للتطبيق على أحوال الواقع المعاصر. غير أن الولايات المتحدة لا تزال تعيش بعقلية الحرب الباردة التي تؤمن بوجود منتصر ومهزوم، وبالتالي لا يزال المسؤولون عن سياساتها يعملون بموجب هذا المنطق. وبعد أن جربت الولايات المتحدة هذه السياسة في منطقة الخليج سابقاً وفشلت فيها، فإنها مستمرة في تطبيق سياسة توازن القوى على العلاقات الإقليمية، وذلك عن طريق استعداء دولة على أخرى، وينطبق هذا الوضع على العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي، غير أن هذا الأسلوب لن يمكّـن المنطقة من الحصول على المستوى المطلوب من الأمن، وكما جرى في الماضي، فإن أزمات عدة ستتوالى واحدة تلو أخرى.
ويُحسب لحكومات دول الخليج العربية الفضل في استيعاب وتفهم التغيرات التي طرأت على النظام الدولي الجديد منذ وقت بعيد، إذ لم تعد القوة العسكرية هي المعيار النهائي الذي يحدد الخطأ والصواب، كما أدركت هذه الدول قصر نظر السياسة الأمريكية في التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط. وحتى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، كان ولي العهد السعودي حينذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ممتعضاً من الموقف الأمريكي إزاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وبلغ منه الغضب مبلغاً جعله يأمر السفير السعودي لدى الولايات المتحدة بأن يبلغ الحكومة الأمريكية رسالة وصف مضمونها مسؤولٌ سعودي على النحو التالي: (اعتباراً من اليوم، أنتم من الأوروغواي كما يقولون، أي لا شأن لنا بكم. فأنتم ـ أيها الأمريكيون ـ لكم شأنكم ونحن السعوديين لنا شأننا. ومن الآن فصاعداً سوف نحمي مصالحنا القومية بغض النظر عن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة). وعلى نحو مشابه، ولكن بأسلوب دبلوماسي، قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في كلمته أمام منتدى الحوار الخليجي في مملكة البحرين خلال شهر ديسمبر 2004، إن ضمانات أمن الخليج لا يمكن أن تأتي من طرف واحد، (حتى لو من القوة العظمى الوحيدة في العالم). وإنما تحتاج المنطقة إلى ضمانات (توفرها الإرادة الجماعية للأسرة الدولية). إن رسالتين كهاتين تـُـعـَـدان إشارة إلى الولايات المتحدة بأن سياساتها تسير في الاتجاه الخاطئ. ولكن بدلاً من الإصغاء إلى مثل هذا النوع من الرسائل وإدراك تلك الإشارات، واصلت الولايات المتحدة السير على النهج نفسه، مما عزز من شكوك دول الخليج العربية في نياتها الحقيقية.
ونتيجة لذلك، بدأت دول الخليج العربية في إقامة علاقات مع دول عدة تشمل الاتحاد الأوروبي وتركيا ودولاً آسيوية على وجه الخصوص. وعن طريق ربط المصالح الاقتصادية لهذه الدول بأمن الخليج تمكنت دول الخليج العربية من بناء شراكة راسخة وقوية، بالإضافة إلى تأسيس دور لنفسها في الساحة الدولية. وتستند هذه السياسة إلى مفهوم أن العلاقات لم تعد تُحدَّد بالقوة العسكرية وحدها، وأن العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المكثفة هي السبيل الوحيد لمساعدة هذه المنطقة على الخروج من حالة عدم الاستقرار المتأصلة فيها. ونزيد على ذلك أن الجهود الدبلوماسية التي بذلتها دول الخليج العربية وجدت الترحيب والتجاوب من قبل الأطراف الأخرى، حيث تتزايد زيارات المسؤولين الأوروبيين والآسيويين إلى المنطقة، وبدأت هذه الأطراف تدرك نـزعة الاعتدال الكامنة لدى دول الخليج، والتي ستفيد المنطقة عامةً. ففي طريق عودته من الولايات المتحدة في إبريل 2006، وفي زيارة لم تُصنَّـف بأنها رسمية، توقف الرئيس الصيني هوجينتاو في المملكة العربية السعودية. وعلى نحو مماثل اعتبرت ألمانيا أن منطقة الخليج ذات أهمية ضمن أولوياتها وهي تتهيأ لتولي رئاسة الاتحاد الأوروبي.
إذاً هناك نزعة لرؤية الجانب الإيجابي في السياسة الأمريكية، غير أن هذه النـزعة أضحت في ظل إدارة الرئيس بوش مجرد واجهة من دون محتوى يُذكر. وبعد أن استمعت دول الخليج وعلّقت آمالها على الوعود الأمريكية المبشرة بمستقبل أفضل، بدأت هذه الدول تهتم بمصالحها الذاتية، وهي عاقدة العزم على السير في هذا الطريق على الرغم من الاعتراضات الأمريكية، وقد يكون هذا هو التحول الاستراتيجي الحقيقي الذي تشهده هذه المنطقة.