قيل أن معاوية بن أبي سفيان عندما شاخ وكبرت سنه ورق عظمه وفي مجلس له ، سأله أحدهم قائلاً :
ماذا بقي لك يا أمير المؤمنين من ملذات الحياة ؟ فأجاب :
أكلت جميع أنواع الطعام حتى عفتها جميعا ، ونكحت النساء حتى أصبحت لا أميز بين امرأة وحائط ، فلم أرى أدوم من معاشرة الإخوان 0
إلى هنا انتهت إجابة معاوية رضي الله عنه ومن هذه النهاية ستكون بدايتي للتعليق بشيء يسير على هذه القصة 0
في حياتنا اليومية نرى شيباننا إذا التقوا معاً فاض لقاؤهم سعادة ، وانتشوا فرحا ، تسمع ضحكهم وتشعر أن الفرحة تقفز من أعينهم في لقاءاتهم 0
تجد أحدهم يقول لأصحابه وهو يحدثهم عن الماضي : تذكر يابو فلان يوم رحنا المكان الفلاني وقابلنا كذا وكذا وحصل كذا وكذا وما يكاد أن ينتهي أو ربما لم ينته بعد حتى تسمع الآخر يقول : لا ، اللي حصل معي ومع ابو فلان شيء لا يصدق واسألوه قدامكم ما زال حي ، ها يابو فلان ما تذكر يوم لقينا في الطريق واحنا ماشين على رجولنا لا سيارة ولا حتى دباب ( الله يسقي ذيك الأيام ) 000000 ويبدأ يسرد أحداثا حصلت له ولصديقه في الماضي وصديقه يؤمن على مجريات الحدث ( ايو الله يا جماعة عزالله صدق ) وتمضي الساعات سريعة يجترّون فيها ماضيهم بنكهة الماضي العبقة ويستعيدونه شريطا حيا من الذكريات الجميلة التي لا يملون من تكرارها وترديدها بين آونة أخرى ودون أن يشعروا فيها بمرور الوقت ، بل يشعر الفرد منهم بتذمر عندما يكاد المجلس أن ينفض ويعود إلى بيته منتظرا يوما آخر ليلتقي مرة أخرى مع أترابه وهكذا يستمر المسلسل اليومي الممتع 0
تذكرت هذا وتذكرت مقالة أبي سفيان : فلم أرى أدوم من معاشرة الإخوان وقلت لنفسي :
كل منا له أصدقاء في سنه أو أقل أو أكبر بقليل عشنا معاً حياة مشتركة بكل ما فيها من أفراح وأتراح ، بيننا ذكريات مشتركة فلماذا نخسر أصدقائنا واحدا تلو الآخر بسبب أو بدون سبب ، لماذا نفقدهم بكل سهولة ؟ لماذا لا يحتمل بعضنا بعضا ونصلح ما بيننا بهدؤ وروية ، لماذا لا نتغاضى عن بعض الهفوات اليسيرة ، لماذ الكل منا متربص بالآخر ، لماذا لا نقدم بعض التنازلات الممكنة ، لماذا ولماذا ولماذا ، لتنذكر قول معاوية : ( فلم أرى أدوم من معاشرة الإخوان ) ، سيأتي يوم ما وليس لديك أي صديق ، الكل قد نفر منك لسوء المعاملة وجفاف الطبع في الوقت الذي ستكون فيه محتاجا لأصدقائك الذين فرطت فيهم ولم تحافظ عليهم 0
ملاحظة : كلنا نحرص على أن نسعد آبائنا ، لنترجم هذا بصورة أكثر فاعلية ، لماذا لا ننشىء لهم استراحة صغيرة معقولة بالتعاون لتكون مقرا لهم وهو بمثابة ناد للمتقاعدين يأتي إليه المسن أو المتقاعد في أي وقت مع توفير خادم بأجر معقول لينظف المكان ويصنع لهم شاي وقهوة وتوضع لهم بعض الألعاب الخاصة بسنهم والتي يحبونها ، بذلك نكون قد وفرنا لهم مكانا مناسبا يلتقوا فيه بعيدا عن البيوت والكلفة والإحراج ، ليسعدوا فيما تبقى من أعمارهم وحتى نبعدهم عن الملل والضجر الذي قد يفرز بعض المشاكل فالفراغ سادتي وفي هذا السن مرعب ومخيف وبهذا نكون قد ساهمنا في اسعادهم 0
( هو مجرد اقتراح أيها السادة قابل للبناء أو النقض ) مع ملاحظة أن هناك طرق مختلفة لجعل هذا الاقتراح واقعاً وذلك من قبل المتقاعدين أنفسهم وبعض محبي الخير والأمر ليس مكلفا فلا يحتاج سوى استئجار غرفتين في مكان يتوسط البلد وعدد محدود من الكراسي والطاولات وأبناء المتقاعدين من الممكن أن يساهموا في ذلك والمتقاعدون أنفسهم كما أن كل من أراد أن ينضم إليهم من كبار السن لاحقا يدفع قسطه الشهري الذي لا أظنه سيكون عالياً 0الموضوع يحتاج إلى توجيه فقط 0
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين 0