صفحة 1 من 1

الحماية الدولية لحقوق الأنسان

مرسل: الاثنين يونيو 06, 2011 1:36 am
بواسطة محمد الغامدي (8)

بسم الله الرحمن الرحيم

إجراءات الحماية الدولية لحقوق الإنسان :

لم تكتف الأمم المتحدة برعاية حقوق الإنسان بل سعت كذلك إلى تأمين الحماية الدولية لها عن طريق دراسة أوضاعها في جميع دول العالم،والتحقق من مدى التزام الدول بالقواعد والاتفاقيات الخاصة بهذه الحقوق ،والكشف عن الانتهاكات المرتكبة،وتقديم المقترحات والتوجيهات لحمايتها وطلب إنزال عقوبات للمذنبين.
فالحماية الدولية هي مجموعة الإجراءات الإشرافية والرقابية التي تتخذها المنظمات الدولية،لضمان تنفيذ الدول الأطراف للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
وإجراءاتها وفقا للأمم المتحدة تتم بوسائل أربع:
1-ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
2- ما تتخذه لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من تدابير.
3- ما يصدره مجلس الأمن من قرارات للحفاظ على الأمن والسلام الدوليين.
4- ما تصدره المحاكم الجنائية الدولية من أحكام ضد المسئولين عن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.
إلا انه رغم كل إجراءات الحماية الدولية قد تواجه هذه العملية عقبات وعراقيل أهمها: مبدأ سيادة الدول،ومبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية.


أولا- مبدأ سيادة الدول

السيادة وفقا للمفهوم التقليدي هي أن الدولة صاحبة السلطة العليا في إقليمها وتدير شئونها الداخلية والخارجية باستقلال ووفقا لإرادتها،ولا تعلوها في ذلك سلطة إلا بحدود القواعد الآمرة في القانون الدولي وما تلتزم به من معاهدات دولية.
ومازال مفهوم السيادة في الداخل والخارج يتعرض للتغيير والتطوير،ولم تتوقف نظريات العلاقات الدولية والقانون الدولي عن الاجتهاد في معنى ودلالات هذا المفهوم،ولعل ذلك يرجع إلى تطور المجتمعات البشرية وازدياد علاقات الدول التي ساهمت بشكل كبير في تغيير وتطوير هذا المفهوم.
صحيح أن الدولة تتمتع بالسيادة إلا أن ذلك لا يعنى أنها تستطيع أن تفعل ما تشاء،فسيادتها ليست مطلقة،فعلى الصعيد الداخلي أو الوطني يمكن تقييد سلطة الدولة بواسطة الدستور والقوانين وهو ما يعرف بالتقييد الذاتي،ويمكن كذلك تقييدها على الصعيد الخارجي بواسطة الالتزامات الدولية أو المعاهدات الدولية التي تتم بإرادة الدولة ذاتها.
إذا الدولة لم تعد تتمتع بسيادة مطلقة لان التنظيم الدولي يحد بشكل كبير من حرية الدولة،إلا أن تقييد مبدأ السيادة لا يعنى وضع قيود على حقوق الدولة في السيادة،وإنما يعنى وضع القيود على كيفية ممارسة الدولة لهذه الحقوق،بما يضمن مصلحة المجتمع الدولي،وعليه فان تقييد السيادة يؤثر على حقوق السيادة من حيث الكم،ولكنه لا يمسس بها من حيث النوع.
والأمم المتحدة كمنظمة عالمية تعنى بالقضايا الدولية الكبرى،اضطرت بسبب اختزال المسافات والأبعاد وتشابك المصالح والخدمات واشتداد الحاجات المتبادلة بين الدول،إلى الاهتمام كذلك بالقضايا الإقليمية أو الداخلية ذات الآثار العالمية المشتركة مثل مسائل التلوث،والتربية،والتطور السكاني،والتنمية الاقتصادية،والمواد الغذائية...
وقد أثبتت المؤتمرات العالمية التي نظمتها الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة أن العالم تقلص،بفعل الاختراعات الحديثة إلى قرية صغيرة يواجه أهلها مصيرا مشتركا،وان المشكلات والأزمات التي تعانيها البشرية مرتبطة بأوضاع حقوق الإنسان،وان المفهوم التقليدي للسيادة لم يعد صالحا لمواكبة المستجدات والمتغيرات في عالم اليوم
.

ثانيا- مبدأ عدم التدخل

يميز الباحثون بين نوعين من عدم التدخل: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى،وعدم تدخل الأمم المتحدة في الشؤون التي تعتبر من صميم السلطان الداخلي للدولة.
النوع الأول يمكن الإشارة إليه من خلال ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في فقرته الرابعة من المادة الثانية التي تعدد مبادئ المنظمة العالمية ، فنص فيها على مطالبة الأعضاء بالامتناع في علاقاتهم الدولية عن اللجوء إلى التهديد بالقوة أو استخدامها ضد الوحدة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة،ولترسيخ هذا المبدأ وحث الدول على الأخذ به واحترامه،تم إصدار(الإعلان الخاص بعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول) الصادر عام 1989.
أما النوع الثاني وهو عدم تدخل الأمم المتحدة في الشؤون التي تعتبر من صميم السلطان الداخلي للدول،فيجد مستنده القانوني في ما نصت عليه الفقرة السابعة من المادة الثانية(ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل فدى الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما ...)
إن ميثاق الأمم المتحدة يخلو من أي معيار قانوني لتحديد الشؤون التي تدخل في صميم السلطان الداخلي للدول،والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل تقع حقوق الإنسان ضمن السلطان الداخلي للدول،وبالتالي لا يجوز لأية دولة أو جمعية أو منظمة دولية أن تتدخل فيه؟؟
إذا كان من الصعب قبول فكرة إدخال جميع حقوق الإنسان ضمن الاختصاص لدول،فمن الصعب أيضا التنكر المطلق لفكرة الحماية الدولية للحقوق والحريات الأساسية.
فالمسلك المعتدل والعادل هنا يقضى التمييز بين الحقوق العادية التي تخضع لسلطة الدولة،والحقوق الأساسية التي وردت في الاتفاقيات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة أو برعايتها،إذ أن هذه الحقوق تشكل قواعد آمرة في القانون الدولي المعاصر،ونذكر منها على سبيل المثال: الحق في الحياة،عدم التعرض للإبادة،أو الاسترقاق،أو التمييز العرقي أو الديني..
ورغم الاختلاف في أجراء حماية حقوق الإنسان وفق المادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة بوصفها شؤوناً داخلية أم شؤوناً دولية، فقد استقر العرف الخاص بالأمم المتحدة على تنظيم الشأن الداخلي في معاهدة دولية يخرجه من نطاقه الداخلي إلى النطاق الدولي، ومما لاشك فيه أن الالتزامات باتفاقات حقوق الإنسان يفرض قيوداً على مبدأ السيادة، حيث أن التذرع بالسيادة والتستر بها لانتهاك حقوق الإنسان يسئ إلى مبدأ السيادة ويدينها، حيث ينبغي أن تقتنع الدول بان إجراءات الحماية التي يمارسها المجتمع الدولي، إنما هي استجابة لمتطلبات احترام سيادتها لأنها تضمن تنفيذ التزاماتها بشأن حقوق الإنسان.
ثم حصل تطور جديد عندما اعتبرت الانتهاكات الجسيمة والمنظّمة لحقوق الإنسان بأنها تعرض السلم الدولي للخطر بحيث يتعذر الاحتجاج بمبدأ السيادة ليكون حاجزاً واقياً ترتكب بسببه مثل هذه الانتهاكات، فالسيادة لا تعني الحق في ارتكاب مذابح جماعية أو إقامة أنظمة فصل أو تمييز عنصري أو تهجير جماعي أو غيرها من الجرائم الدولية الإنسانية، ونتيجة للتحولات في الاتجاهات السياسية ظهر لمجلس الأمن عدة قرارات بشأن حالات التدخل لحماية حقوق الإنسان، كانت بدايتها بالتدخل في شمال العراق عام 1991، وبعدها حصل تحول كبير في مدى الحماية المتوفرة لحقوق الإنسان والارتقاء بها إلى المستوى الدولي، حيث أتيح للأفراد الاتصال بالأجهزة الدولية عد موافقة دولهم.
وأخيرا تراجع تأثير السيادة وضعف دورها بفعل التطورات الجديدة التي انتابت المجتمع الدولي والمتمثلة بالعولمة وثورة المعلومات واللذان لهما انعكاساً كبيراً وتأثيرا واضحاً على السيادة. ولما كانت الشرعة الدولية، وعلى رأسها الإعلان العالمي مصدراً لكثير من الصكوك الصادرة من داخل الأمم المتحدة وعن مؤتمراتها فقد كان منهلاً لكثير من الاتفاقيات خارج الأمم المتحدة أو المؤتمرات الإقليمية، ومصدراً لكثير من الدساتير الوطنية.
ويظهر الاهتمام الإقليمي بحماية حقوق الإنسان على مدى جميع القارات في الوقت الراهن، وقد انطلق هذا النمط من الاهتمام في إطار القارة الأوربية، حيث تعتبر تجربة رائدة، وهي تفوق كثيراً سواء في ضماناتها أو تحديدها أو مستقبلها الممارسات الدولية جميعاً، ووجدت تجسيدها في أطار الميثاق الأوربي لحقوق الإنسان.
وكذلك قام تعاون إقليمي على صعيد القارة الأمريكية داخل منظمة الدول الأمريكية في مجالات حماية حقوق الإنسان، وكذلك على صعيد القارة الأفريقية داخل منظمة الوحدة الأفريقية، وكذلك داخل التنظيم العربي في جامعة الدول العربية، كذلك ساهمت المنظمات غير الحكومية بشكل كبير ومؤثر في تطوير التشريعات الدولية التي تعمل على حماية وصيانة حقوق الإنسان كمنظمة العفو الدولية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها.
ورغم التأثر بعدم جود سلطة جزاء محددة تمنع انتهاك القواعد الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك بسبب ما يتضمنه المجتمع الدولي من تناقضات وتعارض في المصالح والذي افقد الثقة بوجود حماية دولية فعالة لحقوق الإنسان،ومع ذلك تبقى الأمم المتحدة نقطة الانطلاق للتطور الذي تحقق في مجال الحماية لدولية من خلال نشاطات أجهزة الأمم المتحدة المختصة بحمايتها.
وفى النهاية لابد من الإشارة إلى أن القاعدة الأساسية أن حقوق الإنسان هي حقوق طبيعية وليست منحة من أي سلطة فردية أو ملك أو رئيس،أو حكومة أو دولة وكل انتهاك لهذه الحقوق يجب التنديد به ومطالبة الدولة بالكف عنه فورا وتعويض أصحاب الحق المنتهك
.