منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#38629
منذ فترة بدأت إذاعة الرياض ببث برامج مميزة للغاية، تغطي جوانب مهمة يحتاجها المستمع من المواطنين أو المقيمين من كلا الجنسين، تستضيف مستشارًا دائمًا لقضايا ملحّة للمجتمع، ومنها برنامج (مستشارك النفسي) وضيفه د أحمد حريري الاختصاصي الاجتماعي، و(مستشارك القانوني) وضيفه الدائم بندر المحرج، والثالث وهو مدخل مقالنا اليوم (مستشارك البيئي). والبرامج الثلاثة ناجحة جدًا في استقطابها وتلبيتها لنسبة جيدة من احتياجات المستمع في هذه المسارات المهمة لشؤون الناس، وإن بقي الطلب والحاجة فوق ما يُتاح من تغطية لتعاظم الأزمات وتقصير العديد من الأجهزة بل وأخطائها التي تربك المواطن، فضلاً عن قصورها في تلبية الحاجة المعرفية من أقسام العلاقات العامة لتثقيف المجتمع.

والدكتور محمد الطيّاش حقق لهذا المجتمع قفزة مهمة في الاهتمام بقضية حيوية للغاية تعني صحتنا وقيمنا وسلامتنا، وهي البيئة التي كان المجتمع يعاني لعقود من حالة أمّية تجاه قضاياها المعرفية، في حين قفز هذا المتخصص بالقضية إلى طرحها ضمن أولويات المثقف و المجتمع، ولو نسبيًّا، وهذا الأكاديمي الذي حصل على جوائز في هذا المجال -كما فهمت- له أسلوب شائق، ومعلومة دقيقة، وخطاب لبِق يكاد يُشعرك أنه يقفز من الإذاعة إلى جانبك ليقنعك بضرورة الاهتمام بالبيئة، وأنها حياتك وحياة أطفالك وصحتك.

ومن أميز الحلقات التي استمعت إليها في إعادتها الصباحية، حلقة الأربعاء الماضي، والبرنامج يقدمه الزميل خالد مدخلي، وكان هناك ضيف إضافي هو د. عبد الهادي مسبار من مصر المتخصص في مجال الصحة المناعية وآثار المعالجة الصناعية للأغذية، والحديث لدى الضيفين كان عن المُحلّيات الصناعية المتنوعة وخطورتها، وكيف أنّ هذه البدائل المزعومة تحمل مصادر خطر صحي كبير، بما فيها معالجة الدايت في المشروبات الغازية، والمُحليّات الصناعية التي تُضاف على مشروبات الفواكه وبدائل السُكّر لأمراض السكر وغيرها، وأوضح الضيفان خطورة استعمال هذه البدائل لمدد طويلة، وأن هناك علامات توضّح هذه المعالجات وموادها، ويجري تضليل الناس عنها بوضع رمز مجهول لدى عامة الناس يرمز للمادة المُحذّر منها عالميًّا، حتى لا تُقاضى هذه الشركات بادّعاء وضعها لهذا الرمز، في حين أن المطلوب منها كإجراء قانوني توضيح مواد التصنيع المسببة لمضاعفات حين أخذها مدة كشهر أو أكثر أو بكميات كبيرة.

وأبدى الضيفان قلقهما الشديد من عدم لجوء الناس إلى قراءة تفاصيل ما يُكتب أصلاً، ثم الرجوع عبر النّت، أو الاستشارة لمعرفة هذه المركّبات الصناعية وضرورة التقليل منها للكبار، و للأطفال، وكيف أن هذه المُستحلبات باتت تدخل في كثيرٍ من الأغذية، وتُسبب أزمة مناعية للمستهلكين، وتطرّق كِلا الضيفين إلى حقيقة مهمة جدًا للغاية، وهي أنّ تسويق هذه المواد بات يخضع للوبي (بزنس) رأسمالي قوي جدًّا في الغرب والولايات المتحدة، وذُكر كمثال مجرم الحرب وزير الدفاع الأمريكي السابق (دونالد رامزفيلد) كأحد المُلاّك الكِبار لصناعة مُستحلبات التحلية الصناعية واحتكارها، بعد أن رُوّج لها لإدخالها كبدائل للتحلية الطبيعية المُكلفة للشركات في الكثير من المنتجات، ومع ذلك ذكر د. الطيّاش أن في أوروبا حركة صراع بين أنصار صحة الإنسان وهذه الشركات تفرض عليها بعض الشروط لتوضيح خطورة هذه المنتجات، وتُطاردهم، لكن ذلك لا يحصل في الوطن العربي؛ إذ تدخل هذه المنتجات بالإضافات الخطيرة أو بالسموم دون رقابة رادعة، والمملكة من مناطق الاستباحة لهذه الشركات والمنتجات الغذائية المُصنَّعة.

وتوقفتُ عند قضية خطيرة للغاية تعرّض لها د. عبد الهادي فقال: إن هذه الشركات ومنها المطاعم السريعة والغازيات والمستحلبات رأسماليات كبيرة، وأضحت تُكرّس جزءًا من حماية صناعتها من خلال اختراق ذات المؤسسات العلمية لتبنّي بحوث تحارب التحذير من هذه المنتجات، وتُشكّك في ما يُثبته المتخصصون المستقلون؛ حتى لا يَحكم القضاء ضدها، وحتى تعوّم القضية، وتستمر هذه الشركات في الإنتاج والضخّ والناس يقولون: لا ندري البحث –ألف- يقول كذا والبحث –باء- يُشكّك، وهذا البحث المُشكِّك في التحذير الصحي على سبيل المثال مدعوم من هذه الشركات الرأسمالية التي تَبني ثرواتها على حساب صحة الإنسان وبيئته، وأكّد كِلا الضيفين على ضرورة أن يعتمد الناس على المُحليّات الطبيعية، وخاصةً العسل، وعلى تقليل استخدام السُكّر كسلوك يتربى عليه الفرد ويُربّى عليه الطفل.

ولقد ذهب خاطري بعد استماع الحلقة ودور الشركات في تضليل الرأي العام لفلم وثائقي مهم للغاية، أرجو أن يسعى الجميع لمشاهدته، وهو قيام أحد المتطوعين الأمريكيّين باختبار آثار هذه الأغذية على جسمه، فقرر أن يعتمد على وجبات مطعم (ماكدونالدز) يوميًّا لمدة شهر، ووضع نفسه تحت مراقبة طبية لأحد الاختصاصيّين، وهو يصور مع فريق متطوع حياته اليومية، ويجري فحوصات يومية بعد أن أجراها قبل بدء برنامجه... كانت النتيجة مروعة للغاية، تُظهر عند كل ثلاثة أيام حجم السموم من كلسترول وغيره خاصة بعد الأسبوع الأول.. وقبل أن يصل إلى إتمام الشهر، أمره الأطباء بالتوقف بعد تردّي صحته فقد ينتهي بهِ (ماكدونالدز) للقتل.. هزّ هذا الفلم الغرب، وتحرّكت جمعيات التطوّع الصحية والبيئية، ودخلوا في سجال قضائي وإعلامي مع (ما كدونالدز) وقسْ على ذلك مطاعم – (الفاست فود) – ولجأت الشركة إلى الحيل العلمية التي ذكرناها، على الرغم من دقة وشفافية التوثيق ومتابعة الأطباء..

المؤلم أن ما ينتهي له الغرب في الموقف الحذر من هذه الشركات والأغذية نحن ننغمس فيه ونغمس أطفالنا...فمتى نوقف الغذاء القاتل؟