«العدوان الثلاثي» والنهج الاستعماري المستمر
مرسل: الاثنين يونيو 06, 2011 7:23 pm
لم يكن« العدوان الثلاثي» ( البريطاني ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي) على مصر وسيادتها الوطنية قبل خمسين عاماً( ابتداء من 29 تشرين الأول/ اكتوبر 1956)، هو الأول أو الأخير في موجات الغزو الاستعمارية، التي شكّلت منذ قرون، ولاسيما في القرنين الأخيرين ، سلسلة متصلة الحلقات والتوجهات والأهداف، بصرف النظر عن تبدل أسماء« أبطالها» وعناوينهم، وتنوّع ذرائعهم وحججهم.
لكنّ ذلك العدوان على ضخامته وتقدم آلته العسكرية وشموليته فشل تماماً في تحقيق أي من أهدافه باعتراف كبار المخططين له والقادة الميدانيين، ولم تنطل الأكاذيب والشعارات التي رفعها المعتدون لتسويغ أعمالهم الهمجية، وأبرزها زعمهم القائل إنهم إنما شنوا حربهم« من أجل تحقيق الحرية والديمقراطية للشعب المصري... وتخليصه من ديكتاتورية عبد الناصر». وهو ماتردد في المراسلات بين قادة بريطانيا وفرنسا و« إسرائيل» وأميركا؛ فقد كتب« أنتوني إيدن» ( رئيس وزراء بريطانيا في أثناء العدوان الثلاثي)، إلى الرئيس الأميركي« أيزنهاور» زاعماً:« إننا نحن وأنتم قدنا العالم مرات عديدة في حروب دافعنا فيها عن الحرية والديمقراطية، وسوف تكون مأساة إذا جئنا اليوم وتخلينا عن هذه الرسالة أمام ديكتاتور صغير يريد لنفوذنا في التاريخ أن يختفي تماماً».
لقد كانت النتيجة الأساسية لهذا العدوان اندحار الغزاة وهزيمتهم من جهة، وصعود نجم الرئيس جمال عبد الناصر كبطل قومي وقائد على مستوى حركة عدم الانحياز، وحركات التحرر الوطني في العالم كله من جهة أخرى.
أما السبب الرئيس لهذا العدوان فليس« الحرية والديمقراطية» ،كما ادّعوا، وإنما استعادة المصالح الاستعمارية التي ضربها عبد الناصر في قراره التاريخي الشجاع بتأميم قناة السويس، ومحاولتهم إلغاء القرار السيادي المصري، الذي لم يعد يُطبخ في السفارات ويُملى على الحكومة المصرية أو« يُوحى» به من ممثلي المخابرات الغربية والقناصل والملحقين العسكريين في البلاد.
وقد كرر الرئيس الأميركي« جورج بوش» ( الابن) وتابِعُهُ رئيس وزراء بريطانيا «طوني بلير» الكلمات نفسها بالحرف الواحد تقريباً كذريعة لغزو العراق في عام 2003، ولا يزالان يصرّان على ترديدها، رغم كل ماحصل هناك من دمار وخراب وفوضى وفضائح وفظائع ومئات آلاف القتلى، وانتهاك لكل القيم والقواعد الأخلاقية والإنسانية.
وعلى ذكر ممثلي المخابرات الغربية، فقد كان «جورج يونج» ـ مسؤول العمليات الخاصة في الشرق الأوسط بإدارة المخابرات البريطانية ـ يقسّم العرب في عام 1956 إلى فريقين:
« عرب مروَّضون»(TamedArabs) و« عرب متوحّشون» (WildArabs) . وأشار في رسالة إلى زميله « جيمس إيغلبرغر» ـ المسؤول عن نشاط وكالة المخابرات المركزية في مصر حينئذٍ ـ إلى « أن الفريق الأول هم أصدقاؤنا ويجب أن نحافظ عليهم، أما الفريق الثاني فهم أعداؤنا ومن واجبنا ألا نتردد في القضاء عليهم وذبحهم».
وقد ظهر من الوثائق والمحفوظات الأرشيفية ومراسلات الزعماء الغربيين (البريطانيين والفرنسيين والأميركيين) التي أفرج عنها في الآونة الأخيرة، أن فكرة تقسيم العرب إلى معسكرين أو فريقين متضادين «مروَّضين» مقابل «متوحّشين» و«ليبراليين» مقابل« يساريين»، « إسلاميين» مقابل « قوميين »، « معتدلين» مقابل «متطرفين».. الخ، مسألة محورية وذات أبعاد حيوية في التفكير الاستعماري المتوارث، والتصورات السياسية المعوّل عليها في الممارسات والأعمال والتكتيكات الغربية، المتبعة مع الدول العربية وقياداتها المختلفة.
ومن تتح له فرصة الاطّلاع المعمق على تلك الوثائق والمذكرات والمراسلات فسيكتشف مدى التماثل والتقارب بل التطابق في أهداف القوى الاستعمارية وأساليبها المعروفة في القرون الماضية، وما تعلنه اليوم وريثتها الكبرى( الولايات المتحدة الاميركية) وتقوم به من غزوٍ واحتلال وتهديدات ، وألاعيب سياسية، ودبلوماسية، وابتزاز واستفزازات ومحاولات تقسيمية للعرب، وتقريب بعضهم، وإبعاد بعضهم الآخر... إضافة الى إذكاء الفتن والشكوك والهواجس فيما بينهم، عبر التسريبات الإعلامية المدروسة والإيحاءات والتلميحات واللغة المزدوجة، وضخ الأكاذيب والشّحن النفسي، وشخصنة الأمور وتعظيم الاختلافات..وصولاً إلى إشعال نيران الخلافات والنزاعات العربية ـ العربية، والإبقاء على أجواء التوتر ملتهبة، لتظل الإدارة الأميركية وحدها المسيطرة والمهيمنة استمراراً « للتقاليد » الاستعمارية المتوارثة.
وغنيٌّ عن القول أن من لايقرأ التاريخ ويفهم مجرياته الدقيقة يتحتم عليه أن يكرر الأخطاء ذاتها، ويتعرض لكثير من الكوارث والخسائر ولكن بحجم هذا الزمن؛ أي أضعافاً مضاعفة. فهل لدى مجتمعاتنا المتأخرة اقتصادياً وعلمياً وتقنياً وإدارياً وثقافياً وفرة وسعة من الوقت والأموال والقدرات لتكرار الأخطاء عبر الانقسامات والنزاعات والخلافات، وعدم التفريق بين الثوابت والمتغيرات، وبين القضايا الأساسية والأمور الثانوية الفرعية؟!.. أم أن لاوقت لدى صانعي القرارات لقراءة تلك المؤلفات والمذكرات والوثائق التي تخص بلدانهم ومصائر شعوبهم ، ليأخذوا العبرة ممن سبقهم، ويعقلوا مايُرسَمُ من خطط وتوجّهات، لايحاول أصحابها ـ في معظم الأحيان ـ إخفاءها أو تمويهها، لقناعتهم شبه المطلقة أننا لانهتم ولانقرأ ولانتذكر، ولايهمنا الاطلاع على التفصيلات، ولانحلّل الوثائق ، ولانُعنى في العمق باتجاهات الفكر السياسي وأطروحات المفكرين المؤثرين في العواصم العالمية الفاعلة؟!.. ناهيك عن ثقتنا العاطفية العجيبة بالآخرين، مع« حدسنا» بأنهم لايعملون إلا لمصالحهم، ولايلتزمون بمتطلبات الأخلاق في تحركاتهم وأعمالهم وأطماعهم الاستعمارية، واستمرار نظرتهم الاستعلائية القديمة إلينا، بوصفنا« شعوباً همجية» تقودنا أنظمة إما«مُرَّوضة» وإما «مُتوحّشة» ، تبعاً لتصنيف ضابط المخابرات البريطاني«جورج يونج» بعباراته الخشنة الفظة قبل نصف قرن.. وإما أنظمة«معتدلة»، «صديقة» ، «إيجابية» مقابل أخرى«متطرّفة» «مارقة» ،«معرقلة» للاستقرار والديمقراطية والتعاون في منطقة الشرق الأوسط»..الخ، بكلمات كوندو ليزا رايس الُملَطَّفة والموجّهة للرأي العام، ووسائل الإعلام، ومن أجل العلاقات العامة كما هو معلوم.
أما المضمون أو الجوهر فهو نفسه، والمنطق الاستعماري ذاته، لدى السلف البريطاني والخَلَف الأميركي على حد سواء.
لكنّ ذلك العدوان على ضخامته وتقدم آلته العسكرية وشموليته فشل تماماً في تحقيق أي من أهدافه باعتراف كبار المخططين له والقادة الميدانيين، ولم تنطل الأكاذيب والشعارات التي رفعها المعتدون لتسويغ أعمالهم الهمجية، وأبرزها زعمهم القائل إنهم إنما شنوا حربهم« من أجل تحقيق الحرية والديمقراطية للشعب المصري... وتخليصه من ديكتاتورية عبد الناصر». وهو ماتردد في المراسلات بين قادة بريطانيا وفرنسا و« إسرائيل» وأميركا؛ فقد كتب« أنتوني إيدن» ( رئيس وزراء بريطانيا في أثناء العدوان الثلاثي)، إلى الرئيس الأميركي« أيزنهاور» زاعماً:« إننا نحن وأنتم قدنا العالم مرات عديدة في حروب دافعنا فيها عن الحرية والديمقراطية، وسوف تكون مأساة إذا جئنا اليوم وتخلينا عن هذه الرسالة أمام ديكتاتور صغير يريد لنفوذنا في التاريخ أن يختفي تماماً».
لقد كانت النتيجة الأساسية لهذا العدوان اندحار الغزاة وهزيمتهم من جهة، وصعود نجم الرئيس جمال عبد الناصر كبطل قومي وقائد على مستوى حركة عدم الانحياز، وحركات التحرر الوطني في العالم كله من جهة أخرى.
أما السبب الرئيس لهذا العدوان فليس« الحرية والديمقراطية» ،كما ادّعوا، وإنما استعادة المصالح الاستعمارية التي ضربها عبد الناصر في قراره التاريخي الشجاع بتأميم قناة السويس، ومحاولتهم إلغاء القرار السيادي المصري، الذي لم يعد يُطبخ في السفارات ويُملى على الحكومة المصرية أو« يُوحى» به من ممثلي المخابرات الغربية والقناصل والملحقين العسكريين في البلاد.
وقد كرر الرئيس الأميركي« جورج بوش» ( الابن) وتابِعُهُ رئيس وزراء بريطانيا «طوني بلير» الكلمات نفسها بالحرف الواحد تقريباً كذريعة لغزو العراق في عام 2003، ولا يزالان يصرّان على ترديدها، رغم كل ماحصل هناك من دمار وخراب وفوضى وفضائح وفظائع ومئات آلاف القتلى، وانتهاك لكل القيم والقواعد الأخلاقية والإنسانية.
وعلى ذكر ممثلي المخابرات الغربية، فقد كان «جورج يونج» ـ مسؤول العمليات الخاصة في الشرق الأوسط بإدارة المخابرات البريطانية ـ يقسّم العرب في عام 1956 إلى فريقين:
« عرب مروَّضون»(TamedArabs) و« عرب متوحّشون» (WildArabs) . وأشار في رسالة إلى زميله « جيمس إيغلبرغر» ـ المسؤول عن نشاط وكالة المخابرات المركزية في مصر حينئذٍ ـ إلى « أن الفريق الأول هم أصدقاؤنا ويجب أن نحافظ عليهم، أما الفريق الثاني فهم أعداؤنا ومن واجبنا ألا نتردد في القضاء عليهم وذبحهم».
وقد ظهر من الوثائق والمحفوظات الأرشيفية ومراسلات الزعماء الغربيين (البريطانيين والفرنسيين والأميركيين) التي أفرج عنها في الآونة الأخيرة، أن فكرة تقسيم العرب إلى معسكرين أو فريقين متضادين «مروَّضين» مقابل «متوحّشين» و«ليبراليين» مقابل« يساريين»، « إسلاميين» مقابل « قوميين »، « معتدلين» مقابل «متطرفين».. الخ، مسألة محورية وذات أبعاد حيوية في التفكير الاستعماري المتوارث، والتصورات السياسية المعوّل عليها في الممارسات والأعمال والتكتيكات الغربية، المتبعة مع الدول العربية وقياداتها المختلفة.
ومن تتح له فرصة الاطّلاع المعمق على تلك الوثائق والمذكرات والمراسلات فسيكتشف مدى التماثل والتقارب بل التطابق في أهداف القوى الاستعمارية وأساليبها المعروفة في القرون الماضية، وما تعلنه اليوم وريثتها الكبرى( الولايات المتحدة الاميركية) وتقوم به من غزوٍ واحتلال وتهديدات ، وألاعيب سياسية، ودبلوماسية، وابتزاز واستفزازات ومحاولات تقسيمية للعرب، وتقريب بعضهم، وإبعاد بعضهم الآخر... إضافة الى إذكاء الفتن والشكوك والهواجس فيما بينهم، عبر التسريبات الإعلامية المدروسة والإيحاءات والتلميحات واللغة المزدوجة، وضخ الأكاذيب والشّحن النفسي، وشخصنة الأمور وتعظيم الاختلافات..وصولاً إلى إشعال نيران الخلافات والنزاعات العربية ـ العربية، والإبقاء على أجواء التوتر ملتهبة، لتظل الإدارة الأميركية وحدها المسيطرة والمهيمنة استمراراً « للتقاليد » الاستعمارية المتوارثة.
وغنيٌّ عن القول أن من لايقرأ التاريخ ويفهم مجرياته الدقيقة يتحتم عليه أن يكرر الأخطاء ذاتها، ويتعرض لكثير من الكوارث والخسائر ولكن بحجم هذا الزمن؛ أي أضعافاً مضاعفة. فهل لدى مجتمعاتنا المتأخرة اقتصادياً وعلمياً وتقنياً وإدارياً وثقافياً وفرة وسعة من الوقت والأموال والقدرات لتكرار الأخطاء عبر الانقسامات والنزاعات والخلافات، وعدم التفريق بين الثوابت والمتغيرات، وبين القضايا الأساسية والأمور الثانوية الفرعية؟!.. أم أن لاوقت لدى صانعي القرارات لقراءة تلك المؤلفات والمذكرات والوثائق التي تخص بلدانهم ومصائر شعوبهم ، ليأخذوا العبرة ممن سبقهم، ويعقلوا مايُرسَمُ من خطط وتوجّهات، لايحاول أصحابها ـ في معظم الأحيان ـ إخفاءها أو تمويهها، لقناعتهم شبه المطلقة أننا لانهتم ولانقرأ ولانتذكر، ولايهمنا الاطلاع على التفصيلات، ولانحلّل الوثائق ، ولانُعنى في العمق باتجاهات الفكر السياسي وأطروحات المفكرين المؤثرين في العواصم العالمية الفاعلة؟!.. ناهيك عن ثقتنا العاطفية العجيبة بالآخرين، مع« حدسنا» بأنهم لايعملون إلا لمصالحهم، ولايلتزمون بمتطلبات الأخلاق في تحركاتهم وأعمالهم وأطماعهم الاستعمارية، واستمرار نظرتهم الاستعلائية القديمة إلينا، بوصفنا« شعوباً همجية» تقودنا أنظمة إما«مُرَّوضة» وإما «مُتوحّشة» ، تبعاً لتصنيف ضابط المخابرات البريطاني«جورج يونج» بعباراته الخشنة الفظة قبل نصف قرن.. وإما أنظمة«معتدلة»، «صديقة» ، «إيجابية» مقابل أخرى«متطرّفة» «مارقة» ،«معرقلة» للاستقرار والديمقراطية والتعاون في منطقة الشرق الأوسط»..الخ، بكلمات كوندو ليزا رايس الُملَطَّفة والموجّهة للرأي العام، ووسائل الإعلام، ومن أجل العلاقات العامة كما هو معلوم.
أما المضمون أو الجوهر فهو نفسه، والمنطق الاستعماري ذاته، لدى السلف البريطاني والخَلَف الأميركي على حد سواء.