صفحة 1 من 1

سياسة مصر الخارجية ما بعد الثورة...هواجس إسرائيلية لا تنتهي

مرسل: الاثنين يونيو 06, 2011 10:49 pm
بواسطة علي آل موسى 344-2
صورة

بقلم: د. سامح عباس



حالة من الترقب والهواجس المتزايدة تنتاب الكيان الصهيوني فى الآونة الحالية من توجهات السياسة الخارجية لمصر فى أعقاب ثورة 25 يناير وسقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، الذي أساء لصورة وسمعة مصر الخارجية على مدار ثلاثة عقود متتالية، نتيجة لانتهاجه سياسة الخضوع والرضوخ للضغوط والإملاءات الخارجية بالشكل الذي كان يهدف فقط الحفاظ على هذا النظام الفاسد، الذي لم تتجاوز مواقفه السياسية الخارجية حدود الشجب والإدانة. انعكست حالة القلق الصهيوني من السياسة الخارجية المصرية الجديدة ما بعد الثورة من خلال عدد من التقارير والمقالات البحثية العبرية لكبار المحللين والمعلقين السياسيين الإسرائيليين، ربما كان أبرزها الورقة البحثية التى نشرها المركز الاورشليمي للدراسات السياسية والعامة للخبير الاستراتيجي تسيفى مزئيل السفير الإسرائيلي السابق لدى القاهرة تناول فيها أبعاد السياسة الخارجية المصرية ما بعد الثورة ومستقبل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب فى ظل هذه السياسة.

أكد مزائيل فى مستهل ورقته البحثية، التى حملت عنوان " مصر تبحث عن سياسة خارجية جديدة"، أنه كان من الواضح أن النظام المصري الجديد ، حتى ولو كان مؤقتا، لن يكتفي بتغييرات سياسية داخلية فقط، بل سيبحث عن سياسة خارجية أيضاً، وقد ألقيت هذه المهمة على عاتق وزير الخارجية نبيل العربي، الذي أعلن عن سلسلة تصريحات فى الآونة الأخـيرة بأن " مصر الثورة" ستعيد تقييم كافة علاقاتها الخارجية، مبرزاً تأكيده بأن ليس لدى مصر أعداء وستسعى لإقامة علاقات طبيعية مع جميع دول العالم. وتساءل مزائيل فى ورقته البحثية إلى أي مدى تتطابق تصريحات العربي مع الواقع السياسي-الأمني فى منطقة الشرق الأوسط، وهل الوضع المعقد هذا سيسمح بإجراء تغيير واسع فى السياسة الخارجية المصرية؟.

فلسطين البداية

تابع الخبير الإسرائيلي ورقته البحثية بالإشارة إلى أنه بالفعل اتخذت مصر عدة خطوات فى هذا الشأن، والتى تشير إلى اعتزامها إقامة منظومة علاقات متوازنة جديدة فى المنطقة، وقد أعلن وزير الخارجية المصري نبيل العربي عن ذلك خلال مؤتمر صحفي مع نظيره النمساوي فى 5 إبريل الماضي، وحدد قطاع غزة كبداية لانطلاق السياسة الخارجية الجديدة لمصر، والذي انعكس من خلال السماح لوفد حماس بالخروج من القطاع إلى مصر للسفر إلى دمشق للمرة الأولى بعد أن كان ذلك مستبعد الحدوث فى فترة عصر مبارك. مع ذلك استبعد الكاتب الإسرائيلي أن يكون هناك تأثير واضح لمصر فى الآونة الحالية على القضية الفلسطينية، وبخاصة فيما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية، نظراً لأن النظام المصري الجديد لا زال يتحسس خطاه الأولى على الساحة الدولية. مشيراً إلى أن الأمريكيين والإسرائيليين فوجئوا من الزيارة السرية التى قام بها رئيس المخابرات المصرية اللواء مراد موافي، إلى دمشق، والتقائه مع كبار المسئولين فى حركة حماس، واصفاً تلك الزيارة بأنها تأتي فى إطار التوجه الجديد للسياسة المصرية ما بعد عصر مبارك، على الرغم من الاستياء الكبير الذي أبداه المسئولين الأمريكيين من تلك الزيارة، خاصة وأن ليس لدى مصر ما تربحه من علاقات مع سوريا فى الوقت الذي يعاني فيه النظام برئاسة بشار الأسد من خطر السقوط. على ضوء ذلك استغرب الكاتب الإسرائيلي من تصريحات مسئول مخابراتي مصر لصحيفة "وول ستريت جورنال"التى أكد فيها أن اللواء مراد موافي رئيس المخابرات العامة وأقرانه فى الجيش حريصون على الحفاظ على علاقات وطيدة مع واشنطن مثلما كانت قبل الثورة.

ومما يؤكد على أن فلسطين هى نقطة الانطلاق للسياسة المصرية الجديدة ما بعد الثورة هو ما أشار إليه خبير الشئون العربية المعروف يوني بن مناحيم الذي أكد فى تقرير له نُشر بموقع "إن .إف .سي" الإخباري العبري بأنه من الممكن ملاحظة التغيير الذي شهدته مصر عقب إقصاء نظام الرئيس السابق حسني مبارك من خلال العلاقة الطيبة التى يبديها المجلس العسكري المؤقت تجاه حركة حماس، التى كانت مكروهة من قبل النظام السابق، وانعكس ذلك من خلال عدة مواقف أبرزها السماح للدكتور محمود الزهار، القيادي البارز فى الحركة بزيارة القاهرة والتقائه مع وزير الخارجية المصر نبيل العربي. وأضاف يوني بن مناحم بأن الزهار خرج من القاهرة بشعور إيجابي للغاية، متأثراً بالتغيير والأجواء الجديدة فى مصر حيال حماس، خاصة بعد موافقتها على الإفراج عن 14معتقليها إلى جانب دراستها الإفراج عن 24آخرون.

كما أكد بن مناحيم على أن وساطة القيادة المصرية الجديدة مؤخراً بين إسرائيل وحماس لعودة الهدوء لقطاع غزة، نابعة فى الأساس من رغبتها فى تخفيف الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة وتحقيق المصالحة الفلسطينية التى عجز النظام المصري السابق عن التوصل إليها بسبب تبنيه لمواقف حركة فتح على حساب حركة حماس .

العلاقات المصرية-الإيرانية

ويبدو أن أكثر ما يقلق إسرائيل- حسبما ما انعكس من الورقة البحثية لمزائيل- فى الوقت الراهن من العلاقات الخارجية لمصر هو التقارب مع إيران، والذي عبَّر عنه وزير الخارجية المصري فى أكثر من مناسبة وتأكيده على أن إيران ليست دولة عدوة لمصر، وإنه التقى مع رئيس مكتب المصالح الإيرانية بالقاهرة وسلمه دعوة رسمية لزيارة طهران. كما لم يبد العربي فى تصريحاته المختلفة موقف معاد تجاه حزب الله معتبراً أنه جزء من الدولة اللبنانية وتناوله يعد بمثابة تدخل فى الشئون الداخلية اللبنانية، مرحباً بتواصل مصر مع أي تيار سياسي فى لبنان.

وفى سخرية بالغة يقول مزائيل فى ورقته البحثية " بعد تصريحات العربي الوردية صُدم بالواقع فى الشرق الأوسط، حيث لم تستطع مصر تجاهل الوضع الخطير السائد فى الوقت الحالي بالمنطقة، وأن عليها الحفاظ على مصالحها الأمنية أولاً رغم رغبتها فى الحوار مع ما أسماهم بالعناصر المتطرفة، لذا اضطر العربي إصدار بيان أكد فيه على دعم بلاده لمملكة البحرين والحفاظ على استقرارها الذي يمثل عنصر مهم فى استقرار منطقة الخليج كلها"، زاعماً أن ذلك البيان كان بمثابة تحذير ضمني مصري لإيران من عدم التدخل فى أحداث البحرين، وتهديد لها بأنها لن تطبع العلاقات معها إذا لم تتوقف عن التآمر ضد الدول العربية.

عودة السودان

وقال السفير الإسرائيلي السابق لدى القاهرة فى ورقته البحثية لتحليل السياسة الخارجية المصرية بعد عصر مبارك أن أولى الإجراءات الدبلوماسية المصرية ما بعد ثورة 25 يناير كانت زيارة رئيس الوزراء المصري عصام شرف للسودان، مما يعكس أن القضية الأساسية التى تخشاها القاهرة هي السودان وليست إيران، خاصة وأن السودان تمثل عمقاً استراتيجيا لمصر، خاصة فيما يتعلق بمياه نهر النيل ، مشيراً إلى أن الحدود الممتدة بين البلدين والتى تصل إلى 1500كيلو متر شهدت تسلل الآلاف من السودانيين الفارين من الحرب الأهلية فى السودان، بعضهم استقر به الحال فى مصر، والبعض الآخر حاولوا الوصول إلى إسرائيل، مضيفاً أنه عبر تلك الحدود يتم أيضاً تهريب الأسلحة لحركة حماس فى قطاع غزة.

وأشار الخبير الإسرائيلي إلى أن السودان تمثل لمصر عنصر إقليمي مهم ، وأنها فى حاجة ماسة للتنسيق معها أمام باقي الدول المشتركة فى حوض نهر النيل والتى تهدد بتقليص حصة مصر من مياه النيل، من خلال تغيير الاتفاقيات السابقة، موضحاً أن زيارة رئيس الوزراء المصري للخرطوم جاءت لمناقشة تلك القضية المهمة، ومواصلة التنسيق بين البلدين فى شأن مياه نهر النيل، إلى جانب توقيعه على تسع اتفاقيات ، من بينها اتفاق لزراعة القمح على الأراضي السودانية لصالح مصر التى تعتبر أكبر مستورد له فى العالم، لضمان إمداد مستمر ومضمون من القمح.

كما لفت الخبير الإسرائيلي الانتباه إلى الزيارة التى قام بها الدكتور شرف لدولة جنوب السودان التى ستعلن رسمياً فى 9يوليو القادم فى إطار السياسة الخارجية المصرية الجديدة.

الاختبار الأول

وأوضح السفير الإسرائيلي السابق لدى القاهرة أن أولى الاختبارات الجادية التى تواجه مصر ما بعد الثورة، ويعد اختبار حقيقي لسياستها الخارجية الجديدة هو اختبار تعيين الأمين العام الجديد للجامعة العربية بعد انتهاء عمل عمرو موسى فى هذا المنصب لنحو عشر سنوات، مشيراً إلى أن السيد مفيد شهاب كان مرشحاً لهذا المنصب، لكنه أُلغي بسبب انه كان جزء من النظام المصري السابق، فى المقابل سارعت قطر وللمرة الأولى بتقديم مرشح من جانبها، بعد أن كان هذا المنصب محفوظ بشكل تقليدي لمصر باعتبارها دولة المقر إلى جانب كون مصر أكبر دولة عربية، وشدد مزائيل على أننجاح مرشح آخر غير مصري فى تولى رئاسة الأمانة العامة للجامعة العربية سيضر بشدة بمكانة مصر العربية وسيؤثر عليها.

وقاحة إسرائيلية

وفى ختام ورقته البحثية تساءل تسيفى مزائيل على ضوء رغبة مصر ما بعد ثورة 25 يناير فى فتح صفحة جديدة مع الدول العربية وإظهار " سياسية مصرية مستقلة" ماذا سيكون مضمون هذه السياسة وجوهرها، وهل الواقع السياسي-الأمني الإقليمي سيسمح بإجراء تغييرات جوهرية فى السياسة الخارجية المصرية، التى تبدو فيها العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ذات أهمية عليا، على الرغم من الأصوات التى تنادي بضرورة إعادة النظر فى تلك العلاقات، زاعما بأن مصر لن تتنازل عن تلك العلاقات لأنها فى حاجة ماسة للاستثمارات والتكنولوجيا الأمريكية ومواصلة دعمها الاقتصادي والعسكري السنوي لها. أما العلاقات مع إسرائيل فتبدو الآراء حيالها أكثر سلبية حيث تطالب كثير من الأصوات إعادة النظر فى اتفاقيات السلام ، مستبعداً فى الوقت ذاته إمكانية تجميد تلك الاتفاقيات، لأن ليس لدى مصر ما يبرر عودتها للعلاقات المعادية مع إسرائيل، لأنها ستضطر إلى إنفاق الأموال على تسليح الجيش بدلاً من إنفاقها على تنمية وتطوير اقتصادها، فضلاً عن أن أي مساس باتفاقيات السلام سوف يسئ للعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية.

وفى وقاحة وصلافة وإسرائيلية معهودة تحدث مزائيل فى ختام ورقته البحثية بكل ثقة مؤكداً بأن مصر ما بعد الثورة لن تلغ اتفاق الغاز لأنه من مصلحتها استمراره، لأنها صفقة جيدة بالنسبة لها بأقل تكاليف، وأن مصالحها السياسية والاقتصادية الكبيرة ستجبرها على مواصلة العلاقات مع واشنطن وتل أبيب، وهو ما يعني عدم دخولها فى السلام البارد حتى إقامة نظام ديموقراطي فى البلاد فى غضون سنوات طويلة.

على أية حال ستظل الهواجس الإسرائيلية حيال السياسة الخارجية المصرية ما بعد ثورة 25 يناير المجيدة مستمرة لحين تستقر الأوضاع الداخلية فى مصر بعد انتخاب رئيس جديد للبلاد وبرلمان جديد، على ضوءه ستحدد ملامح هذه السياسة، خاصة فيما يتعلق بمواقف مصر حيال الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط.