منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#38759
صورة


محمد سليمان الزواوي


كتب الخبير الاستراتيجي الامريكي أنطوني كوردسمان مقالاً في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأمريكي بتاريخ 2 مايو2011 بعيد مصرع ابن لادن مباشرة، يقول فيه أن الولايات المتحدة تنظر إلى مصرع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن على أنه انتقام عادل، ولكن يجب على الولايات المتحدة أن تكون حذرة في افتراضها بأن مصرعه سوف يؤدي إلى وقف عمليات القاعدة أو شبكات التطرف الإسلامي الأخرى، أو أن الولايات المتحدة تستطيع أن تتنبأ بالتداعيات السياسية والاستراتيجية لمقتله.
ويضيف الكاتب أنه من المؤكد أن ذلك يعد نجاحًا للولايات المتحدة وسوف يضاف ذلك إلى النتائج الإيجابية الكثيرة التي كانت حصيلة سنوات من الهجمات الناجحة على تنظيم القاعدة، وهو ما أدى إلى تقليل قدرات تنظيم القاعدة بصورة كبيرة، وتأمل الولايات المتحدة أن أولئك الذين يدعمون التطرف لا يرون مصرع ابن لادن على أنه نوع من الشهادة ومحفزًا على مضاعفة جهودهم من أجل السير على دربه، فوكما أوضحت رسالة أوباما في أعقاب مصرع ابن لادن أن ذلك الإجراء تأخر عشر سنوات، ولكن الجانب الآخر من مصرعه هو أن تلك السنوات العشرة أعطت القاعدة وقتًا طويلاً للغاية لإفراز قيادات بديلة ونوعًا من المرونة في نشر خلاياها وعدم تضارب أهداف شبكاتها والاستفادة القصوى من حسن توزيعها، وإيجاد مواقع بديلة لها مثل اليمن، فما كان يمكن أن يكون صفعة مدوية في عام 2001 أو 2002 على الأكثر، فإن أثر حدوثه اليوم أقل بكثير، لذا يجب عدم الإفراط في الاحتفاء بمصرع ابن لادن.
كما أن هناك احتمالاً أن يرى الكثير من المتطرفين أسامة بن لادن على أنه حقق بالفعل نجاحات مدوية، فقط لأنه استطاع أن يستمر في تحدي الولايات المتحدة لما يقرب من عشر سنوات كاملة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كما من المحتمل أيضًا أن يرى الكثيرون مصرعه على أنه نوع من الشهادة وأن استشهاده أصبح نموذجًا يحتذى وليس رادعًا عن عدم قيامهم بأية هجمات مستقبلية؛ فالمتطرفون والإرهابيون ربما ينظرون إلى أسامة بن لادن بعين الإكبار والتقدير بعدما علموا أنه استمات في قتاله ضد القوات الأمريكية وأن الولايات المتحدة اضطرت لتدمير إحدى مروحياتها التي استخدمت في الهجوم، وسوف يكون ذلك عزاءًا كبيرًا لهم، بالإضافة إلى أن اثنين من مرافقي ابن لادن وأحد أبنائه قتلوا أيضًا في المعارك مع فرقة "سيلز" الأمريكية من قوات النخبة، وربما يحاولون أيضًا استغلال حقيقة أن هناك نساءً وأطفالاً قتلوا في تلك المعركة أيضًا أو على الأقل كانوا حاضرين فيها.
ويضيف الكاتب أن الولايات المتحدة لا تعلم على وجه اليقين عدد المتطرفين الذين ربما ينظرون إلى الأمر بتلك الصورة، ولكنها تعلم أن أي ضربة في الحرب ضد الإرهاب ستعتمد نتيجتها على الأثر الذي ستحدثه على الإرهابيين الحاليين والمحتملين، وليس على الأمريكيين أو البشر حول العالم الذين شعروا بالارتياح من مصرع أسامة بن لادن. إن الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تواجه حقيقة أن كافة القوى الاجتماعية والسياسية والدينية التي أفرزت تلك التهديدات الإرهابية والمتطرفة لا تزال موجودة، بل إنها تعززت في أعين المتطرفين بعد خبراتهم القتالية في العراق وأفغانستان، وبسبب الأحداث السياسية الجسيمة التي تحدث في الشرق الأوسط والدول الإسلامية الآن، وبسبب الغضب على الانظمة المحلية وعلى الولايات المتحدة وعلى الدول الغربية الأخرى والتي يراها كثيرون في المنطقة على أنها تحارب العرب والمسلمين. لذا فمن غير المتوقع أن يؤدي مصرع ابن لادن، أو حتى تدمير تنظيم القاعدة، إلى إنهاء التهديد الواسع للإرهاب والتطرف، أو حتى يقلل من نطاقه بصورة كبيرة.
كما أن هناك احتمالات خطيرة بأن يقوم أولئك الذين في باكستان ممن يعارضون كافة التحركات الأمريكية في باكستان وضد حركة طالبان بموجة جديدة من الهجمات العدائية بسبب أن الولايات المتحدة شنت ذلك الهجوم على الأراضي الباكستانية، فلا يوجد سببًا لإخفاء ذلك، فالرئيس أوباما لم يكن لديه خيارًا سوى بأن يكشف ما حدث في ذلك الهجوم، حيث قال: "ثم في أغسطس الماضي وبعد سنوات من العمل المضني الذي قامت به الوكالات الاستخباراتية الأمريكية، تم إبلاغي بوجود خيط يمكن أن يقودنا إلى ابن لادن. كان ذلك الخيط بعيدًا للغاية وغير مؤكد، واستغرق الأمر منا عدة أشهر لربط تلك الخيوط على الأرض، فقد التقيت مرارًا بفريقي للأمن القومي وقمنا معًا بتطوير المعلومات بشأن إمكانية تحديدنا لمكان أسامة بن لادن وأنه بالفعل يختبئ داخل مجمع سكني في قلب الأراضي الباكستانية. وفي النهاية وفي الأسبوع الماضي، قررت أننا أصبح لدينا بالفعل الكم الكافي من المعلومات الاستخباراتية للتحرك، ووافقت على إجراء عملية للقبض على ابن لادن وتقديمه للعدالة".
" ونفذت الولايات المتحدة وبناء على اوامري عملية في منطقة إبت آباد في باكستان قام بها فريق صغير بمنتهى الشجاعة والقدرة لم يصب خلالها اي من اعضاء الفريق، كما تفادوا سقوط الابرياء خلالها وتمكنوا من قتل بن لادن واخذ جثته بعد تبادل اطلاق النار."
وهذا يوضح لماذا حاول أوباما بحكمة أن يتجنب التصادم مع الإسلام أو مع الباكستانيين، حيث قال أيضًا:" وفي إطار ذلك التصميم ، علينا أن نؤكد أيضا أن الولايات المتحدة لم تكن، ولن تكون أبدا، في حرب مع الإسلام. ولقد أوضحت بجلاء أن حربنا ليست ضد الإسلام، تماما كما فعل الرئيس السابق جورج بوش بعد وقت قليل من هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. فلم يكن ابن لادن زعيما إسلاميا، بل كان قاتلا للمسلمين بالجملة. والحق أن تنظيم القاعدة ذبح العشرات من المسلمين في دول عديدة من بينها الولايات المتحدة. ولذلك فإن ذلك المصير الذي لقيه بن لادن ينبغي أن يكون موضع ترحيب من كل من يؤمنون بالسلام والكرامة الإنسانية."
"وعلى مدى سنوات ، كنت أردد دائما أننا بصدد اتخاذ إجراءات داخل باكستان نفسها إذا نما لعلمنا أن ابن لادن مختبئ فيها، وكان ذلك هو ما فعلناه. ومن الضروري أن أشير إلى أن تعاوننا مع باكستان في مجال مكافحة الإرهاب قد ساعدنا في الوصول إلى ابن لادن والمجمع الذي كان يختبئ فيه.
والواقع أن ابن لادن كان قد أعلن الحرب على باكستان أيضا وأمر بتنفيذ هجمات ضد الشعب الأفغاني (...) وقد اتصلت الليلة بالرئيس الباكستاني زرداري، كما تحدث مسؤولون من الإدارة مع نظرائهم الباكستانيين. وهم متفقون على أن هذا يوم تاريخي ومفرح بالنسبة لكل من الشعبين.وانطلاقا من ذلك أود أن أؤكد أن على باكستان أن تواصل التعاون معنا في الحرب على تنظيم القاعدة والتنظيمات التابعة له".
كما ساعدت وزارة الخارجية الباكستانية أيضًا بإصدراها لبيان يوضح العملية والاتصال الهاتفي الذي تم بين الرئيسين الأمريكي والباكستاني، ولكن تلك الكلمات يمكن أن تصل فقط إلى الأناس العاديين، ولكن ليس للمتطرفين أو الإرهابيين الذين يريدون أن يصبحوا شهداء. إننا لا نزال بحاجة إلى أن نكون حريصين جدًا بشأن ماذا يعنيه مصرع ابن لادن للعلاقات الأمريكية الباكستانية وعلى الحرب على أفغانستان. فلا توجد كلمات من الولايات المتحدة تكون كافية لأولئك الذين في باكستان ويرون كل تحرك أمريكي على أنه تهديد لأمنهم.
إن ملابسات مصرع ابن لادن توضح أيضًا أن الولايات المتحدة لا يزال لديها مشكلات خطيرة في حصولها على الدعم من باكستان، وهو انعكاس آخر للتوترات بين الولايات المتحدة وباكستان حول فشل الاستخبارات الباكستانية والجيش الباكستاني في التحرك بمفردهم. فقد كان فريق سيل الأمريكي هو الذي اضطر لاستخدام الطائرات المروحية لدخول باكستان وشن عملية على الأرض الباكستانية، فالهجوم على ابن لادن لم يقع في منطقة نائية خارج السيطرة الباكستانية، ولكن على مجمع سكني في مدينة كبيرة يقدر عدد سكانها بأكثر من 300 ألف، وتبعد 40 ميلاً فقط عن أكبر مركز تجمع سكاني في باكستان وهو إسلام آباد.
كما أن تلك المدينة تأوي أيضًا فرقة باكستانية من الفوج الثاني للجيش، والإكاديمية العسكرية الباكستانية، ومركز كبير للتقاعد للضباط الباكستانيين، كما أن مصرع ابن لادن سيثير أيضًا أسئلة جديدة بشأن إذا كانت الحرب على أفغانستان سوف يمكنها بمفردها أن تنهي تهديد القاعدة وملاذات الجماعات الإرهابية الأخرى أم أنها سوف تقود بعضًا من أولئك الذين يعارضون الحرب على أفغانستان بأن يقولوا أن الولايات المتحدة وحلفائها يجب أن يرحلوا فورًا. فأحد كبار قادة جماعة الأخوان المسلمين [عصام العريان] دعا الولايات المتحدة بالفعل إلى الانسحاب، في حين أن بعض الأصوات الأخرى تتساءل إذا كانت الحرب على أفغانستان هي الطريقة الأمثل لهزيمة ذلك الخليط من الجماعات الإرهابية والمخاطر التي أصبحت ذات نطاق عالمي.
ويختتم الكاتب مقاله قائلاً بأن الإجابة على تلك الأسئلة وفهم أثر مصرع ابن لادن على الصورة الاستراتيجية الأكبر وعلى الحرب في أفغانستان وكذلك على العلاقة المضطربة بين أمريكا وباكستان سوف يستغرق أسابيع وربما أشهر، من أجل تحديد أيضًا مدى نجاح القاعدة في إيجادها لنوع الانتقام المناسب بشن هجمات مدمرة أو إظهار أنها لا تزال تمثل تهديدًا وأنها لا تزال قوية. بل إن الجماعات التابعة للقاعدة عبر العالم سوف ترغب في التحرك أيضًا، وهذا ربما يطلق موجة من الهجمات الجديدة من جماعات مثل طالبان أو شبكة حقاني في أفغانستان وباكستان. إن مصرع ابن لادن من المؤكد أنه أفضل من بقائه على قيد الحياة، ولكنه فقط مجرد حدث في حرب طويلة يجب خوضها لسنوات عديدة قادمة وعلى الكثير من الجبهات، لذا يجب الولايات المتحدة أن تتمتع بالحذر والصبر في التعامل مع مثل تلك الأحداث، وسوف تكون بحاجة إلى الاستمرار في تعهدها بمكافحة التهديد الإرهابي.