الدور الصيني الجديد في العلاقات الدولية
مرسل: الاثنين يونيو 06, 2011 11:41 pm
محمد سليمان الزواوي
مفكرة الاسلام: بدأت الصين في التحول إلى قوة عظمى من الناحية الاقتصادية والعسكرية، وهذا النمو في القوة الصينية يقلق الولايات المتحدة التي تريدها أن تنضم إلى العالم الغربي، بأن تتبنى سياساته ورؤاه في مختلف القضايا الدولية، مثل قضايا الحد من الانتشار النووي وفي ما يرونه تحجيمًا للقوى المارقة، خاصة أن الصين لديها مصالح متشابكة مع العالم الغربي اقتصاديًا، ونموها الاقتصادي يعتمد بصورة أساسية على التبادل التجاري مع الغرب وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن الصين تتخذ مواقف مخالفة للعالم الغربي في قضيتين هامتين على المسرح الدولي، إحداها هي قضية البرنامج النووي الإيراني، أما القضية الأخرى فهي الاستفزازات الكورية الشمالية، التي بدأت بإظهار مزيد من منشآت تخصيب اليورانيوم ثم أعقبته بقصف مدفعي مكثف على إحدى القرى التابعة لكوريا الجنوبية، وهو ما أسفر عن مصرع عدة أشخاص من المدنيين والعسكريين، وحتى الآن فإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يعجز عن اتخاذ قرارات حاسمة ضد بيونجيانج بسبب الممثل الآسيوي الوحيد عن آسيا والذي يحتل مقعدًا دائمًا، وهو: الصين.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ماذا لو تزايدت قوة الصين في المستقبل ثم أرادت أن تتخذ زمام المبادرة في العلاقات الدولية بأن تنشئ تحالفًا للتدخل في شئون دولة أخرى كما فعلت أمريكا في العراق؟ وعن هذا الموضوع كتب مايكل فوليولوف ـ مدير برنامج القضايا الدولية بمعهد لوي في سيدني وزميل بارز بمعهد بروكنجز الأمريكي في واشنطن ـ تقريرًا لجريدة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية يرصد فيه ذلك الصدام القادم بين الصين والغرب، ويتساءل: هل يمكن للغرب أن يعطي الصين دورًا متزايدًا في تشكيل العلاقات الدولية في عالم الغد بالرغم من دعمها لكوريا الشمالية وما تقوم به من استفزازات؟ فيبدأ برصد استفزازات كوريا الشمالية بحادثتي القصف المدفعي لكوريا الجنوبية وبإظهار بيونجيانج منشآتها للتخصيب، ثم يعقب بحادثة إغراق كوريا الشمالية للطراد البحري الكوري الجنوبي "شيونان" ومصرع 46 من طاقمه، فيقول أن الصين قالت في مجلس الأمن أنه لا يمكن إثبات أن كوريا الشمالية هي التي أغرقت ذلك الطراد البحري، لذا فشل مجلس الأمن في الخروج برد فعل قوي ضد كوريا الشمالية، واستمرت المناورات الأمريكية الكورية الجنوبية في تلك المنطقة.
ويرى الكاتب أن رد فعل المنظمة الدولية إزاء عملية إغراق الطراد البحري ـ بدون استفزاز سابق من كوريا الجنوبية والتي فقدت عددًا كبيرًا من الأرواح ـ وهو تهديد خطير للسلام والأمن الدوليين، ولكن مجلس الأمن فشل في إدانة بيونجيانج مما يهدد مصداقية الأمم المتحدة، ولكنه كان تهديدًا أسوأ لمصداقية الصين.
ويقول الكاتب أن الصين "يجب أن تكون في الجانب الصحيح من التاريخ" فالصين لديها أسبابها لمنح العون والدعم لحليفتها كوريا الشمالية، ولكن كلها ليست أسبابًا تاريخية، فالصين تحرص بألا تكون هناك دولة منهارة أو فاشلة على حدودها الشرقية، وكذلك لا تريدها دولة قوية في صورة كوريا الموحدة الموالية للغرب. ولكن هل كوريا الشمالية حمل يستحق أن تحمل الصين عناءه مع الوضع في الاعتبار الصلات الاقتصادية الصينية الوثيقة مع كوريا الجنوبية واليابان؟ ويتساءل الكاتب: من يريد أن يعيش إلى جوار نظام عائلي متزعزع سوف ينهار عاجلاً أم آجلاً؟ وقد وصف أحد الاستراتيجين الصينيين هذا الاختيار بوضوح قائلاً: "إن كوريا الشمالية هي الرجل السيئ وكوريا الجنوبية هي الرجل الطيب، لذا يجب على الصين أن تكون على الجانب الصحيح من التاريخ".
إن كوريا الشمالية تمثل ما يمكن وصفه بأنه علاقة الصين الموسعة داخل الأمم المتحدة، ففي ربع القرن المنصرم أصبحت الصين لاعبًا أكثر مهارة في الأمم المتحدة، ومثّلها دبلوماسيون بارعون وتصرفت بصورة أكثر ثقة في قاعات مجلس الأمن، ولكن توجهها في القضايا الأمنية الصعبة عادة ما كان يناسب دولة فقيرة ولم يكن أداءً يناسب قوة عظمى.
فيقول الكاتب أن بكين عادة ما تتحالف مع موسكو لإضعاف إجراءات مجلس الأمن المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، وبالتالي إعطاء امتيازًا لعلاقتها التجارية قصيرة الأمد مع الإيرانيين مقابل علاقتها ومصالحها طويلة الأمد في استقرار الشرق الأوسط وفي وجود نظام فاعل للحد من الانتشار النووي، فهي توفر غطاء في مجلس الأمن لدول يعتبرها الغرب منبوذة، مثل السودان وبورما (ميانمار)، ولكن على الجانب الآخر ففي القضايا التي لا تراها تنتهك مصالحها الأساسية بصورة مباشرة ـ أفغانستان على سبيل المثال ـ فإن الصين تظل بعيدة بصورة غريبة.
لذا فإن الصين تبدو أكثر حرصًا على حماية مصالحها الضيقة ومصالح حلفائها، بدلاً من التطلع إلى نفوذ أكبر في المستقبل على الساحة الدولية كلاعب من الكبار، فبكين تريد الاحترام ولا تريد تحمل المسئولية، فهي لا تزال متلكئة في أن تطلق عقال قوتها وحرية حركتها وتقصرها داخل المؤسسات الدولية بالطريقة ذاتها التي تصرفت بها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن بالرغم من ذلك فإن القوة النسبية لواشنطن كانت أكبر بكثير في ذلك الوقت من قوة بكين الآن.
وكل ذلك يفيد بأن المصالح الصينية لا تتوافق تمامًا مع المصالح الغربية، فيشير الكاتب إلى أن الصين لن تتصرف مثل المجتمع الغربي بأي حال من الأحوال، لذا لا يجب على الغرب أن يتوقع منهم عكس ذلك، كما لا يجب على الغرب أن يطالب الصين بأن تروج للمصالح الدولية على حساب مصالحها القومية، ولكن مع نمو ثروة الصين وقوتها فإن سياستها الخارجية الحالية ـ التي تناسب قوة متوسطة ـ لن تصبح مناسبة لقوة عظمى في المستقبل.
ويقول فوليولوف أنه إذا أرادت الصين أن تساعد في إدارة النظام الدولي فيجب عليها أن تساعد في تقويته، لذا فإن بكين بحاجة إلى أن تعقد توازنًا جديدًا بين مصالحها الاقتصادية التقليدية وما بين مخاوفها الأمنية والمتطلبات الأوسع الذي يجب أن تلبيها الآن، بما في ذلك علاقات مستقرة تناسب قوة عظمى وسياسة عدم الانتشار النووي، والمساعدة في المحافظة على هيبة النظام الدولي. وأداء الصين في الأمم المتحدة استطاع في السابق أن ينجو من المساءلة ومن الحساب في العقدين الماضيين، لأن أنظار العالم حينئذ كانت متجهة ومنشغلة بالقوة الأمريكية ثم بعد ذلك بالتوسع الأمريكي المفرط لجيوشها حول العالم، ولكن هذا الوضع لن يستمر كثيرًا، كما سوف تكتشفه الصين في الأيام المقبلة.
ويضيف الكاتب أنه على الجانب الآخر فإن الغرب بحاجة إلى أن يكون حذرًا في تحديد رغباته بشأن الصين، فالعواصم الغربية تريد من بكين أن تكون أكثر مسئولية ونشاطًا وإيجابية، ولكنهم لا يرغبون في أن تكون أكثر حسمًا، فالطريقة الصينية لصعودها في الأمم المتحدة لن تكون مشابهة للطريقة الغربية، فكيف يمكن لواشنطن أن تنظر للصين إذا ما اشتركت على سبيل المثال في عملية سلام الشرق الأوسط أو أرادت إنشاء "تحالف إرادات" من أجل التدخل في دولة أخرى، كما فعلت أمريكا في السابق؟
في السابق دعا روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي والمسئول السابق بإدارة بوش، الصين إلى أن تكون "أكثر مسئولية" في رعاية مصالحها، ففي أدائها في الامم المتحدة فإن الصين حتى الآن فشلت في أن توضح ذلك، وربما يرد قادة الصين بأن مسئولياتها وامتيازاتها كصاحبة مصلحة يمكن تفسيرها تفسيرات عديدة، كما صرحت في السابق في العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية، لتستمر المعضلة الصينية الغربية في العقود القادمة.