- الاثنين يونيو 06, 2011 11:46 pm
#38780
ترجمة: سارة عبد الحميد
نقلاً عن صحيفة "لا تريبون" الجزائرية الناطقة بالفرنسية
مفكرة الاسلام: في غضون بضعة أيام، ترى الولايات المتحدة وإثيوبيا أن السيناريو الأفغاني سينتشر ويتكرر في الصومال، كما أن التقدم غير المتوقع الذي حققته المحاكم الإسلامية وسيطرتها على العديد من المناطق بالصومال ومن بينها العاصمة "مقديشيو" تنذر بمخاطر ظهور دولة إسلامية في هذه المنطقة الحيوية، والتي تتمثل في القرن الإفريقي حيث قد يتسبب تقلد المحاكم الإسلامية للسلطة في أن تكون شكلاُ من أشكال "طالبان".
إلا أن الفرق الوحيد، هو أن هؤلاء الإسلاميين ـ ولا مجال للتردد في تصنفيها في خانة طالبان ـ لا يحظون بدعم من الولايات المتحدة، بينما في المقابل وعلى الجانب الآخر, فإن التدخل والتورط الإثيوبي يأتي بمباركة من الولايات المتحدة، التي تحرض العالم على الاعتقاد بأن الصومال أصبحت جبهة إفريقية جديدة في مجال الحملة العالمية التي تشنها واشنطن ضد "الجماعات الإرهابية".فهل في حقيقة الأمر، ومع هذه الملابسات نسطيع أن نقول إن الوضع الحالي يتعلق بجبهة جديدة ضد الإرهاب!؟
أم أن التساؤل يتلخص في نهاية الأمر حول بعض الرغبات من جانب واشنطن في إعادة رسم الخريطة السياسية في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، وأن تجعل الدولة الإثيوبية ثاني دولة بديلة لـ "أوغندا"؛ من أجل احتواء السودان؟
استمرار الحرب الأهلية
العجيب والمذهل أنها قد تمكنت من الظهور بقوة، حيث إن الثغرة التي حققتها المحاكم الإسلامية في الصومال، لا زالت غير متوقعة أو مألوفة، فقد جاءت في ظل اعتبار واعتقاد يصل لدرجة اليقين, بأن الصومال من ضمن الدول الأكثر ضعفًا والأكثر وهنًا، وذلك من خلال وجهة النظر الأمنية، والأنكى أنه يتم تصنيفها ضمن فئة الدول المفلسة.
ويندرج التصعيد العسكري، الذي وقع خلال الأيام الماضية في إطار استمرار أزمة سياسية وأمنية تشهدها الصومال منذ بدايات الثمانينيات من القرن الماضي. وهو القول بأن الحرب الأهلية في الصومال قد أصبحت عنصرًا بناءً في التطور على الصعيد السياسي للصومال. والواقع أن الحركات والجهات التي تجعل من الإسلام مرجعًا لها للعمل السياسي، والذي يجعلها عنصرًا لا يمكن التغاضي عنه على الساحة السياسية, يشير إلى حالة الجنوح التي تمر بها دولة صغيرة في القرن الإفريقي.
وباستثناء بعض الاختلافات، فإن وضع المحاكم الإسلامية في الصومال يشبه وبشكل كبير وضع "طالبان" في أفغانستان منذ بداية التسعينيات، إلا أن ظهورهم يندرج في إطار سياق دولي له خصوصيته؛ حيث إن مكافحة "الإرهاب" الدولي أصبح "تقليعة" منذ أن تم استهداف الولايات المتحدة من خلال هجمات "إرهابية".
فبالنسبة للأمريكيين، تشكل هذه المحاكم الإسلامية تهديدًا على مصالحها في هذه المنطقة، التي تحظى بوضع إستراتيجي عالي في التجارة البحرية الدولية. إن الأمريكيين يعتبرون المحاكم امتدادًا لتنظيم القاعدة شرقي إفريقيا، وهي نفس الطريقة التي اعتبروا فيها الجماعات المسلحة الناشطة في منطقة الساحل, بمثابة امتدادًا لهذا التنظيم العالمي.
إذن, يتبين أن الرؤية الأمريكية لمفهوم الأمن في إفريقيا, مرتبط بحملتها العالمية ضد "الإرهاب"، وبمعنى آخر وبشكل أدق، لم يتم الإدراك والاهتمام بالأمن في إفريقيا إلا بمقياس التهديد "الإرهابي"، وهو ما يوضح بالتالي استعجال واشنطن في توفير ضمان ومساندة تدخل إثيوبيا في هذا الصراع.
واشنطن وإعادة رسم الخريطة السياسية الإقليمية
ولا يقتصر تدخل الولايات المتحدة غير المباشر في هذه الحرب على مكافحة فقط ما يسمى بـ"الإرهاب"، ولكن في الحقيقة، الأمر يتعلق بالرغبة في إعادة رسم الخريطة السياسية في المنطقة، من خلال بناء دولة بديلة يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليها بهدف السيطرة على أي ضعف للمقاومة أمام القدوم الأمريكي في إفريقيا. وفي إطار هذا التخطيط الإستراتيجي الجديد، تصبح إثيوبيا محل الدولة البديلة. كما أنها بجانب "أوغندا"، فستقوم إثيوبيا بهذا الدور كحليف إستراتيجي يقوم بتنفيذ مهام للولايات المتحدة التي ترفض القيام بها، مثل التدخل في النزاعات المحلية ولاسيما منذ فشلها في التدخل في الصومال عام 1992.
الأمريكيون يتحدثون كثيرًا عن سياسة الإدارة الإقليمية وحسم النزاعات الإفريقية، ولكن في الحقيقة، الأمر يتعلق بمزيد من التزامات من الباطن، أكثر من كونه تحالفًا يكون فيه الشركاء كلّهم على قدم المساواة نسبيًا.
ومن خلال الاعتماد على إثيوبيا في هذه الحرب، ترغب أيضًا الولايات المتحدة الحفاظ على نجاح سياستها المتبعة في عزل السودان، حيث يتضح أن أوغندا لم تتمكن وحدها من تحمل هذه المهمة، وهو ما يوضح اللجوء إلى إثيوبيا بكونها بلد كبير في منطقة القرن الإفريقي. ومن جانبها، يبدو على "أديس أبابا" رضاها بهذا الدور، فهو يغذي رغبات وأطماع القوى في المنطقة، كما أن حربها ضدها يندرج تحت هذا الخيار، بما أن استقلال إريتريا يمثل لإثيوبيا نهاية لهذه الأطماع.
ويمكن أن نسلم بفرضية أن إثيوبيا تقوم بحرب للحصول على إريتريا المتهمة بتقديم المساندة للمحاكم الإسلامية. وبعد التوقيع على اتفاقيات السلام بالجزائر في ديسمبر عام 2000، قد ضاقت على إثيوبيا فرص المناورة. كما استفادت إثيوبيا من المواجهات المباشرة المكلفة من وجهة النظر الاقتصادية أكثر من السياسية، مع جارتها إريتريا. وقد عادت هذه الاستفادة عليها بالنفع في وضعها مع الصومال من أجل تصفية حساباتها مع إريتريا.
كما أن انتهاء العمليات العسكرية بالفوز على المحاكم الإسلامية يدعم ويعزز موقف إثيوبيا أمام عدوتها أريتريا. ومن خلال هذا الصراع، تقدم إثيوبيا حليفًا جديدًا في منافستها مع إريتريا.
وبالنسبة لواشنطن, فإن هذا التحالف الجديد هو أفضل ما يمكن أن يأتي، مع الوضع في الاعتبار أن الولايات المتحدة التي تمتلك قاعدة عسكرية في "جيبوتي" تراقب عن كثب هذه المنطقة الإستراتيجية من ناحية النقل البحرية، ومن ثم تعزيز السيطرة عن بعد على هذه المنطقة؛ بالاعتماد على الدول البديلة، والتي يقتصر دورها على المساعدة من الباطن.
ترجمة: سارة عبد الحميد
نقلاً عن صحيفة "لا تريبون" الجزائرية الناطقة بالفرنسية
مفكرة الاسلام: في غضون بضعة أيام، ترى الولايات المتحدة وإثيوبيا أن السيناريو الأفغاني سينتشر ويتكرر في الصومال، كما أن التقدم غير المتوقع الذي حققته المحاكم الإسلامية وسيطرتها على العديد من المناطق بالصومال ومن بينها العاصمة "مقديشيو" تنذر بمخاطر ظهور دولة إسلامية في هذه المنطقة الحيوية، والتي تتمثل في القرن الإفريقي حيث قد يتسبب تقلد المحاكم الإسلامية للسلطة في أن تكون شكلاُ من أشكال "طالبان".
إلا أن الفرق الوحيد، هو أن هؤلاء الإسلاميين ـ ولا مجال للتردد في تصنفيها في خانة طالبان ـ لا يحظون بدعم من الولايات المتحدة، بينما في المقابل وعلى الجانب الآخر, فإن التدخل والتورط الإثيوبي يأتي بمباركة من الولايات المتحدة، التي تحرض العالم على الاعتقاد بأن الصومال أصبحت جبهة إفريقية جديدة في مجال الحملة العالمية التي تشنها واشنطن ضد "الجماعات الإرهابية".فهل في حقيقة الأمر، ومع هذه الملابسات نسطيع أن نقول إن الوضع الحالي يتعلق بجبهة جديدة ضد الإرهاب!؟
أم أن التساؤل يتلخص في نهاية الأمر حول بعض الرغبات من جانب واشنطن في إعادة رسم الخريطة السياسية في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، وأن تجعل الدولة الإثيوبية ثاني دولة بديلة لـ "أوغندا"؛ من أجل احتواء السودان؟
استمرار الحرب الأهلية
العجيب والمذهل أنها قد تمكنت من الظهور بقوة، حيث إن الثغرة التي حققتها المحاكم الإسلامية في الصومال، لا زالت غير متوقعة أو مألوفة، فقد جاءت في ظل اعتبار واعتقاد يصل لدرجة اليقين, بأن الصومال من ضمن الدول الأكثر ضعفًا والأكثر وهنًا، وذلك من خلال وجهة النظر الأمنية، والأنكى أنه يتم تصنيفها ضمن فئة الدول المفلسة.
ويندرج التصعيد العسكري، الذي وقع خلال الأيام الماضية في إطار استمرار أزمة سياسية وأمنية تشهدها الصومال منذ بدايات الثمانينيات من القرن الماضي. وهو القول بأن الحرب الأهلية في الصومال قد أصبحت عنصرًا بناءً في التطور على الصعيد السياسي للصومال. والواقع أن الحركات والجهات التي تجعل من الإسلام مرجعًا لها للعمل السياسي، والذي يجعلها عنصرًا لا يمكن التغاضي عنه على الساحة السياسية, يشير إلى حالة الجنوح التي تمر بها دولة صغيرة في القرن الإفريقي.
وباستثناء بعض الاختلافات، فإن وضع المحاكم الإسلامية في الصومال يشبه وبشكل كبير وضع "طالبان" في أفغانستان منذ بداية التسعينيات، إلا أن ظهورهم يندرج في إطار سياق دولي له خصوصيته؛ حيث إن مكافحة "الإرهاب" الدولي أصبح "تقليعة" منذ أن تم استهداف الولايات المتحدة من خلال هجمات "إرهابية".
فبالنسبة للأمريكيين، تشكل هذه المحاكم الإسلامية تهديدًا على مصالحها في هذه المنطقة، التي تحظى بوضع إستراتيجي عالي في التجارة البحرية الدولية. إن الأمريكيين يعتبرون المحاكم امتدادًا لتنظيم القاعدة شرقي إفريقيا، وهي نفس الطريقة التي اعتبروا فيها الجماعات المسلحة الناشطة في منطقة الساحل, بمثابة امتدادًا لهذا التنظيم العالمي.
إذن, يتبين أن الرؤية الأمريكية لمفهوم الأمن في إفريقيا, مرتبط بحملتها العالمية ضد "الإرهاب"، وبمعنى آخر وبشكل أدق، لم يتم الإدراك والاهتمام بالأمن في إفريقيا إلا بمقياس التهديد "الإرهابي"، وهو ما يوضح بالتالي استعجال واشنطن في توفير ضمان ومساندة تدخل إثيوبيا في هذا الصراع.
واشنطن وإعادة رسم الخريطة السياسية الإقليمية
ولا يقتصر تدخل الولايات المتحدة غير المباشر في هذه الحرب على مكافحة فقط ما يسمى بـ"الإرهاب"، ولكن في الحقيقة، الأمر يتعلق بالرغبة في إعادة رسم الخريطة السياسية في المنطقة، من خلال بناء دولة بديلة يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليها بهدف السيطرة على أي ضعف للمقاومة أمام القدوم الأمريكي في إفريقيا. وفي إطار هذا التخطيط الإستراتيجي الجديد، تصبح إثيوبيا محل الدولة البديلة. كما أنها بجانب "أوغندا"، فستقوم إثيوبيا بهذا الدور كحليف إستراتيجي يقوم بتنفيذ مهام للولايات المتحدة التي ترفض القيام بها، مثل التدخل في النزاعات المحلية ولاسيما منذ فشلها في التدخل في الصومال عام 1992.
الأمريكيون يتحدثون كثيرًا عن سياسة الإدارة الإقليمية وحسم النزاعات الإفريقية، ولكن في الحقيقة، الأمر يتعلق بمزيد من التزامات من الباطن، أكثر من كونه تحالفًا يكون فيه الشركاء كلّهم على قدم المساواة نسبيًا.
ومن خلال الاعتماد على إثيوبيا في هذه الحرب، ترغب أيضًا الولايات المتحدة الحفاظ على نجاح سياستها المتبعة في عزل السودان، حيث يتضح أن أوغندا لم تتمكن وحدها من تحمل هذه المهمة، وهو ما يوضح اللجوء إلى إثيوبيا بكونها بلد كبير في منطقة القرن الإفريقي. ومن جانبها، يبدو على "أديس أبابا" رضاها بهذا الدور، فهو يغذي رغبات وأطماع القوى في المنطقة، كما أن حربها ضدها يندرج تحت هذا الخيار، بما أن استقلال إريتريا يمثل لإثيوبيا نهاية لهذه الأطماع.
ويمكن أن نسلم بفرضية أن إثيوبيا تقوم بحرب للحصول على إريتريا المتهمة بتقديم المساندة للمحاكم الإسلامية. وبعد التوقيع على اتفاقيات السلام بالجزائر في ديسمبر عام 2000، قد ضاقت على إثيوبيا فرص المناورة. كما استفادت إثيوبيا من المواجهات المباشرة المكلفة من وجهة النظر الاقتصادية أكثر من السياسية، مع جارتها إريتريا. وقد عادت هذه الاستفادة عليها بالنفع في وضعها مع الصومال من أجل تصفية حساباتها مع إريتريا.
كما أن انتهاء العمليات العسكرية بالفوز على المحاكم الإسلامية يدعم ويعزز موقف إثيوبيا أمام عدوتها أريتريا. ومن خلال هذا الصراع، تقدم إثيوبيا حليفًا جديدًا في منافستها مع إريتريا.
وبالنسبة لواشنطن, فإن هذا التحالف الجديد هو أفضل ما يمكن أن يأتي، مع الوضع في الاعتبار أن الولايات المتحدة التي تمتلك قاعدة عسكرية في "جيبوتي" تراقب عن كثب هذه المنطقة الإستراتيجية من ناحية النقل البحرية، ومن ثم تعزيز السيطرة عن بعد على هذه المنطقة؛ بالاعتماد على الدول البديلة، والتي يقتصر دورها على المساعدة من الباطن.