صفحة 1 من 1

اليمن بعد مقتل اسامه بن لادن

مرسل: الثلاثاء يونيو 07, 2011 1:05 am
بواسطة عبدالله طايع 1
لم يثر مقتل أسامة بن لادن الشارع العربي الغارق في احتجاجات وثورات ملتهبة، فقد غادر الدنيا بعملية لا يعرف تفاصيلها وأسرارها سوى من خطط لها ونفذها. شغل أسامة بن لادن العالم بعقائده وإرهابه، كان مناضلا إرهابيا جريئا ولم يكن فقيها أو مفتيا، ولم يقدم أي قراءات معمقة للقضايا الدينية المختلفة، كان تابعا مخلصا للإسلاموية الجهادية التي أنتجتها البيئة المصرية والأفغانية بعد أن تمكنت من «تثوير» وتحريف السلفية التقليدية.

حسب متابعاتي لـ«القاعدة»، فإن مقتله لن يؤثر على «القاعدة»، فالقائد المحور في التنظيم رغم أهميته كرمز معلن، فإن الفاعل الرئيسي قد يكون مجلسا سريا يصنع القرار (الفتوى) ويأمر بتنفيذه. صحيح أن بن لادن هو البارز ولكنه ليس صانع الآيديولوجيا والمهيمن على التنظيم وإن كان يمثل نموذجا لمعتنقي الجهاد، وفاعليته كان الهدف منها التمويه على النقلات النوعية للتنظيم وإخفاء الاختراقات التي حققها في أكثر من منطقة كاليمن. وعلى ما يبدو لي، فإن احتفال الأميركيين بمقتله هو «لحظة فرح ساذجة»، فقتله ورميه في البحر هو البداية الفعلية لأسطورة الرجل في الوعي الجمعي لـ«القاعدة» ولمؤيديها، وعامل تحفيز لتفعيل الخلايا النائمة والخلايا التي بدأت تحرر نفسها من ترسانة العقائد التي أنتجتها تجربة «القاعدة»، وقد يصبح مقتله بداية لتنفيذ عمليات واسعة النطاق في ظل ثورات قد يتولد من رحمها صراعات طويلة المدى، قد تحسم الأصوليات الصراع لصالحها لأنها تمتلك بناء عقائديا صارما ومتماسكا وتمكنت من بناء شبكات معقدة وسرية مستفيدة من تجربة «الإسماعيلية» و«الحشاشين»، ومن تجربة الأحزاب الفاشية والنازية والشيوعية، وبعضها يتحرك في الوقت الراهن وسط الثورة، وطموحاته لا حدود لها.

لن تجد الأصوليات لتصدير أزماتها الداخلية في حالة حسمت الصراع لصالحها غير الغرب كعدو، فالواقع يؤكد أن المواجهة العالمية مع الغرب والأنظمة كانت منطلقا أساسيا للإسلامويات، ولم تكن «القاعدة» إلا الوجه القبيح والأكثر حسما في ممارسة الإرهاب، وهي خلية نسخت نفسها من قلب الأصولية المعتدلة، وقد استفادت «القاعدة» من التجربة الإسلاموية ومن حربها الطويلة وكونت بناءها الآيديولوجي وحسنت من تقنياتها العملية، وبعد 11 سبتمبر (أيلول) وبناء تحالف عالمي لمواجهة الإرهاب تحول التنظيم إلى مجال متحرك في الوسط الذي لا يمكن تخيله فيه، والعمل في الوقت نفسه على تخليق بالونات تتجلى في القيادات التي تعلن عن نفسها بمظاهر كاريكاتيرية للفت الأنظار عن التنظيم الفعلي الذي يحرك ويوجه وينظم ويصنع الفعل المنتج للإرهاب. الشيء اللافت للنظر أن الولايات المتحدة أدارت معركتها مع ظاهرة الإرهاب بارتباك وقلق واعتمدت على استراتيجيات تجريبية غير مضمونة النتائج، فقد فشلت في استخدام القوة المفرطة لإسقاط الأنظمة وملاحقة أشباح «القاعدة»، وانقلب السحر على الساحر في العراق وفي أفغانستان وفي المناطق التي تتحرك فيها «القاعدة»، ولمعالجة المشكلات التي تواجهها واشنطن تقدم بعض الباحثين الغربيين، خصوصا في بيوت الخبرة والجامعات الأميركية، بأطروحات حول مواجهة «القاعدة» وعقائدها الإرهابية، حيث ركزت تلك الأطروحات على أهمية التيار الديني المعتدل للعب دور إيجابي في احتواء القوى الشابة حتى لا يحتوي التطرف والإرهاب جزءا من هذه الكتلة، ولتحقيق ذلك فقد ركزت الولايات المتحدة على عملية إصلاح للأنظمة السياسية وتغيير النخب المسيطرة وتفعيل الآليات الديمقراطية ومنح الشباب دورا في التغيير، وتحويل التيارات الدينية المعتدلة كـ«الإخوان» إلى لاعب أساسي في عملية الانتقال.

وحتى لا تظل الرومانسية الثورية حجابا لفهم الاتجاهات السلبية للثورات العربية، نشير إلى أن التحولات في اللحظة الراهنة تبدو ملامحها الأولية أنها تؤسس لثورة حقيقية لتغيير الواقع السيئ الذي يعيشه العرب - وهذه المسألة لا خلاف عليها - إلا أن واقع الحال يؤكد أن ما يحدث قد لا يؤسس لعملية ديمقراطية ناضجة، فالتفاعلات التي أفرزتها الحركات الاحتجاجية والثورية تتجه بمسارات قلقة ومرتبكة، وهناك احتمال بأن تنفجر المجتمعات من الداخل في صراعات طويلة قد يكون نتاجها استبداد تنتجه التيارات الدينية أو المؤسسات العسكرية.

الصراعات القادمة الناتجة عن عملية التغيير الثوري سوف تحاصر القوى المدنية العصرية وتعمق النزاع بين المشاريع والمصالح والعقائد المختلفة، وقد لا تتمكن الشعوب من حل معضلة التنمية، جوهر المشكلة وأساسها في المنطقة العربية، بل إن الاحتمال أن تزيدها تعقيدا، والنتيجة توسع شبكة الفقر وتعاظم حالة الإحباط لدى الشباب، وكل ذلك قد يعرقل المشروع الديمقراطي، وفي ظل وضعية كهذه سوف يصبح الخطاب الديني المتطرف حلا خلاصيا.

مخاض الثورات العربية - رغم التفاؤل الذي يبديه الكثيرون - قد يقود المجتمعات إلى فوضى طويلة المدى يتولد من أحشائها غضب ثوري متسلح بالعقائد الأصولية المتطرفة.

لنأخذ اليمن كمثال للتحولات، نظرا لأهمية اليمن بالنسبة إلى «القاعدة»، ولأنه يعيش حركة احتجاجية «قد» تنبثق من وسطها ثورة لإعادة البناء أو حرب أهلية، فالتغيير القادم يحيط به الشك، وكلنا يتذكر خطاب الوعد بتحقق الخلافة الإسلامية قريبا الذي أطلقه الشيخ عبد المجيد الزنداني في ساحات التغيير بصنعاء في المظاهرات القائمة. ونرى كيف سيطر خطاب أصولي يدعو إلى الانتحار السلمي في مواجهة عنف الدولة! وما قد يفشل التحول الإيجابي حالة الانقسام الحاد بين القوى المختلفة الفاعلة في الساحة اليمنية في ظل اختراقات «القاعدة» لبعض مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والتعليمية وتمكنها من التماهي مع البنية الاجتماعية القبلية والذوبان في المدن، والقوى السياسية قادرة على التحكم في مسار الصراع الحالي ولكنها تجهل استراتيجية «القاعدة» التي قد تقود الجميع إلى حرب طويلة باسم الثورة، هذه الحرب هي المدخل الوحيد لتقسيم اليمن إلى دويلات وتحويل جزء من جغرافيته إلى منطقة لإدارة التوحش يتم توسيعها في دورات صراع متلاحقة.

نجاح الثورة اليمنية يعتمد كليا على دول الخليج العربية، وخصوصا المملكة العربية السعودية، ومبادرة دول مجلس التعاون لحل الأزمة اليمنية هي المدخل الوحيد والواقعي والأكثر نضجا لتحقيق ثورة إعادة البناء، لأنها ستخلق توازنا لصالح دولة القانون، كما أنها ستمكن القوى المتنازعة من بناء توافق لخدمة المصالح الوطنية ومواجهة التطرف والإرهاب.