صفحة 1 من 1

الخطوط الحمراء: البقاء لله!

مرسل: الثلاثاء يونيو 07, 2011 5:03 pm
بواسطة راشد الراشد 8-5
د. محمد أبو رمان
وفقاً لخبر الزميلة العرب اليوم أول من أمس، فقد بلغ عدد المشتركين في موقع "فيسبوك" من الأردن 1.6 مليون شخص؛ 42 % منهم أعمارهم بين 18-24 عاماً، و26 % منهم بين 25-34 عاماً، أي أنّ أغلبية المستخدمين هم من فئة الشباب.



بالنظر إلى حجم السكان، فإنّ هذا الارتفاع الكبير في استخدام "الفيسبوك" خلال الأشهر الأخيرة هو بمثابة "ثورة حقيقية" لها انعكاساتها، التي ستبدأ تتجذر وتتعزّز خلال الأيام المقبلة، وتحديداً في المجال السياسي، الذي يستحوذ على جزء كبير من اهتمام المستخدمين لـ"الفيسبوك"، كما يمكن أن نلاحظ جلياً منذ بدء زمن الثورات العربية، وبصورة أكثر تحديداً بعد جمعة 25 آذار (مارس) الماضي، وما أثارته من سجالات ونقاشات سياسية شعبية ساخنة.



بالضرورة لا نتصوّر أنّ تجيير هذا الاستخدم بأسره سيذهب نحو "السياسة". إلاّ أنّ من يرصد التواصل الاجتماعي عبر هذه الصفحات، سيلاحظ بسهولة غلبة الجانب السياسي وهيمنته على النقاشات الدائرة فيها، بل ومساهمة "الفيسبوك" بصورة ملموسة في تسريع الحراك السياسي والتأطير والتنظيم للشباب، وتوليد حركات جديدة ومساعدة جيل جديد من الشباب في اقتحام الشأن العام والعمل السياسي.



بالعودة قليلاً إلى وراء؛ فإنّ قلقاً استولى حتى على نشطاء "الفيسبوك" والتدوين الإلكتروني قبل أشهر (بعد جمعة 25 آذار)، وتحديداً مع ولوج أعداد كبيرة إلى هذا العالم من جيل الشباب، أعداد كبيرة منهم محقونة ومحتقنة بتداعيات تلك الأحداث، وما تبعها من تحريك وتحريض من أجهزة رسمية لاستخدام سلاح "الفتنة الداخلية" (كما هي الحال في النماذج العربية الأخرى). وقد نجم عن ذلك –في البداية- نداءات حركية تدفع إلى ما يشبه "خطابات الحرب الأهلية".



إلا أنّ تلك الظاهرة بدأت أهميتها بالتراجع، وتخرج من دائرة الاهتمام الحقيقي، وحلّ مكانها الصوت المنادي بالإصلاح، حتى داخل المحافظات ومن أبناء العشائر، فاستطاع هذا الصوت الجديد كسر تلك الصورة النمطية المزيفة، التي أريد لها أن تطبع شخصية هذه الشريحة الواسعة.


ساهم "الفيسبوك"، بصورة فاعلة، في تشكيل حراك الجنوب الأخير، واشتبك العالم الافتراضي مع الواقعي في إنتاج خطاب إصلاحي مختلف، يعكس أولويات وهواجس الناس في المحافظات والعشائر المختلفة، فبدأنا نقرأ بيانات في غاية الجرأة والوضوح من عشائر بني حسن والطفيلة ومعان والكرك، جميعها تدعو إلى إصلاحات جوهرية وحقيقية، وانعكس ذلك حتى عبر "اليوتيوب" من خلال إنتاج إعلامي-فني جدير بالاهتمام والمتابعة.



بيت القصيد: أنّ الدنيا تغيّرت، والمعادلات التقليدية في الحكم والإعلام ونظريات الاتصال والتحكم الأمني في عالم النشر والرأي، كل ذلك أصبح جزءاً من الماضي، ولم يعد له مكان، وقد دخل الأردن بقوة عبر هذا الرقم الكبير من المستخدمين في عهدة "الفيسبوك" و"اليوتيوب" وما يمكن أن يترجمه "العالم الافتراضي" على "أرض الواقع" من أفكار وحركات وقوى شبابية.



هذه الحقيقة الجديدة تعني الدخول في لحظة زمنية مختلفة تماماً تتطلب من الدولة إعادة التفكير في استراتيجياتها الإعلامية، ومنطقها في التعامل مع "الثورة الإعلامية-الاجتماعية" الجديدة، ليس بأدوات الملاحقة والمتابعة التقليدية، ولا بالتوقيف والاعتقال، ومحاولة منع هذا التدفق، لأنّ هذا –باختصار- معاكس لحركة التاريخ وسنّته.



أن نكون في عهدة "الفيسبوك" و"اليوتيوب"، فذلك يعني تحولاً كبيراً في المعادلات السياسية والاتصالية والإعلامية، وطبيعة التفاعلات الاجتماعية، ومن لم يدرك بعد هذه القضية، سيخسر كثيراً.