- الثلاثاء يونيو 07, 2011 5:11 pm
#38902
رنا صباغ
مثيرة، ممتعة ومليئة بالمفاجآت كانت أجواء الجلسة الأخيرة من سلسلة "مناظرات الدوحة" لهذا العام التي تناولت الأسبوع الماضي رياح "الربيع العربي" التي تضرب المنطقة بدرجات متفاوتة بحثا عن توزيع عادل للثروات، العدالة، الكرامة ووقف تسلط الحكام وفسادهم.
مثيرة.. لأنها عكست مساحة الصور المتناقضة في العالم العربي، الأهداف والقيم التي تحملها شعوبها. فمواطنو دول خليجية غارقون في ترف العيش يضمنه حكام يعتمدون على عائدات النفط لتأمين تعليم وخدمات صحية خمس نجوم، لا يتوافقون مع نظرائهم في سورية، المغرب والأردن حيال أولوياتهم وتطلعاتهم. إذ أن قادة الفئة الأخيرة لا يمتلكون ترف استدامة اقتصاد ريعي يساعد على شراء الذمم وتكميم المطالب الشعبية.
ممتعة.. لأنها أظهرت تفاوت تقييم الحضور لاتجاهات مسار الأحداث في الأشهر المقبلة في دول اجتاحتها، أو تغرق في، شلالات دم مثل سورية، اليمن، البحرين وليبيا، تئن تحت حكم أنظمة مستبدة تصارع المحتجين للبقاء، وعينها على أطلال نظامي زين الدين بن علي وحسني مبارك، بعد أن فقدت شرعيتها الداخلية. وأيضا اختلاف البوصلة في دول أخرى مثل الأردن والمغرب، حيث أطلق ملكاها الشابان طواعية وعودا لتسريع إصلاحات سياسية متعثرة منذ سنوات بينما يستمر مخاض المرحلة الانتقالية في تونس ومصر.
مليئة بالمفاجآت لأن 73 % من الحاضرين راهنوا على الحركات الإصلاحية وصوتوا إلى جانب ثيمة الحلقة:"لا جدوى من مقاومة الربيع العربي" مع أنهم توقعوا "انتكاسات" وأوقات صعبة جدا في قابل الأيام.
حوارات المتحاورين الأربعة - إلى جانب الثيمة أو ضدها- كانت حيوية وتفاوتت بين نظرة واقعية تستشرف قدرة الأنظمة المحاصرة على مقاومة رياح الديمقراطية لخمس سنوات مقبلة أو عشر، ومقاربة مثالية تقر بصعوبة إدارة عقارب الساعة إلى الوراء بعد أن قرر غالبية الشباب كسر حاجز الخوف للمطالبة بحقوق المواطنة لانهم سئموا من معاملتهم كتوابع لانظمتهم.
عارض ثيمة الحوار كل من جين كيمونت، باحثة رئيسية في زمالة بيت (تشاتم هاوس) الفكري البريطاني، والباحث العماني المستقل في الشؤون السياسية وحقوق الإنسان أحمد علي المخيني. توقع المشاركان أخطارا داهمة على الحراك الشعبي.
كيمونت لاحظت أن كل دولة عربية تتحرك بوتيرة مختلفة عن شقيقاتها. وركزت في مقاربتها على البحرين، حيث نجحت السلطات في لجم الحراك الشعبي معتمدة على أموال وقوات دول مجلس التعاون الخليجي خشية انتقال العدوى إليها- وبين نظام علي عبدالله صالح الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وتدخل قوات الناتو في ليبيا لحماية المدنيين من مجازر نظام معمر القذافي ما ساهم في تغيير ميزان القوى هناك.
وتوقعت تكثّف مقاومة الحكومات للثورات مع الأحزاب الحاكمة ونخب رجال الأعمال وقوى خارجية. واعتبرت أن "هذه القوى تمتلك عديد حيل تحت أكمامها، وستحقق بعض النجاحات في مقاومة التغيير، وإن لن تصمد على المدى البعيد".
في السياق ذاته، قال المخيني: "لا يمكن للعرب مواصلة الاعتماد على دعم أمريكا وأوروبا" لافتا إلى أن دول الخليج العربي "التي تعلمت من دروس الإطاحة بنظامي تونس ومصر لن تقف مكتوفة الأيدي حيال الحراك الشعبي في جوارها كما حصل في تعاملها مع البحرين".
وبينما يرى أن الحكومات "تمتلك اليد الطولى; المال، القوة والقدرة على استغلال القوانين لتعطيل زخم" الحركات الشعبية في غياب اطر شعبية وقوى حزبية فاعلة قادرة على خلق زخم لضمان استمرار الاحتجاجات صوب نقطة اللاعودة، توقع المخيني أن "يعمل مجلس التعاون الخليجي بكل قوة لكي لا تقوم دولة أنموذج (للديمقراطية والإصلاح) في جواره. سيغدقون الأموال... ومن خلال المال سيتم شراء الجميع".
ثم يخلص الى التشخيص: "نحن نتعامل مع أنظمة تواجه خطر الاندثار وبالتالي ستلجأ إلى غريزة البقاء للتشبث في السلطة ولن تظهر أي رحمة".
في المقابل، دافع عن ثيمة الحلقة أستاذ العلاقات الدولية في كلية مكدانييل الأمريكية أنوار بوخرص من المغرب، والمحامي نديم حوري، الباحث في منظمة هيومن رايتس وواتش لكل من سورية ولبنان.
مع أن بوخرص أقر باحتمالات "وقوع نكسات"، على الطريق أكد في المقابل "أن قوة التغيير انقشعت ولن تكون هناك عودة للوراء".
حوري استبعد استسلام القادة المستبدين من دون قتال، قائلا: "لن يأتي التغيير من دون تضحيات جسيمة". لكنه يؤمن بأن ربيع العرب "سيتقدم على أكتاف جيل الشباب الذين سئموا التهميش السياسي والاقتصادي . ثم خاطب الحضور: "لا يمكنكم تغيير دول في أسبوع، شهرين أو ثلاثة أشهر بعد أن ظلّت داخل صندوق جليدي ل¯ 34 عاما (مصر مثلا). لكنني على قناعة بأن المحتجين سينجحون في المحصلة".
وركز في مداخلته على سورية، معتبرا أن الشعب السوري لم يتحول إلى المواجهات المطالبة بتغيير نظام بشار الأسد الذي ماطل في تنفيذ سلسلة إصلاحات وعدها قبل عقد من الزمن، إلا كرد فعل على الاستعمال المفرط للسلاح لقمع الأصوات المطالبة بالإصلاح، ما أدى إلى موت أكثر من 1000 مواطن حتى الآن. وقال: "كان بإمكان هذا النظام أن يكون مثالا لخوان كارلوس الإسباني في الشرق الاوسط لكنه اختار أن يتبع نهج نيكولاي تشاوتشيسكو الروماني".
مداخلات الحضور كانت متناقضة.
ردا على سؤال: "كم من الوقت تتطلب الإطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي" الذي يقارع ثورة شعبه منذ أزيد من ثلاثة أشهر? قالت طالبة ليبية: "أتمنى أن يسقط اليوم" قبل الغد. واستطردت شابة قطرية: "كلنا نعرف بأن القذافي سيغادر قريبا".
لكن مداخلات عرب الخليج كانت أقل إلحاحا فيما يتصل بمسألة المطالبة بتحسين مستويات حقوق الإنسان. إذ رأت طالبة أن مواطني دول الخليج عموما يشعرون بالرضا حيال مجتمعاتهم ولا يجدون سببا للاحتجاج. وأردفت: ".. في قطر خصوصا، نتمتع بحريات أكثر مما نستحق، بما في ذلك مجانية التعليم والرعاية الطبية في ظل اقتصاد ينمو بقوة".
على أن أستاذا جامعيا من المغرب أبدى اختلافا مع طرحها، قائلا: " ليس كل فرد يرغب في الحقوق ذاتها. بالنسبة لي أود التمتع بحرية التعبير والحق في اعتماد خياراتي".
بعد الاستماع لتلك المداخلات، لا مجال إلا للتعامل مع ما يجري في العالم العربي بالمسطرة ذاتها. وتبقى عيون الجميع، حكاما ومحكومين، مسلطة على العملية الانتقالية في مصر وتونس لأنه حتى اليوم لم يحدث تغيير جوهري يترجم أهداف الثورتين باستثناء بدء محاكمة بعض رموز الفساد. ويزداد الاحتقان بين الإسلاميين والعلمانيين على هوية البلدين ومستقبل نظامهما السياسي. . في مصر يبدو المجلس العسكري مجرد حارس للسلطة يخشى أن تذهب بعيدا عنه أو يستأثر بها غيره. في تونس، الشيء نفسه بالنسبة للحكومة الانتقالية; لا توافق حول وضع خارطة طريق للتحول الديمقراطي.
فما حدث في البلدين أقرب لوصف "ثورات الحد الأدنى"، إذ تسقط أنظمة سلطوية، بانتظار استكمال الجزء الآخر من المعادلة; بناء مجتمع جديد وديمقراطية راسخة وأنظمة بديلة تحترم كرامة الفرد وتصون حريته. والأهم ضمان أن لا يعاد إنتاج آليات الاستبداد وثقافته مجددا، ذلك أن ما تشهده تونس ومصر لم يتعد خدشا في القشرة الخارجية للمجتمع، ولم تتغلغل بعد الى أعماقه، حيث لا تزال القوى التقليدية كالأحزاب والجماعات السياسية والدينية وطبقات رجال الأعمال والمؤسسات البيروقراطية على حالها تعيش على العفن السلطوي الذي خلّفته أنظمة القمع.
ويظل المسرح محتدما باشتباكات بين القوى السياسية والدينية في البلدين. فهؤلاء لم يتغيروا ولم يغيروا خطابهم وأفكارهم بعد أن ظن شباب الثورة أنها أنجزت بمجرد إسقاط الزعماء.
قد يجادل البعض بأن الأحوال ازدادت سوءا بعد الثورة، وأن الوجوه البائسة ازدادت فقرا وجوعا بعد أن غاب الأمن وانتشر "البلطجية والشبيحة" وطغت الجريمة.
لكن المهم أن يخرج الجميع من عقلية ما قبل الثورة، وهي عقلية "الحد الأدنى"، وأن تتبلور أفكار، قيم وعقليات جديدة. في تونس، ما تزال القوى والوجوه التقليدية تصارع من اجل حجز مقعدها في الجمعية التأسيسية التي أعلن عن إجراء انتخاباتها في 24 تموز المقبل ثم أرجئت إلى 16 تشرين الأول. وفي مصر استحقاق الانتخاب نهاية العام.
بانتظار إسالة دماء جديدة في عروق المجتمعات العربية صوب إحلال القيم الجديدة; الكرامة والمواطنة والعدالة الاجتماعية محل المنظومة القيمية الفاسدة التي أنتجتها عقود طوال من القهر والاستبداد في طول العالم العربي وعرضه.
مثيرة، ممتعة ومليئة بالمفاجآت كانت أجواء الجلسة الأخيرة من سلسلة "مناظرات الدوحة" لهذا العام التي تناولت الأسبوع الماضي رياح "الربيع العربي" التي تضرب المنطقة بدرجات متفاوتة بحثا عن توزيع عادل للثروات، العدالة، الكرامة ووقف تسلط الحكام وفسادهم.
مثيرة.. لأنها عكست مساحة الصور المتناقضة في العالم العربي، الأهداف والقيم التي تحملها شعوبها. فمواطنو دول خليجية غارقون في ترف العيش يضمنه حكام يعتمدون على عائدات النفط لتأمين تعليم وخدمات صحية خمس نجوم، لا يتوافقون مع نظرائهم في سورية، المغرب والأردن حيال أولوياتهم وتطلعاتهم. إذ أن قادة الفئة الأخيرة لا يمتلكون ترف استدامة اقتصاد ريعي يساعد على شراء الذمم وتكميم المطالب الشعبية.
ممتعة.. لأنها أظهرت تفاوت تقييم الحضور لاتجاهات مسار الأحداث في الأشهر المقبلة في دول اجتاحتها، أو تغرق في، شلالات دم مثل سورية، اليمن، البحرين وليبيا، تئن تحت حكم أنظمة مستبدة تصارع المحتجين للبقاء، وعينها على أطلال نظامي زين الدين بن علي وحسني مبارك، بعد أن فقدت شرعيتها الداخلية. وأيضا اختلاف البوصلة في دول أخرى مثل الأردن والمغرب، حيث أطلق ملكاها الشابان طواعية وعودا لتسريع إصلاحات سياسية متعثرة منذ سنوات بينما يستمر مخاض المرحلة الانتقالية في تونس ومصر.
مليئة بالمفاجآت لأن 73 % من الحاضرين راهنوا على الحركات الإصلاحية وصوتوا إلى جانب ثيمة الحلقة:"لا جدوى من مقاومة الربيع العربي" مع أنهم توقعوا "انتكاسات" وأوقات صعبة جدا في قابل الأيام.
حوارات المتحاورين الأربعة - إلى جانب الثيمة أو ضدها- كانت حيوية وتفاوتت بين نظرة واقعية تستشرف قدرة الأنظمة المحاصرة على مقاومة رياح الديمقراطية لخمس سنوات مقبلة أو عشر، ومقاربة مثالية تقر بصعوبة إدارة عقارب الساعة إلى الوراء بعد أن قرر غالبية الشباب كسر حاجز الخوف للمطالبة بحقوق المواطنة لانهم سئموا من معاملتهم كتوابع لانظمتهم.
عارض ثيمة الحوار كل من جين كيمونت، باحثة رئيسية في زمالة بيت (تشاتم هاوس) الفكري البريطاني، والباحث العماني المستقل في الشؤون السياسية وحقوق الإنسان أحمد علي المخيني. توقع المشاركان أخطارا داهمة على الحراك الشعبي.
كيمونت لاحظت أن كل دولة عربية تتحرك بوتيرة مختلفة عن شقيقاتها. وركزت في مقاربتها على البحرين، حيث نجحت السلطات في لجم الحراك الشعبي معتمدة على أموال وقوات دول مجلس التعاون الخليجي خشية انتقال العدوى إليها- وبين نظام علي عبدالله صالح الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وتدخل قوات الناتو في ليبيا لحماية المدنيين من مجازر نظام معمر القذافي ما ساهم في تغيير ميزان القوى هناك.
وتوقعت تكثّف مقاومة الحكومات للثورات مع الأحزاب الحاكمة ونخب رجال الأعمال وقوى خارجية. واعتبرت أن "هذه القوى تمتلك عديد حيل تحت أكمامها، وستحقق بعض النجاحات في مقاومة التغيير، وإن لن تصمد على المدى البعيد".
في السياق ذاته، قال المخيني: "لا يمكن للعرب مواصلة الاعتماد على دعم أمريكا وأوروبا" لافتا إلى أن دول الخليج العربي "التي تعلمت من دروس الإطاحة بنظامي تونس ومصر لن تقف مكتوفة الأيدي حيال الحراك الشعبي في جوارها كما حصل في تعاملها مع البحرين".
وبينما يرى أن الحكومات "تمتلك اليد الطولى; المال، القوة والقدرة على استغلال القوانين لتعطيل زخم" الحركات الشعبية في غياب اطر شعبية وقوى حزبية فاعلة قادرة على خلق زخم لضمان استمرار الاحتجاجات صوب نقطة اللاعودة، توقع المخيني أن "يعمل مجلس التعاون الخليجي بكل قوة لكي لا تقوم دولة أنموذج (للديمقراطية والإصلاح) في جواره. سيغدقون الأموال... ومن خلال المال سيتم شراء الجميع".
ثم يخلص الى التشخيص: "نحن نتعامل مع أنظمة تواجه خطر الاندثار وبالتالي ستلجأ إلى غريزة البقاء للتشبث في السلطة ولن تظهر أي رحمة".
في المقابل، دافع عن ثيمة الحلقة أستاذ العلاقات الدولية في كلية مكدانييل الأمريكية أنوار بوخرص من المغرب، والمحامي نديم حوري، الباحث في منظمة هيومن رايتس وواتش لكل من سورية ولبنان.
مع أن بوخرص أقر باحتمالات "وقوع نكسات"، على الطريق أكد في المقابل "أن قوة التغيير انقشعت ولن تكون هناك عودة للوراء".
حوري استبعد استسلام القادة المستبدين من دون قتال، قائلا: "لن يأتي التغيير من دون تضحيات جسيمة". لكنه يؤمن بأن ربيع العرب "سيتقدم على أكتاف جيل الشباب الذين سئموا التهميش السياسي والاقتصادي . ثم خاطب الحضور: "لا يمكنكم تغيير دول في أسبوع، شهرين أو ثلاثة أشهر بعد أن ظلّت داخل صندوق جليدي ل¯ 34 عاما (مصر مثلا). لكنني على قناعة بأن المحتجين سينجحون في المحصلة".
وركز في مداخلته على سورية، معتبرا أن الشعب السوري لم يتحول إلى المواجهات المطالبة بتغيير نظام بشار الأسد الذي ماطل في تنفيذ سلسلة إصلاحات وعدها قبل عقد من الزمن، إلا كرد فعل على الاستعمال المفرط للسلاح لقمع الأصوات المطالبة بالإصلاح، ما أدى إلى موت أكثر من 1000 مواطن حتى الآن. وقال: "كان بإمكان هذا النظام أن يكون مثالا لخوان كارلوس الإسباني في الشرق الاوسط لكنه اختار أن يتبع نهج نيكولاي تشاوتشيسكو الروماني".
مداخلات الحضور كانت متناقضة.
ردا على سؤال: "كم من الوقت تتطلب الإطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي" الذي يقارع ثورة شعبه منذ أزيد من ثلاثة أشهر? قالت طالبة ليبية: "أتمنى أن يسقط اليوم" قبل الغد. واستطردت شابة قطرية: "كلنا نعرف بأن القذافي سيغادر قريبا".
لكن مداخلات عرب الخليج كانت أقل إلحاحا فيما يتصل بمسألة المطالبة بتحسين مستويات حقوق الإنسان. إذ رأت طالبة أن مواطني دول الخليج عموما يشعرون بالرضا حيال مجتمعاتهم ولا يجدون سببا للاحتجاج. وأردفت: ".. في قطر خصوصا، نتمتع بحريات أكثر مما نستحق، بما في ذلك مجانية التعليم والرعاية الطبية في ظل اقتصاد ينمو بقوة".
على أن أستاذا جامعيا من المغرب أبدى اختلافا مع طرحها، قائلا: " ليس كل فرد يرغب في الحقوق ذاتها. بالنسبة لي أود التمتع بحرية التعبير والحق في اعتماد خياراتي".
بعد الاستماع لتلك المداخلات، لا مجال إلا للتعامل مع ما يجري في العالم العربي بالمسطرة ذاتها. وتبقى عيون الجميع، حكاما ومحكومين، مسلطة على العملية الانتقالية في مصر وتونس لأنه حتى اليوم لم يحدث تغيير جوهري يترجم أهداف الثورتين باستثناء بدء محاكمة بعض رموز الفساد. ويزداد الاحتقان بين الإسلاميين والعلمانيين على هوية البلدين ومستقبل نظامهما السياسي. . في مصر يبدو المجلس العسكري مجرد حارس للسلطة يخشى أن تذهب بعيدا عنه أو يستأثر بها غيره. في تونس، الشيء نفسه بالنسبة للحكومة الانتقالية; لا توافق حول وضع خارطة طريق للتحول الديمقراطي.
فما حدث في البلدين أقرب لوصف "ثورات الحد الأدنى"، إذ تسقط أنظمة سلطوية، بانتظار استكمال الجزء الآخر من المعادلة; بناء مجتمع جديد وديمقراطية راسخة وأنظمة بديلة تحترم كرامة الفرد وتصون حريته. والأهم ضمان أن لا يعاد إنتاج آليات الاستبداد وثقافته مجددا، ذلك أن ما تشهده تونس ومصر لم يتعد خدشا في القشرة الخارجية للمجتمع، ولم تتغلغل بعد الى أعماقه، حيث لا تزال القوى التقليدية كالأحزاب والجماعات السياسية والدينية وطبقات رجال الأعمال والمؤسسات البيروقراطية على حالها تعيش على العفن السلطوي الذي خلّفته أنظمة القمع.
ويظل المسرح محتدما باشتباكات بين القوى السياسية والدينية في البلدين. فهؤلاء لم يتغيروا ولم يغيروا خطابهم وأفكارهم بعد أن ظن شباب الثورة أنها أنجزت بمجرد إسقاط الزعماء.
قد يجادل البعض بأن الأحوال ازدادت سوءا بعد الثورة، وأن الوجوه البائسة ازدادت فقرا وجوعا بعد أن غاب الأمن وانتشر "البلطجية والشبيحة" وطغت الجريمة.
لكن المهم أن يخرج الجميع من عقلية ما قبل الثورة، وهي عقلية "الحد الأدنى"، وأن تتبلور أفكار، قيم وعقليات جديدة. في تونس، ما تزال القوى والوجوه التقليدية تصارع من اجل حجز مقعدها في الجمعية التأسيسية التي أعلن عن إجراء انتخاباتها في 24 تموز المقبل ثم أرجئت إلى 16 تشرين الأول. وفي مصر استحقاق الانتخاب نهاية العام.
بانتظار إسالة دماء جديدة في عروق المجتمعات العربية صوب إحلال القيم الجديدة; الكرامة والمواطنة والعدالة الاجتماعية محل المنظومة القيمية الفاسدة التي أنتجتها عقود طوال من القهر والاستبداد في طول العالم العربي وعرضه.